امر
Imperative - Impératif
الأمـر
الأمر في اللغة دعوة إلى تحقيق طلب إيجابي. ويقابله النهي وهو الدعوة إلى الإعراض عن عمل سلبي. «وللأمر» في اللغة معان أخرى منها الحادثة والوعيد والتشويق والحال والشأن، ثم معاني ما يتفرّع عنه كالإجماع في الرأي والعزم على الشيء أو التآمر والمؤامرة والتشاور والاستبداد بالرأي والتسلط.
أما باب الأمر المقصود فلسفياً فهو القول المعبر عن فرض يلزم به الإنسان نفسه أو الآخرين. وهو شرطي إذا كان موضوعه وسيلة لبلوغ هدف أو على علاقة بهدف داخلي أو خارجي، وقطعي إذا كان غير مشروط وليس على علاقة بهدف، ويكون في الحالة الأخيرة قانوناً عاماً يعطيه العقل لذاته، فيغدو هدفاً لذاته، أي مطلقاً، وهذا هو الأمر الأخلاقي.
ولما كان الأمر دعوة إلى الفعل فهو إمّا سماح أو حض أو منع يقضي التمسك بالواقع أو بتغييره. وفي هذا كله لا تأتي على الأمر صفة الخطأ أو الصواب بل يقال فيه التلاؤم والتناسب أو عدمهما.
ويوجه الأمر على الأفراد والجماعات متضمناً فرضاً أو مجموعة من الفروض الناظمة لتصرف الفرد أو الجماعة في النشاطات المعيشية والاقتصادية، والقانونية تكون الغاية منها تنظيم العلاقات بين الناس أو بلوغ أهداف عامة محددة أو العمل بما يعترف به قاعدة للسلوك الإنساني المحدَّد من خارج الإنسان. وفي هذا المجال، يقترب مفهوم الأمر من مفهوم القانون[ر] أو الواجب[ر] أو الإلزام[ر] ويصح ذلك أيضاً في الكلام على الأمر في المنطق والعلوم الطبيعية وعلم التربية وعلم النفس والفن وغير ذلك. ويعطي الأمر هنا المحتوى الآمِرَ به طابعاً غير الطابع المعرفي أو الوصفي: إنه يملي التوافق مع مبدأ أو قاعدة أو إرادة غير التي اعتاد عليها من يُوجَّه إليه الأمر.
ويأتي الأمر في الدين تعبيراً عن إرادة الله المتجهة نحو الإنسان أن «افعل» أو «لا تفعل». والأمر هنا غير مشروط، يوجَّه إلى الإنسان الحرِّ كَي يوجِّه أعماله نحو الله.
ويقع الأمر في الفلسفة في باب علم الأخلاق[ر] بشقَّيه العمل بالمبادئ والقواعد والقيم ثم تأسيسها وتسويغها. وتفصل بين علم الأخلاق والعلوم الفلسفية الأخرى خصوصية الموضوع «إنّه ما يجب أن يكون» وهذه هي الصفة الملازمة للقيم والفرض والواجب ولسبب السماح أو الوجوب أو المنع.
أما وجوب الأمر في الأخلاق فهو ذو شقين متلازمين: طبيعة القانون الأخلاقي، وحرية الإنسان؛ لذا يفهم الأمر في الفلسفة من قبيل اعتبار الحرية مبدأ، وفي الحين ذاته صورة ممكنة وقبْلية للفعل الأخلاقي. فيكون فعل الحرية المعبّر عن طابعها الإلزامي الشامل، التزام الإرادة بقانونها الذاتي. كما يكون الإقرار بالحرية غرضاً غير مشروط يتحقق بصيغة علاقة إنسانية ـ وهنا تكمن جذور فهم الأمر في العلوم الاجتماعية، ولاسيما في علم الاجتماع والسياسة ـ تسوغ أمام كل حرية أخرى، ويكون الأمر الوسيط بين الأخلاقية (من جهة الحرية) والممارسة (من جهة الفعل).
إن الأمر يسوغ الفعل ولكن الذي يسوغه هو الضرورة العملية. فهو لا يأتي عن المبدأ الأخلاقي، كأنَّ هذا قانون طبيعي، بل بصيغة طلب لفعل غير محدَّد قبلاً. إن ما يسوغه قبْلياً هو حكمته الصالحة لأن تكون مبدأ لقانون عام. وقد صاغ إيمانويل كَنْت [ر] الأمر القطعي بقوله: «اعمل بحيث يمكن أن تصلح حكمة إرادتك في كل وقت، لأن تكون أيضاً مبدأ تشريع عام». إن هذا الأمر هو مبدأ الأخلاق، لا يأتي عن خبرة أو تجربة أو واقع. وتبقى الأخلاقية في ميدان الشرعية ما دام الفعل، حتى لو توافق مع الأمر المطلق، مدفوعاً من خارج الذات. وحينما ينفصل عن كل مؤثر ودافع من داخل العالم وخارجه لكي لا يبقى سوى قانون الأخلاق، عندئذ تصبح الشرعية أخلاقية ويكون الأمر الأخلاقي وحده موجهاً للأعمال.
تعنى أبحاث معاصرة تحت اسم «علم الواجبات» بدراسة البنية المنطقية لمنظومات الأمر والواجب. لكن هذا العلم لا يزال في بداياته، والخلاف مستمر حول موضوعه ومنهجه واستقلاله عن المنطق والأخلاق.
غانم هنا