وفي آخر لوحاته التجريدية نجد أن البقع تحل محل الترسيم . غير أن البقع لاتلقى على اللوحة كيفما ارادت النزوات . وتوبي يعمل عملاً صبوراً في لوحاته ، ولا يكل قط في تحريه عن اللون الرقيق النادر ومن الواضح أنه يقترب كثيراً من بول كلي في بعض الأحيان . ومع ذلك فلا سبيل قط إلى نكران الطابع الشخصي لتعبيره الفني .
وثمة تأثير آخر أسهم في اعداده ، هو تأثير الصين واليابان حيث أقام في عام ١٩٣٤ . وهذا التأثير ، بدون شك ، هو الذي جعله في أوروبا موضوع اعتبار مروجي الفن اللاشكلي ، أكثر أعماله الفنية التي تبعد كل البعد عن تلويحات الأيدي ، وعن الاهمال والتراخي . والواقع أن دعاة اللاشكلي يرجعون بطيبة خاطر إلى الشرق الأقصى . فهم يعلنون عن اهتمامهم بالبوذية ( زن ) ، و ( بالمناظر من عهد اسرة سونغ ) من وبالخطوط الكتابية الصينية واليابانية ، ولا مندوحة عن الاعتراف بأن هذا الاهتمام حقيقي وصادق ، في بعض الحالات . غير أن الذين يجاهرون بإعجابهم ببوذية ( زن ) بعيدون كل البعد في غالبية الأحوال عن أن يعيشوا عيشة الرهبان البوذيين. وأن الذين يريدون أن تكون لوحاتهم قريبة من لوحات المناظر الطبيعية في عهد سونغ ، أو من الكتابة الشرقية القصوى ، هم قليلو الاهتمام بروح هذه الفنون ، ولا يتمسكون منها إلا بالناحية الخارجية . هنا بضع بقع فاهية ، وهناك ترسيم منساب متعجل . وبالطبع لا يكفي أن القاء بضعة أحرف على لوحة لصنع خط كتابي فني بالمعنى الذي لهذا التعبير في الصين ، حيث تمثل العلامة فكرة ما أو شيئاً ما ... بيد أن ذلك ليس هو المهم ، لأن الأمر الأساسي في التصوير التجريدي في الغرب ليس الاتيان برموز مصطلح عليها . بل هو الاتيان بأشكال « ذات معنى بالنسبة لبعضها البعض » كما يقول فوسيللون Focillon : الأمر الجوهري هو أن يكون الخط حساساً وأن يكون معبراً .
فهل هو كذلك لدى « ماتيو Mathieu » الذي يرسم على خلفية ذات لون واحد في الغالب عدداً كبيراً من الخطوط البيضاء أو السوداء المتشابكة ، وذلك عن طريق ضغط انبوبة الألوان فوق اللوحة ؟ إن الرسم عند هذا الفنان لا يسجل إلا حركة جسدية . فإذا ما طالبناه بأن يوحي ب جان دارك أو أوليفيه الثالث مقطوع الرأس أو معركة بوفين ، فإنما نطالبه بما هو فوق طاقته . ولا شك في أن ماتيوكان يعرف ذلك . ويبدو أن أسماء اللوحات التي يختارها طنانة رنانة لا يقصد منها على ما يبدو إلا اثارة الحيرة لدى الجمهور الذي يحفل بما له الوقع الكبير ، أكثر مما يحفل بما يثير العاطفة . وماتيو لا يبخل بما هو شديد الوقع . فهو ذو ميل شديد إلى العرض لا يقل عن ميل دالي إليه .
وتكثر في زمننا هذا ، اللوحات التي يحاول أصحابها ستر فقرها تحت أسماء مفعمة بالادعاء . فكلما كان العمل أقل قدرة على التأثير فينا كعمل تصويري ، كلما ازداد اسمه تشبعاً بالأفكار والشعر . حتى أن بعضهم لم يعودوا يرون في الفن التجريدي إلا ذريعة لعرض آثار أدبية إلا أنه أدب غالباً ما يكون غير واضح ، لايزيد قيمة عن ذلك الأدب الذي كان المصورون الرسميون في القرن الماضي يستطيبونه .
إلا أن الاغراق في الألوان ، وفي البهلوانيات الفوضوية الذي تردى فيه عدد كثير من اللاشكليين قد أثار ردة فعل لاتقل عنه تطرفاً ، قام بها عام ١٩٥٧ أصحاب مذهب اللون الواحد بقيادة « ايف كلين الذين أخذوا يعرضون علينا لوحات مغطاة كلها بصبغة واحدة . وقد كتبت العبارات الجميلة في تبرير هذا الاتجاه ويبدو بصورة خاصة أن دعاة هذا المذهب وهم قلة على كل حال ، انما يسعون إلى الكمال لا في سطح اللوحة بل في ماوراءه. ولنسلم بذلك ولكن كيف نستطيع عندئذ ألا نطرح على أنفسنا هذا السؤال : إذا كان الأمر كذلك ، فلم لا يوفر الفنان اللون الأوحد نفسه الذي بقي يستعمله ؟ وكيف لانطرح على أنفسنا هذا السؤال أيضاً : لماذا لاننظر بإعجاب أكثر لدهان البنايات الطيب وهو رجل مختص في استعمال اللون الواحد ، عندما يكسو بالدهان سقف غرفة ما أو باب مرآب ما ؟
وكذلك يجب أن نصنف في عداد اللاشكليين المصورين الذين شكلوا حوالي عام ١٩٥٠ جماعة «كوبرا Cobra » وهذا الاسم الذي يحوي الحروف الأولى أسماء العواصم كوبنهاغن ، وبروكسيل ، و أمستردام يوحي بأن هؤلاء الفنانين مقيمون في المدن المذكورة ولكن لم تمض فترة قصيرة حتى جاء بعضهم : الفنان البلجيكي الكشنسكي Alechinsky والهولنديان ، آبل Appel و كورني Corneille » فاقاموا في باريز. كما أن الرسام الدنمركي و آسجر جورن Asger Jorn سكن في باريز في فترات متعددة .
وإذا كنا نشتبه وراء الأشكال والألوان المخترعة لدى كورنيل بوجود مناظر طبيعية ، ومناظر طبيعية صامتة ، إلا أن لوحات المصورين الآخرين توحي لنا وجوهاً يرقانية مكشرة ، فيها شيء من الحيوان وشيء من المسخ ومن الشيطان ، من خلال الخطوط التي تعج بها، والألوان التي تبدو وكأنها تتخمر ... وبعبارة أخرى إذا استثنينا الصور الشخصية والصور العارية التي يصنعها آبل، نجد أننا أمام نوع من التصوير التشبيهي يبدو وكأنه نشأ : لقاء بالصدفة المجردة بين الخطوط والألوان أكثر مما يبدو نتيجة لقصد معين . وهذه الخطوط عصبية ومشددة بنفس الوقت لدى كورنيل ، ولكنها تجر نفسها متراخية لدى جورن والكشنسكي، بينما تتصالب وتتشابك في خرفشات عنيفة لدى « آبل » واللون عند هذا الأخير صارخ وعدواني إلى أقصى الحدود ، ومادته كثيفة دابقة أما الكشنسكي فيقابل هذه القسوة المبتذلة ، وهذه الكلمات المتحدية بفن أكثر ثقافة ، له من تألق وندرة بعض الألوان الزهرية والزرقاء ما يذكرنا بعض الشيء بتلوين مواطنه ( انسور . Ensor )
وقد ذهب البعض إلى أن هؤلاء المصورين وبعض الآخرين ممن يعتبرون قريبين منهم قد ابتدعوا حركة تشبيهية جديدة . وفي الواقع إذا كان من الممكن مقارنتهم بدوبوفيه فإنهم ، بدون شك أقرب إلى فنان تعبيري مثل ( نولد Nolde ) ، وكثيراً ماتكون بعض أعمالهم أعماله واسلوبهم أكثر رخاوة من اسلوبه ، ومن جهة أخرى فإن مافي أعماله من رصانة ومهابة حل محله في أعمالهم التهكم والسخرية ، ولم يعد للكائن البشري في أعمالهم إلا مظاهر كاريكاتورية ، وهو في الغالب ذو قبح وحشي منفر .
ولا شك في أن مرد ذلك يعود من جهة إلى مفهوم الحياة ، إلى الاعتقاد بأن الانسان أقل تطوراً وأقل ( انسانية ) وأقل تطميناً ، بدرجات كثيرة مما تحاول الحضارة الحديثة أن تو همنا به . ومرد ذلك يعود من جهة أخرى كما ذكرنا آنفاً إلى أن هذا التصوير التشبيهي لا يأتي دائماً نتيجة لتصميم سابق ، وانه لايكاد يخرج في نطاق التجريد إلا خلسة وأنه في قسم يظل غائصاً في هذه العجينة الملونة التي تميز التصوير اللاشكلي حيث يعتبر ادخال شكل محدد بوضوح فيه بمثابة تغيير في كبير منه الاسلوب .
ألسنا نستطيع على هذا النحو نفسه أن نفسر الأشخاص والعرى التي صورها جيليه Gillet حديثاً بعد أن كان واحداً من ممثلي الفن التجريدي الأصلاء ؟ ؟ وصحيح أن هذه الصور للأشخاص والعاريات تبرز وتنفصل أو تحاول ذلك عن خلفية اللوحة . ولكن لا أجسامها ولا وجوهها ذات تركيب كاف بحيث تسمو عن الكتلة اللاشكلية الرخوة . ولذلك نجد هنا أيضاً مخلوقات مريبة تبدو وجوهها إن تجاوزت الرسيم ، مشوهة أو ذات مسحة بهيمية ، خائفة ومخيفة بآن واحد ، تجمع ملامحها بين الرعب والقرف .
أما اللون فقاتم طيني . ولذلك يدعم في نفس الناظر هذا الانطباع ويسهم في تذكيره بصور كوانتا دل سوردو Quinta Del Sordo . غير أن التصوير عند غويا أكثر حزماً رغم مافي أسلوبه من سعة و اندفاع . كما أن انسانيته مهما كانت مشوهة ، أقل بدائية أكثر تأثيراً وإيلاماً . ومع ذلك كله فإن المرء يحس أن في جيليه قلقاً حقيقياً وأن لوحاته تؤثر فينا أيضاً بما فيها من مزايا هي وأقل قبحاً ، ولذا فهي تصويرية .
وثمة تأثير آخر أسهم في اعداده ، هو تأثير الصين واليابان حيث أقام في عام ١٩٣٤ . وهذا التأثير ، بدون شك ، هو الذي جعله في أوروبا موضوع اعتبار مروجي الفن اللاشكلي ، أكثر أعماله الفنية التي تبعد كل البعد عن تلويحات الأيدي ، وعن الاهمال والتراخي . والواقع أن دعاة اللاشكلي يرجعون بطيبة خاطر إلى الشرق الأقصى . فهم يعلنون عن اهتمامهم بالبوذية ( زن ) ، و ( بالمناظر من عهد اسرة سونغ ) من وبالخطوط الكتابية الصينية واليابانية ، ولا مندوحة عن الاعتراف بأن هذا الاهتمام حقيقي وصادق ، في بعض الحالات . غير أن الذين يجاهرون بإعجابهم ببوذية ( زن ) بعيدون كل البعد في غالبية الأحوال عن أن يعيشوا عيشة الرهبان البوذيين. وأن الذين يريدون أن تكون لوحاتهم قريبة من لوحات المناظر الطبيعية في عهد سونغ ، أو من الكتابة الشرقية القصوى ، هم قليلو الاهتمام بروح هذه الفنون ، ولا يتمسكون منها إلا بالناحية الخارجية . هنا بضع بقع فاهية ، وهناك ترسيم منساب متعجل . وبالطبع لا يكفي أن القاء بضعة أحرف على لوحة لصنع خط كتابي فني بالمعنى الذي لهذا التعبير في الصين ، حيث تمثل العلامة فكرة ما أو شيئاً ما ... بيد أن ذلك ليس هو المهم ، لأن الأمر الأساسي في التصوير التجريدي في الغرب ليس الاتيان برموز مصطلح عليها . بل هو الاتيان بأشكال « ذات معنى بالنسبة لبعضها البعض » كما يقول فوسيللون Focillon : الأمر الجوهري هو أن يكون الخط حساساً وأن يكون معبراً .
فهل هو كذلك لدى « ماتيو Mathieu » الذي يرسم على خلفية ذات لون واحد في الغالب عدداً كبيراً من الخطوط البيضاء أو السوداء المتشابكة ، وذلك عن طريق ضغط انبوبة الألوان فوق اللوحة ؟ إن الرسم عند هذا الفنان لا يسجل إلا حركة جسدية . فإذا ما طالبناه بأن يوحي ب جان دارك أو أوليفيه الثالث مقطوع الرأس أو معركة بوفين ، فإنما نطالبه بما هو فوق طاقته . ولا شك في أن ماتيوكان يعرف ذلك . ويبدو أن أسماء اللوحات التي يختارها طنانة رنانة لا يقصد منها على ما يبدو إلا اثارة الحيرة لدى الجمهور الذي يحفل بما له الوقع الكبير ، أكثر مما يحفل بما يثير العاطفة . وماتيو لا يبخل بما هو شديد الوقع . فهو ذو ميل شديد إلى العرض لا يقل عن ميل دالي إليه .
وتكثر في زمننا هذا ، اللوحات التي يحاول أصحابها ستر فقرها تحت أسماء مفعمة بالادعاء . فكلما كان العمل أقل قدرة على التأثير فينا كعمل تصويري ، كلما ازداد اسمه تشبعاً بالأفكار والشعر . حتى أن بعضهم لم يعودوا يرون في الفن التجريدي إلا ذريعة لعرض آثار أدبية إلا أنه أدب غالباً ما يكون غير واضح ، لايزيد قيمة عن ذلك الأدب الذي كان المصورون الرسميون في القرن الماضي يستطيبونه .
إلا أن الاغراق في الألوان ، وفي البهلوانيات الفوضوية الذي تردى فيه عدد كثير من اللاشكليين قد أثار ردة فعل لاتقل عنه تطرفاً ، قام بها عام ١٩٥٧ أصحاب مذهب اللون الواحد بقيادة « ايف كلين الذين أخذوا يعرضون علينا لوحات مغطاة كلها بصبغة واحدة . وقد كتبت العبارات الجميلة في تبرير هذا الاتجاه ويبدو بصورة خاصة أن دعاة هذا المذهب وهم قلة على كل حال ، انما يسعون إلى الكمال لا في سطح اللوحة بل في ماوراءه. ولنسلم بذلك ولكن كيف نستطيع عندئذ ألا نطرح على أنفسنا هذا السؤال : إذا كان الأمر كذلك ، فلم لا يوفر الفنان اللون الأوحد نفسه الذي بقي يستعمله ؟ وكيف لانطرح على أنفسنا هذا السؤال أيضاً : لماذا لاننظر بإعجاب أكثر لدهان البنايات الطيب وهو رجل مختص في استعمال اللون الواحد ، عندما يكسو بالدهان سقف غرفة ما أو باب مرآب ما ؟
وكذلك يجب أن نصنف في عداد اللاشكليين المصورين الذين شكلوا حوالي عام ١٩٥٠ جماعة «كوبرا Cobra » وهذا الاسم الذي يحوي الحروف الأولى أسماء العواصم كوبنهاغن ، وبروكسيل ، و أمستردام يوحي بأن هؤلاء الفنانين مقيمون في المدن المذكورة ولكن لم تمض فترة قصيرة حتى جاء بعضهم : الفنان البلجيكي الكشنسكي Alechinsky والهولنديان ، آبل Appel و كورني Corneille » فاقاموا في باريز. كما أن الرسام الدنمركي و آسجر جورن Asger Jorn سكن في باريز في فترات متعددة .
وإذا كنا نشتبه وراء الأشكال والألوان المخترعة لدى كورنيل بوجود مناظر طبيعية ، ومناظر طبيعية صامتة ، إلا أن لوحات المصورين الآخرين توحي لنا وجوهاً يرقانية مكشرة ، فيها شيء من الحيوان وشيء من المسخ ومن الشيطان ، من خلال الخطوط التي تعج بها، والألوان التي تبدو وكأنها تتخمر ... وبعبارة أخرى إذا استثنينا الصور الشخصية والصور العارية التي يصنعها آبل، نجد أننا أمام نوع من التصوير التشبيهي يبدو وكأنه نشأ : لقاء بالصدفة المجردة بين الخطوط والألوان أكثر مما يبدو نتيجة لقصد معين . وهذه الخطوط عصبية ومشددة بنفس الوقت لدى كورنيل ، ولكنها تجر نفسها متراخية لدى جورن والكشنسكي، بينما تتصالب وتتشابك في خرفشات عنيفة لدى « آبل » واللون عند هذا الأخير صارخ وعدواني إلى أقصى الحدود ، ومادته كثيفة دابقة أما الكشنسكي فيقابل هذه القسوة المبتذلة ، وهذه الكلمات المتحدية بفن أكثر ثقافة ، له من تألق وندرة بعض الألوان الزهرية والزرقاء ما يذكرنا بعض الشيء بتلوين مواطنه ( انسور . Ensor )
وقد ذهب البعض إلى أن هؤلاء المصورين وبعض الآخرين ممن يعتبرون قريبين منهم قد ابتدعوا حركة تشبيهية جديدة . وفي الواقع إذا كان من الممكن مقارنتهم بدوبوفيه فإنهم ، بدون شك أقرب إلى فنان تعبيري مثل ( نولد Nolde ) ، وكثيراً ماتكون بعض أعمالهم أعماله واسلوبهم أكثر رخاوة من اسلوبه ، ومن جهة أخرى فإن مافي أعماله من رصانة ومهابة حل محله في أعمالهم التهكم والسخرية ، ولم يعد للكائن البشري في أعمالهم إلا مظاهر كاريكاتورية ، وهو في الغالب ذو قبح وحشي منفر .
ولا شك في أن مرد ذلك يعود من جهة إلى مفهوم الحياة ، إلى الاعتقاد بأن الانسان أقل تطوراً وأقل ( انسانية ) وأقل تطميناً ، بدرجات كثيرة مما تحاول الحضارة الحديثة أن تو همنا به . ومرد ذلك يعود من جهة أخرى كما ذكرنا آنفاً إلى أن هذا التصوير التشبيهي لا يأتي دائماً نتيجة لتصميم سابق ، وانه لايكاد يخرج في نطاق التجريد إلا خلسة وأنه في قسم يظل غائصاً في هذه العجينة الملونة التي تميز التصوير اللاشكلي حيث يعتبر ادخال شكل محدد بوضوح فيه بمثابة تغيير في كبير منه الاسلوب .
ألسنا نستطيع على هذا النحو نفسه أن نفسر الأشخاص والعرى التي صورها جيليه Gillet حديثاً بعد أن كان واحداً من ممثلي الفن التجريدي الأصلاء ؟ ؟ وصحيح أن هذه الصور للأشخاص والعاريات تبرز وتنفصل أو تحاول ذلك عن خلفية اللوحة . ولكن لا أجسامها ولا وجوهها ذات تركيب كاف بحيث تسمو عن الكتلة اللاشكلية الرخوة . ولذلك نجد هنا أيضاً مخلوقات مريبة تبدو وجوهها إن تجاوزت الرسيم ، مشوهة أو ذات مسحة بهيمية ، خائفة ومخيفة بآن واحد ، تجمع ملامحها بين الرعب والقرف .
أما اللون فقاتم طيني . ولذلك يدعم في نفس الناظر هذا الانطباع ويسهم في تذكيره بصور كوانتا دل سوردو Quinta Del Sordo . غير أن التصوير عند غويا أكثر حزماً رغم مافي أسلوبه من سعة و اندفاع . كما أن انسانيته مهما كانت مشوهة ، أقل بدائية أكثر تأثيراً وإيلاماً . ومع ذلك كله فإن المرء يحس أن في جيليه قلقاً حقيقياً وأن لوحاته تؤثر فينا أيضاً بما فيها من مزايا هي وأقل قبحاً ، ولذا فهي تصويرية .
تعليق