الأمية التكنولوجية تقود غالبية الشعوب العربية نحو تهميش الثقافة
قضية الأمية العربية اتسعت لتشمل أمية هجائية وثقافية ومعرفية وفكرية حتى بين المتعلمين والمثقفين
"مجلة جنى" معظم المجتمعات العربية غارقة في بحث مشكلات هامشية في “الميديا” لا تعبر عما تنوء به المنطقة من صراعات ومخاطر جسيمة
تجاهد دول العالم أجمع لمحو الأمية في عالم رقمي بهدف النظر في مهارات القراءة والكتابة الأساسية التي يحتاجها الناس في مجتمعات يتزايد فيها دور التكنولوجيا والأدوات الرقمية والسياسات والبرامج الفعالة لمحو الأمية من أجل إعمال الفرص التي يتيحها العالم الرقميّ. ولعل هذا يتزامن مع تراجع حاد في محو الأمية رغم ممارسات تعليم القراءة والكتابة حول العالم لكون ذلك أحد المقاصد الرئيسة للتنمية المرجوة لشعوب كوكب الأرض. وتواكب هذا أيضا مع شيوع أمية مختلفة وجديدة جدا في عالم متسارع الوتيرة تتمثل في أمية المقصد والهدف، حيث أنبري غالبية المواطنين العرب في الإمساك بالميديا من أجل التعارف ونقل الأخبار التافهة مع شيوع قضايا مهمشة رغم ما يعتري المنطقة من تحديات جسيمة .
المعرفة والتنوير:
تجدر الإشارة إلى أنّه قد انتشرت التكنولوجيات الرقميّة بسرعة قياسية في كافة مجالات حياتنا وأصبحت تؤثر بصورة أساسيّة على طريقة حياتنا وعملنا وتعايشنا مع الآخرين. حيث تتيح هذه التكنولوجيات للناس فرصاً جديدة تمكنهم من تطوير كافة مجالات حياتهم لا سيما فيما يتعلق بالوصول إلى المعلومات وإدارة المعارف وبناء الشبكات والخدمات الاجتماعية والإنتاج الصناعي وأسلوب العمل. ولكن الأشخاص الذين يفتقرون إلى إمكانية الحصول على هذه التكنولوجيات الرقمية والمعارف والمهارات والكفاءات اللازمة لاستخدامها قد ينتهي بهم المطاف كفئة مهمشة في ظل المجتمعات الرقميّة. ولذلك فإن تعلم القراءة والكتابة أحد المهارات الأساسيّة التي هي بمثابة بداية المعرفة والتنوير.
ومع تطوّر المعارف والمهارات والكفاءات في ظل العالم الرقميّ كذلك هو الحال مع معنى الإلمام بمهارات القراءة والكتابة يتعاظم دور الحكومات والهيئات في التوعية ووضع سياسات التنوير. ومن أجل إغلاق هذه الفجوة والتقليل من الفوارق تركز المنظمات الدولية وفي مقدمتها الإسسكو علي محو الأمية عن طريق استثمار الفرص المتعلّقة بتعزيز محو الأمية في العالم الرقمي الذي ورغم كل التقدّم المحرز ما زال يشهد حوالي 750 مليون نسمة من سكان العالم الكبار و264 مليون نسمة من الأطفال غير ملتحقين بالمدرسة وغير ملمين بالمهارات الأساسية للقراءة والكتابة .
هذا ويركز العالم أجمع على محو الأمية عن طريق تفعيل برامج عدد من الحكومات والمنظمات متعددة وثنائية الأطراف والمنظمات غير الحكوميّة والقطاعات الخاصة والمجتمعات المحليّة والمعلّمين والمتعلّمين والخبراء معنيّين في هذا المجال. ويتيح هذا الفرصة لإبراز الإنجازات ودراسة طرق مواجهة التحديات المتبقية من أجل تعزيز محو الأمية كجزء لا يتجزأ من عملية التعلم مدى الحياة وذلك في إطار خطة التعليم حتى عام 2030 وخارجها.
مناهج التنوير:
تقوم منهجية التنوير العالمية على عدة أسس تتضمن :
أولاً: نمو التنوير في ظل سياقات فكرية واجتماعية متنوعة وتكنولوجية بتغليب وعي أعمق بالتنوير حيث إن الإيقاع المنتظم يتطلب علاج عجز الأفراد عن التفكير بأنفسهم في تنامي فكرة الاستنامة داخلهم وارتمائهم في حضن التصورات الجاهزة.
ثانياً: تفعيل صيحة الفيلسوف العالمي «كانط» بعمل العقل البشري وامتلاك الجرأة على استخدام العقول فالتوظيف المستمر للعقل في رؤية العالم والاستخدام للوعي النقدي بمثابة حجر الزاوية في أي مجتمع يفكر حيث تفقد المجتمعات البشرية بوصلتها حين يفكر الآخرون لها ويصبح إهمال العقل بديلا عن استخدامه وحينئذ فإنها تسلم نفسها وبإرادتها الكاملة إلى مكانها الأثير خارج التاريخ.
ثالثاً: لقد بدا الفهم الكلاسيكي للتنوير في عالمنا العربي قيدا على التنوير ذاته وإقصاء مبطنا للعقل النقدي ولتصورات ما بعد الحداثة التي لم تعد تشير إلى نخب وجماهير قدر ما تشير إلى جدل منتج للأفكار التي تتجاور ولا تتصارع وربما احتاج التنوير في عالمنا العربي الآن إلى آليات جديدة للغاية تنقذه من خطأ استدعاء الماضي دائما فالوعي الطليعي الذي يحتفي بالجليل والخلاق دوما يجب أن يكون دافعا لسعي جديد صوب الخروج من الكهف السرمدي الذي تتحالف قوى الاستعمار الجديد مع قوى الرجعية والتخلف في عالمنا العربي لإبقائنا المستمر فيه وفي المناخات المعتمة.
رابعاً: إن صناعة الأفكار العربية الجديدة القادرة علي بناء الحضارات معاصرة تعتبر جوهرا للتنوير فالدفاع عن العقلانية شاغل التنوير الأول وهاجسه الرئيسي يقتضي فهما جديدا وآليات أكثر حداثة في التعاطي مع اللحظة الراهنة. ولعل أول آلية من آليات التنوير تتصل اتصالا وثيقا بصناعة الأفكار بهذه القدرة الفريدة على طرح خطابات جديدة وإنتاج تصورات معرفية مغايرة للسائد والمألوف ويرتبط بهذا قدرة المناخ العام على التلقي الإيجابي للأفكار الملهمة لواقعها فلا معاداة مجانية للمشاعر العامة ولا امتثال وخضوع للتحولات المخزية التي شهدها العقل العام في السنوات الأربعين الأخيرة التي شهدت زخما هائلا من التحالف المشبوه بين الفساد والرجعية في العالم العربي والذي أفرز جماعات وتنظيمات متطرفة وإرهابية .
خامساً: تطبيق صياغات آمنة في التلقين والتعليم لكل تصور هجين تختلط فيه الميتافيزيقا بالمعرفة المبتورة مع امتلاك النسق المعرفي الذي يعرف جيدا أين يقف فالصيغ التلفيقية أثبتت عوارها الشديد والجمع بين المتناقضات أصبح أمرا يدعو للرثاء أكثر منه إلى السخرية وخلط الديني بالدنيوي والمطلق بالنسبي والأبدي بالعابر جزء أصيل في الإشكالية الراهنة.
سادساً: تتعدد الآليات الإجرائية التي تؤسس لخطابات التنوير العربية والتي تحمله أيضا فالمؤسستان التعليمية والثقافية في أي بلد عربي يجب أن تؤسسا لخطاب التنوير مثلما على المؤسسة الإعلامية أن تحمل هذا الخطاب وتدرك مراده في الدفاع عن قيم العقل والإبداع لا التكريس لقيم النقل والإتباع. كما يجب أن تضيق الفجوة بين المؤسستين التعليمية والثقافية وأن يؤدي كل منهما دوره بتجرد ووعي ونزاهة ولكي يحدث ذلك لا بد من تفعيل آليات المساءلة والمراجعة لكل شيء.
سابعاً: يجب أن يطمح التعليم العربي إلى بناء الشخصية المتكاملة التي تدرك قيم التنوع وتعرف معنى التفكير العلمي والثقافة يجب أن تتخلص مؤسساتها الرسمية من حالة الكسل العقلي التي تعانيها وألا يصبح حجر زاوية في البناء الجديد للدول بل بتغليب الفعل الثقافي الجاد والمستنير والحقيقي.
ثامناً: إن الرعب الجديد لا يكمن فقط في اتساع يجتاح العالم ما بين عالم متحضر وآخر همجي بحسب آليات الاستعمار القديم لكنه رعب من نوع آخر يتضمن سقوط المعنى واندثار القيم الحرة الدافعة للتأمل والتساؤل والنظر الخلاق للعالم فيصبح التنوير حاجة أكثر منه رغبة وواجبا وليس زخرفا فمن خلال قيم العقل يمكن إيقاف قيم التوحش التي تجتاح العالم والتي يحملها المتطرفون والإرهابيون الذين يقدمون من حواشي التراث والماضي غير عابئين سوى بالقضاء على ما تبقى من إنسانية عربية تاركين في نفوس المتعاطفين خفية أو علنا معهم من أبناء التلفيق بين الماضي والحاضر مساحات أوسع للإجهاز على التراكم الحضاري النبيل لأمة عربية عظيمة لم تزل قادرة على إنتاج الجمال والأفكار والمحبة أيضا.
مخاطر الأمية الجديدة:
لعل الأمية الحضارية باتت أهم الأخطار التي تواجهنا في الفترة الأخيرة وقد قفزت معضلاتها مؤخرا على الساحة الفكرية والعملية والاقتصادية والأمية وهنا ليست المعنية الأمية الهجائية كما يطرأ على الذهن وإنما هي هذه الثقافة القابعة المتمددة في عقول الكثير من المتعلمين والمثقفين فليس هؤلاء من أصحاب الأمية الهجائية.
فعلى الرغم من أن الأمية الهجائية تمتد لتحتل مساحات شاسعة من العقل العربي (تزيد على 40%) فان الأمية الثقافية تمتد في مساحات أكثر شراسة وأشرس وضعا في العقل العربي المعاصر إلى مسافات بعيدة . إنهم أصحاب الأمية الثقافية التي ابتلى بها الكثير من المتعلمين فضلا عن العديد ممن ينتمون إلى أفكار(داعش) وغيرها من التنظيمات الإرهابية مدعين الفهم الأخير. وهؤلاء ينتشرون في المدارس والمراكز الإعلامية والثقافية بالقدر الذي نجده في انتشار (الإسلاموفوبيا) لدى العديد من المدعين والخارجين عن المألوف الثقافي والحضاري العربي .
ولا نحتاج إلى نظرة عامة في وسائل الإعلام لنلاحظ أن الخطر التقليدي كما نعرفه يتضاءل إلى جانب هذا الخطر الآخر فالخطر الذي لا نعرفه الذي يمتد في المساحة الشاسعة في العقل العربي إلى حد بعيد. ولا نحتاج الخروج الجغرافي من هذا البلد أو ذك في الشرق حتى نلاحظ أن هذا الخطر هو الأمية الثقافية تمتد في الشرق الأوسط من إيران شرقا إلى موريتانيا غربا ومن عدن جنوبا إلى اسطنبول شمالا .
ويبدو أن أصحاب هذه العقول الرمادية ليسوا بين الأميين فقط أو حتى المتعلمين وإنما هذه الجماعات التي تنتمي إلى التخلف أكثر منها إلى الوعي بطبيعة العصر وآلاته وتمتد المساحات الشاسعة البعيدة من الجغرافيا إلى الغياب الفكري من النظرات التفريقية إلى النعرات العرقية وبدلا من انتباه الشعوب العربية والعمل على قضايا المعاصرة والوعي مع إيقاع الألفية الثالثة إذا بها تغيب بين التفريق بين الفئات المتناحرة بالمنطقة وعلى مدى البصر يخرج بين الجغرافيا والتاريخ ما يمكن أن يعرف عبر الميديا الاجتماعية بالتشتت الجيوساسي حيث يعاود الخط البيانى حركته المهيمنة في صعود متواتر إلى الدوائر البعيدة في الجغرافيا العربية.
تجاذبات مرفوضة:
لعل هناك تجاذبات ومصادمات تحدث دائما بين الافتراضيين أو الفضائيين (الانترنتيين) الذين ينتشرون كالفطر على الساحة العربية تقود أحيانا نحو أفكار هدامة للتنمية العربية حتى لو كانت واقعا ملموسا . فالخط البياني لدرجة الوعي بين المثقفين العرب في هبوط متوال في الميديا الاجتماعية خاصة في هذه الحسابات الشخصية التي يمكن العثور عليها عبر صفحات التواصل الاجتماعي حيث نعثر في شبكات الإعلام الاجتماعي ملايين الأصوات على الفيسبوك وتويتر ويوتيوب وانستجرام وقد غابوا في أغلبهم في حوارات وهمية وقضايا عامة عن مكنون الملفات والمشكلات الماسة التي تحتاج للتصدي لها وعلاجها بالمنطقة العربية .
لقد أصبحت هذه الوسائل بعد أن لعبت دورا ايجابيا هائلا في قيام نماذج عربية مضيئة سياسيا واقتصاديا تهتم بأشياء أخرى لم يعرفها الشباب الواعي المستنير بالمنطقة فإذا عبرنا من وسائل ثورة التقنية المتقدمة والروبوتات الآلية وفضاءات هذا العالم الافتراضي والثورة الرقمية إلى غير ذلك لوصلنا إلى فضاء معاصر آخر فإنه يستبدل بالخطاب الافتراضي أو الفضائي الإيجابي عالما مغايرا يشغل بقضايا وهمية ليس لها مكان في الواقع العربي المعاصر الذي يشهد ضغوطا عاتية من الداخل والخارج في آن واحد.
يتمثل هذا التجاوز في تجاوز الوعي الجمعي إلى الانشغال عبر حسابات شخصية وصفحات التواصل التي لا تغادر القضايا الشخصية والمهاترات الموجعة . لقد تغيرت الاهتمامات بالهوية الرقمية وويلاتها في الألفية الثالثة إلى نقل هذا الخبر المهمش أو ذاك مما لا يرتبط بالعقل الجمعي ولا ما تواجهه الأمة في زمن التحديات والنظرة العامة على مساحة الميديا الاجتماعية العربية اليوم يرينا انشغال أصحابها بالحسابات الشخصية والأفكار الغائمة التي تؤكد غياب الوعي العربي في عالم تشغله أخطار عنيفة في الداخل والخارج.
الخلاصة:
إن معظم المواطنين العرب من العامة على شبكات التوصل الاجتماعي دخلوا في نفق أمية الميديا اليوم فهم أمام عبارات عامة تتبع لايك وشير بشكل مستمر حتى أنه يمكن القول أن الأمية الرقمية وصلت إلى أقصاها. لقد استبدلت غالبية المجتمعات العربية المثقف الواعي بآخر يمارس هوايته الرمادية عبر التغريد والتتويت والهاشتاج وكأن بلاد المنطقة لا يهددها الخطر الداخلي المخيف والخطر الغربي الإمبريالي العنيف. لقد تحول غالبية الشباب العربي من الافتراضيين الايجابيين إلى الأميين التكنولوجيين في الأهداف والرؤي فهم أميين يصيحون ويرددون هذه الألفاظ العنيفة ويغيب بعضهم في موسيقى الراب الصاخبة التي تعلو حتى يغيب عن الصورة أي وعى إيجابي يدفع إليه الواقع العربي الخطر في الألفية الثالثة.
قضية الأمية العربية اتسعت لتشمل أمية هجائية وثقافية ومعرفية وفكرية حتى بين المتعلمين والمثقفين
"مجلة جنى" معظم المجتمعات العربية غارقة في بحث مشكلات هامشية في “الميديا” لا تعبر عما تنوء به المنطقة من صراعات ومخاطر جسيمة
تجاهد دول العالم أجمع لمحو الأمية في عالم رقمي بهدف النظر في مهارات القراءة والكتابة الأساسية التي يحتاجها الناس في مجتمعات يتزايد فيها دور التكنولوجيا والأدوات الرقمية والسياسات والبرامج الفعالة لمحو الأمية من أجل إعمال الفرص التي يتيحها العالم الرقميّ. ولعل هذا يتزامن مع تراجع حاد في محو الأمية رغم ممارسات تعليم القراءة والكتابة حول العالم لكون ذلك أحد المقاصد الرئيسة للتنمية المرجوة لشعوب كوكب الأرض. وتواكب هذا أيضا مع شيوع أمية مختلفة وجديدة جدا في عالم متسارع الوتيرة تتمثل في أمية المقصد والهدف، حيث أنبري غالبية المواطنين العرب في الإمساك بالميديا من أجل التعارف ونقل الأخبار التافهة مع شيوع قضايا مهمشة رغم ما يعتري المنطقة من تحديات جسيمة .
المعرفة والتنوير:
تجدر الإشارة إلى أنّه قد انتشرت التكنولوجيات الرقميّة بسرعة قياسية في كافة مجالات حياتنا وأصبحت تؤثر بصورة أساسيّة على طريقة حياتنا وعملنا وتعايشنا مع الآخرين. حيث تتيح هذه التكنولوجيات للناس فرصاً جديدة تمكنهم من تطوير كافة مجالات حياتهم لا سيما فيما يتعلق بالوصول إلى المعلومات وإدارة المعارف وبناء الشبكات والخدمات الاجتماعية والإنتاج الصناعي وأسلوب العمل. ولكن الأشخاص الذين يفتقرون إلى إمكانية الحصول على هذه التكنولوجيات الرقمية والمعارف والمهارات والكفاءات اللازمة لاستخدامها قد ينتهي بهم المطاف كفئة مهمشة في ظل المجتمعات الرقميّة. ولذلك فإن تعلم القراءة والكتابة أحد المهارات الأساسيّة التي هي بمثابة بداية المعرفة والتنوير.
ومع تطوّر المعارف والمهارات والكفاءات في ظل العالم الرقميّ كذلك هو الحال مع معنى الإلمام بمهارات القراءة والكتابة يتعاظم دور الحكومات والهيئات في التوعية ووضع سياسات التنوير. ومن أجل إغلاق هذه الفجوة والتقليل من الفوارق تركز المنظمات الدولية وفي مقدمتها الإسسكو علي محو الأمية عن طريق استثمار الفرص المتعلّقة بتعزيز محو الأمية في العالم الرقمي الذي ورغم كل التقدّم المحرز ما زال يشهد حوالي 750 مليون نسمة من سكان العالم الكبار و264 مليون نسمة من الأطفال غير ملتحقين بالمدرسة وغير ملمين بالمهارات الأساسية للقراءة والكتابة .
هذا ويركز العالم أجمع على محو الأمية عن طريق تفعيل برامج عدد من الحكومات والمنظمات متعددة وثنائية الأطراف والمنظمات غير الحكوميّة والقطاعات الخاصة والمجتمعات المحليّة والمعلّمين والمتعلّمين والخبراء معنيّين في هذا المجال. ويتيح هذا الفرصة لإبراز الإنجازات ودراسة طرق مواجهة التحديات المتبقية من أجل تعزيز محو الأمية كجزء لا يتجزأ من عملية التعلم مدى الحياة وذلك في إطار خطة التعليم حتى عام 2030 وخارجها.
مناهج التنوير:
تقوم منهجية التنوير العالمية على عدة أسس تتضمن :
أولاً: نمو التنوير في ظل سياقات فكرية واجتماعية متنوعة وتكنولوجية بتغليب وعي أعمق بالتنوير حيث إن الإيقاع المنتظم يتطلب علاج عجز الأفراد عن التفكير بأنفسهم في تنامي فكرة الاستنامة داخلهم وارتمائهم في حضن التصورات الجاهزة.
ثانياً: تفعيل صيحة الفيلسوف العالمي «كانط» بعمل العقل البشري وامتلاك الجرأة على استخدام العقول فالتوظيف المستمر للعقل في رؤية العالم والاستخدام للوعي النقدي بمثابة حجر الزاوية في أي مجتمع يفكر حيث تفقد المجتمعات البشرية بوصلتها حين يفكر الآخرون لها ويصبح إهمال العقل بديلا عن استخدامه وحينئذ فإنها تسلم نفسها وبإرادتها الكاملة إلى مكانها الأثير خارج التاريخ.
ثالثاً: لقد بدا الفهم الكلاسيكي للتنوير في عالمنا العربي قيدا على التنوير ذاته وإقصاء مبطنا للعقل النقدي ولتصورات ما بعد الحداثة التي لم تعد تشير إلى نخب وجماهير قدر ما تشير إلى جدل منتج للأفكار التي تتجاور ولا تتصارع وربما احتاج التنوير في عالمنا العربي الآن إلى آليات جديدة للغاية تنقذه من خطأ استدعاء الماضي دائما فالوعي الطليعي الذي يحتفي بالجليل والخلاق دوما يجب أن يكون دافعا لسعي جديد صوب الخروج من الكهف السرمدي الذي تتحالف قوى الاستعمار الجديد مع قوى الرجعية والتخلف في عالمنا العربي لإبقائنا المستمر فيه وفي المناخات المعتمة.
رابعاً: إن صناعة الأفكار العربية الجديدة القادرة علي بناء الحضارات معاصرة تعتبر جوهرا للتنوير فالدفاع عن العقلانية شاغل التنوير الأول وهاجسه الرئيسي يقتضي فهما جديدا وآليات أكثر حداثة في التعاطي مع اللحظة الراهنة. ولعل أول آلية من آليات التنوير تتصل اتصالا وثيقا بصناعة الأفكار بهذه القدرة الفريدة على طرح خطابات جديدة وإنتاج تصورات معرفية مغايرة للسائد والمألوف ويرتبط بهذا قدرة المناخ العام على التلقي الإيجابي للأفكار الملهمة لواقعها فلا معاداة مجانية للمشاعر العامة ولا امتثال وخضوع للتحولات المخزية التي شهدها العقل العام في السنوات الأربعين الأخيرة التي شهدت زخما هائلا من التحالف المشبوه بين الفساد والرجعية في العالم العربي والذي أفرز جماعات وتنظيمات متطرفة وإرهابية .
خامساً: تطبيق صياغات آمنة في التلقين والتعليم لكل تصور هجين تختلط فيه الميتافيزيقا بالمعرفة المبتورة مع امتلاك النسق المعرفي الذي يعرف جيدا أين يقف فالصيغ التلفيقية أثبتت عوارها الشديد والجمع بين المتناقضات أصبح أمرا يدعو للرثاء أكثر منه إلى السخرية وخلط الديني بالدنيوي والمطلق بالنسبي والأبدي بالعابر جزء أصيل في الإشكالية الراهنة.
سادساً: تتعدد الآليات الإجرائية التي تؤسس لخطابات التنوير العربية والتي تحمله أيضا فالمؤسستان التعليمية والثقافية في أي بلد عربي يجب أن تؤسسا لخطاب التنوير مثلما على المؤسسة الإعلامية أن تحمل هذا الخطاب وتدرك مراده في الدفاع عن قيم العقل والإبداع لا التكريس لقيم النقل والإتباع. كما يجب أن تضيق الفجوة بين المؤسستين التعليمية والثقافية وأن يؤدي كل منهما دوره بتجرد ووعي ونزاهة ولكي يحدث ذلك لا بد من تفعيل آليات المساءلة والمراجعة لكل شيء.
سابعاً: يجب أن يطمح التعليم العربي إلى بناء الشخصية المتكاملة التي تدرك قيم التنوع وتعرف معنى التفكير العلمي والثقافة يجب أن تتخلص مؤسساتها الرسمية من حالة الكسل العقلي التي تعانيها وألا يصبح حجر زاوية في البناء الجديد للدول بل بتغليب الفعل الثقافي الجاد والمستنير والحقيقي.
ثامناً: إن الرعب الجديد لا يكمن فقط في اتساع يجتاح العالم ما بين عالم متحضر وآخر همجي بحسب آليات الاستعمار القديم لكنه رعب من نوع آخر يتضمن سقوط المعنى واندثار القيم الحرة الدافعة للتأمل والتساؤل والنظر الخلاق للعالم فيصبح التنوير حاجة أكثر منه رغبة وواجبا وليس زخرفا فمن خلال قيم العقل يمكن إيقاف قيم التوحش التي تجتاح العالم والتي يحملها المتطرفون والإرهابيون الذين يقدمون من حواشي التراث والماضي غير عابئين سوى بالقضاء على ما تبقى من إنسانية عربية تاركين في نفوس المتعاطفين خفية أو علنا معهم من أبناء التلفيق بين الماضي والحاضر مساحات أوسع للإجهاز على التراكم الحضاري النبيل لأمة عربية عظيمة لم تزل قادرة على إنتاج الجمال والأفكار والمحبة أيضا.
مخاطر الأمية الجديدة:
لعل الأمية الحضارية باتت أهم الأخطار التي تواجهنا في الفترة الأخيرة وقد قفزت معضلاتها مؤخرا على الساحة الفكرية والعملية والاقتصادية والأمية وهنا ليست المعنية الأمية الهجائية كما يطرأ على الذهن وإنما هي هذه الثقافة القابعة المتمددة في عقول الكثير من المتعلمين والمثقفين فليس هؤلاء من أصحاب الأمية الهجائية.
فعلى الرغم من أن الأمية الهجائية تمتد لتحتل مساحات شاسعة من العقل العربي (تزيد على 40%) فان الأمية الثقافية تمتد في مساحات أكثر شراسة وأشرس وضعا في العقل العربي المعاصر إلى مسافات بعيدة . إنهم أصحاب الأمية الثقافية التي ابتلى بها الكثير من المتعلمين فضلا عن العديد ممن ينتمون إلى أفكار(داعش) وغيرها من التنظيمات الإرهابية مدعين الفهم الأخير. وهؤلاء ينتشرون في المدارس والمراكز الإعلامية والثقافية بالقدر الذي نجده في انتشار (الإسلاموفوبيا) لدى العديد من المدعين والخارجين عن المألوف الثقافي والحضاري العربي .
ولا نحتاج إلى نظرة عامة في وسائل الإعلام لنلاحظ أن الخطر التقليدي كما نعرفه يتضاءل إلى جانب هذا الخطر الآخر فالخطر الذي لا نعرفه الذي يمتد في المساحة الشاسعة في العقل العربي إلى حد بعيد. ولا نحتاج الخروج الجغرافي من هذا البلد أو ذك في الشرق حتى نلاحظ أن هذا الخطر هو الأمية الثقافية تمتد في الشرق الأوسط من إيران شرقا إلى موريتانيا غربا ومن عدن جنوبا إلى اسطنبول شمالا .
ويبدو أن أصحاب هذه العقول الرمادية ليسوا بين الأميين فقط أو حتى المتعلمين وإنما هذه الجماعات التي تنتمي إلى التخلف أكثر منها إلى الوعي بطبيعة العصر وآلاته وتمتد المساحات الشاسعة البعيدة من الجغرافيا إلى الغياب الفكري من النظرات التفريقية إلى النعرات العرقية وبدلا من انتباه الشعوب العربية والعمل على قضايا المعاصرة والوعي مع إيقاع الألفية الثالثة إذا بها تغيب بين التفريق بين الفئات المتناحرة بالمنطقة وعلى مدى البصر يخرج بين الجغرافيا والتاريخ ما يمكن أن يعرف عبر الميديا الاجتماعية بالتشتت الجيوساسي حيث يعاود الخط البيانى حركته المهيمنة في صعود متواتر إلى الدوائر البعيدة في الجغرافيا العربية.
تجاذبات مرفوضة:
لعل هناك تجاذبات ومصادمات تحدث دائما بين الافتراضيين أو الفضائيين (الانترنتيين) الذين ينتشرون كالفطر على الساحة العربية تقود أحيانا نحو أفكار هدامة للتنمية العربية حتى لو كانت واقعا ملموسا . فالخط البياني لدرجة الوعي بين المثقفين العرب في هبوط متوال في الميديا الاجتماعية خاصة في هذه الحسابات الشخصية التي يمكن العثور عليها عبر صفحات التواصل الاجتماعي حيث نعثر في شبكات الإعلام الاجتماعي ملايين الأصوات على الفيسبوك وتويتر ويوتيوب وانستجرام وقد غابوا في أغلبهم في حوارات وهمية وقضايا عامة عن مكنون الملفات والمشكلات الماسة التي تحتاج للتصدي لها وعلاجها بالمنطقة العربية .
لقد أصبحت هذه الوسائل بعد أن لعبت دورا ايجابيا هائلا في قيام نماذج عربية مضيئة سياسيا واقتصاديا تهتم بأشياء أخرى لم يعرفها الشباب الواعي المستنير بالمنطقة فإذا عبرنا من وسائل ثورة التقنية المتقدمة والروبوتات الآلية وفضاءات هذا العالم الافتراضي والثورة الرقمية إلى غير ذلك لوصلنا إلى فضاء معاصر آخر فإنه يستبدل بالخطاب الافتراضي أو الفضائي الإيجابي عالما مغايرا يشغل بقضايا وهمية ليس لها مكان في الواقع العربي المعاصر الذي يشهد ضغوطا عاتية من الداخل والخارج في آن واحد.
يتمثل هذا التجاوز في تجاوز الوعي الجمعي إلى الانشغال عبر حسابات شخصية وصفحات التواصل التي لا تغادر القضايا الشخصية والمهاترات الموجعة . لقد تغيرت الاهتمامات بالهوية الرقمية وويلاتها في الألفية الثالثة إلى نقل هذا الخبر المهمش أو ذاك مما لا يرتبط بالعقل الجمعي ولا ما تواجهه الأمة في زمن التحديات والنظرة العامة على مساحة الميديا الاجتماعية العربية اليوم يرينا انشغال أصحابها بالحسابات الشخصية والأفكار الغائمة التي تؤكد غياب الوعي العربي في عالم تشغله أخطار عنيفة في الداخل والخارج.
الخلاصة:
إن معظم المواطنين العرب من العامة على شبكات التوصل الاجتماعي دخلوا في نفق أمية الميديا اليوم فهم أمام عبارات عامة تتبع لايك وشير بشكل مستمر حتى أنه يمكن القول أن الأمية الرقمية وصلت إلى أقصاها. لقد استبدلت غالبية المجتمعات العربية المثقف الواعي بآخر يمارس هوايته الرمادية عبر التغريد والتتويت والهاشتاج وكأن بلاد المنطقة لا يهددها الخطر الداخلي المخيف والخطر الغربي الإمبريالي العنيف. لقد تحول غالبية الشباب العربي من الافتراضيين الايجابيين إلى الأميين التكنولوجيين في الأهداف والرؤي فهم أميين يصيحون ويرددون هذه الألفاظ العنيفة ويغيب بعضهم في موسيقى الراب الصاخبة التي تعلو حتى يغيب عن الصورة أي وعى إيجابي يدفع إليه الواقع العربي الخطر في الألفية الثالثة.