صولون
يعد صولون Solon واحداً من أبرز ساسة أثينا وشعرائها في تاريخ بلاد اليونان القديمة، ينحدر بنسبه من إحدى الأسر الأثينية النبيلة. ويروى أن والده كان ثرياً وأنه فقد الجزء الأكبر من ثروته في أعمال الخير، مما اضطر صولون للارتحال بعيداً و العمل في التجارة التي أكسبته ثروة كبيرة وخبرة واسعة، ساعدته عند عودته إلى أثينا في اكتساب ثقة جماهير وطنه.
يعزى إلى كثرة أسفار صولون حبه لوطنه أثينا حباً عظيماً، عبّر عنه في قصائده الوطنية التي ألقاها عندما فقد الأثينيون جزيرة سالاميس، نتيجة نزاعهم مع مدينة ميغارا Megara. وقد ألهبت قصائده حماسة الجماهير التي عهدت إليه بمهمة تحرير الجزيرة، وانتخبته حاكماً (أرخوناً) سنة 594ق.م، ويبدو أن صولون، بعد انتخابه، أدرك بحكمته العميقة خطر الديون ونقمة المحرومين والمبعدين عن أوطانهم بسبب الديون العامة والخاصة والقوانين الجائرة التي كان سلفه دراكون Drakon قد سنها، فأعلن برنامجاً للعفو العام عن كل المدانين بجرائم، باستثناء جرائم القتل، وسمح للمنفيين بالعودة إلى أثينا، وألغى تبعاً لذلك جميع الديون الفردية والعامة، وأمر بفك الأملاك المرهونة وتحرير أصحابها. ثم أصدر قانوناً يقضي بتحريم استعباد الأشخاص الذين يعجزون عن دفع ديونهم، ودرءاً لإثارة حقد العامة، حرَّم صولون على الأغنياء البذخ في احتفالاتهم، كما أصدر قانوناً بتوسيع حق توريث الأراضي ليصل إلى الأولاد غير الشرعيين، وبذلك ضمن توزيع الأراضي الزراعية إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين، فانتقلت صفة الزراعة بذلك من واسعة إلى كثيفة.
ولعدم كفاية الأرض الأثينية لإنتاج القمح، فقد حرم تصدير الحبوب بأنواعها وقصره على الزيوت والخزف، ونظم المكاييل والموازين، وسك عملة جديدة بعد تخفيض قيمتها نحو30%، وبذلك سمح لعدد كبير من مواطني الطبقات الاجتماعية الأدنى بالانتقال إلى الطبقات الأعلى بعد أن قام بتنظيم المجتمع على أسس مادية.وبمقتضاها أصبح في عداد الطبقة الأولى في المجتمع الأثيني الجديد كل من امتلك أرضاً أو عملاً ينتج سنوياً500مكيال من الحبوب أو ما يعادلها ثمناً، وقصر على أفراد هذه الطبقة الوظائف الكبرى في الدولة، وأن يكون في عداد الطبقة الثانية من امتلك أرضاً أو عملاً ينتج سنوياً 300ـ500مكيال من الحبوب أو ما يعادلها ثمناً. وكان يحق لأفراد هذه الطبقة الوظائف الأقل شأناً،وكذلك الخدمة في الجيش في سلاح الفرسان. وأن يكون في عداد الطبقة الثالثة من حصل على دخل يراوح بين 200ـ300مكيال أو مايعادلها ثمناً، ويخدمون في الجيش في سلاح المشاة. أما طبقة المعدمين فهم أولئك الذين كانوا يكسبون الحد الأدنى من الدخل، وبمرور الزمن اعتمدت النقود ( الدراخمات ) بدل المكاييل مقياساً للثروة والتصنيف الطبقي.
وخشية تسلط طبقة من الطبقات على السلطة، فقد سن صولون قانوناً لترشيح الموظفين حسب قبائلهم بكل طبقاتها، وعن طريق هذا الترشيح كونّ مجلس شورى (Boule) مؤلفاً من أربعمئة عضو، تنتخب كل قبيلة من قبائل أثينا الأربع مئة منهم، ولتدعيم هذه الديمقراطية، بعث صولون من جديد المجلس الشعبي القديم (الإكليزيه)، وعهد إلى هذا المجلس بمهمة انتقاء كبار الموظفين، وكذلك محاسبة هؤلاء. كما عزز صولون سلطة محكمة «الأريوباجوس» التي اهتز مركزها إبان الصراع الاجتماعي الذي سبق عهده، وأناط بها حماية القوانين وجعلها أعلى سلطة دستورية، والمشرفة العامة على سير أمور الدولة.
ويبدو أن التقدم الفكري في بلاد اليونان عامة، وأثينا خاصة، قد دعم إصلاحات صولون وقوانينه، ولذلك فرض لتنفيذ هذه القوانين عقوبات صارمة على مخالفيها. ولم يكن بحاجة إلى الادعاء، كما فعل معظم من عاصره ومن سبقه من مشرعي العالم القديم، بأن الآلهة أوحت بها إليه، مثلما فعل المشرع الإسبرطي ليكورغوس. ومع ذلك، فإن نظرة عامة إلى هذه القوانين تدفع إلى القول إن أبرز ظاهرة فيها كانت الاعتدال، فلم يندفع في تأييد مطالب المتطرفين من الطبقات كافة، بل عمل على محاولة إرضاء كل طبقة بقدر ما تمكنه الأوضاع العامة من ذلك، ولذلك عارضه كثير من أفراد الطبقات الثلاث، ولكنه كان يتمتع بتأييد كبير في صفوف العامة. ومع كل ما يقال سلباً أو إيجاباً في شخصية صولون، فمما لاشك فيه أنه كان أبا الديمقراطية الأثينية، فقد وضع أصولها التي أصبحت أساساً لكل ديمقراطيات العالم القديم والحديث.
وفي سنة 572ق.م، وبعد 22سنة في الحكم، اعتزل صولون منصبه، وطلب إلى مواطنيه أن يقسموا على اتباع قوانينه مدة عشر سنوات ثم يحكموا عليها، لكنه عاد بعد فترة غياب عن الوطن ليشهد انهيار ديمقراطيته وقيام نظام الطغيان على يد قريب له يدعى بيسيستراتوس Pisistratus.
مفيد رائف العابد
يعد صولون Solon واحداً من أبرز ساسة أثينا وشعرائها في تاريخ بلاد اليونان القديمة، ينحدر بنسبه من إحدى الأسر الأثينية النبيلة. ويروى أن والده كان ثرياً وأنه فقد الجزء الأكبر من ثروته في أعمال الخير، مما اضطر صولون للارتحال بعيداً و العمل في التجارة التي أكسبته ثروة كبيرة وخبرة واسعة، ساعدته عند عودته إلى أثينا في اكتساب ثقة جماهير وطنه.
ولعدم كفاية الأرض الأثينية لإنتاج القمح، فقد حرم تصدير الحبوب بأنواعها وقصره على الزيوت والخزف، ونظم المكاييل والموازين، وسك عملة جديدة بعد تخفيض قيمتها نحو30%، وبذلك سمح لعدد كبير من مواطني الطبقات الاجتماعية الأدنى بالانتقال إلى الطبقات الأعلى بعد أن قام بتنظيم المجتمع على أسس مادية.وبمقتضاها أصبح في عداد الطبقة الأولى في المجتمع الأثيني الجديد كل من امتلك أرضاً أو عملاً ينتج سنوياً500مكيال من الحبوب أو ما يعادلها ثمناً، وقصر على أفراد هذه الطبقة الوظائف الكبرى في الدولة، وأن يكون في عداد الطبقة الثانية من امتلك أرضاً أو عملاً ينتج سنوياً 300ـ500مكيال من الحبوب أو ما يعادلها ثمناً. وكان يحق لأفراد هذه الطبقة الوظائف الأقل شأناً،وكذلك الخدمة في الجيش في سلاح الفرسان. وأن يكون في عداد الطبقة الثالثة من حصل على دخل يراوح بين 200ـ300مكيال أو مايعادلها ثمناً، ويخدمون في الجيش في سلاح المشاة. أما طبقة المعدمين فهم أولئك الذين كانوا يكسبون الحد الأدنى من الدخل، وبمرور الزمن اعتمدت النقود ( الدراخمات ) بدل المكاييل مقياساً للثروة والتصنيف الطبقي.
وخشية تسلط طبقة من الطبقات على السلطة، فقد سن صولون قانوناً لترشيح الموظفين حسب قبائلهم بكل طبقاتها، وعن طريق هذا الترشيح كونّ مجلس شورى (Boule) مؤلفاً من أربعمئة عضو، تنتخب كل قبيلة من قبائل أثينا الأربع مئة منهم، ولتدعيم هذه الديمقراطية، بعث صولون من جديد المجلس الشعبي القديم (الإكليزيه)، وعهد إلى هذا المجلس بمهمة انتقاء كبار الموظفين، وكذلك محاسبة هؤلاء. كما عزز صولون سلطة محكمة «الأريوباجوس» التي اهتز مركزها إبان الصراع الاجتماعي الذي سبق عهده، وأناط بها حماية القوانين وجعلها أعلى سلطة دستورية، والمشرفة العامة على سير أمور الدولة.
ويبدو أن التقدم الفكري في بلاد اليونان عامة، وأثينا خاصة، قد دعم إصلاحات صولون وقوانينه، ولذلك فرض لتنفيذ هذه القوانين عقوبات صارمة على مخالفيها. ولم يكن بحاجة إلى الادعاء، كما فعل معظم من عاصره ومن سبقه من مشرعي العالم القديم، بأن الآلهة أوحت بها إليه، مثلما فعل المشرع الإسبرطي ليكورغوس. ومع ذلك، فإن نظرة عامة إلى هذه القوانين تدفع إلى القول إن أبرز ظاهرة فيها كانت الاعتدال، فلم يندفع في تأييد مطالب المتطرفين من الطبقات كافة، بل عمل على محاولة إرضاء كل طبقة بقدر ما تمكنه الأوضاع العامة من ذلك، ولذلك عارضه كثير من أفراد الطبقات الثلاث، ولكنه كان يتمتع بتأييد كبير في صفوف العامة. ومع كل ما يقال سلباً أو إيجاباً في شخصية صولون، فمما لاشك فيه أنه كان أبا الديمقراطية الأثينية، فقد وضع أصولها التي أصبحت أساساً لكل ديمقراطيات العالم القديم والحديث.
وفي سنة 572ق.م، وبعد 22سنة في الحكم، اعتزل صولون منصبه، وطلب إلى مواطنيه أن يقسموا على اتباع قوانينه مدة عشر سنوات ثم يحكموا عليها، لكنه عاد بعد فترة غياب عن الوطن ليشهد انهيار ديمقراطيته وقيام نظام الطغيان على يد قريب له يدعى بيسيستراتوس Pisistratus.
مفيد رائف العابد