ڤيرونيز (باولو كالياري المعروف بـ)
(1528-1588)
باولو ڤيرونيز Paolo Veronese رسّام إيطالي، ولد في مدينة ڤيرونا Verona، وتُوفِّي في مدينة البندقية Venise. كان والده يعمل في نحت الحجر، مما أتاح للابن اكتساب خبرة جيدة في تطويع الآجر وفي ابتكار أعمال فنية منذ طفولته المبكرة حين كان تلميذاً على باديليه A.Badile، وقد تركت الأجواء الريفية والمناخات الثقافية لمدينة ڤيرونا أكبر الأثر في تكوينه بما حفلت به من علاقات اجتماعية وقيم فكرية متنوعة.
أفاد من رسوم المنمنمات التي دخلت شماليّ إيطاليا عن طريق جوليو روماند Giulio Romand في تكوين أشكاله بخطوط مبتكرة، كما أفاد من القيم الإيقاعية للأشكال وتكويناتها عن طريق بارميزان Parmesan، أما دراسته للعلاقات اللونيّة في اللوحة فقد اكتسبها من الفنان تتسيانو Tiziano.
أسهمت هذه العناصر في تكوين ڤيرونيز، وجعلت منه فناناً متباين الصفات، متنوع الرؤى؛ مما أدى إلى ترسيخ السمات الأساسية والجزئية في لوحاته الأولى التي تعد نتيجة تلقائية لتكوينه الفني، وميله إلى التكلف والصنعة متقنة الصوغ التي تتمتّع بالصفاء والنقاء نتيجة الحرية الكبيرة التي حظي بها، مما أثرى تجربته اللونية التي تجلّت في لوحة «العذراء والطفل والقديسون والواهبون» المنجزة عام 1548، ولوحتي «الزمن والحقيقة» و«العدالة» الموجودتين في كنيسة كاستيلفرانكو ڤينيتو Castelfranco Veneto، ولوحة «إغواء القديس أنطوان» الموجودة في متحف كان Caen والمنجزة بين عامي 1552-1553.
سافر ڤيرونيز إلى مدينة البندقية عام 1553 حين استدعي لتزيين الأسقف في صالات (مجلس العَشَرة) في قصر الدوق، وقد تمكن من إقامة علاقات جيدة مع كبار أساتذة الفن في مدينة البندقية التي أسس فيها مرسماً خاصاً عام 1557، فحقق بذلك مكانة مرموقة في الفن، وقدّم الصيغة الفنية المبتكرة التي حظيت بإعجاب الفنانين، لاسيما الفنان الكبير تتسيانو[ر].
ومن أبرز الأعمال التي أنجزها في قصر الدوق لوحات: «الشباب والشيخوخة»، و«عقوبة المزيف»، و«انتصار الفضيلة»، و«جوبتير يرمي الرذائل بصواعقه» و«القديس مرقص يتوّج الفضائل» وغيرها من اللوحات المحفوظة في متحف اللوڤر في باريس، وهي لوحات تفصح عن براعته في فنون الزخرفة ونبوغه في الصيغ اللونية المبتكرة، وتمكّنه من الفراغ بوساطة المنظور، واختزالاته الجريئة في استخدام الألوان الفاتحة والمضيئة التي تضفي على الأشكال روعة لما فيها من وضوح وصراحة في التشكيل.
في عام 1555 أسند إلى ڤيرونيز تزيين كنيسة سان سباستيانو S.Sebastiano فأنجز لوحة «تتويج العذراء» حيث برزت موهبته في توزيع الأشكال والشخوص عبر تكوينات مبتكرة بدت أكثر حيوية على السطوح والمساحات الكبيرة، إذ تحيط الحواف الدقيقة بالألوان فائقة الجمال والروعة، وقد أظهر في ذلك الحين اهتماماً كبيراً بفنون الهندسة المعمارية، مما حمله على البحث عن صرح معماري عظيم يحقق مطامحه في التأليف والتنسيق بين الأشكال الحيوية والقيم اللونية.
وفي كنيسة مونتانيانا Montagnana أضحت ألوان لوحاته ينابيع للضياء الذي يغمر ملامح الحياة من خلال الدرجات اللونية النقية والمتباينة؛ مما يبرز رسوخ البنى وعظمة الشخوص المتجسدة في اللوحات التي تجلى فيها الغنى الثقافي والفهم العميق الذي أبداه ڤيرونيز في إقامة توازنات جيدة بين الكتل والفراغ بفضل خياله المتوقد وألوانه المشبعة بالنور والشفافية التي تضفي على اللوحة شاعرية مدهشة.
وفي عام 1562 حقق ڤيرونيز أحد أعظم إنجازات الرسم في مدينة البندقية حين برع في تصوير مجموعة من اللوحات التزيينية لدارة باربارو Barbaro في مازر Maser، إذ تعد هذه اللوحات ذروة إنتاجه التصويري، وخلاصة تجاربه السابقة التي تجاوزها بتفوق كبير، فاللوحات: «بشارة القديس يوحنا المعمدان» و«الاستراحة في رحلة الهروب إلى مصر» مع لوحات دارة باربارو تعد من بين أكثر أعمال ڤيرونيز شاعرية وروعة.
وفي عام 1571 رسم ڤيرونيز لعائلة كوتشينا Cuccina لوحة «تقديم عائلة كوتشينا إلى العذراء» و«الصعود إلى الجلجلة» و«عبادة ملوك المجوس» و«الزواج في قانا» و«العشاء الأخير» المحفوظة في أكاديمية البندقية.
وبين عامي 1575-1577 أسند إلى ڤيرونيز تزيين سقف صالة الاستقبال في قصر الدوق في البندقية بلوحات رمزية للبندقية وللقيم الفاضلة، كما رسم عام 1583 على سقف مجلس المستشارين في قصر الدوق لوحة «انتصار البندقية»؛ وهي لوحة ضخمة تتجلى في تكوينات متنوعة وغنية، وهي آخر أثر عظيم لڤيرونيز، حيث بدت فيه رغبة جديدة في تصوير الطبيعة وتأكيد إظهار المشاعر العاطفية للشخوص من خلال معالجة مرهفة.
ومن المفيد هنا الإشارة إلى نشاط ڤيرونيز في رسم الصور الشخصية في لوحات كثيرة، منها «شاب مع كلب» و«النحات» و«الجميلة» و«صورة امرأة»؛ وقد تميزت بملامح إنسانية حيوية دافئة وتعابير صادقة.
ترك ڤيرونيز إرثاً فنياً رائعاً بعد رحيله أفاد منه كثير من الفنانين العظام، أمثال: روبنز Rubens وڤيلاسكيز Vélasquez وتيبولو Tiepolo الذين وجدوا في لوحاته مصدراً كبيراً للإلهام بفضل التنوع الغني الذي لا ينضب لأعمال هذا الفنان العبقري الموزعة لوحاته في المتاحف الكبرى في العالم ولدى هواة جمع اللوحات وكثير من صالات العرض الشهيرة.
طاهر البني
(1528-1588)
باولو ڤيرونيز Paolo Veronese رسّام إيطالي، ولد في مدينة ڤيرونا Verona، وتُوفِّي في مدينة البندقية Venise. كان والده يعمل في نحت الحجر، مما أتاح للابن اكتساب خبرة جيدة في تطويع الآجر وفي ابتكار أعمال فنية منذ طفولته المبكرة حين كان تلميذاً على باديليه A.Badile، وقد تركت الأجواء الريفية والمناخات الثقافية لمدينة ڤيرونا أكبر الأثر في تكوينه بما حفلت به من علاقات اجتماعية وقيم فكرية متنوعة.
أفاد من رسوم المنمنمات التي دخلت شماليّ إيطاليا عن طريق جوليو روماند Giulio Romand في تكوين أشكاله بخطوط مبتكرة، كما أفاد من القيم الإيقاعية للأشكال وتكويناتها عن طريق بارميزان Parmesan، أما دراسته للعلاقات اللونيّة في اللوحة فقد اكتسبها من الفنان تتسيانو Tiziano.
أسهمت هذه العناصر في تكوين ڤيرونيز، وجعلت منه فناناً متباين الصفات، متنوع الرؤى؛ مما أدى إلى ترسيخ السمات الأساسية والجزئية في لوحاته الأولى التي تعد نتيجة تلقائية لتكوينه الفني، وميله إلى التكلف والصنعة متقنة الصوغ التي تتمتّع بالصفاء والنقاء نتيجة الحرية الكبيرة التي حظي بها، مما أثرى تجربته اللونية التي تجلّت في لوحة «العذراء والطفل والقديسون والواهبون» المنجزة عام 1548، ولوحتي «الزمن والحقيقة» و«العدالة» الموجودتين في كنيسة كاستيلفرانكو ڤينيتو Castelfranco Veneto، ولوحة «إغواء القديس أنطوان» الموجودة في متحف كان Caen والمنجزة بين عامي 1552-1553.
سافر ڤيرونيز إلى مدينة البندقية عام 1553 حين استدعي لتزيين الأسقف في صالات (مجلس العَشَرة) في قصر الدوق، وقد تمكن من إقامة علاقات جيدة مع كبار أساتذة الفن في مدينة البندقية التي أسس فيها مرسماً خاصاً عام 1557، فحقق بذلك مكانة مرموقة في الفن، وقدّم الصيغة الفنية المبتكرة التي حظيت بإعجاب الفنانين، لاسيما الفنان الكبير تتسيانو[ر].
ومن أبرز الأعمال التي أنجزها في قصر الدوق لوحات: «الشباب والشيخوخة»، و«عقوبة المزيف»، و«انتصار الفضيلة»، و«جوبتير يرمي الرذائل بصواعقه» و«القديس مرقص يتوّج الفضائل» وغيرها من اللوحات المحفوظة في متحف اللوڤر في باريس، وهي لوحات تفصح عن براعته في فنون الزخرفة ونبوغه في الصيغ اللونية المبتكرة، وتمكّنه من الفراغ بوساطة المنظور، واختزالاته الجريئة في استخدام الألوان الفاتحة والمضيئة التي تضفي على الأشكال روعة لما فيها من وضوح وصراحة في التشكيل.
ڤيرونيز: «عرس قانا الجليل» (1563) |
وفي كنيسة مونتانيانا Montagnana أضحت ألوان لوحاته ينابيع للضياء الذي يغمر ملامح الحياة من خلال الدرجات اللونية النقية والمتباينة؛ مما يبرز رسوخ البنى وعظمة الشخوص المتجسدة في اللوحات التي تجلى فيها الغنى الثقافي والفهم العميق الذي أبداه ڤيرونيز في إقامة توازنات جيدة بين الكتل والفراغ بفضل خياله المتوقد وألوانه المشبعة بالنور والشفافية التي تضفي على اللوحة شاعرية مدهشة.
وفي عام 1562 حقق ڤيرونيز أحد أعظم إنجازات الرسم في مدينة البندقية حين برع في تصوير مجموعة من اللوحات التزيينية لدارة باربارو Barbaro في مازر Maser، إذ تعد هذه اللوحات ذروة إنتاجه التصويري، وخلاصة تجاربه السابقة التي تجاوزها بتفوق كبير، فاللوحات: «بشارة القديس يوحنا المعمدان» و«الاستراحة في رحلة الهروب إلى مصر» مع لوحات دارة باربارو تعد من بين أكثر أعمال ڤيرونيز شاعرية وروعة.
وفي عام 1571 رسم ڤيرونيز لعائلة كوتشينا Cuccina لوحة «تقديم عائلة كوتشينا إلى العذراء» و«الصعود إلى الجلجلة» و«عبادة ملوك المجوس» و«الزواج في قانا» و«العشاء الأخير» المحفوظة في أكاديمية البندقية.
ڤيرونيز: «معركة ليبانتو» (1572) |
ومن المفيد هنا الإشارة إلى نشاط ڤيرونيز في رسم الصور الشخصية في لوحات كثيرة، منها «شاب مع كلب» و«النحات» و«الجميلة» و«صورة امرأة»؛ وقد تميزت بملامح إنسانية حيوية دافئة وتعابير صادقة.
ترك ڤيرونيز إرثاً فنياً رائعاً بعد رحيله أفاد منه كثير من الفنانين العظام، أمثال: روبنز Rubens وڤيلاسكيز Vélasquez وتيبولو Tiepolo الذين وجدوا في لوحاته مصدراً كبيراً للإلهام بفضل التنوع الغني الذي لا ينضب لأعمال هذا الفنان العبقري الموزعة لوحاته في المتاحف الكبرى في العالم ولدى هواة جمع اللوحات وكثير من صالات العرض الشهيرة.
طاهر البني