ذاكره
Memory - Mémoire
الذاكرة
الذاكرة memory هي عملية عقلية معرفية مركبة تحوي على قدرات كثيرة مثل الاحتفاظ، التعرف، والاسترجاع، وتهدف إلى تذكر ما سبق أن تعلَّمه الفرد من مدركات حسية أو معانٍ أو ألفاظ وغير ذلك. وما من وظيفة عقلية تبلغ شأو الذاكرة في التعقيد، وما من وظيفة تقدم أشكالاً من النمو الطويل والمتنوع بقدر ما تقدمه الذاكرة، وما من وظيفة تنطوي، على الرغم من هدفها الواحد، على تنوع جذري في الوسائل المستخدمة يبلغ حد التنوع الذي تتصف به الوسائل التي تستخدمها الذاكرة..».
والذاكرة على علاقة وثيقة بالتعلم[ر]، وشرط ضروري لاستمراره. فإذا كان التعلم هو تعديل وتغيير في السلوك، فالذاكرة هي التي تحفظ هذه التعديلات.
والذاكرة تضمن وحدة الشخصية وسلامتها، وتختلف كفاءة الأفراد في طريقة حلهم للمشكلات التعليمية أو الاجتماعية بحسب قدراتهم على تذكر خبراتهم السابقة واستخدامها.
والذاكرة البشرية كانت وراء تطور السلوك الإنساني الذي تحقق بفضل تراكم الخبرة والاحتفاظ بها.
أنواع الذاكرة
أ - الانطباع الحسي المباشر: وهذا النوع يحتفظ بالمعلومات التي تتلقاها أعضاء الحواس مدة تراوح بين 0.1 و0.5 من الثانية. فعندما تغلق عينيك بعد رؤيتك مشهداً ما تلاحظ أن الأشياء التي رأيتها بدأت بالتلاشي بعد أن كانت واضحة.
وعندما تسمع صوتاً ما تتلاشى دقة الصورة الصوتية بعد أجزاء من الثانية من سماعه، وهكذا بالنسبة للصورة الشمية والذوقية واللمسية.
ب - الذاكرة قصيرة المدى: وهي مباشرة وفورية، وتختزن المعلومات لفترة زمنية أطول من الانطباع المباشر. فإذا طلب إليك الاحتفاظ برقم هاتف، أو باسم شارع تتجه إليه، أو مقطع من جملة قرأته أو سمعته الآن، فإنك تعتمد في ذلك على ذاكرتك قصيرة المدى. وهي محدودة السعة وتختزن ما بين 5 و9 عناصر. والعنصر يمكن أن يكون رقماً أو حرفاً أو كلمة. ولمحدودية سعة الذاكرة قصيرة المدى، وتجاوز سعة الصورة الواردة سعة هذه الذاكرة، يمكن أن تزاح الصورة الواردة أو يسقط بعض منها، كأن تذكر أو تسترجع من بيت الشعر الذي يطرق مسامعك لأول مرة بعضاً منه وليس كله. ولذلك فهي تحتفظ بالمعلومات الواردة إليها ريثما تنتقل إلى الذاكرة بعيدة المدى، وتعمل بطريقتين:
1. التكرار الذي يبقي المعلومات في مخزنها، كأن تكرر رقم هاتف سمعته ريثما تدونه.
2. التصوير السمعي والترميز وفيه تُحوَّل كل الصور الحسية الواردة إلى رموز وكلمات ومفاهيم، وهذا ما يفسر لنا تحول خبرات الإنسان عامة وبشكل آلي إلى الكلام (اللغة) الذي هو سر بقاء الخبرة الإنسانية وتقدمها.
ج - الذاكرة بعيدة المدى: هي نظام حفظ وتكرار مستمر ودائم نسبياً لكم هائل من المعلومات والخبرات المتعلمة (أسماء، وتواريخ، وأرقام، أماكن، وكل ما تعرفه عن العالم..) وسعتها كبيرة جداً ومعلوماتها متنوعة. وبذلك يستطيع البشر التفكير بفضل هذا النوع من الذاكرة. ولها نوعان:
ـ ذاكرة معنوية تحتفظ بالمفاهيم والقواعد والحقائق العامة والمهارات والخبرات.
ـ ذاكرة الأحداث التي تشتمل على المعلومات والأحداث التي رُمِّزت في وقت محدد (سافرت عام ... ولدت عام... تخرجت....).
هذا وتعمل الذاكرة المعنوية طويلة المدى وفق النموذج الشبكي الذي ينظِّم المعلومات المحفوظة في شبكات (حزم) ترابطية شديدة الانتظام والتماسك على أساس المعنى المشترك بينها. وهي تعمل بطريقة مخالفة للقواميس (التي تضع الكلمات في نظام ألف بائي معين). مثال كلمتي: حسام، سيف، متباعدتين في القاموس ولكنهما مترابطتان ومتقاربتان مفهومياً في الذاكرة طويلة المدى.
وعملها وفق النموذج الشبكي يصور لنا كيفية احتفاظها بكم هائل من المعلومات والمفاهيم من خلال ترابطها بالمعنى المشترك بينها.
مداخل دراسة الذاكرة
1- المدخل النفسي: وتركِّز دراساته إما على الفرد المتذكر ونشاطه وخصائص شخصيته وقدراته، أو على موضوع التذكر وصفاته، أو على التأثيرات المتبادلة بين الشخص المتذكر وموضوع التذكر معاً.
2- المدخل العصبي - البيولوجي: الذي أسهم في توضيح دور الحمض الريبي النووي RNA-DNA وبعض البروتينات في عمليتي التوصيل وحفظ الآثار. وكذلك دور تنبيه العصبون (النيرون) وأثره في فاعلية الخلية العصبية، ودور بعض الأماكن المتخصصة باستقبال وتحليل البيانات مثل (الفص الصدغي، القشرة الدماغية).
3- مدخل الضبط: وهو النظم الذاتي للذاكرة والتحكم بدقة مدخلاتها ومخرجاتها.
أما فعل التذكر بحسب هذه المداخل فيقسم إلى:
ـ التذكر الإرادي: وهو خلاصة الأفعال التذكرية التي يقوم بها المتذكر منذ بدء إدراك الصور الحسية حتى ترميزها وتخزينها بهدف استرجاعها وقت الحاجة. لذلك فتحديد موضوع التذكر والنية وبذل الجهد من أجل ذلك، واستخدام أساليب مناسبة لمعالجة مادة التذكر، كلها شروط مهمة لتحقيق التذكر.
فالطالب الذي يدرس المقرر بنية عدم العودة إليه قبل الامتحان (إلا للمراجعة) يتذكره أكثر من طالب يدرسه بطريقة عشوائية.
ـ التذكر اللاإرادي: هو تذكر موضوع ما من دون أن يكون هدفاً مباشراً لسلوك المتذكر، وذلك لارتباط موضوعه بالنشاط الإرادي المقصود. فاستخدام عبارة - على فكرة - في أثناء الحديث يصور تماماً هذا النوع من التذكر. مثال: تذكرك لعنوان ما كان قد سألك عليه زميلك (ولم تتذكره في حينه) وأنت مستلقٍ.
وهذا النوع من التذكر يشغل حيزاً كبيراً من التذكر في مراحل الطفولة المبكرة، ولكنه يتراجع مع العمر لصالح التذكر الإرادي المقصود. ولكن طبيعة التعلم[ر] تتطلب الاستفادة من النوعين.
فقد بينت الدراسات التجريبية أن التذكر اللاإرادي يصبح أعلى مردوداً عندما يدخل في مضمون النشاط، وهذا ما يشاهد في لحظات الإلهام عند الشعراء، أو الأفكار التبصرية عند بعض الناس.
ويعد التكرار حلقة ضرورية في عملية التذكر، غير أن شرط تنظيم التكرارات لا يقل أهمية عن التكرار نفسه. فمثلاً أنت لا تستفيد من تكرارك لأبيات شعرية (بقصد حفظها) قبل أن تفهمها أو بعد أن تنسى بعضاً من مفرداتها.
عمليات الذاكرة
ـ الاحتفاظ: هو عملية إبقاء المعلومات في الذاكرة طويلة المدى لاستخدامها وقت الحاجة والمعلومات التي يُحتفظ بها في الذاكرة تتفاعل وتتصارع وتتشابك، فيها القوي والضعيف، والسار والمحزن، والمهم والأكثر أهمية، ولذلك لا تبقى بصورتها المبدئية كما دخلت. وهناك عوامل تساعد على الاحتفاظ أو تعرقله. فالمادة السهلة أيسر حفظاً من الصعبة، والشعر المقفى أسهل حفظاً من المقطوعات النثرية، والمادة المهمة بالنسبة للشخص تستمر وتبقى أكثر من التي لا تلبي رغباته وحاجاته. كما أن التنظيم الجيد للمعلومة والاستخدام المتكرر لها يسهّل الاحتفاظ بها.
ـ التعرف: هو القدرة على تمييز الأشياء التي سبق للفرد أن تعلمها من تلك التي لم يتعلمها، كأن تميز بين صور عدة، لأشخاص درسوا معك في المرحلة الابتدائية. وأن تميز الإجابة الصحيحة من بين خيارات عدة لسؤال ما.
ـ الاسترجاع: وهو مستوى أعلى من التعرف (تذكر شيء غير ماثل أمام حواسنا) ويتحقق من دون إدراك متكرر للموضوع المسترجع. فالإدراكات السابقة، وكل ما مر بنا في الماضي من أفكار ومشاعر وأفعال يمكن أن تسترجع. ومثال ذلك استرجاع ذكريات الماضي.
ويختلف الأفراد من حيث قدرتهم على الاسترجاع بحسب المعنى الذي يضفيه الأفراد على الخبرات المتعلمة، ومدى المعلومات المسترجعة وتنظيمها، ودافعية الفرد المُسترجِعُ، وثقته بقدرته على الاسترجاع.
ويمكن قياس الاسترجاع بطريقة الاسترجاع الحر، حيث لا يهتم الفاحص بتسلسل المعلومات عند قياسه لها.
والاسترجاع المتسلسل، حيث يعد التسلسل في عرض المعلومات وترتيبها معياراً مهماً لوضع درجة الاسترجاع.
ويمكن الحديث عن فشل الاسترجاع، لتفسير النسيان أحياناً. فالطالب الذي لم يستطع الإجابة عن سؤال ما في قاعة الامتحان ويتذكره بعد أن يخرج، وكان قد حفظه تماماً، هو مثال على فشل الاسترجاع.
ونسيان الكثير منّا لأسماء أشخاص يعرفهم في اللحظة الراهنة وتذكره لهم فيما بعد هو دليل على فشل الاسترجاع في اللحظة الراهنة، وبتغير شروط الاسترجاع يعود الاسترجاع تلقائياً، كالاسترخاء مثلاً.
أمراض الذاكرة
1- صعوبة التذكر (الديسمْنيزيا La dysmnesie)، وهي العجز عن تثبيت الذكريات. ويكثر هذا المرض في العته والبلاهة. وقد يحدث مثل هذا نتيجة تعب الجملة العصبية، أو يحدث في الشيخوخة.
2- فقدان الذاكرة (الأمْنزيا L’amnésie)، وهو فقدان الذكريات المحفوظة والعجز عن استحضارها، ويجوز أن تكون الأمنزيا في فقدان المصاب الذاكرة جميعها.
3- فرط التذكر(الهيبرْمنزيا L’hypermnesie)، وتبدو في الذي يظن نفسه ناسياً، ثم لا يلبث أن تستيقظ ذاكرته ويجيب عن الأسئلة بقوة.
4- انحراف الذاكرة (البارامْنزيا La paramnésie) ويعرف بمرض الذاكرة الكاذبة، فيظن الإنسان أنه يعرف الشيء وهو في الحقيقة لا يعرفه.
دور الحاسوب في كشوفات الذاكرة الإنسانية
لا توجد نظرية علمية شاملة للذاكرة البشرية على الرغم من تطور علم النفس والبيولوجيا والأعمال التجريبية التي تدرس الذاكرة، إلا أن اختراع الإنسان لتقنيات الآلة الحاسبة والحاسوب، بين أنها أكثر ارتباطاً بنمذجة عمليات الذاكرة. وقد ظُنّ قديماً أن الذاكرة هي مجرد عمليات انطباع واحتفاظ واسترجاع بسيط للآثار، وتبين لاحقاً أنها عمليات شديدة التعقيد والتنظيم، كما تم الاستفادة من عملية التركيز وإعادة الترميز التي تؤلف (المحتوى الأساسي لعملية التذكر) مع الحاسوب في وضع مناسبة للتعامل مع الكم الهائل من المعلومات. وتعليم الطلاب وضع مخطط منظم، يعتمد على الترميز ويساعدهم في فهم المقررات الدراسية، يضمن استرجاعها وقت الحاجة والاستفادة منها في الحياة.
تدريب الذاكرة وتنميتها
يتطلب تدريب الذاكرة وتحسينها؛ تجنب المربي إرهاق ذاكرة المتعلم ولاسيما الأرقام والمصطلحات والعبارات غير الواضحة، وربط تصوراته المجردة بأمثلة محسوسة، وتدريب ذاكرته بتكرار الاستعمال وتنظيم التعلم المستند إلى الانتباه والاهتمام. وتمرين المتعلمين على حفظ روائع النثر والشعر وغير ذلك.
ودلت التجارب على أن إشراك الحواس كلها في الحفظ يساعد في تنمية الذاكرة والاكتساب والتعلم. هذا ويضطلع الوضع العام للمتعلم، مثل الحالة الصحية والمعيشة المناسبة، بقسط كبير بالتأثير في عمل الذاكرة. وينظر إلى الاعتدال في المطالعة ونظام العمل والحفظ في الأوقات المناسبة على أنها من الأمور المهمة التي يكون تأثيرها إيجابياً في التذكر.
أمينة رزق
Memory - Mémoire
الذاكرة
الذاكرة memory هي عملية عقلية معرفية مركبة تحوي على قدرات كثيرة مثل الاحتفاظ، التعرف، والاسترجاع، وتهدف إلى تذكر ما سبق أن تعلَّمه الفرد من مدركات حسية أو معانٍ أو ألفاظ وغير ذلك. وما من وظيفة عقلية تبلغ شأو الذاكرة في التعقيد، وما من وظيفة تقدم أشكالاً من النمو الطويل والمتنوع بقدر ما تقدمه الذاكرة، وما من وظيفة تنطوي، على الرغم من هدفها الواحد، على تنوع جذري في الوسائل المستخدمة يبلغ حد التنوع الذي تتصف به الوسائل التي تستخدمها الذاكرة..».
والذاكرة على علاقة وثيقة بالتعلم[ر]، وشرط ضروري لاستمراره. فإذا كان التعلم هو تعديل وتغيير في السلوك، فالذاكرة هي التي تحفظ هذه التعديلات.
والذاكرة تضمن وحدة الشخصية وسلامتها، وتختلف كفاءة الأفراد في طريقة حلهم للمشكلات التعليمية أو الاجتماعية بحسب قدراتهم على تذكر خبراتهم السابقة واستخدامها.
والذاكرة البشرية كانت وراء تطور السلوك الإنساني الذي تحقق بفضل تراكم الخبرة والاحتفاظ بها.
أنواع الذاكرة
أ - الانطباع الحسي المباشر: وهذا النوع يحتفظ بالمعلومات التي تتلقاها أعضاء الحواس مدة تراوح بين 0.1 و0.5 من الثانية. فعندما تغلق عينيك بعد رؤيتك مشهداً ما تلاحظ أن الأشياء التي رأيتها بدأت بالتلاشي بعد أن كانت واضحة.
وعندما تسمع صوتاً ما تتلاشى دقة الصورة الصوتية بعد أجزاء من الثانية من سماعه، وهكذا بالنسبة للصورة الشمية والذوقية واللمسية.
ب - الذاكرة قصيرة المدى: وهي مباشرة وفورية، وتختزن المعلومات لفترة زمنية أطول من الانطباع المباشر. فإذا طلب إليك الاحتفاظ برقم هاتف، أو باسم شارع تتجه إليه، أو مقطع من جملة قرأته أو سمعته الآن، فإنك تعتمد في ذلك على ذاكرتك قصيرة المدى. وهي محدودة السعة وتختزن ما بين 5 و9 عناصر. والعنصر يمكن أن يكون رقماً أو حرفاً أو كلمة. ولمحدودية سعة الذاكرة قصيرة المدى، وتجاوز سعة الصورة الواردة سعة هذه الذاكرة، يمكن أن تزاح الصورة الواردة أو يسقط بعض منها، كأن تذكر أو تسترجع من بيت الشعر الذي يطرق مسامعك لأول مرة بعضاً منه وليس كله. ولذلك فهي تحتفظ بالمعلومات الواردة إليها ريثما تنتقل إلى الذاكرة بعيدة المدى، وتعمل بطريقتين:
1. التكرار الذي يبقي المعلومات في مخزنها، كأن تكرر رقم هاتف سمعته ريثما تدونه.
2. التصوير السمعي والترميز وفيه تُحوَّل كل الصور الحسية الواردة إلى رموز وكلمات ومفاهيم، وهذا ما يفسر لنا تحول خبرات الإنسان عامة وبشكل آلي إلى الكلام (اللغة) الذي هو سر بقاء الخبرة الإنسانية وتقدمها.
ج - الذاكرة بعيدة المدى: هي نظام حفظ وتكرار مستمر ودائم نسبياً لكم هائل من المعلومات والخبرات المتعلمة (أسماء، وتواريخ، وأرقام، أماكن، وكل ما تعرفه عن العالم..) وسعتها كبيرة جداً ومعلوماتها متنوعة. وبذلك يستطيع البشر التفكير بفضل هذا النوع من الذاكرة. ولها نوعان:
ـ ذاكرة معنوية تحتفظ بالمفاهيم والقواعد والحقائق العامة والمهارات والخبرات.
ـ ذاكرة الأحداث التي تشتمل على المعلومات والأحداث التي رُمِّزت في وقت محدد (سافرت عام ... ولدت عام... تخرجت....).
هذا وتعمل الذاكرة المعنوية طويلة المدى وفق النموذج الشبكي الذي ينظِّم المعلومات المحفوظة في شبكات (حزم) ترابطية شديدة الانتظام والتماسك على أساس المعنى المشترك بينها. وهي تعمل بطريقة مخالفة للقواميس (التي تضع الكلمات في نظام ألف بائي معين). مثال كلمتي: حسام، سيف، متباعدتين في القاموس ولكنهما مترابطتان ومتقاربتان مفهومياً في الذاكرة طويلة المدى.
وعملها وفق النموذج الشبكي يصور لنا كيفية احتفاظها بكم هائل من المعلومات والمفاهيم من خلال ترابطها بالمعنى المشترك بينها.
أنواع الذاكرة وآلية عملها |
1- المدخل النفسي: وتركِّز دراساته إما على الفرد المتذكر ونشاطه وخصائص شخصيته وقدراته، أو على موضوع التذكر وصفاته، أو على التأثيرات المتبادلة بين الشخص المتذكر وموضوع التذكر معاً.
2- المدخل العصبي - البيولوجي: الذي أسهم في توضيح دور الحمض الريبي النووي RNA-DNA وبعض البروتينات في عمليتي التوصيل وحفظ الآثار. وكذلك دور تنبيه العصبون (النيرون) وأثره في فاعلية الخلية العصبية، ودور بعض الأماكن المتخصصة باستقبال وتحليل البيانات مثل (الفص الصدغي، القشرة الدماغية).
3- مدخل الضبط: وهو النظم الذاتي للذاكرة والتحكم بدقة مدخلاتها ومخرجاتها.
أما فعل التذكر بحسب هذه المداخل فيقسم إلى:
ـ التذكر الإرادي: وهو خلاصة الأفعال التذكرية التي يقوم بها المتذكر منذ بدء إدراك الصور الحسية حتى ترميزها وتخزينها بهدف استرجاعها وقت الحاجة. لذلك فتحديد موضوع التذكر والنية وبذل الجهد من أجل ذلك، واستخدام أساليب مناسبة لمعالجة مادة التذكر، كلها شروط مهمة لتحقيق التذكر.
فالطالب الذي يدرس المقرر بنية عدم العودة إليه قبل الامتحان (إلا للمراجعة) يتذكره أكثر من طالب يدرسه بطريقة عشوائية.
ـ التذكر اللاإرادي: هو تذكر موضوع ما من دون أن يكون هدفاً مباشراً لسلوك المتذكر، وذلك لارتباط موضوعه بالنشاط الإرادي المقصود. فاستخدام عبارة - على فكرة - في أثناء الحديث يصور تماماً هذا النوع من التذكر. مثال: تذكرك لعنوان ما كان قد سألك عليه زميلك (ولم تتذكره في حينه) وأنت مستلقٍ.
وهذا النوع من التذكر يشغل حيزاً كبيراً من التذكر في مراحل الطفولة المبكرة، ولكنه يتراجع مع العمر لصالح التذكر الإرادي المقصود. ولكن طبيعة التعلم[ر] تتطلب الاستفادة من النوعين.
فقد بينت الدراسات التجريبية أن التذكر اللاإرادي يصبح أعلى مردوداً عندما يدخل في مضمون النشاط، وهذا ما يشاهد في لحظات الإلهام عند الشعراء، أو الأفكار التبصرية عند بعض الناس.
ويعد التكرار حلقة ضرورية في عملية التذكر، غير أن شرط تنظيم التكرارات لا يقل أهمية عن التكرار نفسه. فمثلاً أنت لا تستفيد من تكرارك لأبيات شعرية (بقصد حفظها) قبل أن تفهمها أو بعد أن تنسى بعضاً من مفرداتها.
عمليات الذاكرة
ـ الاحتفاظ: هو عملية إبقاء المعلومات في الذاكرة طويلة المدى لاستخدامها وقت الحاجة والمعلومات التي يُحتفظ بها في الذاكرة تتفاعل وتتصارع وتتشابك، فيها القوي والضعيف، والسار والمحزن، والمهم والأكثر أهمية، ولذلك لا تبقى بصورتها المبدئية كما دخلت. وهناك عوامل تساعد على الاحتفاظ أو تعرقله. فالمادة السهلة أيسر حفظاً من الصعبة، والشعر المقفى أسهل حفظاً من المقطوعات النثرية، والمادة المهمة بالنسبة للشخص تستمر وتبقى أكثر من التي لا تلبي رغباته وحاجاته. كما أن التنظيم الجيد للمعلومة والاستخدام المتكرر لها يسهّل الاحتفاظ بها.
ـ التعرف: هو القدرة على تمييز الأشياء التي سبق للفرد أن تعلمها من تلك التي لم يتعلمها، كأن تميز بين صور عدة، لأشخاص درسوا معك في المرحلة الابتدائية. وأن تميز الإجابة الصحيحة من بين خيارات عدة لسؤال ما.
ـ الاسترجاع: وهو مستوى أعلى من التعرف (تذكر شيء غير ماثل أمام حواسنا) ويتحقق من دون إدراك متكرر للموضوع المسترجع. فالإدراكات السابقة، وكل ما مر بنا في الماضي من أفكار ومشاعر وأفعال يمكن أن تسترجع. ومثال ذلك استرجاع ذكريات الماضي.
ويختلف الأفراد من حيث قدرتهم على الاسترجاع بحسب المعنى الذي يضفيه الأفراد على الخبرات المتعلمة، ومدى المعلومات المسترجعة وتنظيمها، ودافعية الفرد المُسترجِعُ، وثقته بقدرته على الاسترجاع.
ويمكن قياس الاسترجاع بطريقة الاسترجاع الحر، حيث لا يهتم الفاحص بتسلسل المعلومات عند قياسه لها.
والاسترجاع المتسلسل، حيث يعد التسلسل في عرض المعلومات وترتيبها معياراً مهماً لوضع درجة الاسترجاع.
ويمكن الحديث عن فشل الاسترجاع، لتفسير النسيان أحياناً. فالطالب الذي لم يستطع الإجابة عن سؤال ما في قاعة الامتحان ويتذكره بعد أن يخرج، وكان قد حفظه تماماً، هو مثال على فشل الاسترجاع.
ونسيان الكثير منّا لأسماء أشخاص يعرفهم في اللحظة الراهنة وتذكره لهم فيما بعد هو دليل على فشل الاسترجاع في اللحظة الراهنة، وبتغير شروط الاسترجاع يعود الاسترجاع تلقائياً، كالاسترخاء مثلاً.
أمراض الذاكرة
1- صعوبة التذكر (الديسمْنيزيا La dysmnesie)، وهي العجز عن تثبيت الذكريات. ويكثر هذا المرض في العته والبلاهة. وقد يحدث مثل هذا نتيجة تعب الجملة العصبية، أو يحدث في الشيخوخة.
2- فقدان الذاكرة (الأمْنزيا L’amnésie)، وهو فقدان الذكريات المحفوظة والعجز عن استحضارها، ويجوز أن تكون الأمنزيا في فقدان المصاب الذاكرة جميعها.
3- فرط التذكر(الهيبرْمنزيا L’hypermnesie)، وتبدو في الذي يظن نفسه ناسياً، ثم لا يلبث أن تستيقظ ذاكرته ويجيب عن الأسئلة بقوة.
4- انحراف الذاكرة (البارامْنزيا La paramnésie) ويعرف بمرض الذاكرة الكاذبة، فيظن الإنسان أنه يعرف الشيء وهو في الحقيقة لا يعرفه.
دور الحاسوب في كشوفات الذاكرة الإنسانية
لا توجد نظرية علمية شاملة للذاكرة البشرية على الرغم من تطور علم النفس والبيولوجيا والأعمال التجريبية التي تدرس الذاكرة، إلا أن اختراع الإنسان لتقنيات الآلة الحاسبة والحاسوب، بين أنها أكثر ارتباطاً بنمذجة عمليات الذاكرة. وقد ظُنّ قديماً أن الذاكرة هي مجرد عمليات انطباع واحتفاظ واسترجاع بسيط للآثار، وتبين لاحقاً أنها عمليات شديدة التعقيد والتنظيم، كما تم الاستفادة من عملية التركيز وإعادة الترميز التي تؤلف (المحتوى الأساسي لعملية التذكر) مع الحاسوب في وضع مناسبة للتعامل مع الكم الهائل من المعلومات. وتعليم الطلاب وضع مخطط منظم، يعتمد على الترميز ويساعدهم في فهم المقررات الدراسية، يضمن استرجاعها وقت الحاجة والاستفادة منها في الحياة.
تدريب الذاكرة وتنميتها
يتطلب تدريب الذاكرة وتحسينها؛ تجنب المربي إرهاق ذاكرة المتعلم ولاسيما الأرقام والمصطلحات والعبارات غير الواضحة، وربط تصوراته المجردة بأمثلة محسوسة، وتدريب ذاكرته بتكرار الاستعمال وتنظيم التعلم المستند إلى الانتباه والاهتمام. وتمرين المتعلمين على حفظ روائع النثر والشعر وغير ذلك.
ودلت التجارب على أن إشراك الحواس كلها في الحفظ يساعد في تنمية الذاكرة والاكتساب والتعلم. هذا ويضطلع الوضع العام للمتعلم، مثل الحالة الصحية والمعيشة المناسبة، بقسط كبير بالتأثير في عمل الذاكرة. وينظر إلى الاعتدال في المطالعة ونظام العمل والحفظ في الأوقات المناسبة على أنها من الأمور المهمة التي يكون تأثيرها إيجابياً في التذكر.
أمينة رزق