الومّاض 2…
كنت قد تكلمت في مقالة سابقة عن «الومّاضات» مع بعض التفصيل في وظائفها، لا سيما الومّاضات الصغيرة الحجم أو المحمولة. سوف أحاول في هذه المقالة التحدث ببعض الإسهاب عن بعض التقنيات المتعلقة بالعمل مع هذه الومّاضات، أو بعبارة أخرى، طرق الإضاءة وبعض المصطلحات المتعلقة بهذا النوع من الأعمال في التصوير. وبالرغم من كوني لست خبيرا في تصوير الوجوه والشخوص (Portraiture)، لكن سوف يكون جُل الحديث في هذا الإطار من عمل الومّاض (المحمول أو للأستوديو)، لكون هذا المجال هو الأكثر شيوعا، وكذلك لكون الكثير من المصطلحات المتعلقة في هذا المجال كانت قد استنبطت من لب مجال تصوير الوجوه والشخوص بالذات.
لن يكون هذا المقال حول الفلسفات الجمالية وما إلى ذلك، بل ببساطة: سرد للمصطلحات والوظائف والأمور العملية المتعلقة بالعمل مع الومّاض. لذلك أرجو من عزيزي القارئ، إن كان ممن يستهويهم العمل بالومّاضات، أن يكمل الفائدة من المقال بالتجربة والخطأ، في أي مجال من التصوير قد يكون مهتما به. معظم المعلومات التي ستذكر هنا هي من كتب أجنبية كنت قد قرأتها مسبقا، ولهذا فإن الكتب في هذه المجالات مفيدة كثيرا لكونها تناقش المواضيع بعمق لا يمكن الولوج إليه في مقالة من هذا النوع. لذلك أنصح دائما وأبدا بالجري وراء الكتب.
أساسيات
في البداية، لن أتكلم عن تاريخ الومّاض وصناعة الإضاءة في عالم التصوير، فهذا الموضوع كنت قد خضت فيه بالمقالات السابقة، ولكن لنتحدث عن أساسيات الومّاض، أو إن صح التعبير: المصطلحات المرافقة للعمل مع الومّاض. فعند العمل مع الومّاضات (من أي نوع كانت) يكون هناك أركان للبدء بتنصيب الومّاض. يتفق معظم المصورين على أن هذه الأساسيات هي أربع:
1. السواطع والظلال: وقد تحدثنا في كثير من المقالات السابقة عن هاذين المصطلحين، وعند العمل مع الومّاض يكون التركيز على منطقة سقوط الضوء (السواطع) والظل النابع عن هذا السقوط، كما أن نوع الإضاءة سوف يحدد شدة السواطع وتدرجها إلى مناطق الظل.
2. الشدة: ويقصد بها قوة الضوء الساقط على الموضوع، والحقيقة أن الشدة لا تتعلق فقط بقوة الومّاض في إصدار الوميض، بل وتتعلق أيضا بالمسافة بين الومّاض والموضوع حيث أن شدة الضوء ترتبط بالمسافة بعلاقة فيزيائية معروفة، وهي «قانون التربيع العكسي»؛ أي عند زيادة المسافة إلى الضعف فإن شدة الضوء سوف تقل إلى الربع (رياضيا: الشدة ∝ 1/المسافة2).
3. الاتجاه: ويقصد به، طبيعيا، اتجاه الضوء الساقط على الموضوع (أو بعيدا عنه)، وبطبيعة الحال فهو كذلك معني بمكان وقوع الظل من الموضوع، كما يلعب الاتجاه دورا هاما في إيضاح أو إبهام بعض الملامح والتفاصيل وما إلى ذلك.
4. اللون: وهو من العوامل المهمة حيث أن «إصلاح اللون» للومّاض ملزم للعمل معه في بيئات وظروف معينة، وقد يكون تلوين الإضاءة لغرض إبداعي محض.
وسوف أحاول الولوج في شرح بعض هذه العوامل في تشكيل الإضاءة بالومّاض كل على حدة، محاولا عرض بعض الأمثلة متى ما أمكن ذلك.
أ- السواطع والظلال:
تتأثر السواطع والظلال للموضوع بنوع الإضاءة الساقطة عليه. فإذا كانت الإضاءة شديدة، فستكون السواطع والظلال شديدة تباعا، وقد يكون مثال الشمس في كبد السماء وقت الظهيرة أبسط مثال على ذلك، حيث أن في هذا الوقت نلاحظ بهتان الألوان والأجسام بشكل عام، وحلوك الظلال كذلك. وأيضا قد تنتشر وتلطف الإضاءة عند تلبد السماء بالغيوم فنلاحظ عندها خفة الحدة في الإضاءة والظلال أيضا (حتى قد يتلاشى الظل أحيانا).
من هذا المنطلق، فقد تم تقسيم الضوء الناتج من الومّاض إلى نوعين أساسيين، وهما: البرّاق أو المركّز (specular)، والمنتشر أو المبعثر (diffused). لتوحيد المصطلحات في المقالة، سوف استخدم مصطلحي «البراق» و «المنتشر» فقط.
تكون إضاءة الومّاض بشكل عام براقة، ولو تخيلنا منطقة سقوط الضوء فإنها ستكون دائرية الشكل وتكون أشدها في المنتصف بينما تخف حدة الضوء كلما ابتعدنا عن المركز. قد لا يتناسب هذا النوع من الإضاءة مع الموضوع والفكرة المطلوبة (مثلا: لا ينصح بإضاءة الأجسام اللامعة كالمعادن والزجاج بالوماض مباشرة)، وعليه فقد تم إيجاد طرق كثيرة لنشر الضوء والتخفيف من حدته، لعل ابسطها زيادة المسافة أو استخدام الانعكاس. أخيرا، تعنى هذه الخاصية في التركيز والتشتيت بالإحاطة بمنطقة واسعة من الموضوع أو التركيز على حيز ضيق منه.
ب- الشدة:
المقصود بالشدة هو قوة الإضاءة، والتي قد تتشابه في المنطق مع ما تعرضنا له من تركيز الإضاءة أو نشرها، ولكن الشدة هنا معنية أكثر بقوة الإضاءة ذاتها بغض النظر عن تشتيتها أم لا، وكذلك معنية بالمسافة بين الموضوع والإضاءة (يمكن تشتيت الإضاءة مثلا، ولكن تقريبها من الموضوع سوف يشددها على الموضوع). وكما تعرضنا سابقا، فإن العلاقة الحاكمة بين شدة الضوء والمسافة هي علاقة عكسية تربيعية.
غالبا ما تكون الشدة القصوى في الصورة منوطة بالإضاءة الرئيسة (في تصوير الشخوص خاصةً، Key Light)، ومن ثم تتبعها الإضاءات الأخرى كـ «الملء» (Fill Light) والتي تعنى بتخفيف الظل في الصورة (لإظهار التفاصيل في تلك المناطق)؛ وهناك الإضاءات الأخرى التابعة التي يناط بها وظائف مختلفة، كإضاءة الشعر في تصوير الشخوص مثلا (Hair Light). منطقيا، كل هذه التوابع من الإضاءات يجب أن تكون أقل شدة من الإضاءة الرئيسية التي تشكل المحور الرئيس في الصورة. علاوة على ذلك، تكون شدة الومّاض الواحد مختلفة ووقعها مختلف على الموضوع المضاء، حيث كما سبق القول، فإن إضاءة الوماض تكون دائرية ومتمركزة في مركز الدائرة وتتدرج في الشدة بعيدا عن المركز حتى تتلاشى. من الممكن إضاءة الموضوع في المناطق متلاشية الشدة من هذه الدائرة بدلا من جعله في مركز الإضاءة، وتسمى هذه الطريقة في الإضاءة في بعض الأحيان بـ «التجنيب» (Feathering) – أي تخفيف شدة الإضاءة على الموضوع عن طريق إزاحته بعيدا عن مركز الإضاءة إلى الجوانب (أو بالأحرى إزاحة مركز الإضاءة بعيدا عن الموضوع حتى تسقط أطراف دائرة الضوء على الموضوع).
ج- الاتجاه:
ويقصد به محور الإضاءة الرئيسية، من المصدر إلى الموضوع. ولكن هناك اتجاهات أخرى تهم مصور الشخوص وتعمل يدا بيد مع محور الإضاءة الرئيسية، وهما: محور الكاميرا (أي اتجاه الرؤية بالنسبة للكاميرا)، ومحور الوجه (إلى أين تنظر العينان). لكل محور من هذه المحاور وظيفة معينة تساهم في خلق الصورة ولكن ما يهمنا منها الآن هو محور الإضاءة الرئيسية.
تعتبر الإضاءة الرئيسية (Key Light) العمود الفقري لتشكيل السواطع والظلال في الصورة، وأحد أهم العوامل في هذا التشكيل هو الاتجاه الذي سيحدد أين سيقع الظل. وعليه، فإن الاتجاه يلعب دورا مهما في إضفاء الحس العام على الصورة (نعومة، قسوة، غموض، رعب… الخ). جرت العادة عند دراسة تأثيرات اتجاه الإضاءة بتعيين الدرجات لمقدار الالتفاف حول الموضوع والارتفاع (والنزول أحيانا) عن مستوى الموضوع، وتُكتب بصيغة (س،ص)، حيث تكون «س» هي لمقدار الالتفاف ابتداءً من محور الكاميرا وبعكس عقارب الساعة، وتكون «ص» هي لمقدار الارتفاع أو النزول عن مستوى الموضوع. مثال على ذلك: إضاءة موضوعة على اتجاه (45،90) تكون على يمين الكاميرا ومرتفعة بمقدار 45 درجة فوق الموضوع، بينما تكون (45،270) يسار الكاميرا. تعيين هذه الاتجاهات هي لتسهيل الدراسة فقط، وطبعا يتم تعيينها بشكل تقريبي وليس بشكل دقيق. من المفيد جدا أن يعمل المصور، لا سيما مصور الشخوص، على إجراء التجارب وتسجيل الملاحظات الشخصية لكل اتجاه وتأثيره على الحس العام وما إلى ذلك حتى تكون مرجعا له عند التصوير لاحقا.
جدير بالذكر بأنه لا ينصح باستخدام الإضاءة باتجاه محور الكاميرا (0،0)، أي إضاءة الموضوع بشكل مباشر، حيث أن ذلك يتسبب بظهور الظلال الحالكة التي لا تخدم الرونق العام للصورة (والوجه خاصةً)، علاوة على «تسطيح» ملامح الوجه وعدم إضافة العمق المطلوب في الصورة. هذا لا يعني بأن هذه الاتجاه هو اتجاه خاطئ للإضاءة، ولكن في عملية خلق صورة مبدعة، يتم تحاشي هذا الاتجاه خاصة أو نشر الإضاءة وتخفيفها من هذا الموقع على الأقل، وقد يمكن كذلك استخدام إضاءات ملء ثانوية من عند هذا المحور؛ فكل هذه الأمور تعتمد على فكرة المصور في المقام الأول.
د- اللون:
يعتبر لون الإضاءة من الأمور التي قد تجلب بعض الإرباك لبعض المصورين نظرا لاختلاط المفاهيم؛ فهناك لون الومّاض، ولون الإضاءة العامة، هذا بالإضافة إلى لون البشرة عند تصوير الشخوص والوجوه، كما كنا ناقشنا بعض موضوعات الألوان في المقالات الأولى على هذه المدونة. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل أن التصوير بالأبيض والأسود قد يتأثر مسبقا بتوازن الألوان في المشهد المصور وبتعيين «المستوى الأبيض» في الكاميرا، وذلك لأن التصوير بالأبيض والأسود يعتمد أساسا على كمية الضوء المنعكس من اللون (أو لمعان اللون إن صح التعبير، Lightness/Luminance)، وهو الشيء الذي حدا إلى استعمال المرشحات الخاصة عند التصوير بالأبيض والأسود لإبراز تفاصيل معينة في الموضوع دون الأخرى.
على أية حال، سيكون حديثنا في هذا المقام عن ألوان الومّاض بحد ذاته، والذي غالبا ما يصنف كونه ضوء «نهاري» (Daylight) – أي أن لونه يتقارب مع الضوء العام وقت النهار في وقت الظهيرة عندما تكون السماء صافية، وهو لون مال إلى الزرقة. دون الدخول في عالم (حرارة الألوان) والتي ناقشناها في مقالات قديمة، يوجد هناك بعض الإعدادات المسبقة في الكاميرا والتي تساعد على موازنة هذه الزرقة في ضوء الومّاض عن طريق زيادة اللون الأصفر في الصورة (بمقدار معين).
يتعقد الموقف أحيانا عند اختلاط الإضاءة وأنواعها. ولهذا، فإن تغيير «المستوى الأبيض» للكاميرا ببساطة لن يكون الحل الأمثل؛ قد تتم موازنة اللون العام للومّاض، ولكن ليس الإضاءات الأخرى في المكان. وعليه فقد يلجأ المصور في هذه الحالة إلى تعديل لون الومّاض عن طريق وضع مرشحات هلامية ملونة خاصة تتوافق في لونها مع لون الإضاءة الموجودة، وعندها ستكون حرارة جميع الألوان – من ومّاض وغيره في المكان – من درجة واحدة تقريبا، وبالتالي يسهل تكييف تأثير «المستوى الأبيض» على المشهد العام بالتساوي. ومن الممكن استخدام هذه المرشحات على الإضاءات العامة الأخرى حسب تصنيعها، حيث يصنع البعض منها مقاوما للحرارة ليتم تثبيته على مصادر الضوء القوية لتصحيح ألوانها. لعل أبرز هذه المرشحات التصحيحية هما نوعان أساسيان: الأزرق (CTB) والبرتقالي (CTO)، واللذان يستخدمان لإزاحة حرارة الألوان لمصدر الضوء باتجاه الأزرق أو البرتقالي تباعا. كما يتم تحديد مقدار تشبع اللون في المرشح بالأربع والأنصاف أو بدرجة كاملة إذا لم يتم تعيين العدد على المرشح. فمثلا (CTO½) تعني نصف برتقالي وكذلك (CTB¼) تعني ربع الأزرق وهكذا. تفيد هذه التدرجات على المعايرة لمختلف مستويات وألوان الإضاءات المختلفة، وقد تفيد أيضا على الموازنة بين تصحيح اللون للمصدر والتقليل من فقد شدة الضوء، حيث أن استعمال المرشحات على مصادر الضوء، لا سيما الومّاضات المحمولة، يُفقدها بعض الشدة ويُكتب مقدار هذا الفقد (بصيغة الخطوات أو الوقفات) على المرشح عادة؛ من مثل 2Stop، أي فقد لخطوتين من الإضاءة.
بجانب هذه الاستخدامات فإن هناك الاستخدامات الإبداعية للألوان والتي لا تخضع لقانون خاص وإنما لخيال المصور، والألوان في هذا المجال متنوعة وبدرجات مختلفة ويتم أحيانا وصمها كذلك بعدد الخطوات المفقودة من الضوء المار بها. ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن الألوان المختلفة يمكنها أن تنتج ألوانا ثانوية كذلك عند اندماجها، ولهذا يجب على المصور الحذر عند إسقاط ألوان مختلفة على موضوع ما إذا كان دمج الألوان غير مرغوب فيه.
جدير بالذكر كذلك بأن تشبع اللون المستخدم مع الومّاض يقل بزيادة قوة الومّاض (أي يبهت اللون أكثر كلما زاد وهج الوميض). وعليه، فإنه لزيادة تشبع لون المرشح قد يضطر المصور إلى خفض قوة الوميض حتى يحصل على اللون المطلوب.
تعليق