أم عزيز أسيرة الأمل رحيل أيقونة انسانية مُلهمة فنيا
بشرى بن فاطمة
أم عزيز أيقونة انسانية استطاعت أن تُقاوم بالانتظار وتصمد بالتكرار والثبات القائم على ترديد حكاياتها الصادقة التي بدت لكل مستمع ثابتة في لحظة، قابضة على تفاصيلها وكأنها عاشتها في لحظة السرد تلك، التي تستعيد انكسارها وحسرتها وأملها فهي لم تكن مجرّدة من عواطفها ولا من انتمائها، لأنها كانت أبعد من أن تكون أمّا مناضلة لأربعة أسرى بل لكل أسير ومفقود وكل شهيد ومظلوم، فهي الذاكرة التي استطاعت أن تنبش صورها داخل عمق الذكريات التي خلّدت اسمها وحضورها لأكثر من 22 عاما من البحث العنيد عن منافذ الوصول إلى أبنائها الذين فقدتهم، فحملتهم في كل ركن وكل مكان لتحي بهم عند كل حرف وكل ابتسامة ودمعة وكل انتظار حتى البقاء أو الشهادة بين شُروخ الزمن ثابتة على أرضها مُستمرة في نُموّها مفتوحة أبوابها على المقاومة وشامخة جذورها في أرضها مهما تهجّرت أصولها.
فقدتها الساحة النضالية والإنسانية، رحلت منذ أيام عن سن تقارب الثمانين عاما قضّتها وهي تصدح بصوتها بحثا بين المعتقلات عن أبنائها حاملة صورهم ومردّدة حكايتها التي تبنت فيها قصص كل أمهات الأسرى اللاتي رأين فيها طاقة شرسة تمرّدت وانطلقت وبحثت وكافحت حتى آخر رمق وآخر نفس تاركة النموذج والأساس في القبض على فكرة الحق والاستمرار بها.
«أم عزيز» الحكاية تشبه قصة الكثيرات اللاتي صنع لهن الواقع مجدا وتحمّل معهن موقف الحضور الخالد، هي طفلة فلسطينية هُجّر أهلها سنة 1948 لتدرك فيما بعد أنها من ضحايا ما يسمى تاريخيا النكبة فكان التهجير نقطة تحوّلها الأولى إلى لبنان لتصبح حسب اللوائح الدولية لاجئة وتتحوّل صفتها إلى مجرد انتماء لا منتم بين الوجود والتهميش، عايشت أحداث لبنان بين الواقع والحرب والذاكرة التي باتت تحرسها، فقد كبرت فيها فلسطين لتصبح الفكرة التي تربّت عليها وانتمت إليها بالغياب الحاضر، وليصبح انتظارها غزلا لقصص «البلاد» والعودة ودفاعا عن البقاء الأنقى للهوية المتبقية في الذاكرة هذه الذاكرة التي جعلتها تصبر أكثر لتعبر عن قضيّتها أبناء شعبها وأبنائها الأربعة الذين تعرضوا للاختطاف في الاجتياح الإسرائيلي والعدوان على لبنان سنة 1982.
فهي لم تفقد الأمل في عودتهم كما لم تفقد الأمل في عودتها للوطن حملت صور أبنائها وصنعت لنفسها قصص الأمل فكانت ترويها في كل حدث وتفصيل تحاكي بها قصص التضحية والأمل الإصرار والعناد الاستمرار والتفاعل التي لم يخفت بريقها سنة بعد سنة ذلك البريق حمل التأملات البصرية إلى المصورين الفوتوغرافيين الذين كانت لديهم رؤية أيقونية لأم عزيز ونقلوا تحرّكاتها وصوتها وحضورها وثباتها على فكرة واحد العودة واستعادة أبنائها.
قال عنها المُصور الفوتوغرافي علي سيف الدين هي امرأة عنيدة ومُكابرة صقلتها مرارة الأحداث والوقائع التي عايشتها منذ صغرها وأفقدتها أربعا من أبنائها فلم تفقد الأمل بل كانت ترافقنا عند كل مظاهرة وكل مطالبة وفي كل خط للنار وفي كل بؤرة خطرة كانت تعيد لنا أمل الحياة والبقاء في كل اجتماع كانت تحمل صور أبنائها وتعيد سرد قصصهم وتبحث عنهم في قصص الأسرى فقدنا أما لنا ولكنا لم نفقد روحها الصامدة العنيدة.
كان وجودها الدافع هو ذاته الباعث على التأمل الذي حمله الفنانون التشكيليون لصياغة حكاية أم عزيز بتعبيرية لامست اللون وسردته بصريا بكثافة توليفية استدرجت المفاهيم أبعد في التعبير عن الصورة وما ورائياتها التي تداخل فيها التأمل الذهني مع التأمل البصري.
فقد استطاعت أن تبقى خالدة في ذاكرة كل من التقاها من الصحفيين والفنانين والمصورين الفوتوغرافيين كما توحّدت صورتها مع مفاهيمهم رمزيا، لتكون الأيقونة التي اختارها عدّة فنانين لتعبّر بعمق عن مفاهيم الصمود واندماج الحضور الباقي مع الأرض في استمرار الحياة رغم الرحيل وفي انتصار العناد الصادح بالحق على الصمت السائد باللامبالاة.
في حكاية أم عزيز حمل كل فنان مساره ونجح فيه في سرد ما بدا له من خلالها فنيا وإنسانيا، فتناغمت كل لوحة وتشكّلت لتعيد لكل الدمار النفسي الإنسانية في حضورها الحقيقي وتُطلع المُتلقي على الكم الذي يتحمّله الفن خاصة وأن الالتزام الجمالي له محفّزاته للتجديد الذي يجعل منه اتساعا لقيمها بعلاماتها الثابتة والباقية التي تحفّز فيه التعبير عن الحق والانتصار لذاته ولها فأم عزيز كانت في حياتها رمز النضال والصمود المتماهي مع حضورها في الأرض وبقائها في الوجود وأصبح الرمز الخالد المشرق بمبادئ الحرية والإنسانية.
بشرى بن فاطمة
أم عزيز أيقونة انسانية استطاعت أن تُقاوم بالانتظار وتصمد بالتكرار والثبات القائم على ترديد حكاياتها الصادقة التي بدت لكل مستمع ثابتة في لحظة، قابضة على تفاصيلها وكأنها عاشتها في لحظة السرد تلك، التي تستعيد انكسارها وحسرتها وأملها فهي لم تكن مجرّدة من عواطفها ولا من انتمائها، لأنها كانت أبعد من أن تكون أمّا مناضلة لأربعة أسرى بل لكل أسير ومفقود وكل شهيد ومظلوم، فهي الذاكرة التي استطاعت أن تنبش صورها داخل عمق الذكريات التي خلّدت اسمها وحضورها لأكثر من 22 عاما من البحث العنيد عن منافذ الوصول إلى أبنائها الذين فقدتهم، فحملتهم في كل ركن وكل مكان لتحي بهم عند كل حرف وكل ابتسامة ودمعة وكل انتظار حتى البقاء أو الشهادة بين شُروخ الزمن ثابتة على أرضها مُستمرة في نُموّها مفتوحة أبوابها على المقاومة وشامخة جذورها في أرضها مهما تهجّرت أصولها.
فقدتها الساحة النضالية والإنسانية، رحلت منذ أيام عن سن تقارب الثمانين عاما قضّتها وهي تصدح بصوتها بحثا بين المعتقلات عن أبنائها حاملة صورهم ومردّدة حكايتها التي تبنت فيها قصص كل أمهات الأسرى اللاتي رأين فيها طاقة شرسة تمرّدت وانطلقت وبحثت وكافحت حتى آخر رمق وآخر نفس تاركة النموذج والأساس في القبض على فكرة الحق والاستمرار بها.
«أم عزيز» الحكاية تشبه قصة الكثيرات اللاتي صنع لهن الواقع مجدا وتحمّل معهن موقف الحضور الخالد، هي طفلة فلسطينية هُجّر أهلها سنة 1948 لتدرك فيما بعد أنها من ضحايا ما يسمى تاريخيا النكبة فكان التهجير نقطة تحوّلها الأولى إلى لبنان لتصبح حسب اللوائح الدولية لاجئة وتتحوّل صفتها إلى مجرد انتماء لا منتم بين الوجود والتهميش، عايشت أحداث لبنان بين الواقع والحرب والذاكرة التي باتت تحرسها، فقد كبرت فيها فلسطين لتصبح الفكرة التي تربّت عليها وانتمت إليها بالغياب الحاضر، وليصبح انتظارها غزلا لقصص «البلاد» والعودة ودفاعا عن البقاء الأنقى للهوية المتبقية في الذاكرة هذه الذاكرة التي جعلتها تصبر أكثر لتعبر عن قضيّتها أبناء شعبها وأبنائها الأربعة الذين تعرضوا للاختطاف في الاجتياح الإسرائيلي والعدوان على لبنان سنة 1982.
فهي لم تفقد الأمل في عودتهم كما لم تفقد الأمل في عودتها للوطن حملت صور أبنائها وصنعت لنفسها قصص الأمل فكانت ترويها في كل حدث وتفصيل تحاكي بها قصص التضحية والأمل الإصرار والعناد الاستمرار والتفاعل التي لم يخفت بريقها سنة بعد سنة ذلك البريق حمل التأملات البصرية إلى المصورين الفوتوغرافيين الذين كانت لديهم رؤية أيقونية لأم عزيز ونقلوا تحرّكاتها وصوتها وحضورها وثباتها على فكرة واحد العودة واستعادة أبنائها.
قال عنها المُصور الفوتوغرافي علي سيف الدين هي امرأة عنيدة ومُكابرة صقلتها مرارة الأحداث والوقائع التي عايشتها منذ صغرها وأفقدتها أربعا من أبنائها فلم تفقد الأمل بل كانت ترافقنا عند كل مظاهرة وكل مطالبة وفي كل خط للنار وفي كل بؤرة خطرة كانت تعيد لنا أمل الحياة والبقاء في كل اجتماع كانت تحمل صور أبنائها وتعيد سرد قصصهم وتبحث عنهم في قصص الأسرى فقدنا أما لنا ولكنا لم نفقد روحها الصامدة العنيدة.
كان وجودها الدافع هو ذاته الباعث على التأمل الذي حمله الفنانون التشكيليون لصياغة حكاية أم عزيز بتعبيرية لامست اللون وسردته بصريا بكثافة توليفية استدرجت المفاهيم أبعد في التعبير عن الصورة وما ورائياتها التي تداخل فيها التأمل الذهني مع التأمل البصري.
فقد استطاعت أن تبقى خالدة في ذاكرة كل من التقاها من الصحفيين والفنانين والمصورين الفوتوغرافيين كما توحّدت صورتها مع مفاهيمهم رمزيا، لتكون الأيقونة التي اختارها عدّة فنانين لتعبّر بعمق عن مفاهيم الصمود واندماج الحضور الباقي مع الأرض في استمرار الحياة رغم الرحيل وفي انتصار العناد الصادح بالحق على الصمت السائد باللامبالاة.
في حكاية أم عزيز حمل كل فنان مساره ونجح فيه في سرد ما بدا له من خلالها فنيا وإنسانيا، فتناغمت كل لوحة وتشكّلت لتعيد لكل الدمار النفسي الإنسانية في حضورها الحقيقي وتُطلع المُتلقي على الكم الذي يتحمّله الفن خاصة وأن الالتزام الجمالي له محفّزاته للتجديد الذي يجعل منه اتساعا لقيمها بعلاماتها الثابتة والباقية التي تحفّز فيه التعبير عن الحق والانتصار لذاته ولها فأم عزيز كانت في حياتها رمز النضال والصمود المتماهي مع حضورها في الأرض وبقائها في الوجود وأصبح الرمز الخالد المشرق بمبادئ الحرية والإنسانية.