ذمه ماليه
Patrimony - Patrimoine
الذمة المالية
الذمة، لغة: بمعنى العهد، وسمي بذلك لأن نقضه يوجب الذم. ومن ذلك ما جاء في الحديث الشريف: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم». أي إذا أعطى أحد المسلمين عهداً للعدو بالأمان سرى ذلك على جميع المسلمين، فليس لهم أن يخفروا عهده. ومن ثم كان أيضاً من يستوطنون في دار الإسلام[ر] من غير المسلمين على عهد معهم بالأمان، يسمون مستأمنين أي أهل العهد والأمان.
أما شرعاً، فقد عرف الفقهاء المسلمون الذمة بأنها أمر شرعي مقدر وجوده في الإنسان يقبل الإلزام والالتزام.
وفي نظر علماء القانون تُعرف الذمة le patrimorine بأنها مجموع ما يخص الشخص من حقوق والتزامات مالية حاضرة ومستقبلية.
عناصر الذمة المالية
تتألف الذمة المالية من عنصرين:
1- عنصر إيجابي: يتضمن الحقوق المالية التي تكون للشخص، سواء أكانت هذه الحقوق حقوقاً عينية كملكية شيء معين، أو حقوقاً شخصية كالديون التي تترتب لصاحبها تجاه الغير.
2- عنصر سلبي: يتضمن الالتزامات المالية التي تترتب على الشخص كالتزامه بمبلغ من المال أو القيام بعمل لمصلحة شخص آخر.
والذمة المالية ليست حاصل الفرق بين عنصري الحقوق والالتزامات وإنما هي عبارة عن مجموعهما معاً. فكأن هذه الحقوق والالتزامات جميعاً تؤلف وحدة قائمة بذاتها أو مجموعة قانونية يطلق عليها الذمة المالية.
كما أن عناصر الذمة المتمثلة بالحقوق والالتزامات قد تتغير باستمرار فهي تزيد وتنقص، وقد تكون خالية ليس فيها حقوق ولا التزامات كذمة الوليد الذي ليس له مال. وهي بذلك ليس معناها الغنى، بل ما يكون للشخص من حقوق والتزامات موجودة أو ممكنة الوجود.
والذمة المالية لا تشمل سوى جانب من الحقوق والالتزامات التي تعود للشخص ألا وهي الحقوق والالتزامات ذات القيمة المالية. أما الحقوق والالتزامات غير المالية كحق الانتخاب أو واجب الابن في طاعة أبيه فهي لا تعد من عناصر الذمة المالية.
خصائص الذمة المالية
ترتبط الذمة المالية بالشخص نفسه ارتباطاً وثيقاً وتعد خاصة من خصائصه، وهي تمثل الجانب المالي والاقتصادي من شخصيته. ومن الترابط بين الذمة المالية والشخصية يمكن استخلاص أهم خصائص الذمة، وهي:
ـ إن الذمة لا تثبت إلا لشخص سواء أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً. وهذا يعني أنه ليس هناك من ذمة مالية بدون شخص تتعلق به وتعود إليه الحقوق والالتزامات التي تحويها. ويتفرع عن ذلك أيضاً أنه لا ذمة للحيوانات والبهائم كما أنه لا أهلية لها.
ـ كما أنه لا بد لكل شخص من أن يتمتع بالذمة المالية، كذلك فإنه لا يمكن انعدام هذه الذمة لدى أحد من الأشخاص. فالذمة من لوازم الشخصية. ثم ولو فُرض جدلاً أن الذمة كانت خالية في فترة من الفترات من الحقوق والالتزامات التي تشغلها، فهي لا تنعدم بانعدام هذه الحقوق والالتزامات لأنها، لا تتعلق، كما أشير إلى ذلك في تعريفها، بالحقوق والالتزامات القائمة وحدها فقط بل تشمل أيضاً الحقوق والالتزامات المقبلة.
ـ إن الذمة لا اشتراك فيها، فلا يكون للذمة الواحدة أكثر من صاحب واحد، لأنه لو تصورنا اشتراك عدة أشخاص في ذمة واحدة لكان كل واحد منهم وحده لا ذمة له، وهذا ممتنع لتلازم الشخصية والذمة.
ـ إن الذمة لا يجوز للشخص التنازل عنها بكاملها ويعيش من دونها، أو عن جزء شائع منها كأن يتخلى عن ثلثها مثلاً ويحتفظ لنفسه بالباقي. لكن يمكن للشخص التنازل عن بعض أعيان أو مفردات ذمته كأن يتنازل عن حق من حقوقه المالية تجاه الغير. ومن هنا يظهر أن الشخص لا يمكن أن يكون له في حياته إلا خلف خاص. فالخلف الخاص هو الذي يتلقى عن سلفه ملكية شيء معين كالمشتري الذي يعتبر خلفاً خاصاً للبائع في ملكية الشيء المبيع. أما بعد وفاة الشخص فيمكن أن يكون له خلف عام وكذلك خلف خاص. ففي الموت، تتحدد الذمة وتنقلب إلى تركة تؤول إلى مستحقيها من الورثة والموصى لهم بجزء شائع من التركة كربعها أو ثلثها مثلاً. وهؤلاء يعدون بمثابة خلف عام للمتوفي. أما الموصى له بأحد أعيان التركة كالسيادة فيعد خلفاً خاصاً للمتوفي لأنه لا يخلفه في ذمته المالية بكاملها أو بجزء شائع منها، وإنما يخلفه في بعض أعيانها ومفرداتها.
ـ إن الشخص الواحد ليس له سوى ذمة واحدة، وهذا ما يطلق عليه مبدأ وحدة الذمة. فقد تتعدد أوجه أنشطة الشخص ويقيم لنفسه مشروعات اقتصادية مختلفة دون أن تتعدد ذمته المالية بحيث يختص كل واحد من مشروعاته بذمة منها، وإنما تكون له ذمة واحدة تتمثل بوعاء تنصب فيه جميع حقوقه والتزاماته المالية أياً كان مصدرها.
ويذهب خلاف ذلك بعض الفقهاء الألمان الذين لا يمانعون بأن يكون للشخص الواحد أكثر من ذمة، بحيث تتعدد الذمم بتعدد المشروعات التي يمتلكها الشخص.
ـ إن الذمة ضمان لكل الديون المترتبة على الشخص، لكن ذلك لا يقتضي منع الشخص المدين من التصرف بأمواله.
فمن جهة أولى، إن الديون والالتزامات التي تترتب على الشخص لا تتعلق بقسم معين من أمواله، بل هي تتعلق بذمته كلها التي تعد ضامنة لوفائها. فالديون متساوية ولا يكون سبق بعضها في الثبوت سبباً لترجيحه، كما أن ما يثبت في ذمة الإنسان من حقوق وديون عليه لا يتقيد وفاؤها بنوع خاص من ماله أو بجزء منه، وهذا هو معنى القاعدة القانونية القائلة: «إن للدائنين حق ضمان عام على أموال المدين». على أنه يستثنى من ذلك بعض الديون التي يقرر لها القانون أفضلية أو امتيازاً في الاستيفاء ببعض الأسباب الموجبة لحق الرهن على العقار مثلاً. فهنا إن لصاحب الحق العيني التبعي الأفضلية في استيفاء دينه من المال الذي يقع عليه الرهن، باعتبار أن دينه، إضافة إلى تعلقه بذمة المدين المالية بصورة عامة، قد تعلق ببعض مفردات أو أعيان هذه الذمة وأصبح مضموناً بها.
ومن جهة ثانية، وحيث فالديون والالتزامات المترتبة على الشخص (باستثناء الديون الموثقة بحقوق عينية كالرهن)، إنما تتعلق بذمته المالية لا بأعيانها ومفرداتها، أي أن ذمة الشخص مستقلة عن أمواله، فإن لهذا الشخص مطلق اليد في التصرف بأمواله بيعاً وهبة وغيرهما ولو كان مديناً بأكثر مما يملك، لأنه إن كانت ذمته مشغولة فأمواله حرة.
لكن إذا كان الشخص المدين حر التصرف بأمواله، فإنه قد يسيء أحياناً هذا التصرف فيؤدي، إما عن تقصير منه أو تواطؤ مع الغير إلى إفقار ذمته وهذا من شأنه أن يؤثر على حقوق دائنيه، لذلك فإن القانون قد حفظ الحق لهؤلاء الدائنين في مثل هذه الحالات باتخاذ بعض التدابير التي تكفل لهم استيفاء حقوقهم مثل تقديم دعوى عدم نفاذ التصرف المنصوص عنها في المادة 238 من القانون المدني السوري.
انقضاء الذمة المالية
إن ذمة الشخص ترافق حياته منذ ولادته وتنقضي بعد وفاته. لكن هل تعتبر الذمة منقضية بالموت فوراً أو باقية بعده إلى حين؟
الرأي أن الذمة تبقى بعد الموت إلى أن توفى الديون وتصفى التركة وجاء في الحديث النبوي الشريف: «إن ذمة الميت مرتهنة بدينه حتى تقضى عنه».
ومعنى ذلك أن الأصل انقضاء الذمة وزوال الأهلية بالموت، لكنهما يعتبران مستمرين بصورة استثنائية في المدة التي يستلزمها سداد الديون وتصفية التركة.
إلياس حداد
Patrimony - Patrimoine
الذمة المالية
الذمة، لغة: بمعنى العهد، وسمي بذلك لأن نقضه يوجب الذم. ومن ذلك ما جاء في الحديث الشريف: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم». أي إذا أعطى أحد المسلمين عهداً للعدو بالأمان سرى ذلك على جميع المسلمين، فليس لهم أن يخفروا عهده. ومن ثم كان أيضاً من يستوطنون في دار الإسلام[ر] من غير المسلمين على عهد معهم بالأمان، يسمون مستأمنين أي أهل العهد والأمان.
أما شرعاً، فقد عرف الفقهاء المسلمون الذمة بأنها أمر شرعي مقدر وجوده في الإنسان يقبل الإلزام والالتزام.
وفي نظر علماء القانون تُعرف الذمة le patrimorine بأنها مجموع ما يخص الشخص من حقوق والتزامات مالية حاضرة ومستقبلية.
عناصر الذمة المالية
تتألف الذمة المالية من عنصرين:
1- عنصر إيجابي: يتضمن الحقوق المالية التي تكون للشخص، سواء أكانت هذه الحقوق حقوقاً عينية كملكية شيء معين، أو حقوقاً شخصية كالديون التي تترتب لصاحبها تجاه الغير.
2- عنصر سلبي: يتضمن الالتزامات المالية التي تترتب على الشخص كالتزامه بمبلغ من المال أو القيام بعمل لمصلحة شخص آخر.
والذمة المالية ليست حاصل الفرق بين عنصري الحقوق والالتزامات وإنما هي عبارة عن مجموعهما معاً. فكأن هذه الحقوق والالتزامات جميعاً تؤلف وحدة قائمة بذاتها أو مجموعة قانونية يطلق عليها الذمة المالية.
كما أن عناصر الذمة المتمثلة بالحقوق والالتزامات قد تتغير باستمرار فهي تزيد وتنقص، وقد تكون خالية ليس فيها حقوق ولا التزامات كذمة الوليد الذي ليس له مال. وهي بذلك ليس معناها الغنى، بل ما يكون للشخص من حقوق والتزامات موجودة أو ممكنة الوجود.
والذمة المالية لا تشمل سوى جانب من الحقوق والالتزامات التي تعود للشخص ألا وهي الحقوق والالتزامات ذات القيمة المالية. أما الحقوق والالتزامات غير المالية كحق الانتخاب أو واجب الابن في طاعة أبيه فهي لا تعد من عناصر الذمة المالية.
خصائص الذمة المالية
ترتبط الذمة المالية بالشخص نفسه ارتباطاً وثيقاً وتعد خاصة من خصائصه، وهي تمثل الجانب المالي والاقتصادي من شخصيته. ومن الترابط بين الذمة المالية والشخصية يمكن استخلاص أهم خصائص الذمة، وهي:
ـ إن الذمة لا تثبت إلا لشخص سواء أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً. وهذا يعني أنه ليس هناك من ذمة مالية بدون شخص تتعلق به وتعود إليه الحقوق والالتزامات التي تحويها. ويتفرع عن ذلك أيضاً أنه لا ذمة للحيوانات والبهائم كما أنه لا أهلية لها.
ـ كما أنه لا بد لكل شخص من أن يتمتع بالذمة المالية، كذلك فإنه لا يمكن انعدام هذه الذمة لدى أحد من الأشخاص. فالذمة من لوازم الشخصية. ثم ولو فُرض جدلاً أن الذمة كانت خالية في فترة من الفترات من الحقوق والالتزامات التي تشغلها، فهي لا تنعدم بانعدام هذه الحقوق والالتزامات لأنها، لا تتعلق، كما أشير إلى ذلك في تعريفها، بالحقوق والالتزامات القائمة وحدها فقط بل تشمل أيضاً الحقوق والالتزامات المقبلة.
ـ إن الذمة لا اشتراك فيها، فلا يكون للذمة الواحدة أكثر من صاحب واحد، لأنه لو تصورنا اشتراك عدة أشخاص في ذمة واحدة لكان كل واحد منهم وحده لا ذمة له، وهذا ممتنع لتلازم الشخصية والذمة.
ـ إن الذمة لا يجوز للشخص التنازل عنها بكاملها ويعيش من دونها، أو عن جزء شائع منها كأن يتخلى عن ثلثها مثلاً ويحتفظ لنفسه بالباقي. لكن يمكن للشخص التنازل عن بعض أعيان أو مفردات ذمته كأن يتنازل عن حق من حقوقه المالية تجاه الغير. ومن هنا يظهر أن الشخص لا يمكن أن يكون له في حياته إلا خلف خاص. فالخلف الخاص هو الذي يتلقى عن سلفه ملكية شيء معين كالمشتري الذي يعتبر خلفاً خاصاً للبائع في ملكية الشيء المبيع. أما بعد وفاة الشخص فيمكن أن يكون له خلف عام وكذلك خلف خاص. ففي الموت، تتحدد الذمة وتنقلب إلى تركة تؤول إلى مستحقيها من الورثة والموصى لهم بجزء شائع من التركة كربعها أو ثلثها مثلاً. وهؤلاء يعدون بمثابة خلف عام للمتوفي. أما الموصى له بأحد أعيان التركة كالسيادة فيعد خلفاً خاصاً للمتوفي لأنه لا يخلفه في ذمته المالية بكاملها أو بجزء شائع منها، وإنما يخلفه في بعض أعيانها ومفرداتها.
ـ إن الشخص الواحد ليس له سوى ذمة واحدة، وهذا ما يطلق عليه مبدأ وحدة الذمة. فقد تتعدد أوجه أنشطة الشخص ويقيم لنفسه مشروعات اقتصادية مختلفة دون أن تتعدد ذمته المالية بحيث يختص كل واحد من مشروعاته بذمة منها، وإنما تكون له ذمة واحدة تتمثل بوعاء تنصب فيه جميع حقوقه والتزاماته المالية أياً كان مصدرها.
ويذهب خلاف ذلك بعض الفقهاء الألمان الذين لا يمانعون بأن يكون للشخص الواحد أكثر من ذمة، بحيث تتعدد الذمم بتعدد المشروعات التي يمتلكها الشخص.
ـ إن الذمة ضمان لكل الديون المترتبة على الشخص، لكن ذلك لا يقتضي منع الشخص المدين من التصرف بأمواله.
فمن جهة أولى، إن الديون والالتزامات التي تترتب على الشخص لا تتعلق بقسم معين من أمواله، بل هي تتعلق بذمته كلها التي تعد ضامنة لوفائها. فالديون متساوية ولا يكون سبق بعضها في الثبوت سبباً لترجيحه، كما أن ما يثبت في ذمة الإنسان من حقوق وديون عليه لا يتقيد وفاؤها بنوع خاص من ماله أو بجزء منه، وهذا هو معنى القاعدة القانونية القائلة: «إن للدائنين حق ضمان عام على أموال المدين». على أنه يستثنى من ذلك بعض الديون التي يقرر لها القانون أفضلية أو امتيازاً في الاستيفاء ببعض الأسباب الموجبة لحق الرهن على العقار مثلاً. فهنا إن لصاحب الحق العيني التبعي الأفضلية في استيفاء دينه من المال الذي يقع عليه الرهن، باعتبار أن دينه، إضافة إلى تعلقه بذمة المدين المالية بصورة عامة، قد تعلق ببعض مفردات أو أعيان هذه الذمة وأصبح مضموناً بها.
ومن جهة ثانية، وحيث فالديون والالتزامات المترتبة على الشخص (باستثناء الديون الموثقة بحقوق عينية كالرهن)، إنما تتعلق بذمته المالية لا بأعيانها ومفرداتها، أي أن ذمة الشخص مستقلة عن أمواله، فإن لهذا الشخص مطلق اليد في التصرف بأمواله بيعاً وهبة وغيرهما ولو كان مديناً بأكثر مما يملك، لأنه إن كانت ذمته مشغولة فأمواله حرة.
لكن إذا كان الشخص المدين حر التصرف بأمواله، فإنه قد يسيء أحياناً هذا التصرف فيؤدي، إما عن تقصير منه أو تواطؤ مع الغير إلى إفقار ذمته وهذا من شأنه أن يؤثر على حقوق دائنيه، لذلك فإن القانون قد حفظ الحق لهؤلاء الدائنين في مثل هذه الحالات باتخاذ بعض التدابير التي تكفل لهم استيفاء حقوقهم مثل تقديم دعوى عدم نفاذ التصرف المنصوص عنها في المادة 238 من القانون المدني السوري.
انقضاء الذمة المالية
إن ذمة الشخص ترافق حياته منذ ولادته وتنقضي بعد وفاته. لكن هل تعتبر الذمة منقضية بالموت فوراً أو باقية بعده إلى حين؟
الرأي أن الذمة تبقى بعد الموت إلى أن توفى الديون وتصفى التركة وجاء في الحديث النبوي الشريف: «إن ذمة الميت مرتهنة بدينه حتى تقضى عنه».
ومعنى ذلك أن الأصل انقضاء الذمة وزوال الأهلية بالموت، لكنهما يعتبران مستمرين بصورة استثنائية في المدة التي يستلزمها سداد الديون وتصفية التركة.
إلياس حداد