قصة صورة: المحارب…
لم أدون على هذه المدونة لفترة من الزمن، ولذلك أخترت اليوم أن أتحدث عن صورة كنت قد صورتها منذ أسابيع مضت. ليس من عادتي في هذه المدونة أن أتحدث عن كيفية تصوير الصور التي التقطها (عدا تلك الفائزة بالميدالية الذهبية العام الماضي)، وغالبا ما أترك هذا الأمر للتدوين في مدونتي الأخرى باللغة الانجليزية، بينما أركز في هذه المدونة على التقنيات والمعلومات العامة في التصوير وتعريبها قدر المستطاع. على أنّي أعتقد بأنه قد حان الوقت للتحدث عن بعض الصور وكيفية التقاطها، حتى إن كانت فاشلة، والوقوف على أسباب فشلها فعليا إن أمكن ذلك. لعل هذا النقاش وهذه الأفكار تكون مفيدة للقارئ العزيز.
الخلفية
الصورة قيد الحديث هنا كانت قد التقطت قبل أسابيع لمناسبة خاصة، وهي شهر التوعية بمرض تلف الشبكية الصباغي (أو التهاب الشبكية الصباغي) - Retinitis Pigmentosa، وهو مرض يصيب شبكية العين (التي تعتبر بمثابة مستشعر الضوء للكاميرا) فيجعلها محدودة الرؤية بأشكال مختلفة ويُضعف من قدرتها على التحليل الضوئي واللوني، بشكل مشابه نوعا ما إلى حالة مرض العشا الليلي، ولكن في حالة هذا المرض فإن المسببات وراثية بحتة وغير عضوية كما هي الحال في العشا الليلي، وقد يتطور المرض إلى العمى الكلي مع تقدم السن في بعض الحالات.
بالرغم من أن شهر التوعية هذا هو شهر فبراير من كل عام، ولكن بسبب انشغالي في أمور شتى التقطت هذه الصورة في شهر مارس. وهي في الحقيقة عادة اتخذتها منذ ما يقارب ثلاث سنوات مضين، حيث أقوم بتصوير صورة أو أكثر للتعبير وللتنويه بهذا المرض (الذي أعاني منه).
قصة الصورة
في البداية، كنت قد فكرت ببعض الأفكار المعينة لتطبيقها ولكن تطبيقها جاء مخيبا للآمال؛ لأسباب تقنية في المقام الأول. ولذلك أصبحت مفكرا بطريقة أخرى وفكرة أخرى للعمل عليها، ولهذا السبب استغرق الأمر بعض الوقت، حتى انتهى شهر فبراير المعني. ولقد كانت الفكرة هي إظهار معاناة المصابين بهذا المرض حتى في عمل الأشياء البسيطة أحيانا (البسيطة للأصحاء). لنرى الصورة الآن وسأتطرق لشرح محتوياتها فيما بعد. بداية، كان التفكير في محتوى الصورة: شخص مجهد من الحياة والمرض، وللدلالة على سبب الإجهاد، تم استخدام العصا الخاصة للعُمي وضعاف البصر؛ وهي عصا مميزة وغالبا ملونة باللونين الأحمر والأبيض (وأحيانا بالأصفر) يستخدمها المعنيون عند السير. أنا لا أستخدمها شخصيا، ولكني ابتعت واحدة للحاجة إن تطلب الأمر ذلك مستقبلا. منذ البداية، كان التفكير في ترك انطباع «درامي» أو ذي مشاعر قوية، وغالبا ما يتم هذا الأمر عن طريق استخدام إضاءة «أحادية الاتجاه» - قد تكون هذه الإضاءة من مصادر عدة باتجاه واحد، وقد تكون باستخدام مصدر واحد باتجاه واحد. الإضاءة في اتجاه واحد تقوم عادة بتوضيح جانب من الصورة (الشخص أو الوجه) وتقوم في الوقت ذاته بإخفاء المعالم الأخرى بالظل، ويمكن تخفيف حدة هذين (الإضاءة والظل) باستخدام أساليب التشتيت لنشر الإضاءة. فهنا، الحدة لا تعني بالضرورة إظهار جميع المعالم في منطقة الضوء، ولا تعني كذلك طمس المعالم في منطقة الظل ولكن في كثير من الأحيان يكفي الإشارة لهما لتكوين صورة ذات مزاج سوداوي قليلا (بمصاحبة التعابير والوضعيات المناسبة لذلك). اكتفيت في هذا المقام باستخدام ومّاض واحد مع مشتت بيضاوي. والحقيقة إنني أصبحت أحب العمل بهذا المشتت في الآونة الأخيرة لجعله الومّاض بمثابة المصباح الكهربائي إلى حد ما، مما يسهل التعامل معه، علاوة على سهولة التركيب مقارنة بمعدلات الضوء الأخرى التي أمتلكها. في البداية، كان الومّاض على الأرض، ولكني فضلت وضعه على مستوى الجسد لاحقا، على طاولة جانبية، حتى لا يضاء الوجه بشكل حاد من الأسفل (وهذه الطريقة مستخدمة غالبا في أفلام الرعب الكلاسيكية). تم التحكم بالومّاض لاسلكيا من الكاميرا بذاتها (توفر كاميرا كانون إيوس 7د التواصل مع الومّاضات بشكل لاسلكي بالموجات تحت الحمراء). وبما أن المزاج العام للصورة يجب أن يكون «سوداويا» قليلا، فقد استخدمت قدرة منخفضة للإضاءة للحفاظ على مبدأ الظلام في الصورة. كان هذا فيما يخص الإضاءة، ولكن العنصر الأول في تكوين الصورة في الحقيقة كان العدسة المستخدمة هنا؛ فهي عدسة لا علاقة لها بتصوير الشخوص أساسا ومهيئة لتصوير المساحات على وجه الخصوص. هذه العدسة هي عدسة سيغما 12-24مم. تم التصوير هنا عند 12مم من البعد البؤري، وبؤرة ب/4,5 – وهي أكبر حجم للبؤرة لهذه العدسة. لقد أجبرت على استخدام هذه العدسة بسبب ضيق مساحة التصوير في الغرفة؛ فالأجدر هنا عند تصوير الشخوص والوجوه هو استخدام عدسة ذات بعد بؤري مساو لـ50مم أو أكثر (في حالة كاميرا كانون إيوس 7د ذات معامل قطع مساو لـ1,6×). ولكن الظروف تحتم أحيانا تغيير المسلمّات. حاولت كذلك استخدام عدسة ببعد بؤري مساو لـ20مم ولكنها لم تفِ بالمطلوب كذلك، وعليه لجأت إلى الحل الأخير المتوفر هنا وهو هذه العدسة، ببعد بؤري مساو لـ12مم. من المشاكل التي واجهتني هنا مع هذه العدسة هو حقيقة أن قطر البؤرة لا يمكن أن يكون أكبر من ب/4,5؛ فكلما كبرت البؤرة كلما ازدادت الغشاوة في المناطق خارج عمق الميدان (ميدان أو مجال التركيز) وهو ما يساعد أحيانا على تكوين المؤثر المعروف باسم «بوكيه» (Bokeh من اليابانية، بمعنى غشاوة). نلاحظ في الصورة وفي الزاوية اليسرى في الأعلى، هناك أثر لأحد الرفوف والذي يبدو واضحا بعض الشيء بالرغم من محاولاتي العدة لطمسه وتقليل أثره قدر المستطاع. فلو كانت البؤرة بقطر أكبر من ب/4,5 (مثلا: ب/2,8) لكانت الغشاوة كفيلة بطمس معالم هذا الرف أكثر مما نراه هنا. بؤرة بهذا القطر لا تتوفر لدي سوى بعدسة 50مم مع الأسف، ولا يمكن استخدامها هنا لقصر المسافة بين الموضوع والكاميرا. بيد أني لو خُيّرت بين استخدام هذه العدسة لتصوير ذات اللقطة وبين عدسة 50مم، لرجحت هذه العدسة للنتائج التي لم أكن أتوقعها فعلا. فنرى هنا بروز الوجه واليد (وهما في الأمام من الجسد) وهذا بفضل التشوهات البصرية المصاحبة لعدسات الزوايا الواسعة كهذه المستخدمة هنا؛ فهذه العدسات، على سبيل المثال، تُستخدم لتصوير الغرف الداخلية في المنزل للإيحاء برحابة المكان – فكل ما هو قريب منها سيبدو كبيرا، وكل ما هو بعيد عنها يبدو صغيرا نسبيا. فلو دققنا النظر في الصورة سنرى بأن القدم على الأرض صغيرة بالمقارنة مع الحجم الطبيعي للوجه واليد. هذا التشوه والاختلاف في الأبعاد جعل التركيز البصري على منطقة الوجه واليد بسبب بروزهما بشكل ملحوظ أكثر من العناصر الأخرى في الصورة.
للإيحاء بالتعب والإعياء، قمت أولا برش الماء من بخاخ ولكنه لم يفِ بالغرض كثيرا، ولذلك اضطررت إلى تبليل الشعر (والملابس) بالوقوف تحت الرذّاذ (أو رأس المشن، المِنضحَة) والاستحمام لوهلة لتبليل الشعر بالشكل الكافي (حمدا لله لم يصبني الرشح أو الزكام بعد ذلك!). كنت قد التقطت بضع صور مع تغيير بسيط في الوضعية ولكن يبدو أن أنسبها هي هذه، والتي كانت أول صورة في سلسلة الصور. أما ما تبقى من أمر هذه الصورة هو المعالجة الرقمية والتي سأحاول اختصارها على شكل نقاط كالتالي:
الخاتمة
بهذا تنتهي قصة هذه الصورة، والتي أرجو أن تكون ذات فائدة لعزيزي القارئ بمعلوماتها البسيطة. ولم أشأ هنا التعرض إلى التفاصيل المملة للعمل في التحرير (في برنامج الفوتوشوب) وما إلى ذلك لكونها تقنية بحتة، بل حاولت سرد مجمل العمل وأسباب العمل أو التأثير.
في كثير من الأحيان نرى بعض المصورين الذين يتحدثون عن أدواتهم المختلفة في التصوير وهناك بعض «التصنيف» في عملية اختيار العدسات، إن صح التعبير. فهناك من يصنف عدسة 80مم وما فوق (للمستشعرات الكاملة، 35مم) كعدسة خاصة لتصوير الشخوص، وعدسات الزوايا الواسعة مخصصة لتصوير المساحات، وما إلى ذلك من التصنيفات. إن هذه التصنيفات وإن كانت «مثالية» للمهام المنوطة للعدسات التي تُذكر في هذه التصنيفات، إلا أنها ليست قاعدة أو قانونا يجب التقيد به، بل يجب أن يكون هناك حيز للإبداع في استخدام العدسات لخصائصها بحد ذاتها وطبقا للنظرة العامة للصورة المطلوب إنشاءها مقدما. وأرى بأن هذه الصورة التي أسهبت الحديث عنها هنا قد أثبتت ذلك. هذا، حتى نلتقي في مقالة أخرى إن شاء الله… وأتمنى لكم تصويرا سعيدا!
لم أدون على هذه المدونة لفترة من الزمن، ولذلك أخترت اليوم أن أتحدث عن صورة كنت قد صورتها منذ أسابيع مضت. ليس من عادتي في هذه المدونة أن أتحدث عن كيفية تصوير الصور التي التقطها (عدا تلك الفائزة بالميدالية الذهبية العام الماضي)، وغالبا ما أترك هذا الأمر للتدوين في مدونتي الأخرى باللغة الانجليزية، بينما أركز في هذه المدونة على التقنيات والمعلومات العامة في التصوير وتعريبها قدر المستطاع. على أنّي أعتقد بأنه قد حان الوقت للتحدث عن بعض الصور وكيفية التقاطها، حتى إن كانت فاشلة، والوقوف على أسباب فشلها فعليا إن أمكن ذلك. لعل هذا النقاش وهذه الأفكار تكون مفيدة للقارئ العزيز.
الخلفية
الصورة قيد الحديث هنا كانت قد التقطت قبل أسابيع لمناسبة خاصة، وهي شهر التوعية بمرض تلف الشبكية الصباغي (أو التهاب الشبكية الصباغي) - Retinitis Pigmentosa، وهو مرض يصيب شبكية العين (التي تعتبر بمثابة مستشعر الضوء للكاميرا) فيجعلها محدودة الرؤية بأشكال مختلفة ويُضعف من قدرتها على التحليل الضوئي واللوني، بشكل مشابه نوعا ما إلى حالة مرض العشا الليلي، ولكن في حالة هذا المرض فإن المسببات وراثية بحتة وغير عضوية كما هي الحال في العشا الليلي، وقد يتطور المرض إلى العمى الكلي مع تقدم السن في بعض الحالات.
بالرغم من أن شهر التوعية هذا هو شهر فبراير من كل عام، ولكن بسبب انشغالي في أمور شتى التقطت هذه الصورة في شهر مارس. وهي في الحقيقة عادة اتخذتها منذ ما يقارب ثلاث سنوات مضين، حيث أقوم بتصوير صورة أو أكثر للتعبير وللتنويه بهذا المرض (الذي أعاني منه).
مقارنة بين الشبكية لعين مصابة بتلف الشبكية الصباغي (يمين) ولعين طبيعية (يسار). المصدر |
قصة الصورة
في البداية، كنت قد فكرت ببعض الأفكار المعينة لتطبيقها ولكن تطبيقها جاء مخيبا للآمال؛ لأسباب تقنية في المقام الأول. ولذلك أصبحت مفكرا بطريقة أخرى وفكرة أخرى للعمل عليها، ولهذا السبب استغرق الأمر بعض الوقت، حتى انتهى شهر فبراير المعني. ولقد كانت الفكرة هي إظهار معاناة المصابين بهذا المرض حتى في عمل الأشياء البسيطة أحيانا (البسيطة للأصحاء). لنرى الصورة الآن وسأتطرق لشرح محتوياتها فيما بعد. بداية، كان التفكير في محتوى الصورة: شخص مجهد من الحياة والمرض، وللدلالة على سبب الإجهاد، تم استخدام العصا الخاصة للعُمي وضعاف البصر؛ وهي عصا مميزة وغالبا ملونة باللونين الأحمر والأبيض (وأحيانا بالأصفر) يستخدمها المعنيون عند السير. أنا لا أستخدمها شخصيا، ولكني ابتعت واحدة للحاجة إن تطلب الأمر ذلك مستقبلا. منذ البداية، كان التفكير في ترك انطباع «درامي» أو ذي مشاعر قوية، وغالبا ما يتم هذا الأمر عن طريق استخدام إضاءة «أحادية الاتجاه» - قد تكون هذه الإضاءة من مصادر عدة باتجاه واحد، وقد تكون باستخدام مصدر واحد باتجاه واحد. الإضاءة في اتجاه واحد تقوم عادة بتوضيح جانب من الصورة (الشخص أو الوجه) وتقوم في الوقت ذاته بإخفاء المعالم الأخرى بالظل، ويمكن تخفيف حدة هذين (الإضاءة والظل) باستخدام أساليب التشتيت لنشر الإضاءة. فهنا، الحدة لا تعني بالضرورة إظهار جميع المعالم في منطقة الضوء، ولا تعني كذلك طمس المعالم في منطقة الظل ولكن في كثير من الأحيان يكفي الإشارة لهما لتكوين صورة ذات مزاج سوداوي قليلا (بمصاحبة التعابير والوضعيات المناسبة لذلك). اكتفيت في هذا المقام باستخدام ومّاض واحد مع مشتت بيضاوي. والحقيقة إنني أصبحت أحب العمل بهذا المشتت في الآونة الأخيرة لجعله الومّاض بمثابة المصباح الكهربائي إلى حد ما، مما يسهل التعامل معه، علاوة على سهولة التركيب مقارنة بمعدلات الضوء الأخرى التي أمتلكها. في البداية، كان الومّاض على الأرض، ولكني فضلت وضعه على مستوى الجسد لاحقا، على طاولة جانبية، حتى لا يضاء الوجه بشكل حاد من الأسفل (وهذه الطريقة مستخدمة غالبا في أفلام الرعب الكلاسيكية). تم التحكم بالومّاض لاسلكيا من الكاميرا بذاتها (توفر كاميرا كانون إيوس 7د التواصل مع الومّاضات بشكل لاسلكي بالموجات تحت الحمراء). وبما أن المزاج العام للصورة يجب أن يكون «سوداويا» قليلا، فقد استخدمت قدرة منخفضة للإضاءة للحفاظ على مبدأ الظلام في الصورة. كان هذا فيما يخص الإضاءة، ولكن العنصر الأول في تكوين الصورة في الحقيقة كان العدسة المستخدمة هنا؛ فهي عدسة لا علاقة لها بتصوير الشخوص أساسا ومهيئة لتصوير المساحات على وجه الخصوص. هذه العدسة هي عدسة سيغما 12-24مم. تم التصوير هنا عند 12مم من البعد البؤري، وبؤرة ب/4,5 – وهي أكبر حجم للبؤرة لهذه العدسة. لقد أجبرت على استخدام هذه العدسة بسبب ضيق مساحة التصوير في الغرفة؛ فالأجدر هنا عند تصوير الشخوص والوجوه هو استخدام عدسة ذات بعد بؤري مساو لـ50مم أو أكثر (في حالة كاميرا كانون إيوس 7د ذات معامل قطع مساو لـ1,6×). ولكن الظروف تحتم أحيانا تغيير المسلمّات. حاولت كذلك استخدام عدسة ببعد بؤري مساو لـ20مم ولكنها لم تفِ بالمطلوب كذلك، وعليه لجأت إلى الحل الأخير المتوفر هنا وهو هذه العدسة، ببعد بؤري مساو لـ12مم. من المشاكل التي واجهتني هنا مع هذه العدسة هو حقيقة أن قطر البؤرة لا يمكن أن يكون أكبر من ب/4,5؛ فكلما كبرت البؤرة كلما ازدادت الغشاوة في المناطق خارج عمق الميدان (ميدان أو مجال التركيز) وهو ما يساعد أحيانا على تكوين المؤثر المعروف باسم «بوكيه» (Bokeh من اليابانية، بمعنى غشاوة). نلاحظ في الصورة وفي الزاوية اليسرى في الأعلى، هناك أثر لأحد الرفوف والذي يبدو واضحا بعض الشيء بالرغم من محاولاتي العدة لطمسه وتقليل أثره قدر المستطاع. فلو كانت البؤرة بقطر أكبر من ب/4,5 (مثلا: ب/2,8) لكانت الغشاوة كفيلة بطمس معالم هذا الرف أكثر مما نراه هنا. بؤرة بهذا القطر لا تتوفر لدي سوى بعدسة 50مم مع الأسف، ولا يمكن استخدامها هنا لقصر المسافة بين الموضوع والكاميرا. بيد أني لو خُيّرت بين استخدام هذه العدسة لتصوير ذات اللقطة وبين عدسة 50مم، لرجحت هذه العدسة للنتائج التي لم أكن أتوقعها فعلا. فنرى هنا بروز الوجه واليد (وهما في الأمام من الجسد) وهذا بفضل التشوهات البصرية المصاحبة لعدسات الزوايا الواسعة كهذه المستخدمة هنا؛ فهذه العدسات، على سبيل المثال، تُستخدم لتصوير الغرف الداخلية في المنزل للإيحاء برحابة المكان – فكل ما هو قريب منها سيبدو كبيرا، وكل ما هو بعيد عنها يبدو صغيرا نسبيا. فلو دققنا النظر في الصورة سنرى بأن القدم على الأرض صغيرة بالمقارنة مع الحجم الطبيعي للوجه واليد. هذا التشوه والاختلاف في الأبعاد جعل التركيز البصري على منطقة الوجه واليد بسبب بروزهما بشكل ملحوظ أكثر من العناصر الأخرى في الصورة.
للإيحاء بالتعب والإعياء، قمت أولا برش الماء من بخاخ ولكنه لم يفِ بالغرض كثيرا، ولذلك اضطررت إلى تبليل الشعر (والملابس) بالوقوف تحت الرذّاذ (أو رأس المشن، المِنضحَة) والاستحمام لوهلة لتبليل الشعر بالشكل الكافي (حمدا لله لم يصبني الرشح أو الزكام بعد ذلك!). كنت قد التقطت بضع صور مع تغيير بسيط في الوضعية ولكن يبدو أن أنسبها هي هذه، والتي كانت أول صورة في سلسلة الصور. أما ما تبقى من أمر هذه الصورة هو المعالجة الرقمية والتي سأحاول اختصارها على شكل نقاط كالتالي:
- تم زيادة التباين (Contrast) في الصورة للتشديد على المناطق المضاءة وتلك المظلمة.
- استعمال طرق «التعريض والحرق» (Dodge and Burn) لزيادة السواد في بعض المناطق وإنارة بعض المناطق (الوجه والعين خاصة).
- تقليل تشبع الألوان إلى الحدود القصوى دون تحويل الصورة إلى الأبيض والأسود، وهذا يزيد نوعا ما في سوداوية الموضوع.
الخاتمة
بهذا تنتهي قصة هذه الصورة، والتي أرجو أن تكون ذات فائدة لعزيزي القارئ بمعلوماتها البسيطة. ولم أشأ هنا التعرض إلى التفاصيل المملة للعمل في التحرير (في برنامج الفوتوشوب) وما إلى ذلك لكونها تقنية بحتة، بل حاولت سرد مجمل العمل وأسباب العمل أو التأثير.
في كثير من الأحيان نرى بعض المصورين الذين يتحدثون عن أدواتهم المختلفة في التصوير وهناك بعض «التصنيف» في عملية اختيار العدسات، إن صح التعبير. فهناك من يصنف عدسة 80مم وما فوق (للمستشعرات الكاملة، 35مم) كعدسة خاصة لتصوير الشخوص، وعدسات الزوايا الواسعة مخصصة لتصوير المساحات، وما إلى ذلك من التصنيفات. إن هذه التصنيفات وإن كانت «مثالية» للمهام المنوطة للعدسات التي تُذكر في هذه التصنيفات، إلا أنها ليست قاعدة أو قانونا يجب التقيد به، بل يجب أن يكون هناك حيز للإبداع في استخدام العدسات لخصائصها بحد ذاتها وطبقا للنظرة العامة للصورة المطلوب إنشاءها مقدما. وأرى بأن هذه الصورة التي أسهبت الحديث عنها هنا قد أثبتت ذلك. هذا، حتى نلتقي في مقالة أخرى إن شاء الله… وأتمنى لكم تصويرا سعيدا!