الصَّيْمَري (محمد بن إسحاق ـ)
( 213 ـ 275هـ/ 828 ـ 888م)
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أبي العَنبَس الصيمري، يكنى أبا العَنْبَس،أصله من الكوفة، ولد فيها وفيها مات، وكان قاضي الصَّيمرة، فنسب إليها، وقد وصفه ياقوت بقوله: وكان شاعراً هجاءً، أديباً مطبوعاً ذا فكاهات وتُرَّهات، وذكر أن له ثلاثين مصنفاً هزلياً. وكان نادم الخليفة المتوكل، ولقي عنده حظوة.
وكان الصيمري يرى حاجات الإنسان في الدنيا تقع في تسع دالات هي: دار ودينار ودِرهَم ودَقيق ودابة ودِبس ودَن ودَسَمٌ ودَعوة. وهذا يفسر سخريته من حياة الإنسان ومواقفه في ضوء حاجاته.
وكان شديد العجب من حوادث الدهر، وعبثها بالناس على ما يدهش النفس والعقل، يدل على ذلك قوله:
كَمْ مَرِيضٍ قَدْ عَاشَ مِنْ بَعْدِ يأسِ
بَعْدَ موتِ الطَّبيبِ والعُوَّادِ
قَدْ يُصادُ القَطا فَـيَـنْجُوسَـليماً
وَيَـحِـلُّ القضاءُ بالصَّيادِ
فهو شاعر يرقب المفارقة بين الواقع والمعقول، ويقهر سلطان العقل بما تقدمه يد القدر من خروج الواقع على المتوقع، ويضرب له مثلاً بالمريض الذي يشفى، وبالطبيب الذي يموت، والقطا التي تسلم ويموت صيادها، وهذا مرتبط بتصوره للحياة والإنسان، وعبث التعلق بها، وانتفاء الجدوى من جدية المواجهة أمام الأجل المحتوم. فالسخرية والمرارة نابعتان من شعوره بضآلة مطالب الإنسان، وقلة جدواها.
وكان على علاقة بالمتوكل، الخليفة العباسي، وروى مناظرته للبحتري في الشعر في مجلس المتوكل، إذ أنشد البحتري قصيدته التي مطلعها:
عَـنْ أيِّ ثَغْـرٍ تَبْتَسِـمْ
وبأيِّ طَرْفٍ تَحْتَكِمْ
وكان البحتري من أبغض الناس إنشاداً يتشادق في كلامه، ويزهو بما عنده ويطالب المستمعين بالثناء على شعره في حضرة الخليفة، ويتفاخر بأن أحداً من الشعراء لا يستطيع أن يقول مثل قوله، فغضب الخليفة، واستنهض الصيمري لهجائه، وأمر كاتباً يكتب القصيدة التي ارتجلها، وأولها:
أَدْخَلْتَ رَأْسَكَ في الرَّحمْ
وَعَـلِمْـتَ أَنَّكَ تَنْهَزم
فغضب البحتري، وخرج يعدو والمتوكل يضحك، وأمر المتوكل لأبي العنبس بعشرة آلاف دِرهَم. هذا الخبر يشير إلى مكانة أبي العنبس الصيمري عند المتوكل.
كان الصيمري عالما مصنفاً، فقد ترك ثلاثين مصنفاً كما ذكر ياقوت في معجم البلدان، وسمى له خمسة وثلاثين كتاباً في معجم الأدباء، منها: «تأخير المعرفة»، «العاشق والمعشوق»، «الرد على المنجمين»، «طوال اللحى»، «الرد على المُتَطَبِّبِين»، «عَنْقَاءُ مُغْرِبٍ»، «هندسة العقل»، «الأحاديث الشاذّة»، «الرد على ميخائيل الصيدنانيِّ» في الكيمياء، «مساوي العوامِّ وأخبار السفلة والأغتام»، «الفاس بن الحائك»، «تذكية العقول»، «أخبار أبي فرعون كُندُر ابنِ جَحدَر»، «تفسير الرؤيا»، «الثقلاء»، «دعوة العامة»، «الإخوان والأصدقاء»، «أحكام النجوم»، «صاحب الزمان» وغيرها.
يتبين مما تقدم أن الرجل عالم وأديب قبل أن يكون شاعراً وما مناظرته البحتري إلا محاولة من الخليفة لرفع ذكره ليقال: إنه صنوالبحتري على بعد المسافة بين الشاعرين في فن الشعر، وأن شخصيته ساخرة على سمت من الجدية والقصد. وقد كان من أصحاب النجوم والتنجيم إضافة إلى أدبه وعلمه.
عبد الكريم حسين
( 213 ـ 275هـ/ 828 ـ 888م)
محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أبي العَنبَس الصيمري، يكنى أبا العَنْبَس،أصله من الكوفة، ولد فيها وفيها مات، وكان قاضي الصَّيمرة، فنسب إليها، وقد وصفه ياقوت بقوله: وكان شاعراً هجاءً، أديباً مطبوعاً ذا فكاهات وتُرَّهات، وذكر أن له ثلاثين مصنفاً هزلياً. وكان نادم الخليفة المتوكل، ولقي عنده حظوة.
وكان الصيمري يرى حاجات الإنسان في الدنيا تقع في تسع دالات هي: دار ودينار ودِرهَم ودَقيق ودابة ودِبس ودَن ودَسَمٌ ودَعوة. وهذا يفسر سخريته من حياة الإنسان ومواقفه في ضوء حاجاته.
وكان شديد العجب من حوادث الدهر، وعبثها بالناس على ما يدهش النفس والعقل، يدل على ذلك قوله:
كَمْ مَرِيضٍ قَدْ عَاشَ مِنْ بَعْدِ يأسِ
بَعْدَ موتِ الطَّبيبِ والعُوَّادِ
قَدْ يُصادُ القَطا فَـيَـنْجُوسَـليماً
وَيَـحِـلُّ القضاءُ بالصَّيادِ
فهو شاعر يرقب المفارقة بين الواقع والمعقول، ويقهر سلطان العقل بما تقدمه يد القدر من خروج الواقع على المتوقع، ويضرب له مثلاً بالمريض الذي يشفى، وبالطبيب الذي يموت، والقطا التي تسلم ويموت صيادها، وهذا مرتبط بتصوره للحياة والإنسان، وعبث التعلق بها، وانتفاء الجدوى من جدية المواجهة أمام الأجل المحتوم. فالسخرية والمرارة نابعتان من شعوره بضآلة مطالب الإنسان، وقلة جدواها.
وكان على علاقة بالمتوكل، الخليفة العباسي، وروى مناظرته للبحتري في الشعر في مجلس المتوكل، إذ أنشد البحتري قصيدته التي مطلعها:
عَـنْ أيِّ ثَغْـرٍ تَبْتَسِـمْ
وبأيِّ طَرْفٍ تَحْتَكِمْ
وكان البحتري من أبغض الناس إنشاداً يتشادق في كلامه، ويزهو بما عنده ويطالب المستمعين بالثناء على شعره في حضرة الخليفة، ويتفاخر بأن أحداً من الشعراء لا يستطيع أن يقول مثل قوله، فغضب الخليفة، واستنهض الصيمري لهجائه، وأمر كاتباً يكتب القصيدة التي ارتجلها، وأولها:
أَدْخَلْتَ رَأْسَكَ في الرَّحمْ
وَعَـلِمْـتَ أَنَّكَ تَنْهَزم
فغضب البحتري، وخرج يعدو والمتوكل يضحك، وأمر المتوكل لأبي العنبس بعشرة آلاف دِرهَم. هذا الخبر يشير إلى مكانة أبي العنبس الصيمري عند المتوكل.
كان الصيمري عالما مصنفاً، فقد ترك ثلاثين مصنفاً كما ذكر ياقوت في معجم البلدان، وسمى له خمسة وثلاثين كتاباً في معجم الأدباء، منها: «تأخير المعرفة»، «العاشق والمعشوق»، «الرد على المنجمين»، «طوال اللحى»، «الرد على المُتَطَبِّبِين»، «عَنْقَاءُ مُغْرِبٍ»، «هندسة العقل»، «الأحاديث الشاذّة»، «الرد على ميخائيل الصيدنانيِّ» في الكيمياء، «مساوي العوامِّ وأخبار السفلة والأغتام»، «الفاس بن الحائك»، «تذكية العقول»، «أخبار أبي فرعون كُندُر ابنِ جَحدَر»، «تفسير الرؤيا»، «الثقلاء»، «دعوة العامة»، «الإخوان والأصدقاء»، «أحكام النجوم»، «صاحب الزمان» وغيرها.
يتبين مما تقدم أن الرجل عالم وأديب قبل أن يكون شاعراً وما مناظرته البحتري إلا محاولة من الخليفة لرفع ذكره ليقال: إنه صنوالبحتري على بعد المسافة بين الشاعرين في فن الشعر، وأن شخصيته ساخرة على سمت من الجدية والقصد. وقد كان من أصحاب النجوم والتنجيم إضافة إلى أدبه وعلمه.
عبد الكريم حسين