الصفــاريون
سلالة حكمت من سنة 247ـ393هـ/861 ـ1003م، في سجستان أو سستان، إقليم يقع بين الحدود الإيرانية والأفغانية.
ينتسب الصفاريون إلى مؤسس دولتهم يعقوب بن الليث الصفار الذي ينتمي هو وأخوته الثلاثة عمرو وطاهر وعلي إلى قرنين، وهي قرية بسجستان على مرحلة من عاصمة الولاية زرنج، وقد لقب بالصفار لأنه بدأ حياته عاملاً لدى رجل صفار (أي الذي يعمل الأواني من الصفر أي النحاس) بأجر قدره 15درهماً في الشهر، ثم التحق يعقوب وأخوه عمرو بفرقة المطوعة أو المتطوعة التي تكونت لمحاربة الخوارج الذين استفحلت ثورتهم بسجستان والتي عجز إبراهيم بن الحسين والي سجستان للطاهريين عن إخمادها، فغادر الولاية وتركها في أيدي المطوعة، ولم يلبث يعقوب بكفايته وقوة شخصيته أن صار زعيماً لهذه الفرقة، وقام بمحاربة الخوارج وأكثر القتل فيهم حتى كاد يفنيهم، فاشتدت شوكته وغلب على سجستان سنة 247هـ، فضبط الطرق وحفظها وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فكثر أتباعه فمد سلطانه إلى وادي كابل ثم إلى السند ومكران، وفي سنة 253هـ/867م، استولى على مدينتي هرات وبوشنبح، وبعد سنتين وضع يده على كرمان فمنح الخليفة المعتز (52ـ256هـ/866ـ869م) هذه الولاية لشخصين في آن واحد هما يعقوب بن الليث، وعلي بن الحسين والي فارس، يريد بذلك إغراء كل منهما بالآخر رغبة بالتخلص من أحدهما، وكان النصر حليف يعقوب الذي لم يكتف بالسيطرة على كرمان بل انتزع من خصمه فارس أيضاً. وفي سنة 258هـ/871م، نال يعقوب رضاء الخليفة المعتمد (257ـ279هـ/870ـ892م)، فضم إليه الخليفة ولاية بلخ وطخارستان، وأخيراً صمم يعقوب على مهاجمة محمد بن طاهر والي خراسان، فدخل نيسابور دون مقاومة تذكر وأسر محمد ابن طاهر وأنهى حكم الطاهريين سنة 259هـ/873م. لم تلتزم حكومة بغداد الصمت حيال تصرفات يعقوب، خاصة وأن نفوذ الطاهريين ببغداد كان من شأنه أن يحمل الخليفة على أخذ جانب محمد، فجمع عبيد الله بن عبد الله بن طاهر صاحب الشرطة سنة 260هـ، الحجاج القادمين من الأقطار الشرقية (خراسان والري وطبرستان وجرجان) وقرأ عليهم كتاب الخليفة يأمرهم فيه بالبراءة من يعقوب لإنكار الخليفة دخوله خراسان وأسره محمد ابن طاهر، فكان رد فعل يعقوب بن الليث على هذا سيره من خراسان إلى العراق، ولكن قوات الخليفة هزمت يعقوب بالقرب من دير العاقول على بعد 50ميلاً من بغداد في رجب سنة 262هـ، نيسان 876م، وعلى الرغم من هزيمته فقد بقي محتفظاً بفارس وكرمان وخراسان وسجستان حتى موته.
كان اهتمام يعقوب خلال فترة حكمه منصباً على أمرين، الأول خلق جيش قوي يحمل له الولاء التام، والثاني الحصول على الأموال اللازمة لمتابعة حروبه مما دفعه مراراً إلى مصادرة أملاك الأغنياء، وكان جنده باستثناء القادة يتسلمون الخيل والعلف من خزائنه، ولكن يعقوب ظل في حياته الخاصة جندياً بسيطاً يلبس القطن، ويجلس على الأرض فإذا أراد النوم اضطجع على ترسه ونزع راية فجعلها مخدته، وقد أجاب رسول الخليفة الذي سأله عن سبب تقشفه «إن رئيس القوم يأتم به أصحابه في ما يظهر من أفعاله وسيرته، فلو استَعْملتُ ما ذكرت من الأثاث لأثقلنا البهائم ولأتم بي في فعلي من في عسكري، ونحن نقطع في كل يوم المفاوز والأودية والقيعان، ولايصلح لنا إلا التخفيف».
توفي يعقوب بن الليث سنة 265هـ/877م، في جند يسابور، فبايع الجند أخاه عمرو بن الليث الذي لجأ إلى أسلوب آخر في نضاله مع خصومه، فاتبع في بادئ الأمر سياسة اللين والمهادنة وتقديم فروض الطاعة للخليفة الذي عينه والياً على خراسان وفارس وأصفهان وسجستان وكرمان والسند، ولكن لم يتم الاعتراف به حاكماً شرعياً لخراسان إلا عندما تولى المعتضد الخلافة سنة 279هـ/892م.
تميز عمرو بكفاءَته في إدارة شؤون دولته، وكان الجيش موضع عنايته، إذ كان الجند يتسلمون أرزاقهم كل ثلاثة أشهر وسط عرض مهيب، وكان المسؤول عن دفع أرزاق الجند موظف خاص هو العارض الذي يأخذ مجلسه في المكان المعين للعرض، وعندما يُسمع صوت طبلين هائلين يتجمع الجيش بأكمله في ذلك الموضع، وتوضع أكياس الدراهم أمام العارض في حين يمسك معاونه قائمة بأسماء الجند يناديهم منها، ومما يلفت النظر في الرواية أن عمرو بن الليث كان يُعامَل فرداً من الجند، فإن المنادي كان ينادي أولاً اسم عمرو بن الليث، فيتفقد العارض دابته وآلته بدقه ثم يعرب عن رضاه، ويدفع له 300 درهم، ثم يرجع عمرو فيأخذ مجلسه على صعيد من الأرض ليراقب فرسانه ورجاله يتقدمون بدورهم أمام العارض ليفحص دوابهم وآلتهم ويسلمهم أرزاقهم، وكان لعمرو ثلاث خزائن، الأولى تضم الأموال المجموعة من خراج الأرض وغيرها من الضرائب، وكان يستعمل هذا المال في شؤون جيشه، وكانت الخزانة الثانية تضم الأموال المجموعة من الأملاك الخاصة بالأمير وتصرف على متطلبات بلاطه، أما الخزانة الثالثة فكانت تضم ما صودر من أملاك أتباعه الذين انضموا إلى صفوف أعدائه، ومن هذه الخزانة كان يوزع الصلات على خدمه المخلصين وعلى كبار رجال دولته والسفراء.
تذكر بعض الروايات أنه كان لعمرو جواسيس في كل مكان، وأنه كان على علم بكل ما يجري في أراضيه. كما يذكر الموسوي صاحب كتاب «تاريخ خيرات» أن عمراً كان يشتري الغلمان الأحداث ويربيهم في خدمته ثم يهديهم إلى كبار رجال دولته وإلى القادة، وأن هؤلاء الغلمان كانوا ينهون إليه كل أعمال أسيادهم، وكان عمرو يمنع أصحابه وقواده أن يضرب أحد منهم غلاماً إلا بأمره.
لم يكتف عمرو بسلطانه على خراسان وفارس وأصفهان وسجستان وكرمان والسند، وإنما أخذ يمد بصره إلى ما وراء النهر حيث كان سلطان السامانيين قد توطد فيها آنذاك. وفي سنة 287هـ /900م، حدثت معركة قرب بلخ بين قوات إسماعيل بن أحمد الساماني وقوات عمرو بن الليث انتهت بهزيمة عمرو، ووقوعه في الأسر، وإرساله إلى بغداد حيث قتل بعد موت المعتضد بقليل في عام 289هـ/902م.
بدأت الامبراطورية الواسعة التي بناها الأخوان بالإنكماش، فقد أسندت ولاية خراسان إلى السامانيين فيما وراء النهر، ولكن خلفاء عمرو وقائدهم التركي سبكَري احتفظوا بفارس وكرمان وسجستان لعقد من الزمان. وفي سنة 298هـ/911م، أسند الخليفة المقتدر حكم سجستان إلى السامانيين، فأرسل السامانيون حملة إلى سجستان أنهت حكم الصفاريين فيها.
بقيت الأوضاع مضطربة في سجستان فتمكن العيارون سنة 311هـ/923م، من إيصال حفيد من أحفاد الصفاريين إلى حكم سجستان، هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن خلف الذي حكم ما يقارب الأربعين عاماً من 311ـ352هـ/925ـ963م، وقد مد أبو جعفر سلطة الصفاريين إلى بست والرُخَج، وجعل من سجستان قوة في ميدان سياسة العالم الإسلامي الشرقي.
خلف أبو جعفر ابنه أحمد بن خلف 352ـ393هـ/963ـ1003م، وقد أنهى محمود الغزنوي حكم الصفاريين في سجستان حينما استولى عليها، ومات أحمد بن خلف في الأسر في مدينة كاردبز.
كان أحمد بن خلف أشهر خلفاء هذا الفرع، فقد جمع حوله مجموعة من العلماء الذين كانوا يتمتعون برعايته، منهم الفيلسوف والعالم في المنطق أبو سليمان محمد المنطيقي (ت 375هـ)، وكان بلاطه مقصد الأدباء والكتاب منهم بديع الزمان الهمذاني، ولكن العمل الذي خلده هو تفويضه لجنة من العلماء بوضع تفسير للقرآن بلغت أجزاؤه 100جزء، ولكن لم يتح لهذا المؤلف الضخم البقاء لأن الغزو المغولي، سبب الدمار والخراب لمدن خراسان ومكتباتها.
كان الصفاريون يعتنقون المذهب السني، ويدعون للخليفة على المنابر لاكتساب رضاء الجماهير، ولكنهم حاولوا تقليص سلطة الخليفة ومشاركته في مظاهر سيادته، فأمر يعقوب بذكر اسمه في الخطبة مع اسم الخليفة، كما نقش أخوه عمرو اسمه على النقود، ولم يرسل الصفاريون فائض خراجهم للخلفاء العباسيين، بل تصرفوا بأموال المناطق التابعة لهم، ولكنهم على الرغم من كل شيء طبقوا مبادئ العدل والمساواة بين أتباعهم فأيدتهم الطبقات الفقيرة.
نجدة خماش
سلالة حكمت من سنة 247ـ393هـ/861 ـ1003م، في سجستان أو سستان، إقليم يقع بين الحدود الإيرانية والأفغانية.
ينتسب الصفاريون إلى مؤسس دولتهم يعقوب بن الليث الصفار الذي ينتمي هو وأخوته الثلاثة عمرو وطاهر وعلي إلى قرنين، وهي قرية بسجستان على مرحلة من عاصمة الولاية زرنج، وقد لقب بالصفار لأنه بدأ حياته عاملاً لدى رجل صفار (أي الذي يعمل الأواني من الصفر أي النحاس) بأجر قدره 15درهماً في الشهر، ثم التحق يعقوب وأخوه عمرو بفرقة المطوعة أو المتطوعة التي تكونت لمحاربة الخوارج الذين استفحلت ثورتهم بسجستان والتي عجز إبراهيم بن الحسين والي سجستان للطاهريين عن إخمادها، فغادر الولاية وتركها في أيدي المطوعة، ولم يلبث يعقوب بكفايته وقوة شخصيته أن صار زعيماً لهذه الفرقة، وقام بمحاربة الخوارج وأكثر القتل فيهم حتى كاد يفنيهم، فاشتدت شوكته وغلب على سجستان سنة 247هـ، فضبط الطرق وحفظها وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فكثر أتباعه فمد سلطانه إلى وادي كابل ثم إلى السند ومكران، وفي سنة 253هـ/867م، استولى على مدينتي هرات وبوشنبح، وبعد سنتين وضع يده على كرمان فمنح الخليفة المعتز (52ـ256هـ/866ـ869م) هذه الولاية لشخصين في آن واحد هما يعقوب بن الليث، وعلي بن الحسين والي فارس، يريد بذلك إغراء كل منهما بالآخر رغبة بالتخلص من أحدهما، وكان النصر حليف يعقوب الذي لم يكتف بالسيطرة على كرمان بل انتزع من خصمه فارس أيضاً. وفي سنة 258هـ/871م، نال يعقوب رضاء الخليفة المعتمد (257ـ279هـ/870ـ892م)، فضم إليه الخليفة ولاية بلخ وطخارستان، وأخيراً صمم يعقوب على مهاجمة محمد بن طاهر والي خراسان، فدخل نيسابور دون مقاومة تذكر وأسر محمد ابن طاهر وأنهى حكم الطاهريين سنة 259هـ/873م. لم تلتزم حكومة بغداد الصمت حيال تصرفات يعقوب، خاصة وأن نفوذ الطاهريين ببغداد كان من شأنه أن يحمل الخليفة على أخذ جانب محمد، فجمع عبيد الله بن عبد الله بن طاهر صاحب الشرطة سنة 260هـ، الحجاج القادمين من الأقطار الشرقية (خراسان والري وطبرستان وجرجان) وقرأ عليهم كتاب الخليفة يأمرهم فيه بالبراءة من يعقوب لإنكار الخليفة دخوله خراسان وأسره محمد ابن طاهر، فكان رد فعل يعقوب بن الليث على هذا سيره من خراسان إلى العراق، ولكن قوات الخليفة هزمت يعقوب بالقرب من دير العاقول على بعد 50ميلاً من بغداد في رجب سنة 262هـ، نيسان 876م، وعلى الرغم من هزيمته فقد بقي محتفظاً بفارس وكرمان وخراسان وسجستان حتى موته.
كان اهتمام يعقوب خلال فترة حكمه منصباً على أمرين، الأول خلق جيش قوي يحمل له الولاء التام، والثاني الحصول على الأموال اللازمة لمتابعة حروبه مما دفعه مراراً إلى مصادرة أملاك الأغنياء، وكان جنده باستثناء القادة يتسلمون الخيل والعلف من خزائنه، ولكن يعقوب ظل في حياته الخاصة جندياً بسيطاً يلبس القطن، ويجلس على الأرض فإذا أراد النوم اضطجع على ترسه ونزع راية فجعلها مخدته، وقد أجاب رسول الخليفة الذي سأله عن سبب تقشفه «إن رئيس القوم يأتم به أصحابه في ما يظهر من أفعاله وسيرته، فلو استَعْملتُ ما ذكرت من الأثاث لأثقلنا البهائم ولأتم بي في فعلي من في عسكري، ونحن نقطع في كل يوم المفاوز والأودية والقيعان، ولايصلح لنا إلا التخفيف».
توفي يعقوب بن الليث سنة 265هـ/877م، في جند يسابور، فبايع الجند أخاه عمرو بن الليث الذي لجأ إلى أسلوب آخر في نضاله مع خصومه، فاتبع في بادئ الأمر سياسة اللين والمهادنة وتقديم فروض الطاعة للخليفة الذي عينه والياً على خراسان وفارس وأصفهان وسجستان وكرمان والسند، ولكن لم يتم الاعتراف به حاكماً شرعياً لخراسان إلا عندما تولى المعتضد الخلافة سنة 279هـ/892م.
تميز عمرو بكفاءَته في إدارة شؤون دولته، وكان الجيش موضع عنايته، إذ كان الجند يتسلمون أرزاقهم كل ثلاثة أشهر وسط عرض مهيب، وكان المسؤول عن دفع أرزاق الجند موظف خاص هو العارض الذي يأخذ مجلسه في المكان المعين للعرض، وعندما يُسمع صوت طبلين هائلين يتجمع الجيش بأكمله في ذلك الموضع، وتوضع أكياس الدراهم أمام العارض في حين يمسك معاونه قائمة بأسماء الجند يناديهم منها، ومما يلفت النظر في الرواية أن عمرو بن الليث كان يُعامَل فرداً من الجند، فإن المنادي كان ينادي أولاً اسم عمرو بن الليث، فيتفقد العارض دابته وآلته بدقه ثم يعرب عن رضاه، ويدفع له 300 درهم، ثم يرجع عمرو فيأخذ مجلسه على صعيد من الأرض ليراقب فرسانه ورجاله يتقدمون بدورهم أمام العارض ليفحص دوابهم وآلتهم ويسلمهم أرزاقهم، وكان لعمرو ثلاث خزائن، الأولى تضم الأموال المجموعة من خراج الأرض وغيرها من الضرائب، وكان يستعمل هذا المال في شؤون جيشه، وكانت الخزانة الثانية تضم الأموال المجموعة من الأملاك الخاصة بالأمير وتصرف على متطلبات بلاطه، أما الخزانة الثالثة فكانت تضم ما صودر من أملاك أتباعه الذين انضموا إلى صفوف أعدائه، ومن هذه الخزانة كان يوزع الصلات على خدمه المخلصين وعلى كبار رجال دولته والسفراء.
تذكر بعض الروايات أنه كان لعمرو جواسيس في كل مكان، وأنه كان على علم بكل ما يجري في أراضيه. كما يذكر الموسوي صاحب كتاب «تاريخ خيرات» أن عمراً كان يشتري الغلمان الأحداث ويربيهم في خدمته ثم يهديهم إلى كبار رجال دولته وإلى القادة، وأن هؤلاء الغلمان كانوا ينهون إليه كل أعمال أسيادهم، وكان عمرو يمنع أصحابه وقواده أن يضرب أحد منهم غلاماً إلا بأمره.
لم يكتف عمرو بسلطانه على خراسان وفارس وأصفهان وسجستان وكرمان والسند، وإنما أخذ يمد بصره إلى ما وراء النهر حيث كان سلطان السامانيين قد توطد فيها آنذاك. وفي سنة 287هـ /900م، حدثت معركة قرب بلخ بين قوات إسماعيل بن أحمد الساماني وقوات عمرو بن الليث انتهت بهزيمة عمرو، ووقوعه في الأسر، وإرساله إلى بغداد حيث قتل بعد موت المعتضد بقليل في عام 289هـ/902م.
بدأت الامبراطورية الواسعة التي بناها الأخوان بالإنكماش، فقد أسندت ولاية خراسان إلى السامانيين فيما وراء النهر، ولكن خلفاء عمرو وقائدهم التركي سبكَري احتفظوا بفارس وكرمان وسجستان لعقد من الزمان. وفي سنة 298هـ/911م، أسند الخليفة المقتدر حكم سجستان إلى السامانيين، فأرسل السامانيون حملة إلى سجستان أنهت حكم الصفاريين فيها.
بقيت الأوضاع مضطربة في سجستان فتمكن العيارون سنة 311هـ/923م، من إيصال حفيد من أحفاد الصفاريين إلى حكم سجستان، هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن خلف الذي حكم ما يقارب الأربعين عاماً من 311ـ352هـ/925ـ963م، وقد مد أبو جعفر سلطة الصفاريين إلى بست والرُخَج، وجعل من سجستان قوة في ميدان سياسة العالم الإسلامي الشرقي.
خلف أبو جعفر ابنه أحمد بن خلف 352ـ393هـ/963ـ1003م، وقد أنهى محمود الغزنوي حكم الصفاريين في سجستان حينما استولى عليها، ومات أحمد بن خلف في الأسر في مدينة كاردبز.
كان أحمد بن خلف أشهر خلفاء هذا الفرع، فقد جمع حوله مجموعة من العلماء الذين كانوا يتمتعون برعايته، منهم الفيلسوف والعالم في المنطق أبو سليمان محمد المنطيقي (ت 375هـ)، وكان بلاطه مقصد الأدباء والكتاب منهم بديع الزمان الهمذاني، ولكن العمل الذي خلده هو تفويضه لجنة من العلماء بوضع تفسير للقرآن بلغت أجزاؤه 100جزء، ولكن لم يتح لهذا المؤلف الضخم البقاء لأن الغزو المغولي، سبب الدمار والخراب لمدن خراسان ومكتباتها.
كان الصفاريون يعتنقون المذهب السني، ويدعون للخليفة على المنابر لاكتساب رضاء الجماهير، ولكنهم حاولوا تقليص سلطة الخليفة ومشاركته في مظاهر سيادته، فأمر يعقوب بذكر اسمه في الخطبة مع اسم الخليفة، كما نقش أخوه عمرو اسمه على النقود، ولم يرسل الصفاريون فائض خراجهم للخلفاء العباسيين، بل تصرفوا بأموال المناطق التابعة لهم، ولكنهم على الرغم من كل شيء طبقوا مبادئ العدل والمساواة بين أتباعهم فأيدتهم الطبقات الفقيرة.
نجدة خماش