اختبار العدسات…
سأحاول في هذه المقالة التحدث عن طريقة بسيطة لاختبار العدسات فيما يتعلق ببعض خصائصها. يأتي هذا النوع من الاختبارات لأهمية الدراية التامة بقدرات العدسة والتخطيط للتصوير مستقبلا وكيفية التعامل مع العدسة من قِبل المصور. هناك اختبارات أكثر تعقيدا ومصممة لاستخلاص معلومات أكثر عن العدسة، ولكنّي هنا سأقوم بشرح بعض الأمور البسيطة التي لا تتخللها الحسابات كثيرا. سنرى هنا كيفية اختبار العدسة للعثور على ما يسمى بـ «البقعة الجميلة» (Sweet Spot)، وهو تعبير دارج يستخدم للدلالة على مقدار فتحة العدسة التي تكون الصورة فيها أشد حدة وأقل عرضة للتشتت الضوئي (Chromatic Aberration) أو الانحراف اللوني. سيكون المقال، رغم بساطته، طويلا بعض الشيء حيث سأحاول التدرج في الطرح مع بعض التفصيل إن أمكن، وسيكون الاختبار هنا لعدستين منفصلتين، لسبب معين سوف أذكره لاحقا، وهما عدستا «كانون 15مم ب/2,8 عين السمكة»، و«ڤويغتلاندر20مم ب/3,5».
التحضير
نحتاج لعمليات اختبار العدسات إلى مخطط معين مطبوع بحجم كبير. هذه المخططات تم تصميمها بشكل خاص وبطريقة معينة لاختبار بعض مقدرات العدسات وإمكاناتها. اخترت أنا هنا مخطط بسيط من إنتاج B&H ويمكن الحصول عليه من هذا الرابط. الحجم الأصلي لهذا المخطط عند تحميله يناهز 170سم عرضا و95سم طولا، وفي المقالة الأصلية باللغة الانجليزية تم طباعة هذا المخطط بحجم أصغر. أما بالنسبة لي فقد اخترت حجما بين هذين الاثنين، وهو حجم ورقة (A0) وهو ما يقارب 119سم عرضا و84سم طولا، وسيكون هناك بعض الهوامش البيضاء من الأعلى والأسفل (يجب عدم مط المخطط في برامج مثل الفوتوشوب لتعبئة المساحات المتبقية). يفضل أن تكون الطباعة على ورق لماع (Glossy) وذلك لزيادة التباين للمخطط وليبدو أكثر وضوحا.
يمكن تثبيت الورقة المطبوعة على حائط ما ولكن يفضل تثبيتها أولا على سطح صلب (لوح مثلا) وتعليقها. أنا شخصيا لم أفعل هذا ولكن الحق يقال، بأن التعامل مع ورقة كبيرة بهذا الحجم سيكون أسهل لو تم تثبيتها على سطح صلب أولا. أما أنا، فقد قمت بلصقها مباشرة بشريط لاصق على الحائط. يفضل أن يكون المكان ذو إضاءة جيدة وأن لا يُعلق المخطط على ارتفاع شديد؛ بل يكفي أن يكون على ارتفاع الصدر أو الرأس. يجب التركيز على أن يكون المخطط أفقيا تماما من غير ميلان قدر المستطاع، وشد الأطراف قليلا حتى تكون الورقة مستوية تماما.
عندما يتعلق الأمر بالإضاءة، يجب أن تكون الإضاءة متساوية، ولكن بسبب الصعوبات التي واجهتها في اختيار المكان لم يكن الخيار مفتوحا، ولهذا اعتمدت على ضوء الشمس المتسرب إلى الغرفة. يقترح البعض كذلك استخدام الومّاضات على الجهتين من الورقة ولكننا لن نعقد الأمور كثيرا هنا. من المهم أن لا تعكس الورقة اللامعة الأضواء بشدة حتى لا تختفي معالمها عند تصويرها.
تجهيز الكاميرا والعدسة
لا يخفى في مثل هذا الاختبارات فإنه لا بد من تثبيت الكاميرا على الحامل لمنع الاهتزاز مهما كانت سرعة الغالق سريعة (والحقيقة أن سرعة الغالق قد تكون بطيئة جدا لبضع ثوان كما كانت الحالة معي، وهذا يعتمد على مستوى الإضاءة). يفضل كذلك استعمال جهاز التحكم (السلكي أو اللاسلكي)، ويفضل أن توضع الكاميرا على نظام «قفل المرآة» (Mirror Lock)؛ والمقصود هنا هو المرآة العاكسة والتي تعكس المشهد من العدسة إلى العينية التي يشاهد المصور منها. عند الضغط على زر الغالق لالتقاط الصورة، فإن هذه المرآة تقوم بالدوران إلى الأعلى للسماح للضوء المار بالوصول إلى المستشعر. هذا الدوران قد يسبب اهتزازا طفيفا قد لا يشعر به المصور ولكنه بلا شك قد يكون سببا في تقليل حدة الصورة. حتى إن بعض المصورين قد اعتاد على تشغيل هذه الخاصية طيلة الوقت.
تشغيل خاصية قفل المرآة يختلف باختلاف الكاميرا؛ فبينما تكون عن طريق القوائم في داخل كاميرات الكانون، فهي تكون معينةً بزر خاص على الكاميرا في أنظمة نيكون. سوف يتطلب الأمر عند تشغيل هذه الخاصية ضغط زر الغالق مرتين لالتقاط الصورة: المرة الأولى لرفع المرآة، والثانية لالتقاط الصورة. قد يسبب هذا بعض الإرباك للوهلة الأولى ولكن المصور سرعان ما سيعتاد هذه الطريقة في التصوير. لضمان الثبات، يفضل الانتظار بين الضغطة الأولى والثانية لوهلة أو ثانية واحدة على الأقل للتأكد من انعدام الاهتزاز تماما. لهذا السبب يفضل استخدام جهاز التحكم عن بعد، وأنا شخصيا أفضل السلكي للوظائف الإضافية الممكنة فيه ولتقليل الارتباك. عند وضع الكاميرا على الحامل، يجب أن تكون الكاميرا مستوية من غير ميلان. للمساعدة في هذه العملية، فإن بعض الكاميرات (مثل كانون إيوس 7د) تمتلك شاقولا (ميزان تسوية) رقميا. في هذه الكاميرا يكون الوصول إليه عن طريق ضغط زر المعلومات (info) لعدة مرات (ويفضل العمل بنظام المشاهدة الآنية LiveView). على ذلك، يرجى الرجوع إلى كتيب التعليمات للكاميرا للبحث عن هذه الخاصية ووجودها من عدمه. إذا لم يكن هذا ممكنا، فإن هناك شواقيل منفصلة يمكن تثبيتها على الكاميرا (في منصة تثبيت الومّاض) للتأكد من توازن الكاميرا. يجب على المخطط أن يغطي مساحة النظر للعدسة تماما (أي أن المخطط يملأ حيز الصورة تماما)، ونظرا لكون المخطط قد صُمم بنسبة 16 إلى 9، فإنه من الممكن التغاضي عن الأطراف ويسمح أن تكون خارج الصورة ولكن يفضل إلى حد الإطار الرمادي وليس أكثر من ذلك. كل هذا العمل، يفضل أن يكون مع نظام المشاهدة الآنية على شاشة الكاميرا الخلفية (وإن كانت الكاميرا قديمة نوعا ما ولا يتوفر فيها هذا النظام، فإن النظر سيكون من خلال العينية طبعا). سيستغرق الأمر بعض الوقت. أنا شخصيا قد استغرقت حوالي 30 دقيقة لضبط الكاميرا مع إحدى العدسات. لو كانت العدسة ذات بعد بؤري طويل (100مم مثلا) فسيتطلب الأمر توافر المساحة اللازمة للابتعاد عن المخطط بالقدر المناسب حتى يملأ مجال الرؤية للعدسة، ولو كانت العدسة ذات بعد بؤري قصير (أقل من 50مم) فإن الأمر سيتطلب الاقتراب أكثر من المخطط لملأ مساحة التصوير. من المهم جدا أن يكون مستويا المخطط والمستشعر متوازيان، ولهذا السبب نقوم بضبط توازن الكاميرا بالشاقول (الرقمي أو المائي على الكاميرا) حتى نضمن هذا الأمر. وبالطبع فإن الدائرة الرئيسية في المخطط يجب أن تكون في منتصف الصورة. عند ضبط كل هذه الأمور المتعلقة بموقع الكاميرا نأتي الآن على الإعدادات المفضلة لالتقاط الصور وسنأتي لاحقا على إعدادات العدسة بالتفصيل:
1- يفضل العمل بنظام أولوية الفتحة «Av» (وفي النيكون «A»)، ووضع فتحة العدسة على أكبر قطر لها (أي أصغر عدد بؤري).
2- يتم ضبط طريقة قياس الضوء على التقييمي (Evaluative) أو المركزي (Center-weighted)؛ وأنا شخصيا أفضل الأولى.
3- يمكن ضبط «منطقة التركيز» حتى تكون في المنتصف، وسأتكلم لاحقا بالتفصيل عن ضبط التركيز لكون العدسات تختلف في خصائصها في ضبط التركيز.
اختيار وضبط منطقة التركيز في المنتصف، وهي تختلف باختلاف الكاميرا والنوع. يرجى مراجعة كتيب التعليمات لمعرفة كيفية الضبط. |
4- بعض الكاميرات تمتلك خاصية «تصحيح» الإضاءة الهامشية للصور الملتقطة (Peripheral Illumination Correction) – عند تواجد هذه الخاصية فيفضل عدم تفعيلها حتى تكون الصور الملتقطة معبرا حقيقيا عن قدرات العدسة من غير أي تصحيح أو تعديل.
5- يكون التصوير بنظام السالب الرقمي (RAW) لأنها ستوفر السلاسة في التعامل مع التعريض كما سنرى لاحقا.
6- يتم ضبط مقياس «تعويض الإضاءة» (EV) إلى «1+».
7- يمكن ترك المستوى الأبيض (White Balance) على النظام الآلي (AWB أو WB*A) ، حيث سيتم تعديله لاحقا بشكل سلس عند تحرير ملفات السالب الرقمي.
كان هذا ما يتعلق بالإعدادات المطلوبة للكاميرا، سنرى الآن إعدادات العدسة وطريقة ضبطها، وهنا سيلعب نظام المشاهدة الآنية دورا أساسيا لضبط التركيز. إذا كانت الكاميرا قديمة ولا تمتلك هذا النظام فلا مناص من الاعتماد على العين المجردة أو أي أدوات مساعدة للعينية لتوخي الدقة عند ضبط التركيز. من الجدير بالذكر في هذا المقام بأنه حتى مع توافر خدمة ضبط التركيز الآلي للعدسة (AF) فإننا لن نعتمد عليه كليا، ويجب على المصور التدقيق بمقدار حدة الخطوط في الصورة على الشاشة حتى بعد ضبط التركيز آليا. قبل ضبط التركيز يجب ضبط فتحة العدسة لأكبر قطر ممكن (أقل عدد بؤري). نأتي الآن على شرح إعدادات العدسة وهي تختلف باختلاف نوع العدسة: أ- العدسات الآلية: في هذا النوع من العدسات، يتم تشغيل النظام الآلي لضبط التركيز. عند العمل بنظام المشاهدة الآنية، فيجب تحريك مربع التركيز (الأبيض) إلى منتصف الشاشة والضغط نصف ضغطة على زر الغالق حتى يتم ضبط التركيز. عند ضبط التركيز ستصدر الكاميرا صفارة قصيرة. بعدها، نقوم بتعطيل خاصية الضبط الآلي وتكبير المنطقة تحت مربع التركيز إلى 10 أضعاف أو إلى أقصى حد ممكن (باستخدام أزرار التكبير الموجودة على اليمين عادة)، ومنها يتم تحريك حلقة ضبط التركيز على العدسة برقة شديدة للتأكد من حدة الخطوط الظاهرة على الشاشة. تعتبر هذه الخطوة ضرورية حيث أن عمل المستشعر لا يشابه عمل العين البشرية في طريقة ضبط الوضوح للصورة وأيضا لأسباب أخرى تتعلق بمستوى الإضاءة الموجودة.
ب- العدسات الشبه-آلية: وهي عدسات تكون فيها مجسات للتعامل مع الكاميرا ولكن لا يتوفر فيها نظام ضبط التركيز الآلي. وهي مع ذلك، مزودة بنظام يساعد على ضبط التركيز عن طريق الصفارة القصيرة. لضبط التركيز هنا علينا إطفاء نظام المشاهدة الآنية، والتأكد من أن إعدادات الكاميرا قد ضبطت على ضبط التركيز في منطقة المنتصف (كما ذكر سابقا في رقم 3 أعلاه). نقوم بعد ذلك بلف حلقة ضبط التركيز بشكل بطيء مع الضغط على زر الغالق نصف ضغطة بشكل متتابع حتى يصدر الصفير. نقوم بعدها بتشغيل المشاهدة الآنية مرة أخرى ومن ثم التكبير كما فعلنا سابقا في النوع (أ) من تكبير للشاشة والتأكد من حدة الخطوط. يمكن للمصور بالطبع العمل على ضبط التركيز مباشرة بشكل يدوي ولكن الاعتماد على الصفير يمنحنا الثقة في العمل وعن عدم الانزياح كثيرا عن منطقة التركيز. جدير بالذكر أن عدسة «ڤويغتلاندر» التي أنا بصدد دراستها هي من هذا النوع. ج- العدسات اليدوية: وهي العدسات التي لا تتوفر خاصية ضبط التركيز الآلي ولا تمتلك المجسات للتواصل مع الكاميرا. في مثل هذه الحالات، أفضل ما يمكن القيام به هو استخدام الشاشة مع التكبير وضبط التركيز عن طريق لف حلقة التركيز على العدسة. من الجيد أن يتم اللف ببطء ومعاينة الشاشة بدقة لملاحظة حدة الخطوط القصوى. من الممكن كذلك، لو شاء المصور ذلك، أن يقيس المسافة بين المخطط والمستشعر (الموسوم بعلامة «ø» على جسم الكاميرا) وضبط هذه المسافة على الحلقة، ومنها يتم البدء بضبط التركيز عند هذه النقطة. على كل، تكفي ملاحظة المصور لحدة الخطوط على الشاشة.
عند التأكد من كل هذه الإعدادات فإنه يمكننا الآن القيام بالتصوير مع توفر الإضاءة المناسبة وعدم انعكاس الإضاءات الشديدة على المخطط. الهدف من هذه الصور هو دراسة أداء العدسة عند فتحات معينة والمقارنة. يفضل للمصور القيام بتسجيل البيانات والخطوات التي يقوم بها لتلافي الخطأ، خاصة لو كانت العدسة يدوية تماما (العدسات الأخرى تسجل قيمة العدد البؤري مع الملف عند التصوير فيمكن معرفته بسهولة).