الصور الإزاحية ثلاثية الأبعاد…
تحذير: قد يسبب النظر المطول في بعض الصور التالية في هذه المقالة بعض الصداع أو بعض الإحساس بالإعياء في العينين لدى بعض المشاهدين، لذا يُنصح دائما بعدم إطالة النظر لمدة طويلة.
سأحاول في هذه المقالة إعطاء درس صغير فيما يتعلق بالصور (الإزاحية) الثلاثية الأبعاد أو ما يدعى بالانجليزية (Anaglyph). ولكن قبل هذا الدرس علينا التحدث قليلا عن طبيعة هذه الصور ولماذا أخترت أنا شخصيا تعريب هذه الكلمة بهذا الشكل.
في الحقيقة أن الصور الثلاثية الأبعاد لها أنواع وهي قد تشمل الصور الثابتة والصور المتحركة كذلك. موضوعنا هنا يخص الصور الثابتة طبعا ولكن سنتطرق إلى الصور المتحركة على مضض. في كل الأحوال، تعتمد الصور الثلاثية الأبعاد على مبدأ أساسي، وهو خداع العقل. الاختلاف بين نوع وآخر هو نوع «الخدعة» المستخدمة، وكل هذه الخدع تعتمد على إيهام العقل بوجود أبعاد في الصورة الثنائية الأبعاد بشكل أو بآخر. لكن أولا دعونا نتدرج في الطرح لنرى كيف ابتدأ الأمر وكيف انتهى.
أنواع
اختلفت أنواع التجسيم منذ العصور القديمة، فقد حاول الفنانون بطريقة ما الإيحاء بأبعاد الأجسام للناظر. ثم تطور الأمر إلى ما هو عليه الآن مع التطور التقني في شتى مجالات الحياة. ولكن يبقى الرسم إحدى الأمور الأساسية في حياتنا اليومية.
أ. الرسم
كان الرسم أول خطوة في تمثيل الفكر البشري، حتى أن بعض أساليب الكتابة في وقتنا الحالي مستمدة من الرسم في المقام الأول (الصينية واليابانية). على أية حال، اعتاد الفنانون والحرفيون في الأزمنة القديمة على تمثيل الأشياء بسطحية، لعل أبرزها الرسومات المصرية القديمة والتي كانت تمثل الجسد البشري بأبعاده بشكل سطحي بحيث تظهر اليدان والرجلان من دون مراعاة اختلاف المنظور عند التفاف الجسم.
ابتدأ التغير الملموس في هذا الفن عندما ابتدأ فنانو عصر النهضة باستخدام منطق الضوء والظل للإيحاء بأبعاد الجسم – وقد كانت طفرة ملموسة إلى درجة أن بعض هذه الأعمال الفنية بالكاد يمكن التفريق بينها وبين الصور الضوئية. يقوم بعض الفنانين الآن بالقيام بالرسم في الشوارع (بالطباشير) على الأرض أو الحوائط باستخدام المنظور والضوء والظل حتى يهيأ للسائرين في الطريق أنهم بحق فوق جرف أو ما شابه ذلك!
درس التشريح - من روائع الرسام الهولندي رمبراندت. لاحظ كيفية تشكيل الضوء والظل في محاولة إعطاء الرسم العمق المطلوب وتقريبه قدر المستطاع إلى الناظر على أنه ثلاثي الأبعاد. المصدر |
مع بدايات التصوير ظهرت هناك بعض التقنيات الخاصة للمساعدة على النظر إلى الأجسام بطريقة توحي بأبعادها وتكون كأنها بارزة للعين. سميت هذه التقنية بالتصوير المجسم (Stereoscopy)، وهي ببساطة عبارة عن صورتين للموضوع نفسه مع فارق بسيط بين الاثنتين نتيجة التقاط الصورتين بكاميرتين على اليمين واليسار مما يحدث اختلافا بالمنظور وهو ما يسمى بالـ «تزيّح» (وقد تكلمنا عن هذا المبدأ في المقالة السابقة عن المشاهد المستعرضة).
صورة مجسمة تعود لسنة 1901. لاحظ السيدة وهي تنظر كذلك من خلال منظار مخصص للصور المجسمة. المصدر |
منظار هولمز، وهو من المناظير المخصصة للصور المجسمة. المصدر |
استخدمت هذه الطريقة في العلوم كذلك لا سيما في المسح الجيولوجي الجوي للأرض حيث يتم تصوير التضاريس من الجو وعند تحميض الأفلام يتم وضع الصور بجانب بعضها البعض والنظر إليها بمناظير خاصة لهذا الغرض. تساعد هذه الطريقة الباحثين على تعيين الارتفاعات ودراسة التضاريس بشكل أكثر دقة من الخرائط الاعتيادية.
ارتبط اسم الصور المجسمة في مرحلة لاحقة مع التطور التقني بنوع آخر من الصور يسمى بالـ «مجسم بصورة أحادية» (Autostereogram, Single-Image Stereogram, SIS)، وهو نوع من الخداع البصري حيث يتم فيه إخفاء صورة مجسمة بسيطة (تم تكوينها عن طريق برامج التصميم الصوري) بصورة أخرى (غالبا ما تكون على شكل ضوضاء عشوائية)، وللنظر إليها يجب احولال العينين قليلا أو بمساعدة تقنيات أخرى؛ إلا أن هذا النوع من الصور هو للترفيه في الغالب ولا يوجد منه فائدة كبيرة تذكر، ولا يمكن إضفاء التفاصيل عليه، ولا يمت إلى أرض الواقع بصلة. يمكن اعتباره أداة للهو فقط، بالإضافة إلى صعوبة النظر لبعض المشاهدين كذلك.
صورة تجسيدية أحادية، يفترض إنها لحصان واقف على قدميه. لقد نجحت أنا في النظر إليه، فهل يمكنك ذلك؟ يتطلب الأمر احولال العينين قليلا والتمعن في الصورة. المصدر |
صورة تجسيدية اهتزازية لأحد طرق مدينة كورك الايرلندية (1927). المصدر |
تعليق