التجريد الهندسي
إذا كانت الأشكال الهندسية مستمرة في كسب أنصار ومريدين منذ أن ولد الفن التجريدي ، فإن هذه الأشكال قد تمتعت غداة الحرب الأخيرة بفترة رواج عظيم، إلى درجة أنها أصبحت تبدو وكأنها الأشكال الوحيدة التي من الطبيعي أن يصورها الفنانون . ولاريب في أن أن التجريد الشعري ظل طوال الفترة بين ١٩١٨ و ١٩٤٥ يستبعد في كل مكان تقريباً حتى أن كاندنسكي نفسه قدر فضه ، مع أنه هو الذي أشهره فيما مضى بأقصى الحماس . وكأن هذا التجريد الشعري مرض طفولة ، أو مرحلة من المراحل اضطر البعض إلى المرور بها ، ليس من المستحسن أن يعودوا إليها .
وعلاوة على ذلك ، فإن المصور الذي يعتبر فيما بعد الحرب حجة رئيسية في مجال التصوير التجريدي ، وهو الفنان الايطالي ( مانيللي Magnelli ) ، لايقر إلا الأشكال المقطعة تقطيعاً دقيقاً والتي تتجمع في ترتيب دقيق تماماً . وينساق الشبان وراء هذا الفنان ، بسهولة ويسر، لاسيما وأنه ليس بالرجل الجديد في هذا المجال. فقد استهوته التجريدية منذ عام ١٩١٥ . وإذا كان قد حاد عنها بعد بضع سنوات ، فقد عاد إليها عام ١٩٣٣ ، عندما استقر به المقام في باريز . وليس من ريب في أن هندسيته تجمع الابتكار والصرامة معاً . وفنه متميز عن فن مندريان بتعقده وديناميكيته . كما أنه ينأى عن فن كاندينسكي . فمهما كانت الأشكال منبسطة ، يظل فيها شي من الكثافة بقدر سمك صفحة من الحديد أو نصل من الفولاذ ، وسواء أكانت هذه الأشكال مستقيمة أم منحنية ، ومتصلبة أو متلوية ، فهي لا تخلو أبداً من القسوة ، ويحيطها نطاق أسود أو ملون كما لو أن المصور أراد أن يجمع طاقتها ويبرز تمييزها . ومن جهة أخرى فإن التأليف أكثر تراصاً وأن لم يكن أكثر كثافة مما الأمر في لوحات كاندينسكي ، كما أن اللون أكثر دكنة . ومانيللي لا يحفل بالبرقشة اللعوب التي عرف بها الفنان الروسي . وأكثر ألوانه الأسمر والأبيض والأزرق البارد التي تمتد جميعاً بشكل مساحات عريضة من لون منفرد . أما المادة التي يستعملها فهي بعيدة عن كل قوة اغراء . وإن هذا الفن المتين الذي لا يعرف إلا التأكيدات الحازمة ، والذي ينتج التوازن فيه عن ملاعبة قوى متضادة . . . . هذا الفمن يذكرنا بالمصور ليجيه . اللهم إلا أن ليجيه أقل اهتماماً بالبحث النظري . وأقل توتراً ، وأكثر حرارة .
وهناك إلى جانب مانيللي فنانان من القدامى يسهمان بعد عام ١٩٤٥ في دفع الشبان إلى الصرامة والنقاوة في الفن ، وهما « كوبكا Kupka » و «هربن Herbin » وأولهما يتابع طريقه دون ضجة ، ولكن بدأب . وهو لايزال يزداد ميلاً إلى البناء الفني المتنسك . في حين أن ثانيهما الذي اعتنق نهائياً الفن التجريدي عام ١٩٢٦ ، ، يجمع في اللوحة الواحدة مستطيلات ومربعات ومثلثات ودوائر وقطعاً دائرية هو يكسوها بالألوان البراقة .
ويضاف إلى الانتظام المتطرف في الشكل الذي لا يحوي سوى هذا التلوين الذي يكسب الشكل عنصراً غير عقلاني يؤثر تأثيراً مباشراً في الحساسية ، ويكسب أعمال هر بن الفنية شيئاً من الطابع الكنائسي .
أما المصورون الأصغر عمراً ، فالكثيرون منهم لم يمارسوا التجريد الهندسي إلا فترة قصيرة نوعاً ما . بيد أن سواهم لم يحرقوا بعد ١٩٥٠ ما عبدوه قبلها . ويجدر بنا أن نذكر منهم « ديرول ديفازن Dewazne» ، و ليبيين Leppienne » و « مورتنسن » و « هنري نوفو Henri Nouveau » و « فاسريلي ، ( Deyrolle Mortensen . ( Vasarely وديفازن يرتب أشكاله منذ بعض السنين على طريقة هربن ، غير أن تكون أقل بساطة أشكال هر بن . فهو يزيد في الربط بينها ويجعلها أكثر ديناميكية. فهي متينة واضحة تكتسي بألوان ذات وقع قاس ، تلائم لأعمال تزيين الجدران أكثر مما تلائم لوحة المسند .
وهو فاسريلي في هنغاريا ، وقدم إلى باريز عام ١٩٣٠ وأعاد أتصاله بمذهب مدرسة الباوهاوز. وقد مارس قصداً فن المختبر ، وراح يقوم بتجارب متنوعة ويحسب مالكل منها أثر إلا أشكالاً بسيطة ومسطحة ، ولكنه يستطيع بواسطتها أن يوحي بوجود مستويات وتجاويف وبروزات. فهو يخلق ما يخدع النظر فعلاً ، كما أنه يثير براقة ، وحركات ، بفضل تغيير الشكل وتغيير ترتيب المساحات الملونة . وإذا كان من الصعب علينا أن نتصور مثل هذه اللوحات في غرف يركن المرء إليها فمن المقبول جداً مشاهدة اللوحات الكبيرة التي صورها في الأيام الأخيرة معروضة للنظر في الأماكن التي تجتمع فيها أو تمر فيها الجماهير مثل المقاهي الكبيرة الحديثة أو في المطارات. والواقع أن لهذه الصور قيمة زخرفية أكيدة وهي تماماً فن العمارة النافعة في أيامنا هذه ، فهي تحمي الجدار وتهيج النواظر وتبهجها وتدعوها إلى نزهة سريعة في اللوحة .
وبين هؤلاء المصورين نجد أن ديرول أكثرهم احتراماً لطابع لوحة المسند. وأشكاله ذات طابع هندسي أكثر مما بصور مستويات عدة ويبرز تنوعها بتلوين يتراوح ما بين الحار وبين الأ. وما بين المشبع وبين . وهو يخالف جميع أتباع هذا الاتجاه تقريباً ، فلا يخفي أثر يده ويجعل مادته كامدة بل جافة ليدل على أنه لا يريد أن تكون مغفلة الهوية .
ومن الفنانين الشبان الأصغر سناً الذين يمارسون المنحى الهندسي ، نذكر ( تيبو Thépot ) الذي يعد من أكثرهم فتنة. وهو يستعمل ألواناً تقتصر تقريباً على الأسود والأبيض والرمادي فيصنع بواسطتها صوراً من نوع الغواش دقيقة جداً محتشمة جداً ، وهي في الوقت نفسه ، حساسة جداً .
إذا كانت الأشكال الهندسية مستمرة في كسب أنصار ومريدين منذ أن ولد الفن التجريدي ، فإن هذه الأشكال قد تمتعت غداة الحرب الأخيرة بفترة رواج عظيم، إلى درجة أنها أصبحت تبدو وكأنها الأشكال الوحيدة التي من الطبيعي أن يصورها الفنانون . ولاريب في أن أن التجريد الشعري ظل طوال الفترة بين ١٩١٨ و ١٩٤٥ يستبعد في كل مكان تقريباً حتى أن كاندنسكي نفسه قدر فضه ، مع أنه هو الذي أشهره فيما مضى بأقصى الحماس . وكأن هذا التجريد الشعري مرض طفولة ، أو مرحلة من المراحل اضطر البعض إلى المرور بها ، ليس من المستحسن أن يعودوا إليها .
وعلاوة على ذلك ، فإن المصور الذي يعتبر فيما بعد الحرب حجة رئيسية في مجال التصوير التجريدي ، وهو الفنان الايطالي ( مانيللي Magnelli ) ، لايقر إلا الأشكال المقطعة تقطيعاً دقيقاً والتي تتجمع في ترتيب دقيق تماماً . وينساق الشبان وراء هذا الفنان ، بسهولة ويسر، لاسيما وأنه ليس بالرجل الجديد في هذا المجال. فقد استهوته التجريدية منذ عام ١٩١٥ . وإذا كان قد حاد عنها بعد بضع سنوات ، فقد عاد إليها عام ١٩٣٣ ، عندما استقر به المقام في باريز . وليس من ريب في أن هندسيته تجمع الابتكار والصرامة معاً . وفنه متميز عن فن مندريان بتعقده وديناميكيته . كما أنه ينأى عن فن كاندينسكي . فمهما كانت الأشكال منبسطة ، يظل فيها شي من الكثافة بقدر سمك صفحة من الحديد أو نصل من الفولاذ ، وسواء أكانت هذه الأشكال مستقيمة أم منحنية ، ومتصلبة أو متلوية ، فهي لا تخلو أبداً من القسوة ، ويحيطها نطاق أسود أو ملون كما لو أن المصور أراد أن يجمع طاقتها ويبرز تمييزها . ومن جهة أخرى فإن التأليف أكثر تراصاً وأن لم يكن أكثر كثافة مما الأمر في لوحات كاندينسكي ، كما أن اللون أكثر دكنة . ومانيللي لا يحفل بالبرقشة اللعوب التي عرف بها الفنان الروسي . وأكثر ألوانه الأسمر والأبيض والأزرق البارد التي تمتد جميعاً بشكل مساحات عريضة من لون منفرد . أما المادة التي يستعملها فهي بعيدة عن كل قوة اغراء . وإن هذا الفن المتين الذي لا يعرف إلا التأكيدات الحازمة ، والذي ينتج التوازن فيه عن ملاعبة قوى متضادة . . . . هذا الفمن يذكرنا بالمصور ليجيه . اللهم إلا أن ليجيه أقل اهتماماً بالبحث النظري . وأقل توتراً ، وأكثر حرارة .
وهناك إلى جانب مانيللي فنانان من القدامى يسهمان بعد عام ١٩٤٥ في دفع الشبان إلى الصرامة والنقاوة في الفن ، وهما « كوبكا Kupka » و «هربن Herbin » وأولهما يتابع طريقه دون ضجة ، ولكن بدأب . وهو لايزال يزداد ميلاً إلى البناء الفني المتنسك . في حين أن ثانيهما الذي اعتنق نهائياً الفن التجريدي عام ١٩٢٦ ، ، يجمع في اللوحة الواحدة مستطيلات ومربعات ومثلثات ودوائر وقطعاً دائرية هو يكسوها بالألوان البراقة .
ويضاف إلى الانتظام المتطرف في الشكل الذي لا يحوي سوى هذا التلوين الذي يكسب الشكل عنصراً غير عقلاني يؤثر تأثيراً مباشراً في الحساسية ، ويكسب أعمال هر بن الفنية شيئاً من الطابع الكنائسي .
أما المصورون الأصغر عمراً ، فالكثيرون منهم لم يمارسوا التجريد الهندسي إلا فترة قصيرة نوعاً ما . بيد أن سواهم لم يحرقوا بعد ١٩٥٠ ما عبدوه قبلها . ويجدر بنا أن نذكر منهم « ديرول ديفازن Dewazne» ، و ليبيين Leppienne » و « مورتنسن » و « هنري نوفو Henri Nouveau » و « فاسريلي ، ( Deyrolle Mortensen . ( Vasarely وديفازن يرتب أشكاله منذ بعض السنين على طريقة هربن ، غير أن تكون أقل بساطة أشكال هر بن . فهو يزيد في الربط بينها ويجعلها أكثر ديناميكية. فهي متينة واضحة تكتسي بألوان ذات وقع قاس ، تلائم لأعمال تزيين الجدران أكثر مما تلائم لوحة المسند .
وهو فاسريلي في هنغاريا ، وقدم إلى باريز عام ١٩٣٠ وأعاد أتصاله بمذهب مدرسة الباوهاوز. وقد مارس قصداً فن المختبر ، وراح يقوم بتجارب متنوعة ويحسب مالكل منها أثر إلا أشكالاً بسيطة ومسطحة ، ولكنه يستطيع بواسطتها أن يوحي بوجود مستويات وتجاويف وبروزات. فهو يخلق ما يخدع النظر فعلاً ، كما أنه يثير براقة ، وحركات ، بفضل تغيير الشكل وتغيير ترتيب المساحات الملونة . وإذا كان من الصعب علينا أن نتصور مثل هذه اللوحات في غرف يركن المرء إليها فمن المقبول جداً مشاهدة اللوحات الكبيرة التي صورها في الأيام الأخيرة معروضة للنظر في الأماكن التي تجتمع فيها أو تمر فيها الجماهير مثل المقاهي الكبيرة الحديثة أو في المطارات. والواقع أن لهذه الصور قيمة زخرفية أكيدة وهي تماماً فن العمارة النافعة في أيامنا هذه ، فهي تحمي الجدار وتهيج النواظر وتبهجها وتدعوها إلى نزهة سريعة في اللوحة .
وبين هؤلاء المصورين نجد أن ديرول أكثرهم احتراماً لطابع لوحة المسند. وأشكاله ذات طابع هندسي أكثر مما بصور مستويات عدة ويبرز تنوعها بتلوين يتراوح ما بين الحار وبين الأ. وما بين المشبع وبين . وهو يخالف جميع أتباع هذا الاتجاه تقريباً ، فلا يخفي أثر يده ويجعل مادته كامدة بل جافة ليدل على أنه لا يريد أن تكون مغفلة الهوية .
ومن الفنانين الشبان الأصغر سناً الذين يمارسون المنحى الهندسي ، نذكر ( تيبو Thépot ) الذي يعد من أكثرهم فتنة. وهو يستعمل ألواناً تقتصر تقريباً على الأسود والأبيض والرمادي فيصنع بواسطتها صوراً من نوع الغواش دقيقة جداً محتشمة جداً ، وهي في الوقت نفسه ، حساسة جداً .
تعليق