الإضاءة الساطعة (Specular Lighting)…
في ظل هذه الأجواء المتوترة ومع انتشار الفيروس التاجي وبقاء الكثير في المنازل (أتمنى!) تذكرت كيف أني لم أقم بكتابة أي مقالة في هذه المدونة، بينما أصبح جُل التركيز على مدونتي الإنجليزية. لذلك فكرت بموضوع ما لأكتب عنه هنا لعله يفيد بعض القراء.
سوف تكون هذه المقالة عن تصوير الشخوص والوجوه، ولكن مع بعض ملاحظاتي الشخصية، مع استخدام إضاءة براقة أو ساطعة (أو كما تسمى بالإنجليزية Specular) وهي الإضاءة التي لا يتم تخفيف حدتها أو تعديلها لتكوين الظلال الناعمة بعض الشيء حين تصوير الوجوه والشخوص، وهو مجال التصوير الذي يشيع فيه استخدام الإضاءات المُبعثَرة الناعمة.
مقدمة
يُقسم العاملون في مجال التصوير الإضاءات إلى أنواع متعددة بحسب وجه المقارنة. لا يهمنا من هذه التقسيمات هنا سوى درجة الحدة. كنت في مقالات سابقة على هذه المدونة قد تحدثت عن الوماضات مع بعض الإسهاب في الشرح عن «معدلات الضوء» او ما يسمى (Light Modifiers)، وهي بعض الأدوات التي يستخدمها المصور لتصحيح (أو بالأحرى لتطويع) الضوء الخارج من الوماض. وقد يكون الوماض من النوع المحمول، Speedlight، أو الأكبر حجما. تقوم هذه المعدلات في الغالب على نشر الضوء وتشتيته بطرق شتى لإضافة بعض النعومة على الضوء والظل في الصورة (وهذه النعومة تختلف في درجتها باختلاف نوع المعدّل كذلك). هناك القليل من المعدلات التي لا تغير من درجة الحدة وهدفها يكون تحييد الضوء ليسقط في بقعة ما في الصورة، كالخَطْم (Snoot) مثلا.
في هذه المقالة سوف أجول حول بعض الصور التي التقطتها لنفسي (لقلة المساعدين!) باستخدام هذا النوع من الإضاءة مع بعض الشرح. قد يكون هناك بعض التعديلات على الوماض أو مصدر الضوء ولكن نوعية الضوء لا تتغير، ألا وهي نوعية الضوء «البراق» والمباشر دون تخفيف. جدير بالذكر بأن فكرة هذه الصور قد استلهمتها من أحد المصورات اللاتي عملن على تغيير النمط الفكري التقليدي فيما يخص الإضاءات اللاتي يشيع استخدامها في التصوير بشكل عام، وفي تصوير الوجوه والشخوص بشكل خاص، حيث أن القاعدة الأساسية هي في تكوين الصورة بحسب الانطباع المطلوب؛ فإذا كان الانطباع أو الهدف من الفكرة يتطلب شدة وحدة في الإضاءة فلا يجب أن يستنكف المصور استخدام الإضاءة المباشرة بشدتها دون تعديل إذا كان هذا يخدم الفكرة. بكل الأحوال، سأستعرض أنا هنا تجربتي الشخصية وما طرأ علي من أفكار، والحكم لعزيزي القارئ.
تصوير الذات
(على غرار جلد الذات الذي نتفنن فيه نحن العرب)
كما ذكرت آنفا، كانت الفكرة من وراء التقاط الصور بهذه الطريقة مستلهمة من أعمال إحدى المصورات، وأنا شخصيا أعتبر أن هذا «المشروع» (إن صح التعبير) عملا لم ينتهِ بعد ومفتوح الأمد. أي، سأظل ألتقط الصور باستخدام هذا النوع من الإضاءات متى ما سنحت الفكرة والقدرة. والحقيقة هي أن في بداياتي مع الوماض كنت قد التقطت بعض الصور بالضوء المباشر دون أي دراية أو تخطيط، وقد كان هذا منذ سنوات مضت. أما الآن فالكلام سيكون عن تلك الصور التي تم التخطيط المسبق لها والعزم على استخدام الضوء غير المعدل لالتقاطها. أولى هذه الصور كانت صورة أسميتها بـ «Void» (أي فراغ) وكانت الفكرة بسيطة: استخدام ملامح الوجه الغائرة والناتئة لتشكيل الظلال. بسبب عدم توفر الإمكانيات لرفع الوماض عموديا فوق الرأس فإن الضوء الساقط قد شكل زاوية ويمكن رؤية أثر ذلك من ظل الأنف، حيث أن الظل كان يجب أن يكون تحت الأنف مباشرة، ولعل لهذا السبب كذلك لم أستطع إعتام الظل تماما في منطقتي محجر العين والفم، حيث أن العمل على هاتين المنطقتين قد تم لاحقا عند تحرير الصورة في برنامج الفوتوشوب. من هذه التجربة البسيطة يتبين كيف أن زاوية سقوط الضوء في حالة الضوء البراق ستكون غالبا حرجة وحساسة عند تشكيل المظهر العام في الصورة. جدير بالذكر أنه في هذا المقام كنت قد جربت التقاط الكثير من الصور وتقدير بُعد الوماض عن الرأس وما إلى ذلك فكانت المحصلة النهائية أنْ تم وضع الوماض خلف رأسي قليلا وليس على استقامة واحدة مع الرأس، وهذا لتقليل كمية الضوء الساقط على الوجه بشكل مباشر ولتعتيم الظلال. فلو اكتفينا بتقليل شدة الضوء فقط (عن طريق التحكم بتخصيصات وخيارات الوماض) فهذا لا يعني أن الضوء لن يسقط على محجر العين والفم، وإن كانت النتيجة النهائية قد احتاجت فعلا إلى بعض العمل لزيادة العتمة في هاتين المنطقتين، ولكنها دون تحريك الوماض إلى خلف مستوى الرأس فإن هاتين المنطقتين ستكون مُنارة أكثر.
أما الفكرة الثانية فقد كانت بسيطة للغاية، ولكن مع إضافة التعقيدات إليها! كانت الفكرة هي التقاط صورة ذاتية (أو ما يتعارف عليه بالـ«سيلفي») باستخدام الوماض على الكاميرا مباشرة.
لعل إحدى القواعد الأساسية في التصوير باستخدام الوماض، لا سيما في تصوير الوجوه والشخوص، هي اجتناب استخدام الوماض من فوق الكاميرا، لاعتبارات فنية لا أريد الخوض بها الآن ولكني كنت قد تكلمت عن هذا الأمر موجزا في إحدى المقالات السابقة. أما في هذا المقام فقد كنت مصمما بالفعل على عمل ذلك ولكن مع بعض الإضافات:
1- إضافة معدل «خلية نحل» على الوماض لتحييد الضوء الخارج ومركزته في وسط الوجه.
2- إضافة وماضين في الخلف لإضاءة الحائط وإلغاء أي أثر للظل الناتج من استخدام الوماض الأول. وجدير بالذكر أن معدِّل «خلية النحل» والذي يتكون من شبكة من السداسيات لا يقوم بتعديل الضوء إلا إذا تم إضافة بعض المرشحات الخاصة في داخله (خلف الشبكة) وهذا ما لم أفعله هنا، وإنما كانت الإضاءة مباشرة ومركزة في منتصف الوجه تقريبا. هذه الطريقة ساعدت على إضاءة العين وإظهارها بلون فاتح نسبيا دون الحاجة للتعديل في برنامج الفوتوشوب حتى (ولكن التعديل على العين تضَمّن ضبط اللون والحدة ولربما زادت الإضاءة أو التباين بين درجات الألوان بشكل عام جراء ذلك). هذه الصورة الذاتية كانت محورا لبعض العمل لاحقا ولكن لن أتطرق إلى طريقة صنع هذه الصور حيث أن هذا خارج نطاق هذه المقالة، ولكن لا ضير في عرض الصور على أي حال! أما الصورة الثالثة فقد كانت وليدة لحظتها. دون تفكير معمق في هدفها، بل حتى إنني لم أقم بعمل هذا التعبير على وجهي ولم أفكر فيه إلا في لحظة التقاط الصورة. بالرغم من ذلك فإنها حازت على إعجاب جمهور لا بأس به. تم تصوير هذه اللقطة دون مقدمات تقريبا، وقد حملت وماضين بيديّ ووجهتهما إلى جانب وجهي؛ هكذا ببساطة. تطلب الأمر (طبعا) بعض اللقطات لاختبار وضعية الوماضين وموقعهما بالنسبة لرأسي وكان الموقع الأفضل هو تقريبا مقابل الأذنين. أما النقاط حول الرأس فهي للإضاءة في المكان ذاته والتي لم تكن سرعة الغالق كافية لحجبها. ولذلك فإنه عنده معاينة الصورة على الحاسوب، تبادر إلى ذهني رأسا شكل المركبات الفضائية في بعض أفلام الخيال العلمي (والتي شاهدتها في مراهقتي، أما الآن فلا أشاهد الأفلام!) حيث تكون المركبة محاطة بالأضواء، ولهذا قمت بتسمية هذه الصورة «Abducted»، أي المُختطَف. جدير بالذكر بأن الأضواء لم تكن متناسقة تماما حول منطقة الرأس ولهذا قمت ببعض الأعمال البسيطة في برنامج الفوتوشوب لإصلاح هذا الأمر. وكنت قد طبقت بعض التأثيرات على هذه الصورة كما هو الحال مع سابقتها وكانت النتائج لا بأس بها كذلك مما جعلني أفكر مليا في مباشرة العمل على هذا التأثير في الكثير من الصور مستقبلا! في الصورة الرابعة قمت باستخدام إضاءة لا استخدمها عادة لكونها تمثل أحيانا ما يُستخدم من مؤثرات في أفلام الرعب (عادة!)، وهذه هي الإضاءة من الأسفل. كان المحفز على استخدام هذا النوع من الإضاءة (أقصد من الأسفل) هو أنني قد لاحظت التقاط الصور السابقة مع توجيه الوماضات إلى مختلف الاتجاهات ولكن لم أفكر باستخدام هذا الاتجاه من قبل.
التقطت هذه الصورة باستخدام وماض واحد من الأسفل والحقيقة أنني لم أعرِ اهتماما للكثير من الأمور، مثل الخيارات التي يمكن تغييرها في الوماض أو حتى الملبس والتعابير. في معرض الحديث عن الملبس والتعابير فقد كانت هذه التعابير وليدة اللحظة كذلك كما في سابقاتها تقريبا، والحقيقة أن هذا الكمام في الصورة كان بسبب إصابتي بنزلة برد عادية فأصبت بالكحة قليلا وقد أصبحت أرتدي الكمام أينما ذهبت وخصوصا في المنزل لتحاشِ إعداء أحد ما خصوصا من كبار السن. ومع ذلك فإن ذاك الوقت كان أيضا الوقت الذي بدأ فيه مرض كوفيد-19 بالانتشار ولم تكن الأمور قد تعقدت بعد.
أحد الأمور المزعجة بالنسبة لي في هذه الصورة هو بقعة الضوء على أرنبة الأنف والتي تبدو وكأنها قد رُسمت، وبالرغم من محاولاتي لإصلاح هذا الأمر إلا أن محاولاتي قد باءت بالفشل. ومن ناحية أخرى، يمكنني القول بأن المظهر العام للصورة جيد نسبيا وقد صنع هذا النوع من الإضاءة (أي الإضاءة من الأسفل) «مزاجا» خاصا، ولعل ما ساعد على ذلك أيضا هو نوعية الألوان في الصورة (في الملبس والكمام) حيث تبدو وكأنها قد رسمت بالفعل باستثناء منطقة الأنف. ربما يجب علي التفكير مليا في تجربة هذا النوع مرة أخرة في المستقبل القريب.
وبمناسبة التصوير بالكمام، فقد كانت لي وقفة تصويرية مع بعض الكمامات في لحظة كان الحزن قد خيم علي فيها بسبب الأحداث المتواترة، منها فقد بعض الأقارب بالإضافة إلى تفشي الفيروس التاجي والذي عطل الحياة بشكل شبه تام. والحقيقة أن هذه الصورة قد تبدو للوهلة الأولى بأنها من صنع إضاءة طبيعية وهي تلك الداخلة من النافذة، وهذا صحيح. ولكن بالإضافة إلى هذه الإضاءة فقد قمت باستخدام الوماض المصغر على الكاميرا لإضفاء بعض الضوء في الجزء السفلي من الصورة والذي كان معتما قليلا لعدم وصول ضوء النافذة إليه، ويمكن مشاهدة ظل اليد على طرف السرير نتيجة استعمال هذا الوماض. وهكذا، فيمكن إدراج هذه الصورة ضمن هذه القائمة من الأعمال التي تم استعمال الوماض فيها دون تعديل. في هذه الصورة، «ذهبوا»، كان التحرير مختلفا بعض الشيء حيث ركزت هنا على تقليل التباين بدلا من زيادته (كما أفعل عادة) وكان الغرض من هذا هو إضفاء هالة من نوع ما في المشهد بشكل عام. ونأتي إلى آخر هذه التجارب مع الإضاءة البراقة أو غير المعدلة، وهي صورة التقطتها قبل نهاية شهر فبراير، وهو شهر التوعية بمرض تلف الشبكية الصباغي (Retinitis Pigmentosa) والذي أعاني منه، وقد درجت على التقاط بعض الصور في هذا الشهر من كل سنة للتوعية بهذا المرض. والحقيقة لم تكن هذه الصورة هي الأولى لهذه السنة ولكني آثرت التقاط واحدة أخرى عندما وسنحت الفرصة والفكرة. تم استخدام وماض واحد على الجانب الأيسر مني (الأيمن في الصورة) وقد أمسكت أثناء ذلك عصا المشي المخصصة لضعاف البصر والعمي. تكون هذه العصا في الغالب ملونة باللون الأحمر أو الأبيض أو كلاهما، ولكن بطبيعة الحال كنت قد خططت مسبقا لجعل الصورة بالأبيض والأسود ولهذا لم يكن مهما بالنسبة لي أن يظهر اللون الأحمر في الصورة. عملت العصا في هذا المقام على إيقاف انتشار الضوء من الجانب الأيسر إلى الأيمن صانعة صورة مقسومة الضوء بنجاح، وهذا هو مغزى الصورة بشكل عام حيث أن هذه العصا تمثل لمستخدميها الحد الفاصل بين العالم المرئي والظلام المطلق.
تم وضع الوماض هنا بنفس الطريقة كما في الصور السابقة، عند حد الأذن تقريبا وهذا ساعد على نجاح الفكرة، حيث لو كان الوماض متقدما قليلا لما كانت العصا ستنجح في حجب الضوء المنتشر عن النصف الآخر. أما فيما يتعلق بتحرير الصورة، فقد قمت بإضافة صبغة خفيفة من اللون الأصفر في منطقة السواطع، وصبغة زرقاء خفيفة في منطقة الظل. قد تبدو منطقة الظل عديمة التفاصيل ولكنها في الحقيقة تحتوي على الشيء اليسير منها وتحتاج إلى بعض التدقيق (وقد لا تبدو واضحة كما هو الحال في الصورة الأصلية حيث أنها هنا مصغرة لغرض النشر على الشبكة).
الخاتمة
نصل إلى خاتمة هذه المقالة البسيطة والتي أرجو أن تكون محل استفادة لعزيزي القارئ. خلاصة ما أردت قوله هنا هو أن استعمال معدلات الضوء ليس ضرورة ملحة، خصوصا عند تصوير الوجوه والشخوص. علاوة على ذلك، يجب أن يخدم الضوء الفكرة ولا يجب أن يظل تعديل الضوء حبيس الرتابة في الاستخدام.
قد لا يملك البعض معدلات الضوء المناسبة أو أي معدلات للضوء تماما، ولذا إذا كنت من هؤلاء وقد قرأتَ هذه المقالة فعلا فأرجو أن تكون قد بعثت هذه المقالة بعض الأمل بأن فن تشكيل الضوء لا يرتبط بتعديل الضوء بذات قدر ارتباطه بتشكيل الفكرة. بل إن تعديل الضوء بحد ذاته يمكن تحقيقه بالطرق المتاحة في المنزل، أبسطها قد يكون عكس الضوء من الحائط لتشتيته مما يساعد على إضفاء بعض النعومة على الموضوع المراد تصويره، وهذا موضوع كنت قد تحدثت عنه سابقا.
تبقى العوامل الأهم عند العمل مع هذا النوع من الإضاءة، وهو التحكم بشدته وبزاوية إسقاطه حتى يناسب الموضوع محل التصوير مع الانتباه إلى الظلال المتكونة والالتفات إلى حاجة هذه الظلال إلى التفاصيل من عدمها. يمكن القول بأن اللاعب الرئيسي مع هذا النوع من الإضاءة هو زاوية الإسقاط والتي تحدد المزاج العام للصورة. بعد تحديد الزاوية المناسبة، يمكن عندئذ التحكم بالشدة بالقدر المناسب. لكن يجب القول بأن نوع الإضاءة هذا لا يناسب المواضيع المصقولة أو البراقة كالمعادن والزجاج لأنها تعكس الضوء بشدة، ولكن مع قولي هذا، فإنني أشجع على التجربة وفي الفن لا يوجد ما هو خاطئ ومصيب، وقد يتطلب عمل فني ما هذا النوع من الإضاءة بالرغم من احتوائه على الزجاج أو المعادن وما إلى ذلك.
أرجو أن تكون مقالتي هذه محفزا لعزيزي القارئ على العمل مع الإضاءة البراقة (غير المعدلة) وعلى تكوين أعمال فنية خارجة عن المألوف من شتى أنواع الضوء وليس من الضوء المُشَتت فقط. هذا، حتى نلتقي في مقالة قادمة إن شاء الله…