تصدّرت الصّحف الرّئيسيّة مؤخّرًا خبرًا هامًّأ لعالم الفيزياء ِستيفن هوكينج (Stephen Hawking) يعلنُ فيه أنّه وجدَ حلًا للتّناقضِ المتعلّق بالمعلومات في الثّقوب السّوداء، حيث قدّم تفسيراتٍ محتملة عن كيفيّة قيام الثّقوب السّوداء بمحو المعلومات مع استرجاعها بشكل متزامن.
هذا وقد وضع هوكينج بحثه على موقع arZiv.org كي يطّلع عليه علماء الفيزياء قبل طباعته بغية إزالة مافيه من فجوات.
وبعد مرور ستّة أشهر تقريبًا، نُشرَالبحث في صحيفة مختصّة بمراجعة الأبحاث بشكلٍ دقيقٍ، وذلك لإعادة النّظر فيما توصّل إليه هوكينج، خصوصًا أن هذا البحث قد وجد الحلّ لهذا التّناقض.
ولكي نوضّح أكثرَ أهميّة هذا الموضوع، ينبغي أن نشرح ما هو التّناقض الذي أشار إليه ستيفن هوكينج.
فمن المعروف أنّ معلوماتنا الأصليّة عن الثّقوب السّوداء قد عرفناها وفقًا لنسبيّة آينشتاين، والتي تنصّ على أنَّ كلّ ما يعبرُ أفق الحدَث ( حدود الثقب الأسود) سيُفقَد إلى الأبد بما في ذلك الضّوء، فهو لن يتمكّن أيضًا من الهرب منها ويعتبر هذا سببًا وراءَ تسميتها بالثقوب السّوداء، أما عن السّبب الثاني فيتجلّى بعدم قدرتنا نحنُ البشر على رؤية واحدٍ منها.
وفي سبعينات القرن الماضي، اقترحَ هوكينج أن الإشعاعَ يستطيع الهربَ من الثّقب الأسود معتمدًا في طرحه لهذه المعلومة على قوانين ميكانيك الكمّ، فحالما يبتلع الثّقب الأسود زوجًا مؤلّفًا من الجسيم والجسيم المضاد له.
ستشعُّ الجسيمات في الفضاء آخذة معها قليلًا من طاقة الثقب الأسود أثناء المغادرة، وكنتيجةٍ لذلك تختفي الثقوب السّوداء تاركة وراءَها أثرًا وحيدًا يتمثلّ بإشعاع كهرومغناطيسيّ ينبعث منها ويدعى بإشعاع هوكينج.
وتكمنُ المشكلة الحقيقيّة، تبعًا لحساباتِ هوكينج، أنّ هذه الإشعاعات لن تقدّمَ لنا أيَّة معلومات مفيدة عن ماهيّة الأشياء التي ابتلعها الثقب الأسود أو عن صحّة ضياع الإشياء التي ابتلعها إلى الأبد، وهذا لا يتماشى أبدًا مع مفاهيم الفيزياء الحديثة التي تخبرنا بإمكانيّة عكس الوقت نظريًّا، أي أنَّ عملية سيرِ الكون ستكون متماثلة إذا قمنا بتشغيله من الخلف إلى الأمام.
ولتفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، أشارَ دينيس أوفرباي Dennis Overbye لصحيفة نيويورك تايمز New York Time’s أنَّ الكونَ يمكن اعتباره كحاسوب خارقٍ.
ويفترضُ أن يكون قادرًا على تعقّب فيما إذا كانت هذه سيارة شحن خضراء والثانية بورش حمراء أو ما هي الجسيمات أو مضادات الجسيمات التي تتألف كلٌّ منها، ومن الممكن لهذه الموادِّ أن تُدمَّرَ إلا أنَّ المعلومات الخاصّة بها والصفات الأساسية لهذه المواد الفيزيائية ستبقى ولن تفنى أبدًا.
ومن هنا تأتي المفارقة الكبيرة التي لم يقع بها علماءُ الفيزياء الفلكيّة وحدهم، فكيف يمكن لقوانين ميكانيك الكمّ أن تُطبَّق علينا إذا لم نستطع تطبيقها أيضًا على الثّقوب السّوداء في الكون؟
إلا أنَّ هوكينج تمكّن مؤخرًّا من إيجاد حلّ يخبرنا فيه أنَّ هذه الثّقوب قد تمتلك هالة من الشّعر النّاعم تحيط بها وتعمل على تخزين المعلومات، وهذا الشّعر المحيط بها ليس كالشّعر الذي نعهده أبدًا بل هو عبارة عن اهتياجات كمّيّة ذات طاقةٍ منخفضة وتحمل معها نموذجًا مميّزًا عن الأشياء التي تبخّرت بعد فترة طويلة من ابتلاعها عبر الثّقب الأسود.
وينوّه اوفرباي مجدّدًا إلى أنَّ هذا الشّعر يمكن تشبيهه بالثّنيات الموجودة في قرص الفينيل الذي يُخزّن عليه مقطوعات موسيقيّة، فيحتفظ هذا الشّعر بمعلوماتٍ عن كل ما مرّ في أفق الحدث.
وقد توصّل هوكينج لهذه النتيجة بعدما عرضَ افتراضاته الأصلية عن الثّقب الأسود والمشكلتين اللتين واجهتاه حولها إلى أن استطاع القول بأنَّ فرضياته الأساسيّة حول الثقب الأسود كانت خاطئة.
وينصُّ هذان الافتراضان على أنَّ الأثير في الجاذبيّة الكمّيّة فريدٌ من نوعه، وأنَّ الثقوب السوداء لا تملك شعرًا كمّيًّا وهذا ما يزيدُ الأمر تعقيدًا، مما دفع هوكينج لتنقيح حساباته مجدّدًا موضّحًا فيها أنَّ الثقوبَ السوداءَ لها هالات من الشّعر النّاعم حولها.
هذا وقد نُشرَالحلّ السَّابق في الصّحف الفيزيائيّة بعدما تمّت مراجعته، وقد صرّحَ العلماء أنَّ هذه الافتراضات الحديثة والمنقّحة التي وضعها هوكينج تعطينا نتائج واعدة في طريق إيجاد الحلّ لهذه المتناقضة.
هذا وقد علّق الفيزيائي غاري هورويتز Gary Horowitz من جامعة كاليفورنيا حول هذا الموضوع قائلًا: ” تجدر الإشارة إلى أنَّ هذا البحث لا يقدّم حلًّا نهائيًّا لمشكلة المعلومات الخاصّة بالثّقوب السّوداء، وينبغي أولًا إجراء دراساتٍ وتحليلاتٍ متكرّرة حول الجاذبيّة بدلًا من الحقول الكهرومغناطيسيّة.
وهذا ما يعمل المؤلّفون عليه حاليًّأ، كما وتشير الحسابات إلى أنَّ وضع التجاذب سيكون متماثلًا كما أنَّ الشّعر النّاعم لن يكفيَ لمعرفة ما يقع داخلَ الثّقوب السّوداء”.
ويقوم انتقاد هورويتز السّابق على مدى قدرة هالات الشّعر فعلًا على مساعدتنا في التّعرف على الأشياء التي وقعت داخل الثّقب الأسود بدلّا من الطاقة المميّزة التي تنبعث منها بعد فقدان هذه الأشياء إلى الأبد.
ومع ذلك فقد أضاف إلى أنَّه وبالاعتمادِ على هذه الاستنتاجاتِ الحديثة، سنكتشفُ أنواعًا جديدة من هذا الشّعر النّاعم ومع استمرارِالدّراساتِ والأبحاثِ حول هذا الموضوع سنتوصّل إلى حلّ لمشكلة المعلومات المتعلقة بالثقوب السوداء.
وينبغي أن نشيرَ إلى أهمّيّة اليوم الذي سنتوصَّل إليه لوضع حلٍّ نهائيٍّ وتامٍّ لهذه المشكلة، فسنكون حينها على مقربة كبيرةٍ من فهم الثقب الأسودِ الذي يعتبر واحدًا من أكبر الألغاز الكونيّة وأغربها.
وفي الختام، يمكننا أن نختصرَ ما وردَ في هذا المقالِ بالاستنادِ لأقوال ستيفن هوكينج في العام الماضي، فالثّقوب السوداء ليست سجنًا كما نحن نتوقعها، فإذا وقعت في ثقبٍ أسودَ مثلًا عليك ألّا تقلق، فقد تترك أثرًا يعلق في محيط هذه الثّقوب أثناءَ طريقك للخروج منه.