الأربعاء، 1 يوليو 2015
التصوير المجهري (Macro Photography)…
سوف أحاول في هذه المقالة أن أتكلم عن التصوير المجهري (Macro/Micro Photography)، والذي وإن لم أكن صاحب باعٍ طويل فيه، إلا أنني أتمنى أن تكون هذه المقالة مفيدة للمبتدئين. يسمى عادة هذا المجال من التصوير بشكل دارج باسم «تصوير الماكرو» وأحيانا «تصوير المايكرو»، وفي كلتي الحالتين فإن المقصد من التسمية هو تصوير الأجسام الصغيرة نسبيا بأبعاد أكبر (بشكل قد يثير الخيال أحيانا). ولذلك، فقد قمت أنا شخصيا بتعريب المسمى إلى «التصوير المجهري» ولم أعلم له أي تعريب من قبل ذلك. ولكن قبل الولوج في عالم التقنيات وما إلى ذلك، فإن هناك بعض الأمور التي يجب البحث فيها وفهمها للتعامل مع هذا النوع من التصوير.
قوة التكبير
قبل الدخول في شرح بعض التقنيات المستخدمة في التصوير المجهري، يجب فهم ماهية التكبير ومدى أهميته في عملية التصوير. عند الحديث عن التقنيات لاحقا، سنرى أن لكل تقنية معينة أسلوب (معادلة) خاص لحساب معامل التكبير. من أوائل الأسباب التي تدعو إلى معرفة قوة التكبير أولا هي معرفة إذا كانت التقنية محل التطبيق ستنفع أم لا قبل البدء بعملية التطبيق.
يطلق مصطلح «قوة التكبير» بشكل عام على النسبة في الحجم (رياضيا يؤخذ الطول في الحسبان) ما بين الموضوع في الحقيقة وصورته المنعكسة على الجهة المقابلة من منظومة العدسات، وتسمى هذه الجهة حيث يتم إسقاط صورة الموضوع بـ «مستوى الصورة» (Image Plane). يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن مصطلح التكبير هنا لا يعني بالضرورة أن تقوم العدسات بتكبير الموضوع؛ فعدسات عين السمكة مثلا لا تفعل ذلك، ولكن قوة التكبير أو معامل التكبير هو مصطلح رياضي بحت للتعبير عن النسبة بين الأحجام.
يرمز عادة لقوة التكبير برمزين مختلفين. الأول قد يكون على شاكلة «س×» بحيث تكون «س» عدد ما. ويعني هذا المصطلح بأن قوة التكبير تساوي أضعافا من الحجم الحقيقي بقدر «س». على سبيل المثال: «1×» تعني بأن الحجم الحقيقي للجسم ينعكس على مستوى الصورة، و «2×» تعني بان ضعف حجم الموضوع منعكس على مستوى الصورة، وهذا بالطبع تكبير أشد؛ بينما تعبر القيمة «0,5×» عن انعكاس نصف حجم الجسم على مستوى الصورة (أي تصغير)، وهكذا.
أما الرمز الآخر (وهو يستخدم على العدسات المخصصة لهذا النوع من التصوير) فهو يكون على شاكلة «س:ص» (بالعربية تتم القراءة من اليمين، أما على العدسات، بطبيعة الحال ستكون القراءة من اليسار وهذا الترتيب مهم). تعبران هاتان القيمتان عن الحجم النسبي عند مستوى الصورة «س» والحجم النسبي للموضوع «ص». لو أخذنا الأمثلة السابقة وعبرنا عنها بهذه الطريقة فستكون «1×» مساوية لـ «1:1»، وتكون «2×» مساوية لـ «1:2»، بينما تكون «0,5×» مساوية لـ «2:1». غالبا، لا تكون العدسة مخصصة للتصوير المجهري إلا إذا كان بإمكانها تحقيق نسبة «1:1» من التكبير على الأقل. وهناك عدسات أكثر تطورا كذلك قد يصل حد التكبير فيها إلى «1:5». ولكن بشكل عام، تعتبر نسبة «1:1» نسبة معقولة جدا وكافية. وذلك لأن الانعكاس الحاصل على مستوى الصورة (وهو المستشعر هنا) يكون بالحجم الحقيقي للجسم مما يعني تسجيل التفاصيل على المستشعر بأحجامها كما هي مما يتيح التمعن في التفاصيل بشكل كبير عند معاينة الصورة بشكل رقمي. عند زيادة التكبير عن هذا الحد فإنه نصل إلى كشف التفاصيل التي قد لا ترى بالعين المجردة أحيانا.
التقنيات
هناك تقنيات وطرق مختلفة للوصول إلى درجات تكبير عالية، ولكل طريقة هناك إيجابيات وسلبيات ولذا فليس من الغريب أن يلجأ المصور المحترف في هذا المجال إلى أكثر من طريقة بحسب ما تُمليه الظروف، وبحسب حجم الموضوع والإمكانات المتوفرة كذلك. ويجدر بالذكر بأن كل هذه التقنيات لا تستغني عن الإضاءة الجيدة والتي سنتكلم عنها لاحقا.
أ. العدسات المجهرية (Macro lenses):
تعتبر العدسات المجهرية من أوائل الخيارات التي قد يفكر فيها أي شخص يود الدخول في هذا المجال. تتراوح أسعار هذه العدسات بحسب جودة الصنع بالطبع، ولكن في مجال كهذا يفضل دائما عدم المغامرة بعدسات ذات جودة متدنية. وقد تكون العدسات المجهرية (كما هو الحال مع العدسات الاعتيادية) ذوات بعد بؤري متغير أو ثابت. والحقيقة أن أشهر العدسات المخصصة لهذا الغرض تكون ذات بعد بؤري ثابت (لعدة أسباب منها الجودة العالية وعدم تشتيت الضوء بكثرة)؛ فهناك مثلا عدسة «كانون 100مم ماكرو» وعدسة «نيكون 105مم ماكرو» وغيرهن كثير. غالبا ما تكون هذه العدسات المميزة والتي يفضلها المحترفون ذوات بعد بؤري ثابت لكونها أفضل في التعامل مع الضوء المار بها. كما أن قيمة البعد البؤري للعدسة لا تؤدي دورا مباشرا في نسبة التكبير، ولكنها من العوامل التي تحدد أقرب مسافة ممكنة للتركيز على الموضوع.
تتميز هذه العدسات كذلك بوجود مقياس خاص عليها مع مقياس مسافة التركيز (أي الشريط المتحرك على العدسة) يُستعمل لضبط قوة التكبير، وقد أشرنا سابقا بأن العدسة المجهرية يجب أن توفر على الأقل نسبة تكبير مساوية لـ «1:1». تُكتب هذه النسب على الشريط بحيث يمكن للمصور ضبطها سلفا ومن ثم الاقتراب والابتعاد عن الموضوع لضبط التركيز؛ هذا إذا ما كان اهتمام المصور تحقيق نسبة تكبير معينة وإلا فيمكن تحريك شريط التركيز على العدسة (أو استعمال نظام التركيز الآلي) لضبط التركيز. سنذكر لاحقا بعض الأدوات التي تساعد المصور على الاقتراب والابتعاد عن الموضوع بشكل ميسر.
ب. التمديدات المُفرغة (Extension tubes):
تعتبر التمديدات المفرغة من الخدع الرخيصة والتي يمكن للمصور اللجوء إليها في حال تعذر الحصول على عدسة مجهرية. وفي الحقيقة، فإنه قد يمكن أحيانا تخطي حاجز تكبير «1:1» باستخدام هذه التمديدات كما سنرى. في الأصل، تعتبر هذه التمديدات من التقنيات المستخدمة للاقتراب أكثر من الموضوع لمسافة قد لا تسمح بها العدسة. وعليه، فإن هذه التمديدات أصبحت تُستعمل مع العدسات للاقتراب أكثر من الموضوع وبالتالي تكبير الموضوع أكثر.
توضع هذه التمديدات بين الكاميرا والعدسة، وبالتالي فإن الصورة الساقطة من خلف العدسة على المستشعر تكبر مساحتها النسبية؛ فكّر في المسلاط أو أي مصدر للضوء كالمصباح اليدوي: عند تقريبه من الحائط مثلا فسيشكل ذلك بقعة ضوء على الحائط، وعند الابتعاد عن الحائط ستكون البقعة أكبر، وهذا بالضبط ما تفعله التمديدات للكاميرا والعدسة. على أن استعمالها يؤثر سلبا على شدة الضوء ولذلك على المصور أن يفكر مليا بطريقة ما لزيادة كمية الضوء الداخلة (عن طريق الومّاض مثلا).
تمديدات من صنع «كينكو» لكاميرات الكانون. عند معاينة هذه التمديدات يجب التأكد بأنها مناسبة لنوع الكاميرا. المصدر |
تك = تم ÷ بب؛
حيث تكون «تك» هي نسبة التكبير المطلوب إيجادها، و«تم» هو طول التمديدات (بالمليمتر طبعا)، و«بب» هو البعد البؤري للعدسة نفسها. وهكذا نرى بأنه كلما قل البعد البؤري للعدسة عنى ذلك تكبيرا أشد. لنضرب مثلا على ذلك: من مقتنياتي الخاصة بعض التمديدات، والتي يصل طولها مجتمعة إلى 68مم. لو أوصلنا هذه بعدسة 50مم الاعتيادية فإن نسبة التكبير الحاصلة تكون:
تك = 68 ÷ 50
= 1,36
(أي 1,36× أو 1:1,36) وهكذا نرى بأن نسبة التكبير هنا قد فاقت نسبة 1:1 المتعارف عليها. ولكن المشكلة الأساسية هنا في مسافة التركيز والتي تكون أحيانا قصيرة جدا (وهي تحتسب من مستوى الصورة، أي من المستشعر وليس من مقدمة العدسة) حتى أنه لو تم حساب هذه المسافة رياضيا، فإنه أحيانا قد تتطلب وجود الموضوع فيما وراء مقدمة العدسة! (حساب هذه المسافة صعب ولكن هناك بعض المواقع التي تتيح للمصور حسابها آليا). أنا شخصيا أفضل استخدام هذه الطريقة دائما (مع عدسة 50مم) مع توفر العدسة المجهرية بسبب الوزن الخفيف مقارنة بوزن عدسة الكانون 100مم ماكرو، مع إمكانية زيادة التكبير إلى ما فوق 1:1.
العلامة الدالة على موقع المستشعر في الكاميرا (كانون إيوس 7د) من الاعلى، ومن عند هذه العلامة يتم حساب مسافات التركيز. |
تعتبر هذه الطريقة من الطرق الشائعة كذلك وتوفر نسبة تكبير شديدة إذا ما توفرت العدسات المناسبة، ولكنها تتسبب في فقدان الكثير من الإضاءة المارة بالعدسة على غرار التمديدات المفرغة، بل وأشد. تعتمد هذه الطريقة على إيصال عدسة ما بالكاميرا، ثم وصل عدسة أخرى مقابلها بالعكس (أي تتقابل مقدمتا العدستين). يشترط في هذه العملية (للحصول على التكبير المطلوب) أن تكون العدسة الأولى ذات بعد بؤري أكبر من العدسة الثانية. لإيصال العدستين مع بعضهما البعض يمكن للمصور ابتكار طرق عدة، ولكن أنسبها هو الحلقة الخاصة والتي تُمكّن من وصل العدستين بيسر. من الشروط المهمة كذلك هي أن تكون أكبر فتحة عدسة للعدسة الثانية أكبر من (أو مساوية) للعدسة الأولى – وهذه القيمة تكون موسومة على العدسة نفسها. لو كانت فتحة العدسة الثانية أصغر من الأولى فسنجد في الصورة النهائية منطقة مظلمة عند الحواف (أي صورة فتحة العدسة الثانية منعكسة في العدسة الأولى).
حلقة وصل بين عدستين بمقاس 58مم من الجانبين. عند البحث عن هذه الحلقات يجب التأكد من قطرها وأنها مناسبة للعدسات. أنقر للتكبير. المصدر |
تك = ع1 ÷ ع2
لنضرب مثالا على ذلك باستخدام العدسات المتوفرة عادة للمبتدئين، وهما عادة كانون 55-200مم مع كانون 18-55مم (وتُسميان هاتان العدستان بعدستي العُدة أو السفر Kit Lens). فلو دمجنا هاتين العدستين عند 200مم للأولى و18مم للثانية (أي أقصى مدى للتكبير يمكن تحقيقه هنا)، فإن نسبة التكبير ستكون:
تك = ع1÷ ع2
=200 ÷ 18
=11,11 (أي تقريبا 11×)
كما هو واضح هنا، فإن نسبة التكبير هذه كبيرة جدا مقارنة بالطريقتين السابقتين. كلما زاد البعد البؤري للعدسة الأولى، وقل البعد البؤري للعدسة الثانية، كلما عنى ذلك زيادة في نسبة التكبير.
مخطط تفصيلي من الأعلى لدمج عدستين (وتظهر شاشة صغيرة لتسهيل عملية المعاينة)، وجهاز التحكم لالتقاط الصور دون الضغط على الزر على الكاميرا. |
د. قلب العدسة (Lens reversing):
لقد كانت هذه التقنية من أوائل التقنيات المبتكرة في هذا المجال ولكنني تركت شرحها آخرا لشبهها بالطريقة السابقة. تعتمد هذه الطريقة، ببساطة، على وصل العدسة الواحدة بالعكس إلى الكاميرا عن طريق استخدام مُثبت خاص لهذا الغرض. من أكثر العدسات المستخدمة لهذا الغرض هي عدسة 50مم، والتي توفر نسبة «1:1» من التكبير. أنا شخصيا لم أجرب هذه الطريقة من قبل لعدم امتلاكي للحلقة المثبتة، ولكن هناك رأي يقول بأنه يمكن وضع العدسة أمام الكاميرا بشكل مقلوب من غير وصلها مباشرة؛ أنا شخصيا أرى إن هذه الطريقة صعبة نوعا ما لافتقادها للثبات، كما أنه يمكن للضوء الخارجي المرور بسهولة من بين الفجوات مما يتسبب ببهتان الصورة (وتسمى هذه الحالة بـ «الغسل» Wash out أحيانا). تعتبر هذه التقنية من التقنيات المفضلة لدى الكثير من المحترفين في مجال التصوير المجهري.
بالنسبة لنسبة التكبير فإنه من المتعارف عليه بأن عدسة 50مم توفر نسبة «1:1» من التكبير، وعدسة 25مم قد توفر نسبة «1:2»، أي الضعف. ولم ألحظ من خلال مطالعاتي بأن هناك أي قانون عام لهذه التقنية لحساب نسبة التكبير لها، بل أن بعض المصورين أكّدوا صعوبة حساب هذه القيمة. على أية حال سوف أدوّن ملاحظاتي هنا ولكن لم أتمكن من تجربة هذه القاعدة التي سأذكرها.
بمساعدة بعض الجبر، فإنه يمكن القول بأن نسبة التكبير تخضع للقاعدة:
تك = 50÷ بب؛
حيث تكون «بب» هي البعد البؤري للعدسة المقلوبة. وفي الحقيقة إن هذه المعادلة شديدة الشبه بالمعادلة السابقة الخاصة بتقنية دمج العدستين، مع حذف الطرف الأول من المعادلة «ع1» واستبداله بقيمة ثابتة «50». لاحظ عزيزي القارئ بأن عدسات 50مم تسمى بـ «العدسات الطبيعية» (Normal Lens) وذلك لكونها لا تغير الكثير من الأبعاد الحقيقية للموضوع وتساوي في منظورها تقريبا العين البشرية، وهكذا فليس من المستغرب أن نجد العدد «50» في هذا المقام لكونه يمثل البعد البؤري «الطبيعي». من هنا نستطيع أن نرى بأنه كلما قل العدد البؤري للعدسة المقلوبة، كلما منحنا ذلك قوة تكبير أشد.
إحدى المشاكل البارزة عند استخدام هذه الطريقة هي مشكلة التحكم بالعدسة وفتحتها، لذلك يُنصح عند الاعتماد على هذه الطريقة باستخدام عدسة يدوية يُمكن التحكم بفتحتها يدويا. من ناحية أخرى فإن هناك بعض الأدوات الخاصة التي ابتكرتها بعض الشركات لتُمكّن من استعمال العدسات الآلية (التي تتحكم الكاميرا بخصائصها) وتسهيل عملية التحكم بها عند إيصالها مقلوبة إلى الكاميرا.
مخطط تفصيلي لحلقة إلكترونية من إنتاج شركة «ﭬيلو» (Vello) تُمكّن من وصل العدسة عكسيا إلى الكاميرا مع التمكين من التحكم بالعدسة إلكترونيا كما لو كانت موصولة بشكل طبيعي. المصدر |
تعليق