الهندسة الشعرية
على الرغم من أن الأشكال ذات الطابع الهندسي توجد أيضاً عند (لاكاس Lacasse ) و بولياكوف ، فهؤلاء الفنانون يأتي موقعهم على هامش التجريد الهندسي بالمعنى الدقيق ، لأن للشعرية مكاناً كبيراً في أعمالهم الفنية وإذا كان بوليا كوف روسياً ، فإن لاكاس بلجيكياً . فكلاهما قدما إلى باريز في العشرينات وأقاما فيها. وقد التقى أحدهما بالآخر في العاصمة الفرنسية قبل الحرب ، في وقت لم يكن فيه بولياكوف قد اهتدى بعد إلى أسلوبه الخاص . وكان لاكاس يمارس الفن التجريدي منذ بعض الوقت . فهل يمكن القول أن أول هذين المصورين قد أثر في الآخر ؟ ومهما يكن من أمر ، فإن في بعض لوحاتهما تشابهاً لا يمكن نکرانه .
و أن اللوحات التي أبدعها بوليا كوف بين ١٩٤٩ و ١٩٥٥ تقريباً مقسمة إلى قطع لا تخلو من الوضوح ، ولكنها غير منتظمة ، وهي تتجاور كما تتجاور الحقول في سهل من السهول وأنه ليكفي أن ينظر المرء إلى الأرض من الطائرة ليرى تكوينات مشابهة لتأليفات هذا الفنان . وبالطبع فلسنا نقصد من هذا القول أن لوحات بولياكوف لا يمكن أن تكون مبتكرة بكل حرية . . . وعلى كل حال ، فإن الألوان التي تكسو هذه القطع وتحددها وتجعلها متميزة بعضها عن بعض ، هذه الألوان السوداء إلى جانب الزهرية والبيضاء القشدية ، وهذه الألوان الزرقاء والخضراء القائمة والبنفسجية الضاربة إلى السمار ، والبرتقالية ، والحمراء التي تشع كأنها جمرات . كل هذه الألوان الرزينة ، والجليلة أحياناً كلها بعيدة عن العالم الخارجي. وهي تعبر عن تأمل يتفتح تفتحاً وئيداً لا عن فكر قلق أو مشاعر مؤثرة بولياكوف مناطق الألوان ، وأخذ يسعى إلى جعلها أكثر تناغماً ، فأصبح توافقها أقل ارتعاشاً أنه استعاد قوته التأثيرية عندما رجع في ١٩٦٣ إلى تأليف أكثر تراصاً وإلى الرنين العميق الذي تمتاز بها أفضل لوحاته السابقة .
أما لا كاس Lacasse فأسلوبه ، عندما لا يستعمل الألوان الموحدة ، يختلف قليلاً عن اسلوب بولياكوف ، إلا أن فنه أكثر تنوعاً من فن هذا الأخير وأقل هدوءاً منه ، حتى أننا قد نجد فيه ناحية درامية . ثم أن هنالك حركات تنتشر في صوره ، حتى أن بعض الألوان الحمراء تبدو على وشك الغليان كأنها بركان وتنتشر بدون فوضى على اللوحة كالسائل البركاني الذي ينتقل من أقصى الإحمرار الحراري إلى سواد البرودة .
الخط غير الموجود لدى بولياكوف ، والذي يبدو ذا أهمية ثانوية لدى لا كاس يلعب دوراً حاسماً لدى المصور بيوبير . فبدءاً من اللوحات التشبيهية التي صورها هذا الفنان عام ۱۹۳۵ نقلا عن مشاهد طبيعية في مقاطعة البوردليه الفرنسية ، يرتكز تنظيم اللوحة ، ويقوم معناها بصورة رئيسية على الخطوط . بيد أن هذه الخطوط لا تتمتع عند ذاك ينلملك المرونة وبذاك الطابع الكتابي اللذين شه حا لها فيما بعد . وإذا كان بيوبير قد اتجه صوب الفن التجريدي في زمن الحرب ، فلم يحمله ذلك على الاعتقاد بأنه أصبح محظوراً عليه أن يعبر في بعض لوحاته عما خامره من شعور لدى اتصاله بالواقع . لا سيما وأن الفرق غير هام بين اللوحات التي يبتدعها بتمامها ، واللوحات التي رسمها عام ١٩٥٥ مثلاً ، بعد أن قام برحلة إلى اليونان . فهو في هذه وفي تلك على السواء يستعمل اشارات ليست رموزاً، بل هي عناصر تشكيلية شعرية . وبعبارة أخرى ، فإن هذه الاشارات هي في آن واحد ، ذات كيان خاص بها ، وذات قدرة على الإيحاء .
وسواء أكانت الخطوط رفيعة أم عريضة لينة أم ثقيلة ، فهي تشكل في لوحات عدة ، أشكالاً تجريدية متوترة رنانة كالأقواس . وهي إذ تبعد الألوان فإنها تقوي الاحساس بوجود مدى يهتم هذا الفنان دائماً بأن ينقل إلينا الشعور به . على أن هذا المدى ليس مادياً طبيعياً بقدر ماهو عمق نفسي . وإن وسائل التصوير النقي هي وحدها التي تخلق هذا العمق ، ومع أن تأليفه يخلو من كل كثافة ، بل يتميز على العكس بصفاء بنيته ، فإن بيوبير يجعلنا أمام واقع غامض يجذبنا ، ويسحرنا دون أن ينبعث منه أي ألم أو ضيق .
و كما أنه يستخدم في فنه قوة الرسم المعبرة فهو يعرف قيمة اللون من حيث هو صبغة ، ومن حيث هو مادة أيضاً . وإذا كان يعرف كيف يفيد أفضل افادة من حرارة الألوان الحمراء أو مما فيها من فخامة ، فإن ألوانه بصورة عامة تمتاز بالقوة أكثر مما تمتاز بالبريق . فهي لاتخلو أبداً من الجدية أو من الحرارة ، وفيها أحياناً شي من السرية . أما عجينة الأصباغ ، ففيها أيضاً محاسن جذابة متنوعة ، فهي تارة ملساء، وطوراً خشنة . وهي تذكرنا أحياناً بالرق القديم، وأحياناً بصورة يابانية قبضت ثم بسطت. وأحياناً بالخزف الملمع . وبوجيز العبارة إذا أستثنينا اللوحات الحديثة التي أصبحت فيها العجبينة أكثر سمكاً و أكثر لمعاناً وتصفيحاً فإن العجينة تذكرنا دائماً بأشياء أغناها الانسان بفضل صنعها بعناية وذوق وحساسية .
على الرغم من أن الأشكال ذات الطابع الهندسي توجد أيضاً عند (لاكاس Lacasse ) و بولياكوف ، فهؤلاء الفنانون يأتي موقعهم على هامش التجريد الهندسي بالمعنى الدقيق ، لأن للشعرية مكاناً كبيراً في أعمالهم الفنية وإذا كان بوليا كوف روسياً ، فإن لاكاس بلجيكياً . فكلاهما قدما إلى باريز في العشرينات وأقاما فيها. وقد التقى أحدهما بالآخر في العاصمة الفرنسية قبل الحرب ، في وقت لم يكن فيه بولياكوف قد اهتدى بعد إلى أسلوبه الخاص . وكان لاكاس يمارس الفن التجريدي منذ بعض الوقت . فهل يمكن القول أن أول هذين المصورين قد أثر في الآخر ؟ ومهما يكن من أمر ، فإن في بعض لوحاتهما تشابهاً لا يمكن نکرانه .
و أن اللوحات التي أبدعها بوليا كوف بين ١٩٤٩ و ١٩٥٥ تقريباً مقسمة إلى قطع لا تخلو من الوضوح ، ولكنها غير منتظمة ، وهي تتجاور كما تتجاور الحقول في سهل من السهول وأنه ليكفي أن ينظر المرء إلى الأرض من الطائرة ليرى تكوينات مشابهة لتأليفات هذا الفنان . وبالطبع فلسنا نقصد من هذا القول أن لوحات بولياكوف لا يمكن أن تكون مبتكرة بكل حرية . . . وعلى كل حال ، فإن الألوان التي تكسو هذه القطع وتحددها وتجعلها متميزة بعضها عن بعض ، هذه الألوان السوداء إلى جانب الزهرية والبيضاء القشدية ، وهذه الألوان الزرقاء والخضراء القائمة والبنفسجية الضاربة إلى السمار ، والبرتقالية ، والحمراء التي تشع كأنها جمرات . كل هذه الألوان الرزينة ، والجليلة أحياناً كلها بعيدة عن العالم الخارجي. وهي تعبر عن تأمل يتفتح تفتحاً وئيداً لا عن فكر قلق أو مشاعر مؤثرة بولياكوف مناطق الألوان ، وأخذ يسعى إلى جعلها أكثر تناغماً ، فأصبح توافقها أقل ارتعاشاً أنه استعاد قوته التأثيرية عندما رجع في ١٩٦٣ إلى تأليف أكثر تراصاً وإلى الرنين العميق الذي تمتاز بها أفضل لوحاته السابقة .
أما لا كاس Lacasse فأسلوبه ، عندما لا يستعمل الألوان الموحدة ، يختلف قليلاً عن اسلوب بولياكوف ، إلا أن فنه أكثر تنوعاً من فن هذا الأخير وأقل هدوءاً منه ، حتى أننا قد نجد فيه ناحية درامية . ثم أن هنالك حركات تنتشر في صوره ، حتى أن بعض الألوان الحمراء تبدو على وشك الغليان كأنها بركان وتنتشر بدون فوضى على اللوحة كالسائل البركاني الذي ينتقل من أقصى الإحمرار الحراري إلى سواد البرودة .
الخط غير الموجود لدى بولياكوف ، والذي يبدو ذا أهمية ثانوية لدى لا كاس يلعب دوراً حاسماً لدى المصور بيوبير . فبدءاً من اللوحات التشبيهية التي صورها هذا الفنان عام ۱۹۳۵ نقلا عن مشاهد طبيعية في مقاطعة البوردليه الفرنسية ، يرتكز تنظيم اللوحة ، ويقوم معناها بصورة رئيسية على الخطوط . بيد أن هذه الخطوط لا تتمتع عند ذاك ينلملك المرونة وبذاك الطابع الكتابي اللذين شه حا لها فيما بعد . وإذا كان بيوبير قد اتجه صوب الفن التجريدي في زمن الحرب ، فلم يحمله ذلك على الاعتقاد بأنه أصبح محظوراً عليه أن يعبر في بعض لوحاته عما خامره من شعور لدى اتصاله بالواقع . لا سيما وأن الفرق غير هام بين اللوحات التي يبتدعها بتمامها ، واللوحات التي رسمها عام ١٩٥٥ مثلاً ، بعد أن قام برحلة إلى اليونان . فهو في هذه وفي تلك على السواء يستعمل اشارات ليست رموزاً، بل هي عناصر تشكيلية شعرية . وبعبارة أخرى ، فإن هذه الاشارات هي في آن واحد ، ذات كيان خاص بها ، وذات قدرة على الإيحاء .
وسواء أكانت الخطوط رفيعة أم عريضة لينة أم ثقيلة ، فهي تشكل في لوحات عدة ، أشكالاً تجريدية متوترة رنانة كالأقواس . وهي إذ تبعد الألوان فإنها تقوي الاحساس بوجود مدى يهتم هذا الفنان دائماً بأن ينقل إلينا الشعور به . على أن هذا المدى ليس مادياً طبيعياً بقدر ماهو عمق نفسي . وإن وسائل التصوير النقي هي وحدها التي تخلق هذا العمق ، ومع أن تأليفه يخلو من كل كثافة ، بل يتميز على العكس بصفاء بنيته ، فإن بيوبير يجعلنا أمام واقع غامض يجذبنا ، ويسحرنا دون أن ينبعث منه أي ألم أو ضيق .
و كما أنه يستخدم في فنه قوة الرسم المعبرة فهو يعرف قيمة اللون من حيث هو صبغة ، ومن حيث هو مادة أيضاً . وإذا كان يعرف كيف يفيد أفضل افادة من حرارة الألوان الحمراء أو مما فيها من فخامة ، فإن ألوانه بصورة عامة تمتاز بالقوة أكثر مما تمتاز بالبريق . فهي لاتخلو أبداً من الجدية أو من الحرارة ، وفيها أحياناً شي من السرية . أما عجينة الأصباغ ، ففيها أيضاً محاسن جذابة متنوعة ، فهي تارة ملساء، وطوراً خشنة . وهي تذكرنا أحياناً بالرق القديم، وأحياناً بصورة يابانية قبضت ثم بسطت. وأحياناً بالخزف الملمع . وبوجيز العبارة إذا أستثنينا اللوحات الحديثة التي أصبحت فيها العجبينة أكثر سمكاً و أكثر لمعاناً وتصفيحاً فإن العجينة تذكرنا دائماً بأشياء أغناها الانسان بفضل صنعها بعناية وذوق وحساسية .
تعليق