صعصعة بن صُوحان Sa’sa’a ibn Suhan

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صعصعة بن صُوحان Sa’sa’a ibn Suhan

    صعصعة بن صُوحان
    (…ـ نحو 56هـ/… ـ نحو 676م)

    أبو عمرو، وقيل: أبو طلحة وأبو عكرمة، صعصعة بن صُوحان (بضمّ الصّاد المهملة) ابن حُجْر، العِجْليّ العَبْديّ (نسبة إلى عبد القيس) الرَّبَعيّ (نسبة إلى ربيعة بن نزار). تابعيّ ثقة، قليل الحديث، خطيبٌ فصيحٌ شاعر، له مواقف كان فيها من أَحْضَرِ النّاس جوابًا، صاحب أخبارٍ حِسانٍ، وكلامٍ في نهاية البلاغة والفصاحة والإيضاح عن المعاني، على إيجازٍ واختصار.
    كان ثالث ثلاثة إخوة كلّهم خطيبٌ بليغ بيِّن البلاغة، فهو وأخواه زيد وسَيْحان بنو صُوحان بن حُجْر، خطباء بني عبد القيس، على كثرة الخطباء والشّعراء فيهم؛ وفي ذلك يقول الجاحظ: «وشأن عبد القيس عَجَبٌ، وذلك أنّهم بعد محاربة إياد تفرّقوا فرقتين ففرقةٌ وقعت بِعُمان وشِقّ عُمان (أطراف عُمان)، وهم خطباء العرب، وفرقةٌ وقعت إلى البحرين وشِقّ البحرين، وهم من أشعر قَبِيل في العرب، ولم يكونوا كذلك حين كانوا في سُرَّة البادية وفي معدِن الفصاحة، وهذا عَجَب».
    أسلم على عهد رسول اللهr، ولم يَرَه، وذهب نفرٌ إلى أنّ له صحبة، وليس ذلك بشيء، كان من أصحاب عليّ بن أبي طالبt، وشهد معه يوم الجَمَل مع أخويه زيد وسَيْحان، وحملوا رايته حتّى قُتِل عنها زيدٌ وسَيْحان وارْتُثّ صعصعة (الارْتِثاث: أن يُحْمل الجريح من المعركة، وهو ضعيف قد أَثْخَنَته الجِراج). ثم شهد صِفّين أميرًا على من نزل من عبد القيس بالكوفة. روى عن عليّ وابن عبّاس، رضي الله عنهما، وروى عنه أبو إسحاق السَّبِيْعِي والشَّعْبِي، وغيرهما.
    خالف عثمان بن عفّانt، وخاطبه، وهو على المِنْبر، قائلاً: «يا أمير المؤمنين، مِلْتَ فمالت أمّتك، اعتدل، يا أمير المؤمنين تعتدل أمّتك». قال عثمان: «أسامعٌ أنت مطيع»؟ قال: «نعم». قال: «فاخرج إلى الشّام». فخرج إلى الشّام، ثمّ نفاه المغيرة بن شعبة من الكوفة إلى جزيرة أُوال في البحرين بأمر معاوية ابن أبي سفيان، فامتثل صعصعة لذلك كلّه، وذلك أنّهم كانوا يرون الطّاعة عليهم حقًّا. وكان قد جرى بينه وبين عثمان حِجاجٌ عظيم، كانتِ الغلبة فيه لعثمانt؛ وفي ذلك يقول صعصعة: «ما أعياني جواب أحدٍ ما أعياني جواب عثمان، دخلت عليه فقلت: أُخْرِجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا: ربّنا الله! فقال: نحن الذين أُخْرِجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا: ربّنا الله. فمنّا من مات بأرض الحبشة، ومنّا من مات بالمدينة».
    قدم دمشق على معاوية، وجرت بينهما أحاديث كثيرة فيها طولٌ تلاسَنا فيها، يدلّ جلّها على جُرأة صعصعة في الحقِّ وعظيم معرفته بطرائقه، كما يدلّ على حِلْم معاوية وصبره وسَعة صدره، إذ عاشر كلٌّ منهما صاحبه على ما في نفسه من دَخَل، من دون أن يمدّ القويّ فيهم يده إلى الضّعيف بالأذى، حتى توفِّي صعصعة بالكوفة في خلافة معاوية، وقيل بالبحرين.
    انمازتْ خطبه بالإيجاز والاختصار مع وضوح المعنى وتِبيانه، في ألفاظٍ مأنوسةٍ سلسة، مُعْتاصها قليل، عليها مَسْحة وعظٍ، وبها إشمامٌ من الحكمة الموشّاة بالأبيات السّيّارة، من ذلك قوله يصف أخاه زيد بن صُوحان: «كان والله، عظيم المروءة، شريف الأخوّة، جليل الخطر، بعيد الأثر، كميش العُروة، أليف البَدوة، سليم جوانح الصّدر، قليل وَساوس الدّهر، ذاكرًا الله طَرفَي النّهار وزُلَفًا من الليل، الجوع والشّبع عنده سِيّان، لايُنافس في الدّنيا، وأقلّ أصحابه من يُنافس فيها، يطيل السّكوت، ويحفظ الكلام، وإن نطق نطق بِعُقام (بشدة)، يهرب من الدُّعّار الأشرار، ويألفه الأخيار». ثمّ قال هو كما قال أخو غَنِيّ:
    فتًى لا يُبالي أن يكونَ بوجهِهِ
    إذا سدّ خلاّتِ الكرامِ شُحوبُ
    إذا ما تَراآهُ الرّجالُ تحفّظوا
    فلم يَنطِقوا العَوراءَ، وهو قريبُ
    وما أُثِر عنه من شعر ـ وهو نزرٌ يسير ـ يُشاكل سَمْتُهُ سَمْتَ خطبه، بل يكاد يكون مُسْتلاًّ من رَوحها، مبنيًّا على أُسِّها، من ذلك قوله مفتخرًا:
    هَلاّ سألتَ بني الجارود: أيُّ فتًى
    لدَى الشّفاعةِ والباب ابنُ صُوحانا
    كُنّا وكانوا كَأُمٍّ أَرْضَعَتْ وَلَدًا
    عُقَّتْ ولم تُجْزَ بالإحسانِ إحسانا
    ونسب إليه صاحب «أعيان الشيعة» أبياتًا يرثي عليّ بن أبي طالبt منها:
    بكيتُكَ يا عليُّ بدرِّ عيني
    فلم يُغْنِي البكاءُ عليكَ شَيّا
    كفى حزنًا بدفنِكَ ثمّ إنّي
    نفضتُ ترابَ قبرِكَ من يَديّا
    وكانت في حياتك لي عِظاتٌ
    وأنت اليومَ أَوْعظُ منكَ حَيّا
    وليست له إنّما هي لأبي العتاهية، من قصيدة له يرثي عليَّ بن ثابت الأنصاريّ، ومكانها في ديوانه جدّ مكين، ولعلّ ورود اسم (عليّ) في الشّعر هو الذي أغرى محسن الأمين بها، فتوهّم أنها قيلت في عليّ بن أبي طالبt، ثمّ توّهم أنّه رثاه بها صعصعة؛
    وليس يصحّ في الأذهانِ شيءٌ
    إذا احتاجَ النّهارُ إلى دليلِ
    مقبل التّامّ عامر الأحمديّ

    صعصعة بن صُوحان
    (…ـ نحو 56هـ/… ـ نحو 676م)

    أبو عمرو، وقيل: أبو طلحة وأبو عكرمة، صعصعة بن صُوحان (بضمّ الصّاد المهملة) ابن حُجْر، العِجْليّ العَبْديّ (نسبة إلى عبد القيس) الرَّبَعيّ (نسبة إلى ربيعة بن نزار). تابعيّ ثقة، قليل الحديث، خطيبٌ فصيحٌ شاعر، له مواقف كان فيها من أَحْضَرِ النّاس جوابًا، صاحب أخبارٍ حِسانٍ، وكلامٍ في نهاية البلاغة والفصاحة والإيضاح عن المعاني، على إيجازٍ واختصار.
    كان ثالث ثلاثة إخوة كلّهم خطيبٌ بليغ بيِّن البلاغة، فهو وأخواه زيد وسَيْحان بنو صُوحان بن حُجْر، خطباء بني عبد القيس، على كثرة الخطباء والشّعراء فيهم؛ وفي ذلك يقول الجاحظ: «وشأن عبد القيس عَجَبٌ، وذلك أنّهم بعد محاربة إياد تفرّقوا فرقتين ففرقةٌ وقعت بِعُمان وشِقّ عُمان (أطراف عُمان)، وهم خطباء العرب، وفرقةٌ وقعت إلى البحرين وشِقّ البحرين، وهم من أشعر قَبِيل في العرب، ولم يكونوا كذلك حين كانوا في سُرَّة البادية وفي معدِن الفصاحة، وهذا عَجَب».
    أسلم على عهد رسول اللهr، ولم يَرَه، وذهب نفرٌ إلى أنّ له صحبة، وليس ذلك بشيء، كان من أصحاب عليّ بن أبي طالبt، وشهد معه يوم الجَمَل مع أخويه زيد وسَيْحان، وحملوا رايته حتّى قُتِل عنها زيدٌ وسَيْحان وارْتُثّ صعصعة (الارْتِثاث: أن يُحْمل الجريح من المعركة، وهو ضعيف قد أَثْخَنَته الجِراج). ثم شهد صِفّين أميرًا على من نزل من عبد القيس بالكوفة. روى عن عليّ وابن عبّاس، رضي الله عنهما، وروى عنه أبو إسحاق السَّبِيْعِي والشَّعْبِي، وغيرهما.
    خالف عثمان بن عفّانt، وخاطبه، وهو على المِنْبر، قائلاً: «يا أمير المؤمنين، مِلْتَ فمالت أمّتك، اعتدل، يا أمير المؤمنين تعتدل أمّتك». قال عثمان: «أسامعٌ أنت مطيع»؟ قال: «نعم». قال: «فاخرج إلى الشّام». فخرج إلى الشّام، ثمّ نفاه المغيرة بن شعبة من الكوفة إلى جزيرة أُوال في البحرين بأمر معاوية ابن أبي سفيان، فامتثل صعصعة لذلك كلّه، وذلك أنّهم كانوا يرون الطّاعة عليهم حقًّا. وكان قد جرى بينه وبين عثمان حِجاجٌ عظيم، كانتِ الغلبة فيه لعثمانt؛ وفي ذلك يقول صعصعة: «ما أعياني جواب أحدٍ ما أعياني جواب عثمان، دخلت عليه فقلت: أُخْرِجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا: ربّنا الله! فقال: نحن الذين أُخْرِجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا: ربّنا الله. فمنّا من مات بأرض الحبشة، ومنّا من مات بالمدينة».
    قدم دمشق على معاوية، وجرت بينهما أحاديث كثيرة فيها طولٌ تلاسَنا فيها، يدلّ جلّها على جُرأة صعصعة في الحقِّ وعظيم معرفته بطرائقه، كما يدلّ على حِلْم معاوية وصبره وسَعة صدره، إذ عاشر كلٌّ منهما صاحبه على ما في نفسه من دَخَل، من دون أن يمدّ القويّ فيهم يده إلى الضّعيف بالأذى، حتى توفِّي صعصعة بالكوفة في خلافة معاوية، وقيل بالبحرين.
    انمازتْ خطبه بالإيجاز والاختصار مع وضوح المعنى وتِبيانه، في ألفاظٍ مأنوسةٍ سلسة، مُعْتاصها قليل، عليها مَسْحة وعظٍ، وبها إشمامٌ من الحكمة الموشّاة بالأبيات السّيّارة، من ذلك قوله يصف أخاه زيد بن صُوحان: «كان والله، عظيم المروءة، شريف الأخوّة، جليل الخطر، بعيد الأثر، كميش العُروة، أليف البَدوة، سليم جوانح الصّدر، قليل وَساوس الدّهر، ذاكرًا الله طَرفَي النّهار وزُلَفًا من الليل، الجوع والشّبع عنده سِيّان، لايُنافس في الدّنيا، وأقلّ أصحابه من يُنافس فيها، يطيل السّكوت، ويحفظ الكلام، وإن نطق نطق بِعُقام (بشدة)، يهرب من الدُّعّار الأشرار، ويألفه الأخيار». ثمّ قال هو كما قال أخو غَنِيّ:
    فتًى لا يُبالي أن يكونَ بوجهِهِ
    إذا سدّ خلاّتِ الكرامِ شُحوبُ
    إذا ما تَراآهُ الرّجالُ تحفّظوا
    فلم يَنطِقوا العَوراءَ، وهو قريبُ
    وما أُثِر عنه من شعر ـ وهو نزرٌ يسير ـ يُشاكل سَمْتُهُ سَمْتَ خطبه، بل يكاد يكون مُسْتلاًّ من رَوحها، مبنيًّا على أُسِّها، من ذلك قوله مفتخرًا:
    هَلاّ سألتَ بني الجارود: أيُّ فتًى
    لدَى الشّفاعةِ والباب ابنُ صُوحانا
    كُنّا وكانوا كَأُمٍّ أَرْضَعَتْ وَلَدًا
    عُقَّتْ ولم تُجْزَ بالإحسانِ إحسانا
    ونسب إليه صاحب «أعيان الشيعة» أبياتًا يرثي عليّ بن أبي طالبt منها:
    بكيتُكَ يا عليُّ بدرِّ عيني
    فلم يُغْنِي البكاءُ عليكَ شَيّا
    كفى حزنًا بدفنِكَ ثمّ إنّي
    نفضتُ ترابَ قبرِكَ من يَديّا
    وكانت في حياتك لي عِظاتٌ
    وأنت اليومَ أَوْعظُ منكَ حَيّا
    وليست له إنّما هي لأبي العتاهية، من قصيدة له يرثي عليَّ بن ثابت الأنصاريّ، ومكانها في ديوانه جدّ مكين، ولعلّ ورود اسم (عليّ) في الشّعر هو الذي أغرى محسن الأمين بها، فتوهّم أنها قيلت في عليّ بن أبي طالبt، ثمّ توّهم أنّه رثاه بها صعصعة؛
    وليس يصحّ في الأذهانِ شيءٌ
    إذا احتاجَ النّهارُ إلى دليلِ
    مقبل التّامّ عامر الأحمديّ

    صعصعة بن صُوحان
    (…ـ نحو 56هـ/… ـ نحو 676م)

    أبو عمرو، وقيل: أبو طلحة وأبو عكرمة، صعصعة بن صُوحان (بضمّ الصّاد المهملة) ابن حُجْر، العِجْليّ العَبْديّ (نسبة إلى عبد القيس) الرَّبَعيّ (نسبة إلى ربيعة بن نزار). تابعيّ ثقة، قليل الحديث، خطيبٌ فصيحٌ شاعر، له مواقف كان فيها من أَحْضَرِ النّاس جوابًا، صاحب أخبارٍ حِسانٍ، وكلامٍ في نهاية البلاغة والفصاحة والإيضاح عن المعاني، على إيجازٍ واختصار.
    كان ثالث ثلاثة إخوة كلّهم خطيبٌ بليغ بيِّن البلاغة، فهو وأخواه زيد وسَيْحان بنو صُوحان بن حُجْر، خطباء بني عبد القيس، على كثرة الخطباء والشّعراء فيهم؛ وفي ذلك يقول الجاحظ: «وشأن عبد القيس عَجَبٌ، وذلك أنّهم بعد محاربة إياد تفرّقوا فرقتين ففرقةٌ وقعت بِعُمان وشِقّ عُمان (أطراف عُمان)، وهم خطباء العرب، وفرقةٌ وقعت إلى البحرين وشِقّ البحرين، وهم من أشعر قَبِيل في العرب، ولم يكونوا كذلك حين كانوا في سُرَّة البادية وفي معدِن الفصاحة، وهذا عَجَب».
    أسلم على عهد رسول اللهr، ولم يَرَه، وذهب نفرٌ إلى أنّ له صحبة، وليس ذلك بشيء، كان من أصحاب عليّ بن أبي طالبt، وشهد معه يوم الجَمَل مع أخويه زيد وسَيْحان، وحملوا رايته حتّى قُتِل عنها زيدٌ وسَيْحان وارْتُثّ صعصعة (الارْتِثاث: أن يُحْمل الجريح من المعركة، وهو ضعيف قد أَثْخَنَته الجِراج). ثم شهد صِفّين أميرًا على من نزل من عبد القيس بالكوفة. روى عن عليّ وابن عبّاس، رضي الله عنهما، وروى عنه أبو إسحاق السَّبِيْعِي والشَّعْبِي، وغيرهما.
    خالف عثمان بن عفّانt، وخاطبه، وهو على المِنْبر، قائلاً: «يا أمير المؤمنين، مِلْتَ فمالت أمّتك، اعتدل، يا أمير المؤمنين تعتدل أمّتك». قال عثمان: «أسامعٌ أنت مطيع»؟ قال: «نعم». قال: «فاخرج إلى الشّام». فخرج إلى الشّام، ثمّ نفاه المغيرة بن شعبة من الكوفة إلى جزيرة أُوال في البحرين بأمر معاوية ابن أبي سفيان، فامتثل صعصعة لذلك كلّه، وذلك أنّهم كانوا يرون الطّاعة عليهم حقًّا. وكان قد جرى بينه وبين عثمان حِجاجٌ عظيم، كانتِ الغلبة فيه لعثمانt؛ وفي ذلك يقول صعصعة: «ما أعياني جواب أحدٍ ما أعياني جواب عثمان، دخلت عليه فقلت: أُخْرِجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا: ربّنا الله! فقال: نحن الذين أُخْرِجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا: ربّنا الله. فمنّا من مات بأرض الحبشة، ومنّا من مات بالمدينة».
    قدم دمشق على معاوية، وجرت بينهما أحاديث كثيرة فيها طولٌ تلاسَنا فيها، يدلّ جلّها على جُرأة صعصعة في الحقِّ وعظيم معرفته بطرائقه، كما يدلّ على حِلْم معاوية وصبره وسَعة صدره، إذ عاشر كلٌّ منهما صاحبه على ما في نفسه من دَخَل، من دون أن يمدّ القويّ فيهم يده إلى الضّعيف بالأذى، حتى توفِّي صعصعة بالكوفة في خلافة معاوية، وقيل بالبحرين.
    انمازتْ خطبه بالإيجاز والاختصار مع وضوح المعنى وتِبيانه، في ألفاظٍ مأنوسةٍ سلسة، مُعْتاصها قليل، عليها مَسْحة وعظٍ، وبها إشمامٌ من الحكمة الموشّاة بالأبيات السّيّارة، من ذلك قوله يصف أخاه زيد بن صُوحان: «كان والله، عظيم المروءة، شريف الأخوّة، جليل الخطر، بعيد الأثر، كميش العُروة، أليف البَدوة، سليم جوانح الصّدر، قليل وَساوس الدّهر، ذاكرًا الله طَرفَي النّهار وزُلَفًا من الليل، الجوع والشّبع عنده سِيّان، لايُنافس في الدّنيا، وأقلّ أصحابه من يُنافس فيها، يطيل السّكوت، ويحفظ الكلام، وإن نطق نطق بِعُقام (بشدة)، يهرب من الدُّعّار الأشرار، ويألفه الأخيار». ثمّ قال هو كما قال أخو غَنِيّ:
    فتًى لا يُبالي أن يكونَ بوجهِهِ
    إذا سدّ خلاّتِ الكرامِ شُحوبُ
    إذا ما تَراآهُ الرّجالُ تحفّظوا
    فلم يَنطِقوا العَوراءَ، وهو قريبُ
    وما أُثِر عنه من شعر ـ وهو نزرٌ يسير ـ يُشاكل سَمْتُهُ سَمْتَ خطبه، بل يكاد يكون مُسْتلاًّ من رَوحها، مبنيًّا على أُسِّها، من ذلك قوله مفتخرًا:
    هَلاّ سألتَ بني الجارود: أيُّ فتًى
    لدَى الشّفاعةِ والباب ابنُ صُوحانا
    كُنّا وكانوا كَأُمٍّ أَرْضَعَتْ وَلَدًا
    عُقَّتْ ولم تُجْزَ بالإحسانِ إحسانا
    ونسب إليه صاحب «أعيان الشيعة» أبياتًا يرثي عليّ بن أبي طالبt منها:
    بكيتُكَ يا عليُّ بدرِّ عيني
    فلم يُغْنِي البكاءُ عليكَ شَيّا
    كفى حزنًا بدفنِكَ ثمّ إنّي
    نفضتُ ترابَ قبرِكَ من يَديّا
    وكانت في حياتك لي عِظاتٌ
    وأنت اليومَ أَوْعظُ منكَ حَيّا
    وليست له إنّما هي لأبي العتاهية، من قصيدة له يرثي عليَّ بن ثابت الأنصاريّ، ومكانها في ديوانه جدّ مكين، ولعلّ ورود اسم (عليّ) في الشّعر هو الذي أغرى محسن الأمين بها، فتوهّم أنها قيلت في عليّ بن أبي طالبt، ثمّ توّهم أنّه رثاه بها صعصعة؛
    وليس يصحّ في الأذهانِ شيءٌ
    إذا احتاجَ النّهارُ إلى دليلِ
    مقبل التّامّ عامر الأحمديّ

    صعصعة بن صُوحان
    (…ـ نحو 56هـ/… ـ نحو 676م)

    أبو عمرو، وقيل: أبو طلحة وأبو عكرمة، صعصعة بن صُوحان (بضمّ الصّاد المهملة) ابن حُجْر، العِجْليّ العَبْديّ (نسبة إلى عبد القيس) الرَّبَعيّ (نسبة إلى ربيعة بن نزار). تابعيّ ثقة، قليل الحديث، خطيبٌ فصيحٌ شاعر، له مواقف كان فيها من أَحْضَرِ النّاس جوابًا، صاحب أخبارٍ حِسانٍ، وكلامٍ في نهاية البلاغة والفصاحة والإيضاح عن المعاني، على إيجازٍ واختصار.
    كان ثالث ثلاثة إخوة كلّهم خطيبٌ بليغ بيِّن البلاغة، فهو وأخواه زيد وسَيْحان بنو صُوحان بن حُجْر، خطباء بني عبد القيس، على كثرة الخطباء والشّعراء فيهم؛ وفي ذلك يقول الجاحظ: «وشأن عبد القيس عَجَبٌ، وذلك أنّهم بعد محاربة إياد تفرّقوا فرقتين ففرقةٌ وقعت بِعُمان وشِقّ عُمان (أطراف عُمان)، وهم خطباء العرب، وفرقةٌ وقعت إلى البحرين وشِقّ البحرين، وهم من أشعر قَبِيل في العرب، ولم يكونوا كذلك حين كانوا في سُرَّة البادية وفي معدِن الفصاحة، وهذا عَجَب».
    أسلم على عهد رسول اللهr، ولم يَرَه، وذهب نفرٌ إلى أنّ له صحبة، وليس ذلك بشيء، كان من أصحاب عليّ بن أبي طالبt، وشهد معه يوم الجَمَل مع أخويه زيد وسَيْحان، وحملوا رايته حتّى قُتِل عنها زيدٌ وسَيْحان وارْتُثّ صعصعة (الارْتِثاث: أن يُحْمل الجريح من المعركة، وهو ضعيف قد أَثْخَنَته الجِراج). ثم شهد صِفّين أميرًا على من نزل من عبد القيس بالكوفة. روى عن عليّ وابن عبّاس، رضي الله عنهما، وروى عنه أبو إسحاق السَّبِيْعِي والشَّعْبِي، وغيرهما.
    خالف عثمان بن عفّانt، وخاطبه، وهو على المِنْبر، قائلاً: «يا أمير المؤمنين، مِلْتَ فمالت أمّتك، اعتدل، يا أمير المؤمنين تعتدل أمّتك». قال عثمان: «أسامعٌ أنت مطيع»؟ قال: «نعم». قال: «فاخرج إلى الشّام». فخرج إلى الشّام، ثمّ نفاه المغيرة بن شعبة من الكوفة إلى جزيرة أُوال في البحرين بأمر معاوية ابن أبي سفيان، فامتثل صعصعة لذلك كلّه، وذلك أنّهم كانوا يرون الطّاعة عليهم حقًّا. وكان قد جرى بينه وبين عثمان حِجاجٌ عظيم، كانتِ الغلبة فيه لعثمانt؛ وفي ذلك يقول صعصعة: «ما أعياني جواب أحدٍ ما أعياني جواب عثمان، دخلت عليه فقلت: أُخْرِجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا: ربّنا الله! فقال: نحن الذين أُخْرِجنا من ديارنا وأموالنا أن قلنا: ربّنا الله. فمنّا من مات بأرض الحبشة، ومنّا من مات بالمدينة».
    قدم دمشق على معاوية، وجرت بينهما أحاديث كثيرة فيها طولٌ تلاسَنا فيها، يدلّ جلّها على جُرأة صعصعة في الحقِّ وعظيم معرفته بطرائقه، كما يدلّ على حِلْم معاوية وصبره وسَعة صدره، إذ عاشر كلٌّ منهما صاحبه على ما في نفسه من دَخَل، من دون أن يمدّ القويّ فيهم يده إلى الضّعيف بالأذى، حتى توفِّي صعصعة بالكوفة في خلافة معاوية، وقيل بالبحرين.
    انمازتْ خطبه بالإيجاز والاختصار مع وضوح المعنى وتِبيانه، في ألفاظٍ مأنوسةٍ سلسة، مُعْتاصها قليل، عليها مَسْحة وعظٍ، وبها إشمامٌ من الحكمة الموشّاة بالأبيات السّيّارة، من ذلك قوله يصف أخاه زيد بن صُوحان: «كان والله، عظيم المروءة، شريف الأخوّة، جليل الخطر، بعيد الأثر، كميش العُروة، أليف البَدوة، سليم جوانح الصّدر، قليل وَساوس الدّهر، ذاكرًا الله طَرفَي النّهار وزُلَفًا من الليل، الجوع والشّبع عنده سِيّان، لايُنافس في الدّنيا، وأقلّ أصحابه من يُنافس فيها، يطيل السّكوت، ويحفظ الكلام، وإن نطق نطق بِعُقام (بشدة)، يهرب من الدُّعّار الأشرار، ويألفه الأخيار». ثمّ قال هو كما قال أخو غَنِيّ:
    فتًى لا يُبالي أن يكونَ بوجهِهِ
    إذا سدّ خلاّتِ الكرامِ شُحوبُ
    إذا ما تَراآهُ الرّجالُ تحفّظوا
    فلم يَنطِقوا العَوراءَ، وهو قريبُ
    وما أُثِر عنه من شعر ـ وهو نزرٌ يسير ـ يُشاكل سَمْتُهُ سَمْتَ خطبه، بل يكاد يكون مُسْتلاًّ من رَوحها، مبنيًّا على أُسِّها، من ذلك قوله مفتخرًا:
    هَلاّ سألتَ بني الجارود: أيُّ فتًى
    لدَى الشّفاعةِ والباب ابنُ صُوحانا
    كُنّا وكانوا كَأُمٍّ أَرْضَعَتْ وَلَدًا
    عُقَّتْ ولم تُجْزَ بالإحسانِ إحسانا
    ونسب إليه صاحب «أعيان الشيعة» أبياتًا يرثي عليّ بن أبي طالبt منها:
    بكيتُكَ يا عليُّ بدرِّ عيني
    فلم يُغْنِي البكاءُ عليكَ شَيّا
    كفى حزنًا بدفنِكَ ثمّ إنّي
    نفضتُ ترابَ قبرِكَ من يَديّا
    وكانت في حياتك لي عِظاتٌ
    وأنت اليومَ أَوْعظُ منكَ حَيّا
    وليست له إنّما هي لأبي العتاهية، من قصيدة له يرثي عليَّ بن ثابت الأنصاريّ، ومكانها في ديوانه جدّ مكين، ولعلّ ورود اسم (عليّ) في الشّعر هو الذي أغرى محسن الأمين بها، فتوهّم أنها قيلت في عليّ بن أبي طالبt، ثمّ توّهم أنّه رثاه بها صعصعة؛
    وليس يصحّ في الأذهانِ شيءٌ
    إذا احتاجَ النّهارُ إلى دليلِ
    مقبل التّامّ عامر الأحمديّ
يعمل...
X