ما هي النزعة الذاتية subjectivism هي كل نزعة تهدف إلى إعطاء الذات أولوية على الموضوع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ما هي النزعة الذاتية subjectivism هي كل نزعة تهدف إلى إعطاء الذات أولوية على الموضوع

    ذاتيه

    Subjectivism - Subjectivisme

    الذاتية

    الذاتية subjectivism هي كل نزعة تهدف إلى إعطاء الذات أولوية على الموضوع ورد كل شيء إليها في الفن أو الأدب أو الفلسفة، وهي تقابل النزعة الموضوعية التي تميز العلم.
    والذاتية بهذا المعنى تتطابق مع الاتجاهات المثالية في الفلسفة الغربية التي ترجع كل مظاهر النشاط الإنساني إلى الذات، وترجع كل حكم سواء كان وجودياً (حكم الواقع) أم وجوبياً (الحكم الأخلاقي، أحكام القيمة)، إلى أحوال أو أفعال شعورية فردية؛ ووفقاً للرغبات والميول والأهواء والمنفعة، بمعنى أن الأحكام الذاتية هي أحكام فردية ناتجة عن ذات الفرد وشعوره وذوقه، ويقابلها الأحكام الموضوعية objective، وهي أحكام مستقلة عن عواطف الفرد وميوله ونزواته. فالذاتية تعد أساس الفكر الغربي بدءاً من سقراط[ر] الذي وجه انتباه الفلاسفة إلى ضرورة معرفة الذات، محولاً مجرى التفكير الفلسفي من السماء إلى الأرض، رافعاً شعار معبد دلفي «اعرف نفسك بنفسك».
    وللذاتية معنيان أساسيان: معنى معرفي كذات مقابل الموضوع، ووظيفتها إدراكه، ومعنى ميتافيزيقي باعتبارها جوهراً أنطولوجياً ذا وجود فعلي أشمل من مجرد الوظيفة المعرفية. ويكاد يختلط هذان المعنيان عند ديكارت[ر]، بوصف الذات عنده شيئاً مفكراً، مقابل الموضوع: الشيء الممتد. وكانت الذات «الكوجيتو» هي الدليل الذي يعكس الحقيقة الأساسية «الوجود».
    كما أن للذاتية صوراً متعددة تتجلى في ميادين شتى، منها أولاً في المنطق: وتمثل ذلك الاتجاه الذي يرى أن الاعتبارات الشخصية هي التي تميز بين الحق والباطل، فليس هناك حقيقة مطلقة تقوم على أساس موضوعي. ويعبر السفسطائيون عن هذا الاتجاه بعبارتهم الشهيرة: «الإنسان مقياس كل شيء فما يراه حقاً فهو حق وما يراه باطلاً فهو باطل».
    وثانياً في الأخلاق: إذ تعني الذاتية كل مذهب يرى أن الخير والشر، السعادة والشقاء تقوم على اعتبارات شخصية، كما تنادي بذلك الوضعية المنطقية، والمدرسة الانفعالية لدى آير ورسل وكارناب وكذلك لدى فلاسفة الوجودية سارتر وغيره، إذ يتفق أصحاب هذا الاتجاه على إقامة الأخلاق على وجدان اللذة والألم أو المنفعة والضرر. ويرجع التمييز بين الخير والشر إلى التمييز بين ما يحقق نفعاً أو يدفع ضرراً، وبين ما يجلب مضرة أو يعوق منفعة. ويغدو الهدف إشباع الأنانية وتوكيد الذات، ولو جاء على حساب القيم الروحية العليا.
    وثالثاً في علم الجمال: إذ تطلق الذاتية على النظرية التي ترد الأحكام الجمالية إلى أذواق الأفراد. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الجميل والتأملات الجمالية ظاهرة ذات صفة نفسية ذاتية محضة، بصرف النظر عن الصفات التي يمتلكها الموضوع الجميل، وهي مشاعر فردية بريئة من كل أثر موضوعي، وشعور انفعالي مباشر بالأشياء المدركة وتقويم انفعالي لها، ومن دون النظرة الذاتية؛ لا يمكن فهم تعدد الأذواق عند الناس ونسبيتها. فقد ركز هربرت ماركوزه Marcuse في كتابه «البعد الجمالي» على دور الذاتية وأهميتها في العمل الفني.
    وتظهر الذاتية رابعاً في علم النفس فهي تعني التعبير عن ميل الشخص للانطواء على نفسه، بحيث ينظر إلى الأشياء وعالمه الخارجي من الوجهة الذاتية، وليس من جهتها الموضوعية. والمنهج الاستبطاني introspection في علم النفس منهج ذاتي يقوم على الملاحظة الداخلية، فالذات هي الملاحَظ والملاحِظ في الوقت نفسه.
    وأخيراً تتجلى الذاتية في عالم القيم: لتعبر عن القيم الكامنة أو الداخلية التي تخص طبيعة الشيء الخاصة باعتباره غاية في ذاته بغض النظر عن كونه وسيلة لغيره أم لا، ويقابلها القيم الخارجية كما شرحها جورج مور في دراسته عن مفهوم القيمة الذاتية.
    ويمتاز كل من الفن والتصوف بأنهما ذاتيان. فلكل صوفي وفنان طريقة خاصة للتعبير عن حالاته، وإلهاماته.
    وقد ظهرت عدة نظريات فلسفية في الذاتية، كان أولها لدى سقراط، ثم ديكارت الذي جعل ماهية الذاتي التفكير، وتلاها نظرية الفلاسفة الحسّيين الإنكليز أمثال هوبز ولوك وباركلي وهيوم، الذين يعدون واضعي المثالية الحديثة، فقد ربطوا وجود الأشياء بعجلة الذات المدركة، وخواص المادة تنحل في رأيهم إلى مجموعة من التغيرات الذاتية، ولا وجود للمادة عندهم مستقلة عن فعل الإدراك. وتصل قمة الذاتية بوصفها فكراً لدى كَنْت[ر]، إذ جعل للذات العارفة الأولوية في عملية اكتساب المعرفة؛ والعالم الخارجي بدون الذات لا وجود له، فهي الشرط الأول في المعرفة. أما هيغل[ر] فقد نظر إلى الذات والموضوع على أنهما وجهان لعملةٍ واحدة، فالموضوع من خلق الذات، ومماثلة له في الطبيعة، فكان للذات عنده صفة المطلق (المثالية المطلقة).
    ثم ظهر تصور فخته الرومانسي للذاتية، الذي جعل من الذات العارفة الأصل في إيجاد العالم؛ فكل ما هو موجود من صنع الذات العارفة، ولا وجود للعالم في ذاته، وكل ما نفكر به هو نتاج ذواتنا، فكل ما في العالم يرجع للأنا أو الذاتية.
    وعبر كيركغارد فيما بعد عن ذاتية وجودية قريبة من الذاتية الصوفية، تعني عنده التفرد والتمييز عن الأغيار، فالوجود أن يكون الفرد فرداً ذا إرادة، وهي توتر دائم مستمر بين ما هي عليه وما تنزع إليه. إن الذاتية هنا قلعة مغلقة نافذتها الوحيدة مفتوحة على الله، إنها ذات متناهية وتسعى لتكون لا متناهية، وهذه الهوة بين التناهي واللاتناهي، هي مصدر القلق عند كيركغارد، والعزاء الوحيد لهذا القلق هو الإيمان، فالذات هنا دينية في جوهرها.
    ومقابل هذا التصور الفردي الانعزالي للذات في الوجودية التي تعاني الضياع والقلق والاغتراب، ظهر تصور الذات الجماعية في الوضعية الفرنسية لدى أوغست كونت ودوركهايم وليفي بريل الذين دعوا إلى الأخلاق الاجتماعية الجديدة التي تتخذ من أفراد المجتمع ككل ذاتاً متحدة تكون لها السلطة على جميع الأفراد.
    وقد ارتبط باتجاه الذاتية الجماعية والشمولية نظرية أخرى في الذاتية، عبر عنها شعراء الصوفية بأنها هي الفناء في ذات كلية هي الذات الإلهية الشاملة، فيها تفنى كل الذوات البشرية حباً واختياراً وطواعية، ويستحيل معها إثبات الذاتية الفردية، وهذا هو المفهوم الحقيقي للذاتية.
    أحمد أبو زايد
يعمل...
X