الصرف (علم ـ)
للصرف معنيان لغوي واصطلاحي:
أمّا اللغوي فهو رَدُّ الشيء عن وجهه، يقال: صَرَفْتُ الشيء: قلَبْتُه.
وأمّا الاصطلاحي فهو تلك القواعد التي تُعْنَى بأحوال بِنْية الكلمات من حيث وزنها وحركاتها وسكناتها والأصليّ منها والزائد، ومن حيث ما يطرأ على الكلمة من إبدال أو إعلال أو إدغام أو حذف أو إِمالة.
ومن التعريف السالف يُلاحظ أن علم الصرف لا يتعرض إلى الأسماء المبنية والأفعال الجامدة والحروف، وإنما يتعرض إلى الأفعال المتصرفة والأسماء المتمكِّنة، وينظر إلى الكلمة على أنها وحدة مستقلة بعيداً عن السياق خلافاً لعلم النحو، فإنه يبحث في الكلمة على أنها جزء من جملة مركبة، لأن الأصل في الكلام العربي التركيب، لذا فالإعراب ضرورة من ضرورات كلام العرب لأنه يبحث في الكلام المركب. ويطلق على علم الصرف «علم التصريف» أيضاً.
نشأ علم الصرف مع أبحاث النحو وأبوابه، واختلطت مسائل هذين العلمين بعضها ببعض، وعدَّ النحويون الصرف شطراً لعلم النحو، وجروا على أن يسمُّوا العلمين بعلم النحو، إلا أن الصرف بدأ يشقُّ طريقه نحو الانفصال عن النحو، ويعدُّ «كتاب التصريف» للمازني (ت248هـ) أول كتاب مختص بالصرف وصل إلينا.
على أن السيوطي (ت911هـ) لمَحَ أَنَّ معاذاً الهَرَّاء(ت187هـ) أَولُ مَنْ وضع علم التصريف، واستند إلى مسألة من مسائل التمرين في الصرف سأل عنها الهرَّاء، ولا تقوم هذه المسألة دليلاً على أنه واضع هذا العلم، ذلك لأن مسائل التمرين تكون بعد تمكُّن أصول العلم وإرساء أركانه لا في بداياته. ومن المعاصرين الذين رأوا رأي السيوطي في نشأة علم الصرف الشيخ أحمد الحملاوي (ت1932م)، إلا أنه زاد أن جعل عليّ بن أبي طالبt واضعاً للصرف، وعبر عن ذلك بصيغة التمريض (قيل)، ولم يذكر الشيخ دليله ولا مصدره الذي استند إليه في هذا القول.
تبدو أهمية هذا العلم في فهم المعنى وتذوقه والتعبير عنه، فإذا أريد التعبير عن معنى بعينه اختِيرَ وزن صرفي يفي بحقِّ ذلك المعنى، فإذا رُغب في الدلالة على قوة اللون جيء بالفعل على وزن افْعَوْعَل نحو اخْضَوْضَر ولم يؤتَ به على وزن فَعل، وإذا استلزم المعنى الدلالة على المشاركة جيء بالفعل على وزن فاعَل أو افْتَعل نحو قاتَلَ واختصم، وإذا أريد إفادة معنى التكثير جُعل الفعل على وزن فعَّل بتشديد العين، نحو: غَلَّق وطوَّف.
ويُعَدُّ علم الصرف أمارة بيِّنة على سعة العربية ومرونتها واستعدادها لاستيعاب المعاني المستجدة والتعبير عنها بكلمات عربية.
وتتمثل فائدته من الناحية العملية في أنه يمكن أن يُشتقَّ من الأصل (الجذر) الواحد أوزان مختلفة، وكل وزن يقصد به معنى لا تحصل الفائدة المرجوَّة إلا به، كأن يُشتق من مادة (نصر) اسما الفاعل والمفعول فيقال: ناصر ومنصور، وكأن يُقال: نَصَرَ بالبناء للفاعل ونوصر بالبناء للمفعول، وهذا ينسحب على كل جذر من جذور اللغة العربية.
اتفق النحويون على أن يجعلوا للكلمة وزناً يتألف من ثلاثة أحرف هي الفاء وتقابل الحرف الأول من الكلمة، والعين وتقابل الحرف الثاني من الكلمة، واللام وتقابل الحرف الثالث من الكلمة، وحركوا الفاء والعين واللام بحركة الحروف التي تقابلها من الكلمة الموزونة وهو ما سمَّوه بالميزان الصرفي. فيقال في وزن جَمَل: فَعَل، وفي وزن قُفْل: فُعْل، وإذا كان في الكلمة حرف زائد فإنه يُزاد في الميزان، فيقال: أَكرم على وزن أَفْعَل، واسْتَخْرَجَ على وزن اسْتَفْعَل وضارَب على وزن فاعَلَ، والأحرف التي تأتي مزيدة في العربية مجموعة في «سألتمونيها»، وإذا شُدِّد حرف أصلي من الكلمة شُدَّد الحرف الذي يقابله في الميزان، فنقول: درَّس على وزن فَعَّل.
وإذا كانت الكلمة تتألف من أربعة أحرف أصول زيدت لام في آخر الميزان الصرفي فيقال في وزن دَحْرَجَ: فَعْلَلَ، وإذا حذف حرف أصلي من أحرف الكلمة حذف الحرف الذي يقابله في الميزان فيقال في وزن عِدَة: عِلَة، لأن الواو حذفت من عدة وعوض عنها بتاء مربوطة في آخر الكلمة، والأصل وَعْد.
ومن أهم الكتب المؤلفة في علم الصرف: «المنصف شرح كتاب التصريف» لابن جني، و«شرح الملوكي في التصريف» لابن يعيش، و«الشافية» لابن الحاجب، و«الممتع في التصريف» لابن عصفور، و«شرح الشافية» للرضي الأستراباذي. وكلُّ هذه الكتب مطبوع.
إبراهيم عبد الله
للصرف معنيان لغوي واصطلاحي:
أمّا اللغوي فهو رَدُّ الشيء عن وجهه، يقال: صَرَفْتُ الشيء: قلَبْتُه.
وأمّا الاصطلاحي فهو تلك القواعد التي تُعْنَى بأحوال بِنْية الكلمات من حيث وزنها وحركاتها وسكناتها والأصليّ منها والزائد، ومن حيث ما يطرأ على الكلمة من إبدال أو إعلال أو إدغام أو حذف أو إِمالة.
ومن التعريف السالف يُلاحظ أن علم الصرف لا يتعرض إلى الأسماء المبنية والأفعال الجامدة والحروف، وإنما يتعرض إلى الأفعال المتصرفة والأسماء المتمكِّنة، وينظر إلى الكلمة على أنها وحدة مستقلة بعيداً عن السياق خلافاً لعلم النحو، فإنه يبحث في الكلمة على أنها جزء من جملة مركبة، لأن الأصل في الكلام العربي التركيب، لذا فالإعراب ضرورة من ضرورات كلام العرب لأنه يبحث في الكلام المركب. ويطلق على علم الصرف «علم التصريف» أيضاً.
نشأ علم الصرف مع أبحاث النحو وأبوابه، واختلطت مسائل هذين العلمين بعضها ببعض، وعدَّ النحويون الصرف شطراً لعلم النحو، وجروا على أن يسمُّوا العلمين بعلم النحو، إلا أن الصرف بدأ يشقُّ طريقه نحو الانفصال عن النحو، ويعدُّ «كتاب التصريف» للمازني (ت248هـ) أول كتاب مختص بالصرف وصل إلينا.
على أن السيوطي (ت911هـ) لمَحَ أَنَّ معاذاً الهَرَّاء(ت187هـ) أَولُ مَنْ وضع علم التصريف، واستند إلى مسألة من مسائل التمرين في الصرف سأل عنها الهرَّاء، ولا تقوم هذه المسألة دليلاً على أنه واضع هذا العلم، ذلك لأن مسائل التمرين تكون بعد تمكُّن أصول العلم وإرساء أركانه لا في بداياته. ومن المعاصرين الذين رأوا رأي السيوطي في نشأة علم الصرف الشيخ أحمد الحملاوي (ت1932م)، إلا أنه زاد أن جعل عليّ بن أبي طالبt واضعاً للصرف، وعبر عن ذلك بصيغة التمريض (قيل)، ولم يذكر الشيخ دليله ولا مصدره الذي استند إليه في هذا القول.
تبدو أهمية هذا العلم في فهم المعنى وتذوقه والتعبير عنه، فإذا أريد التعبير عن معنى بعينه اختِيرَ وزن صرفي يفي بحقِّ ذلك المعنى، فإذا رُغب في الدلالة على قوة اللون جيء بالفعل على وزن افْعَوْعَل نحو اخْضَوْضَر ولم يؤتَ به على وزن فَعل، وإذا استلزم المعنى الدلالة على المشاركة جيء بالفعل على وزن فاعَل أو افْتَعل نحو قاتَلَ واختصم، وإذا أريد إفادة معنى التكثير جُعل الفعل على وزن فعَّل بتشديد العين، نحو: غَلَّق وطوَّف.
ويُعَدُّ علم الصرف أمارة بيِّنة على سعة العربية ومرونتها واستعدادها لاستيعاب المعاني المستجدة والتعبير عنها بكلمات عربية.
وتتمثل فائدته من الناحية العملية في أنه يمكن أن يُشتقَّ من الأصل (الجذر) الواحد أوزان مختلفة، وكل وزن يقصد به معنى لا تحصل الفائدة المرجوَّة إلا به، كأن يُشتق من مادة (نصر) اسما الفاعل والمفعول فيقال: ناصر ومنصور، وكأن يُقال: نَصَرَ بالبناء للفاعل ونوصر بالبناء للمفعول، وهذا ينسحب على كل جذر من جذور اللغة العربية.
اتفق النحويون على أن يجعلوا للكلمة وزناً يتألف من ثلاثة أحرف هي الفاء وتقابل الحرف الأول من الكلمة، والعين وتقابل الحرف الثاني من الكلمة، واللام وتقابل الحرف الثالث من الكلمة، وحركوا الفاء والعين واللام بحركة الحروف التي تقابلها من الكلمة الموزونة وهو ما سمَّوه بالميزان الصرفي. فيقال في وزن جَمَل: فَعَل، وفي وزن قُفْل: فُعْل، وإذا كان في الكلمة حرف زائد فإنه يُزاد في الميزان، فيقال: أَكرم على وزن أَفْعَل، واسْتَخْرَجَ على وزن اسْتَفْعَل وضارَب على وزن فاعَلَ، والأحرف التي تأتي مزيدة في العربية مجموعة في «سألتمونيها»، وإذا شُدِّد حرف أصلي من الكلمة شُدَّد الحرف الذي يقابله في الميزان، فنقول: درَّس على وزن فَعَّل.
وإذا كانت الكلمة تتألف من أربعة أحرف أصول زيدت لام في آخر الميزان الصرفي فيقال في وزن دَحْرَجَ: فَعْلَلَ، وإذا حذف حرف أصلي من أحرف الكلمة حذف الحرف الذي يقابله في الميزان فيقال في وزن عِدَة: عِلَة، لأن الواو حذفت من عدة وعوض عنها بتاء مربوطة في آخر الكلمة، والأصل وَعْد.
ومن أهم الكتب المؤلفة في علم الصرف: «المنصف شرح كتاب التصريف» لابن جني، و«شرح الملوكي في التصريف» لابن يعيش، و«الشافية» لابن الحاجب، و«الممتع في التصريف» لابن عصفور، و«شرح الشافية» للرضي الأستراباذي. وكلُّ هذه الكتب مطبوع.
إبراهيم عبد الله