الصخور (علم ـ)
علم الصخور petrology هو العلم الذي يعنى بدراسة تركيب الصخور ونسيجها وبنيتها وتوزعها وأصلها من حيث الظروف الفيزيائية والكيماوية والجيولوجية التي أسهمت في تشكلها، في حين يعنى علم وصف الصخور petrography بدراسة الصخور من حيث وصفها وتصنيفها، وفق بنيتها وأنواعها، ويمكن العودة إلى هذا الموضوع في مدخل الصخور [ر].
عوامل تشكل الصخور
سمح تقدم تقانة التعدين وتطور دراسة النظائر بالتعمق في معرفة العمر المطلق للصخور، ومن ثم معرفة أصلها وتاريخها وتركيبها الكيماوي الدقيق. وفيما يأتي شرح للعوامل المختلفة التي أدت إلى تشكل الصخور:
تأثير المناخ في تكوين الصخور (العوامل السطحية)
تتشقق الصخور المعرضة للتبدلات الحراري، وتتقشر قشرتها بالتجوية في الصحارى الحارة أو الجبال الشاهقة أو في تربة المناطق المعتدلة أو المدارية متفاوتة السماكة والتركيب، إذ تتشكل تربة رخوة القوام سهلة الانتقال بالرياح السطحية والمياه الجارية، ويمكن للجليد اقتلاعها كلياَ أو جزئياَ. ويستطيع الجليد بتماسكه أن ينقل قطعاً كبيرة الحجم كنقله للأجزاء الناعمة. وتنخدش المواد المنقولة بالجليد، كما تقوم بصقل القاعدة الصخرية التي تنتقل عليها. إلا أنها تحتفظ بأشكال زاوية حادة. وتشهد المورينات moraines (ركام جليدي، وهو ما تجرفه الانزياحات الجليدية من حتات صخري في أثناء حركتها. وهناك مورينات جبهية وجانبية وسفلية) المستحاثة والركام الجليدي العائد للحقب الأول في القارة الإفريقية على مناخ جليدي، وتدل على تجلد قاري قديم. أما المياه فهي أكثر انتقائية، إذ تقوم بعملية الفرز في أثناء النقل. وتصنف الرواسب تبعاَ للكثافة والحجم. وتكون المواد المنقولة بالماء مصقولة وذات بريق وموجهة بالتيارات التي يمكن إعادة بنائها بعد عدة ملايين أو مليارات السنين. وتعكس التوضعات الحولية المؤلفة من تطبق مستويات كوارتزية بيضاء وغضارية قاتمة تعاقب فصول الشتاء والصيف. ويزداد فعل الاصطفاء بالرياح حيث تكون الغباريات والرمال الناعمة المنتزعة من المورينات والترب واللحقيات مصنفة بشكل مثالي. ويستثنى من ذلك توضعات اللوس loose(راسب فتاتي غير متماسك وغير متطبق، غالباً ما يتكون من غضار رملي وكلسي لا تتجاوز أبعاد عناصرها بضع ميكرونات، وهو راسب صحراوي الأصل، ويعرف أيضاً باسم الليمون limon ويحيط برواسب الجليديات) والكثبان القديمة، بسبب كون هذه المواد أكثر هشاشة من توضعات الجليد والمياه الجارية. لذلك يجب دراسة حبات الرمال بدقة وتفصيل للعثور على شواهد تدل على انتقالها بالرياح. وتمكن العلامات التي تحملها التضاريس والحصى والقطع المعرضة للنقل بالرياح من تحديد اتجاه الرياح المسيطرة منذ أكثر من 200مليون سنة. وتنتقل العناصر التي ينتزعها الماء من فلزات ترب المناطق المعتدلة والمدارية على شكل محاليل ومواد معلقة. ويرتبط تثبيت هذه العناصر بفعل الكائنات الحية أو بترسبها في شروط مناخية محددة. وتدل الأرصفة (الشعاب) المرجانية التي تشكلت في الماضي، كما في أيامنا الحالية، على مياه صافية قليلة العمق غنية بالمواد العضوية. أما تراكمات الجص والملح الصخري فهي تشير إلى أحواض شاطئية أو قارية حيث يشتد البخر.
وهكذا يقود فرز المواد في أثناء عملية التحلل المائي hydrolysis، بمساعدة شروط ترسيبية معينة، إلى تركيز العناصر ضمن الرواسب. لكنه يترك في المكان عناصر أخرى، كالألمنيوم +Al3 الذي يضاف إليه الحديدFe3+ في شروط مؤكسدة. وليس لتراكيز هذه العناصر المتسلسلة فائدة تطبيقية فقط، وإنما تدل أيضاَ على شروط محددة في مناخات سادت قديماً. ومن المعلوم أن عنصر الألمنيوم كان يتركز في دور الكريتاسي في جنوبي فرنسا، كما يتركز اليوم في الكمرون أو في غينيا. ويترك سقوط النيازك على سطح الأرض آثاراَ مميزة ومبعثرة. ولم تُحصَ في حقب طويلة سوى الآثار البنيوية وآثار الحفر والحواف ومواقع الصدم.
تأثير العوامل الداخلية في تكوين الصخور
يحمل المهل magma إلى سطح الأرض محتويات الأعماق. وتقدم حالتُها وتركيبها ودرجة حرارتها والغازات المنبثقة عنها معلومات عن الأعماق التي قدمت منها، وبتبردها تتحول إلى بلورات ومواد زجاجية. والزجاج هو الطور السائل المتصلب، ويعد وجوده دليلاَ قاطعاَ على مروره بالحالة السائلة. أما البلورات فتؤلف عموماَ مجموعتين: الميكروليتات التي يمكن رؤيتها بالمجهر فقط، والبلورات الضخمة التي ترى بالعين المجردة. وتتشكل الميكروليتات في أثناء التبرد متزامنة مع تشكل الزجاج، في حين بينما تدل البلورات الضخمة على مراحل تبلور سابقة يسمح تحليلها بدراسة حالات التوازن بين البلورات والسوائل. وهكذا تمكن دراسة الفلزات، التي يتفاوت تركيبها بين مكوّنين اثنين وعدة مكونات، من استنباط الشروط التي مرت بها. أما بعض الفلزاتminerals، كالبلاجيوكلازات plagioclasesخاصة (الشكل1) فإن الاختلاف في تركيبها ينعكس تبايناتٍ واضحة جداَ في الخصائص الضوئية، مما يسمح بالتنبؤ والاقتراب الصحيح من تراكيبها. إلا أن المؤشرات التي يقدمها التحليل الضوئي ليست كافية لتحديد الزجاج ومجموعات فلزية أخرى كالبيروكسين pyroxenes والغرينات grenates. هذه الفلزات هي الحقل التطبيقي المفضل للمسبار الإلكتروني electronic probe، وتسمح دراسة تمنطقاتها، الدالة على وجود توازنات بين البلورات والسوائل، بتعميم الشروط التي مرت بها على فلزات الصخور المغماتيةmagmatic المبلورة كلياً.
من ناحية أخرى فإن التركيب العام للفلزات المتأخرة التبلور يقدم فكرة عن مراحل تطور هذه الصخور. وتمكن الفلزات الميكروبغماتيتية (كوارتز وصفاح قلوي) لصخور الدولوريت dolerite وفلزات البيوتيت لصخور البازلت القلوية من استنتاج الاختلافات التي تقود تدريجياً إلى تشكل الفونوليت والريوليت. وتقدم التراكيب العامة للصخور المغماتية معلومات مفيدة للغاية عن أصل السوائل التي نشأت انطلاقاَ منها، ومعرفة تاريخ الصخر بدءاً من اللحظة التي تبلور فيها كلياً أو جزئياً. تقبل معظم الفلزات أشكالاً مختلفة تبعاً للشروط الفيزيائية السائدة، ويحتفظ بعضها بدلالة التطور وهي في الحالة الصلبة. وهذه هي حالة الصفاح القلوي الذي يشكل في درجات حرارة مرتفعة محلولاً متجانساً اعتباراً من الأورثوز orthose (KAlSi3O8) حتى الألبيت .(NaAlSi3O8) albitوحين تنخفض درجة الحرارة تظهر البرثيتاتperthites التي تنبئ بتوزع المكونات في طورين متمايزين (الشكل ـ2). وبالطريقة ذاتها، تستطيع أيونات الحديد الصغيرة Fe2+والمغنزيوم Mg2+ وأيونات الكالسيوم الضخمة Ca2+ أن تدخل في شبكة البيروكسين، لكنها تنفصل في درجات الحرارة الأخفض وتتوضع في أطوار منفصلة. وتحمل الصخور المتحولة أيضاً أثر الظروف التي مرت بها والتي يمكن كشفها بملاحظة تغيرات تركيب فلز ما ضمن سلسلة من سحن (هيئات) هذه الصخور. ففلزات الأمفيبول مثلاً تتدرج في ألوانها من الأخضر إلى البني وتسلك بذلك سلوك مؤشرات لونية. وتسمح المعرفة التجريبية المتزايدة الدقة لأشكال الفلزات والتفاعلات فيما بينها بتفسير التجمعات الفلزية الطبيعية وفهم مدلولاتها.
تأثير الحركات البنيـوية في تكوين الصخور
تحمل الصخور في ثناياها أثر حركة مكوناتها قبل تبلورها وفي أثنائه وبعده. وفي المهل تأخذ البلورات اتجاهات معينة، كما هي حال مواد عائمة في مياه جارية (الشكل ـ3). ويمكّن تحليل هذه الاتجاهات من إيجاد البنية الداخلية للأجسام الاندفاعية العميقة (المندسة) والصبات البركانية (السطحية )، حيث يسمح توجه فلزات الميكا السوداء (البيوتيت biotite) داخل طية (الشكل ـ4) بتمييز جيلين منها: الأول سابق للطي نتيجة وجود هذه الفلزات في أسرّة مشوهة بفعل الطي، والثاني معاصر للطي وذلك لارتصاف الفلزات وفق المستوى المحوري للطية. وعلى هذه الدرجة من التحليل تلتقي البترولوجيا مع مفهوم التكتونيك الدقيق (الميكروتكتونيك).
تأثير الزمن وتاريخ الصخور القديم في تكوين الصخور
قدمت الرواسب الحولية بأسرّتها الفصلية، وصخور المولاس mollassesبمستوياتها المتورقة الدالة على تعاقب فصول خريف غابرة، التقديرات الأولى للمدد الزمنية لتشكلها، وليس لعمرها المطلق، وذلك لافتقار الطبقة الأكثر حداثة إلى سند زمني مؤكد. ويبقى مجال استخدام هذه المعطيات محدوداً بعدة آلاف من السنين. إلا أن اكتشاف الخاصة الإشعاعية لبعض النظائر جعلها تستخدم عداداتٍ طبيعية للزمن. وبمعرفة ثابت التفكك يمكن حساب عدد الذرات المشعة وعدد الذرات الناتجة من التحول، وكذلك زمن التفكك. أما طريقة الكربون 14C المعروفة فلا يمكن استخدامها هنا لكونها تتطلب وجود مادة عضوية وكذلك لاقتصار تطبيقاتها على الماضي القريب فقط.
محمد القاضي
علم الصخور petrology هو العلم الذي يعنى بدراسة تركيب الصخور ونسيجها وبنيتها وتوزعها وأصلها من حيث الظروف الفيزيائية والكيماوية والجيولوجية التي أسهمت في تشكلها، في حين يعنى علم وصف الصخور petrography بدراسة الصخور من حيث وصفها وتصنيفها، وفق بنيتها وأنواعها، ويمكن العودة إلى هذا الموضوع في مدخل الصخور [ر].
عوامل تشكل الصخور
سمح تقدم تقانة التعدين وتطور دراسة النظائر بالتعمق في معرفة العمر المطلق للصخور، ومن ثم معرفة أصلها وتاريخها وتركيبها الكيماوي الدقيق. وفيما يأتي شرح للعوامل المختلفة التي أدت إلى تشكل الصخور:
تأثير المناخ في تكوين الصخور (العوامل السطحية)
تتشقق الصخور المعرضة للتبدلات الحراري، وتتقشر قشرتها بالتجوية في الصحارى الحارة أو الجبال الشاهقة أو في تربة المناطق المعتدلة أو المدارية متفاوتة السماكة والتركيب، إذ تتشكل تربة رخوة القوام سهلة الانتقال بالرياح السطحية والمياه الجارية، ويمكن للجليد اقتلاعها كلياَ أو جزئياَ. ويستطيع الجليد بتماسكه أن ينقل قطعاً كبيرة الحجم كنقله للأجزاء الناعمة. وتنخدش المواد المنقولة بالجليد، كما تقوم بصقل القاعدة الصخرية التي تنتقل عليها. إلا أنها تحتفظ بأشكال زاوية حادة. وتشهد المورينات moraines (ركام جليدي، وهو ما تجرفه الانزياحات الجليدية من حتات صخري في أثناء حركتها. وهناك مورينات جبهية وجانبية وسفلية) المستحاثة والركام الجليدي العائد للحقب الأول في القارة الإفريقية على مناخ جليدي، وتدل على تجلد قاري قديم. أما المياه فهي أكثر انتقائية، إذ تقوم بعملية الفرز في أثناء النقل. وتصنف الرواسب تبعاَ للكثافة والحجم. وتكون المواد المنقولة بالماء مصقولة وذات بريق وموجهة بالتيارات التي يمكن إعادة بنائها بعد عدة ملايين أو مليارات السنين. وتعكس التوضعات الحولية المؤلفة من تطبق مستويات كوارتزية بيضاء وغضارية قاتمة تعاقب فصول الشتاء والصيف. ويزداد فعل الاصطفاء بالرياح حيث تكون الغباريات والرمال الناعمة المنتزعة من المورينات والترب واللحقيات مصنفة بشكل مثالي. ويستثنى من ذلك توضعات اللوس loose(راسب فتاتي غير متماسك وغير متطبق، غالباً ما يتكون من غضار رملي وكلسي لا تتجاوز أبعاد عناصرها بضع ميكرونات، وهو راسب صحراوي الأصل، ويعرف أيضاً باسم الليمون limon ويحيط برواسب الجليديات) والكثبان القديمة، بسبب كون هذه المواد أكثر هشاشة من توضعات الجليد والمياه الجارية. لذلك يجب دراسة حبات الرمال بدقة وتفصيل للعثور على شواهد تدل على انتقالها بالرياح. وتمكن العلامات التي تحملها التضاريس والحصى والقطع المعرضة للنقل بالرياح من تحديد اتجاه الرياح المسيطرة منذ أكثر من 200مليون سنة. وتنتقل العناصر التي ينتزعها الماء من فلزات ترب المناطق المعتدلة والمدارية على شكل محاليل ومواد معلقة. ويرتبط تثبيت هذه العناصر بفعل الكائنات الحية أو بترسبها في شروط مناخية محددة. وتدل الأرصفة (الشعاب) المرجانية التي تشكلت في الماضي، كما في أيامنا الحالية، على مياه صافية قليلة العمق غنية بالمواد العضوية. أما تراكمات الجص والملح الصخري فهي تشير إلى أحواض شاطئية أو قارية حيث يشتد البخر.
وهكذا يقود فرز المواد في أثناء عملية التحلل المائي hydrolysis، بمساعدة شروط ترسيبية معينة، إلى تركيز العناصر ضمن الرواسب. لكنه يترك في المكان عناصر أخرى، كالألمنيوم +Al3 الذي يضاف إليه الحديدFe3+ في شروط مؤكسدة. وليس لتراكيز هذه العناصر المتسلسلة فائدة تطبيقية فقط، وإنما تدل أيضاَ على شروط محددة في مناخات سادت قديماً. ومن المعلوم أن عنصر الألمنيوم كان يتركز في دور الكريتاسي في جنوبي فرنسا، كما يتركز اليوم في الكمرون أو في غينيا. ويترك سقوط النيازك على سطح الأرض آثاراَ مميزة ومبعثرة. ولم تُحصَ في حقب طويلة سوى الآثار البنيوية وآثار الحفر والحواف ومواقع الصدم.
تأثير العوامل الداخلية في تكوين الصخور
الشكل (1) شريحة رقيقة من الللابة Lava كما ترى بالضوء المستقطب وقد توزعت ميكروليتات البلا جيوكلاز على قعر أسود |
الشكل (2) شريحة رقيقة من الغرانيت القلوي كما ترى في المجهر العادي والضوء المستقطب وقد توضع البرثيت Perthite في مركز الساحة. ويبدو الألبيت albite في المناطق الفاتحة والأورتوز orthose على قعر مظلم |
الشكل (3) شريحة رقيقة من التراكيت trachyte |
الشكل (4) البيوتيت بالمستوى المحوري plan axial |
تأثير الحركات البنيـوية في تكوين الصخور
تحمل الصخور في ثناياها أثر حركة مكوناتها قبل تبلورها وفي أثنائه وبعده. وفي المهل تأخذ البلورات اتجاهات معينة، كما هي حال مواد عائمة في مياه جارية (الشكل ـ3). ويمكّن تحليل هذه الاتجاهات من إيجاد البنية الداخلية للأجسام الاندفاعية العميقة (المندسة) والصبات البركانية (السطحية )، حيث يسمح توجه فلزات الميكا السوداء (البيوتيت biotite) داخل طية (الشكل ـ4) بتمييز جيلين منها: الأول سابق للطي نتيجة وجود هذه الفلزات في أسرّة مشوهة بفعل الطي، والثاني معاصر للطي وذلك لارتصاف الفلزات وفق المستوى المحوري للطية. وعلى هذه الدرجة من التحليل تلتقي البترولوجيا مع مفهوم التكتونيك الدقيق (الميكروتكتونيك).
تأثير الزمن وتاريخ الصخور القديم في تكوين الصخور
قدمت الرواسب الحولية بأسرّتها الفصلية، وصخور المولاس mollassesبمستوياتها المتورقة الدالة على تعاقب فصول خريف غابرة، التقديرات الأولى للمدد الزمنية لتشكلها، وليس لعمرها المطلق، وذلك لافتقار الطبقة الأكثر حداثة إلى سند زمني مؤكد. ويبقى مجال استخدام هذه المعطيات محدوداً بعدة آلاف من السنين. إلا أن اكتشاف الخاصة الإشعاعية لبعض النظائر جعلها تستخدم عداداتٍ طبيعية للزمن. وبمعرفة ثابت التفكك يمكن حساب عدد الذرات المشعة وعدد الذرات الناتجة من التحول، وكذلك زمن التفكك. أما طريقة الكربون 14C المعروفة فلا يمكن استخدامها هنا لكونها تتطلب وجود مادة عضوية وكذلك لاقتصار تطبيقاتها على الماضي القريب فقط.
محمد القاضي