الفنان التشكيلي فريد شنكان لـ«اللواء»: التراث إرث وكنز تاريخي غنيّ يُعبّر عن العراقة
ضحى عبدالرؤوف المل
حجم الخط
لا توجد نقاط محددة عند الفنان التشكيلي فريد شنكان لانطلاقته في اللوحة، فكل لوحة لها لحظتها التي تحدّد طريقة إنجازها ومخطط رسمها منذ النقطة الأولى وغالباً ما ينصت لحديث اللوحة وبوحها كما يقول، وهو يعتبر اللوحة صديقته وحبيبته التي تحتمل وتتقبّل كل مزاجيته وانفعالاته دون أن تتذمّر، ويحب الإصغاء لما تقوله ويحب سماع موسيقاها من خلال ألوانها، ويتفهّم ظروفها المتغيّرة عبر الزمان والمكان فهو يشعر بأنها كائن حيّ لكنه أخرس ويحتاج لوقت كبير لفهم لغته، كما أنه يتبع حدسه بتتبّع ونسج خطوط اللوحة إلى أن يصل للمبتغى البصري المنشود عبر مزيج من الخطوط المنحنية والمتقاطعة والتي يحاول توظيفها لتخدم فكرة وموضوع العمل التشكيلي من خلال إيحاءاتها المتعددة وتداخل وتمازج الألوان مع بعضها... وأحيانا يبدأ برسم فكرة ما فيجد نفسه في عوالم فكرة وموضوع آخر ومختلف عما كان يريد أن يرسمه طبعاً مع الحفاظ على التوازن اللوني والكتل والإنسجام اللوني أو الهارموني في تكوين اللوحة.
ومع الفنان الدمشقي فريد شنكان أجريت هذا الحوار:
{ تمنح التراثيات رؤية خاصة بك أو الأحرى تحوّلها تشكيليا الى رموز مبطنة، ما رأيك؟ ولماذا هذا الشغف التراثي في التشكيل؟
- بالفعل كما تفضّلت، فالتراث له مكانتة الكبيرة في قلبي وذاكرتي البصرية لأني أرى بأن التراث إرث وكنز تاريخي وحضاري غني يُعبّر عن العراقة والأصالة لكل أمة أو بلد في هذا العالم وهو مقياس حضارتها، وكون عملت في هذا المجال الفني والتراثي قلت في نفسي لماذا لا أوظّف هذا الفن التراثي العريق في لوحتي التشكيلية كوني تميّزت به وأخذ حيّزاً كبيراً من عشقي له... وبالفعل كان لي ما أردت مع المحاولة الدؤوبة لتحديث اللوحة التشكيلية السورية.
{ هل تحوّل الحضارة الدمشقية الى حضارة تشكيلية محسّنة بصريا لتحاكي بها العالم؟
- نعم تماماً، فأنا أحاول جاهداً أن أقدّم هذه الحضارة العريقة بشكل أو بآخر إلى العالم لأن دمشق قدّمت للعالم الحب والسلام والعلوم في كافة المجالات عبر العصور، بينما قدّم لها الغزاة الشر الناتج عن الحقد والحسد والغيرة لأنها سبقتهم في الحضارة المدنية، فقد قدّمت دمشق ابو لودور الدمشقي باني روما، وقدّمت الحضارة في الأندلس، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي لولا دمشق ما كانت طليطلة ولا زهت ببني العباس بغدان.
{ فريد شنكان والنحت ورسوماتك ذات أبعاد تلامس النحت، ما رأيك؟
- نعم كما تفضّلت، ففي النحت له حضوره ومكانته البصرية عندي لِمَ لا وللنحت وجوده في كل العصور وقد رسمت الكثير من اللوحات سواء بالقلم الرصاص أو الأسود أو الأزرق في مرحلة ما بعد التخرّج من كلية الفنون الجميلة في منتصف الثمانينات وأسميتها مرحلة النحت على الكرتون أو الورق المقوّى، وهذه اللوحات تشبه النحت ولكن من خلال رسمه بأبعاده الثلاثة وقد وظّفته في اللوحة التشكيلية لتصبح للرسومات كتلة وحجم بصري يساعد المتلقي على تخيّله بشكل أفضل وأكثر تطوّراً.
{ القراءة والمخزون الثقافي او الجمالي وتأثيرات ذلك على لوحتك، هل أنت راضٍ بذلك؟
- لا شك أن القراءة والمخزون الثقافي أو الجمالي الذي يحمله المثقف عبر سنون حياته لها تأثير كبير في تشكيل شخصية الفنان بكافة أشكالها وتترك تأثيرها الواضح على لوحته وبصمته التشكيلية، كما أن لكل فنان قناعاته المختلفة والتي يعبّر من خلالها عن شخصيته الإبداعية، وبالنسبة لي فان عملية البحث وتطوير الفن هو هاجسي الأوّلي دائماً لتقديم وإضافة كل ما هو جديد.
{ لو جمعت النقاط المخفية في لوحاتك لخرجت بأشكال جيومترية أو هندسية، هل تخطط لبناء اللوحة قبل رسمها؟ ولماذا تتجه للنحت؟
- الحقيقة أنه لديّ دائماً هواجسي التشكيلية التي أحاول أن أجسّدها عبر أفكار معينة وخواطر وليدة اللحظة والمكان اللذين أعيشهما إذ تنعكس تأثيراتها الروحية والإنسانية على هيكلية اللوحة، أما النحت فقد حاولت أن أعوّض به عن أفكاري من خلال التعويض عنه بأسلوب الرسم في بعض الأحيان، كما أن النحت يحتاج لمكان ورشة لعمل من أجل تنفيذ الموضوعات المختلفة.
{ اللون في لوحاتك يمرُّ بعدّة مراحل، ماذا تحاول أن تقول من خلاله؟
- نعم لأني أعتبر أن للألوان أسرارها وتأثيرها على الإنسان المتلقي وحضورها لما تمتلك من سحر وجاذبية وتأثير على كل شخص في هذه الحياة منذ لحظة الرؤية الأولى للعين البشرية، كما أن لكل لون طاقة سلبية كانت أو إيجابية، وأعتقد أن لكل فنان أدواته الخاصة التي يستخدمها في رسم لوحاته وموضوعاته المختلفة والتي تعبّر عما يفكر وما يشعر به، كما أن للألوان دورا أساسيا وكبيرا في نجاح الأعمال وتأثيرها في المتلقّي.
{ لوحة يختارها شنكان ويجلس أمامها طويلا ليتأمّلها ما هي؟
- نعم فهنالك الكثير من الأعمال التشكيلية التي قمت بتنفيذها بفترات متفاوتة تعتبر غالية ولها مكانة خاصة في قلبي كما في لوحة «صباح الخير يا سورية» ولوحة «صرخة في المدينة» ولوحة «أم الشهيد» والعديد من اللوحات التي جعلتني أغرم بها.