ريام الحاج في معرضها الأول ..بين التجريد الهندسي والتشخيص التعبيري ..
ثقافة
# صحيفة الثورة في 8 آب , 2023 بتوقيت دمشـــق
أديب مخزوم
في معرضها الفردي الأول بغاليري زوايا، الذي أقيم تحت عنوان (أثير) تطل الفنانة التشكيلية الشابة ريام الحاج على المغامرة لتؤكد من جديد، أن اللوحة الحديثة، هي مشروع ثقافي قبل أي شيء آخر.. (لوحات كبيرة وصغيرة ـ أكريليك وزيت، بعضها يتجاوز شكل اللوحة التقليدي كمستطيل أو مربع، ويأخذ شكل اللوحة الدائرية)، تجسد الأجساد والوجوه والأشكال الصامتة، في مظاهرها الحديثة، وبنزعة تبسيطية واختزالية، إلا أنها تحافظ في أحيان كثيرة، على النسب التشريحية، التي اختبرتها قبل تخرجها من محترفات كلية الفنون الجميلة.
الموازنة والمواءمة
وفي معظم لوحاتها الأحدث أرادت الموازنة والمواءمة ما بين معطيات التجريد الهندسي (في اتجاهها الواضح لإضفاء المساحات اللونية المستوية المملوءة بالأضواء المشرقة، ولاسيما في الخلفيات ـ مستطيلات ومربعات ناتجة عن خطوطها الشاقولية والأفقية) وبين جمالية البقاء عند ضفاف اللمسات اللونية الكثيفة والموضوعة فوق بعضها بعضاً بعنف تعبيري ووحشي واضح (نسبة إلى المدرسة الوحشية في الرسم الحديث) للوصول إلى اللوحة الحديثة، المفعمة بالعفوية والحركات اللونية السريعة، وهذا يبعدها مسافات طويلة عن إطار اللوحة الواقعية والاستهلاكية.
وحين نقول إنها تضفي على لوحاتها شيئاً من الهندسة التجريدية في الخلفيات، يكون في حسابنا أنها ليست هندسة رياضية صارمة، بالمعنى النقي للكلمة، لأنها تعمل على تركيب الطبقات اللونية، وتجعل خطوطها مشحونة بالعفوية، ولهذا فهي تنتمي لعصر الهندسة اللاتقليدية، مع إضفاء اللمسات المتتابعة والتي تعطي أشكالها سماكات لونية واضحة، وخاصة في خطوات معالجة الأجساد والوجوه، وهكذا تعمل على تحقيق حالات الموازنة والمواءمة بين النعومة في الخلفيات والخشونة في معالجة الجسد، كأنها تعبر عن خشونة الواقع في عالم اليوم اللاإنساني.
وريام الحاج حين تتجه، في لوحاتها المعروضة، لايجاد فروقات صارخة (بين التكثيف والتشفيف) في خطوات الوصول إلى المزيد من الاختزال والاختصار والعفوية والانفعال اللوني، فإنها تخدم هذه المفارقة، التي تظهر من خلالها الانطباعات اللونية الشاعرية والهادئة في الخلفيات، وبين الغنائية والصخب الموسيقي البصري،القادم من تقنية وضع اللون على العناصر المرسومة بسخاء كلي. ومن هنا تأتي الحساسية البصرية الحاملة حرارة خاصة ومناخية لونية وتشكيلية خاصة.
المرئي والمحسوس
ومن أجل الوصول إلى حالة متداخلة بين المرئي والمحسوس، تعتمد ريام على مبدأ تحريف وتحوير العناصر والأشكال، وإضفاء المزيد من الاختصار والتبسيط والاختزال، فالموضوع على سبيل المثال يتحول من حالة إلى حالة، في ظل الاقتراب أو الابتعاد عن الصياغة التعبيرية أو الوحشية أو التكعيبية كما في بعض لوحات الطبيعة الصامتة الصغيرة.
وهكذا نستطيع الحديث عن اختراق المظهر السطحي للعناصر، في خطوات البحث عن التركيب الداخلي أو الفني أو التقني، الذي يعمل عن تصعيد ميزة الكثافة اللونية الزيتية، والتي تأتي بضربات متداخلة ومتجاورة ومتراكمة بوضع لمسات عفوية فوق أخرى، وهي هنا تتنقل بين الأزمنة القديمة والحديثة، كأنها تعيش خارج الزمن الراهن.
اللمسة العفوية
ويمكن القول إن ظهور اللمسة العفوية الأكثر ارتباطاً بحالات الانفعال الوجداني، لم تأتِ إلا نتيجة البحث المستمر والمتواصل، أو نتيجة اختباراتها المتتابعة التي أظهرت مرونة رموزها التعبيرية التلقائية التي تحكي من خلالها حكايتها مع الواقع، حيث تدل هذه اللوحات على عفوية وصدق مطلق في التنفيذ والتلوين، إذ الأهم بالنسبة لها، وضوح الإيقاعات اللونية المتراقصة الحاملة خلاصة بحوثها وتشكيلاتها المسكونة بدرجات أعلى من الانفعال، والمشغولة بكتل أو بلطخات لونية.
خبرات تقنية
وهذا الانعطاف أو التحول الجدي في تجربتها، لا يرتكز على معطيات المكتسبات الأكاديمية، بقدر ما يرتكز على خبرات تقنية عفوية، ومتابعات مكثفة، ومشاهدات متواصلة، ومغامرة جادة، جعلت اللون أكثر تركيباً وتداخلاً، من دون أن تكون هناك صيغة عبثية أو مجانية، إذ لا تستقر لمستها من الضربة الأولى، طالما تحركها دائماً بلغة انفعالية وحركية شديدة التكثيف.
وهذا يعني أنها استعادت أجواء مغامرة اللون، ووصلت إلى تشكيل تجريدي ـ تعبيري ـ وحشي، وكل ذلك بلوحات تجمع أجواء الطرب وإيقاع النغم وشاعرية اللون، الذي يعرف كيف يعزف على أوتار المشاعر.
وهكذا تخلت ريام الحاج عن الإشارات الواقعية المباشرة، رغم حداثة تجربتها، لإظهار الإيقاع التشكيلي الخاص، المرتبط بثقافة فنون العصر، كأنها ترسم أحاسيسها الملونة لتكشف عن روح الحركة اللونية، التي تسري في الواقع كتموجات وإشارات لونية متتابعة ومتراقصة تمنحها الجرأة والحرية، بعيداً عن رتابة المعالجات الإعلانية المسايرة لتوجهات السوق الاستهلاكي التجاري.
ثقافة
# صحيفة الثورة في 8 آب , 2023 بتوقيت دمشـــق
أديب مخزوم
في معرضها الفردي الأول بغاليري زوايا، الذي أقيم تحت عنوان (أثير) تطل الفنانة التشكيلية الشابة ريام الحاج على المغامرة لتؤكد من جديد، أن اللوحة الحديثة، هي مشروع ثقافي قبل أي شيء آخر.. (لوحات كبيرة وصغيرة ـ أكريليك وزيت، بعضها يتجاوز شكل اللوحة التقليدي كمستطيل أو مربع، ويأخذ شكل اللوحة الدائرية)، تجسد الأجساد والوجوه والأشكال الصامتة، في مظاهرها الحديثة، وبنزعة تبسيطية واختزالية، إلا أنها تحافظ في أحيان كثيرة، على النسب التشريحية، التي اختبرتها قبل تخرجها من محترفات كلية الفنون الجميلة.
الموازنة والمواءمة
وفي معظم لوحاتها الأحدث أرادت الموازنة والمواءمة ما بين معطيات التجريد الهندسي (في اتجاهها الواضح لإضفاء المساحات اللونية المستوية المملوءة بالأضواء المشرقة، ولاسيما في الخلفيات ـ مستطيلات ومربعات ناتجة عن خطوطها الشاقولية والأفقية) وبين جمالية البقاء عند ضفاف اللمسات اللونية الكثيفة والموضوعة فوق بعضها بعضاً بعنف تعبيري ووحشي واضح (نسبة إلى المدرسة الوحشية في الرسم الحديث) للوصول إلى اللوحة الحديثة، المفعمة بالعفوية والحركات اللونية السريعة، وهذا يبعدها مسافات طويلة عن إطار اللوحة الواقعية والاستهلاكية.
وحين نقول إنها تضفي على لوحاتها شيئاً من الهندسة التجريدية في الخلفيات، يكون في حسابنا أنها ليست هندسة رياضية صارمة، بالمعنى النقي للكلمة، لأنها تعمل على تركيب الطبقات اللونية، وتجعل خطوطها مشحونة بالعفوية، ولهذا فهي تنتمي لعصر الهندسة اللاتقليدية، مع إضفاء اللمسات المتتابعة والتي تعطي أشكالها سماكات لونية واضحة، وخاصة في خطوات معالجة الأجساد والوجوه، وهكذا تعمل على تحقيق حالات الموازنة والمواءمة بين النعومة في الخلفيات والخشونة في معالجة الجسد، كأنها تعبر عن خشونة الواقع في عالم اليوم اللاإنساني.
وريام الحاج حين تتجه، في لوحاتها المعروضة، لايجاد فروقات صارخة (بين التكثيف والتشفيف) في خطوات الوصول إلى المزيد من الاختزال والاختصار والعفوية والانفعال اللوني، فإنها تخدم هذه المفارقة، التي تظهر من خلالها الانطباعات اللونية الشاعرية والهادئة في الخلفيات، وبين الغنائية والصخب الموسيقي البصري،القادم من تقنية وضع اللون على العناصر المرسومة بسخاء كلي. ومن هنا تأتي الحساسية البصرية الحاملة حرارة خاصة ومناخية لونية وتشكيلية خاصة.
المرئي والمحسوس
ومن أجل الوصول إلى حالة متداخلة بين المرئي والمحسوس، تعتمد ريام على مبدأ تحريف وتحوير العناصر والأشكال، وإضفاء المزيد من الاختصار والتبسيط والاختزال، فالموضوع على سبيل المثال يتحول من حالة إلى حالة، في ظل الاقتراب أو الابتعاد عن الصياغة التعبيرية أو الوحشية أو التكعيبية كما في بعض لوحات الطبيعة الصامتة الصغيرة.
وهكذا نستطيع الحديث عن اختراق المظهر السطحي للعناصر، في خطوات البحث عن التركيب الداخلي أو الفني أو التقني، الذي يعمل عن تصعيد ميزة الكثافة اللونية الزيتية، والتي تأتي بضربات متداخلة ومتجاورة ومتراكمة بوضع لمسات عفوية فوق أخرى، وهي هنا تتنقل بين الأزمنة القديمة والحديثة، كأنها تعيش خارج الزمن الراهن.
اللمسة العفوية
ويمكن القول إن ظهور اللمسة العفوية الأكثر ارتباطاً بحالات الانفعال الوجداني، لم تأتِ إلا نتيجة البحث المستمر والمتواصل، أو نتيجة اختباراتها المتتابعة التي أظهرت مرونة رموزها التعبيرية التلقائية التي تحكي من خلالها حكايتها مع الواقع، حيث تدل هذه اللوحات على عفوية وصدق مطلق في التنفيذ والتلوين، إذ الأهم بالنسبة لها، وضوح الإيقاعات اللونية المتراقصة الحاملة خلاصة بحوثها وتشكيلاتها المسكونة بدرجات أعلى من الانفعال، والمشغولة بكتل أو بلطخات لونية.
خبرات تقنية
وهذا الانعطاف أو التحول الجدي في تجربتها، لا يرتكز على معطيات المكتسبات الأكاديمية، بقدر ما يرتكز على خبرات تقنية عفوية، ومتابعات مكثفة، ومشاهدات متواصلة، ومغامرة جادة، جعلت اللون أكثر تركيباً وتداخلاً، من دون أن تكون هناك صيغة عبثية أو مجانية، إذ لا تستقر لمستها من الضربة الأولى، طالما تحركها دائماً بلغة انفعالية وحركية شديدة التكثيف.
وهذا يعني أنها استعادت أجواء مغامرة اللون، ووصلت إلى تشكيل تجريدي ـ تعبيري ـ وحشي، وكل ذلك بلوحات تجمع أجواء الطرب وإيقاع النغم وشاعرية اللون، الذي يعرف كيف يعزف على أوتار المشاعر.
وهكذا تخلت ريام الحاج عن الإشارات الواقعية المباشرة، رغم حداثة تجربتها، لإظهار الإيقاع التشكيلي الخاص، المرتبط بثقافة فنون العصر، كأنها ترسم أحاسيسها الملونة لتكشف عن روح الحركة اللونية، التي تسري في الواقع كتموجات وإشارات لونية متتابعة ومتراقصة تمنحها الجرأة والحرية، بعيداً عن رتابة المعالجات الإعلانية المسايرة لتوجهات السوق الاستهلاكي التجاري.