وهذه الاسماء التي سمى بها لوحاته ، غير مؤذية ، الا أنها تعني اعمالا مثيرة .
ففي هذه اللوحات يشوه بيكاسو الكائن البشري أكثر مما شوهه في لوحته ( غرنيكا ) وفيها ليس الموضوع التعبير عن رعب موقت بعثه مربع ، بل الموضوع اظهار الهلع والقسوة والحماقة المخجلة ، في طبيعة الانسان فاذا حدث حادث تاريخي ، أظهرها ، ولذلك نرى هذه اللوحات تزخر بوجوه أشبه بالخطم ، وبمناظر جانبية للوجوه كأسنان المناشير ، وبرؤوس مرئية من زوايا مختلفة بحيث جاءت تعابيرها متناقضة. فنرى الذعر مجاوراً للقسوة ، ونرى الخوف مجاوراً للسادية . ونرى الوقاحة متجاورة مع الخور البكاء . وقد مرت فترة قصيرة من الزمن وجد فيها بعض الناس أن في هذه التشويهات المخيفة مبالغة وتهويلا . فلما علم الناس جميعا ماتعرض له الكائن البشري في
المعسكرات الهتلرية ، من تشويه للخلق وللخلق ، أصبح من الواضح أن ماصوره بيكاسو من تشويه كان معبراً عن حقيقة مربعة لايصدقها العقل .
الا أن هذه اللوحات التي صورها بيكاسو بعد التحرير نابعة عن . فلقد أقام في بلدة أنتيب منذ عام ١٩٤٦ ومعه رفيقة جديدة ، فنفذ هنالك لوحات خصصها للطبيعة وقد أسمى أحداها ( فرحة العيش ). ويبدو فيها رب القطعان ( فون ) و سنتور الانسان الحصان يعزفان على الناي وعلى أنغامه يرقص فونان صغيران الى جانب أمرأة شابة . . . وفي السنوات التالية غالبا ماصور في لوحاته ولديه اللذين رزق بهما ، وأمهما . وليس بيكاسو ليخفي حبه ولا نظراته الحنونة ولا السرور التي يحسها وهو يتأمل ولديه .
وبكل حال نرى في النهاية أن بيكاسو لا يتخذ من الطبيعة نموذجاً، فالطبيعة بالنسبة اليه ضرب من الفرضية ، ومن الاقتراح . أما دوره فهو أن يفسرها وينوعها ويخلقها من جديد وكأننا ببيكاسو يقول لنفسه : ... وماذا لو كانت الأشياء التي نراها غير ماهي عليه؟ ماذا لو رتبتها على وجه آخر ؟ هل تصبح عندئذ أقل معنى ؟ أم أنها تصبح أ أكثر تأثيرا ؟ ولاشيء يغريه أكثر من تحولات من هذا القبيل وأنه ليستطيع بذلك أكثر من غيره أن يثبت امكاناته الهائلة . وهمه الجوهري أن يبرز هذه الامكانات وأن يثبت أنه ليس ثمة باب يحرم عليه ولوجه ، ولاشيء يحرم عليه لمسه . وعلى كل حال ، فانا مدعوون لمشاهدة كل ما ينتجه ، سواء أكان ذلك تحفة رائعة أم لوحة عادية ، أو لوحة بخطوط قليلة أم عملا مما يلقي به المصور .
ولقد قال فلامنك يوما ... أردت أن يعرفني الناس على ما أنا عليه ، كاملا ، بما في من حسنات ومساوىء » . وليس في الناس رجل أحق من بيكاسو بأن يردد هذا القول . فما يهمه مطلقاً أن يستهدف المناوئيه الذين يحملقون في اهمالاته ومبالغاته . . . اذ نفذ عددا كافيا من اللوحات القوية البارعة ، بحيث يستطيع أن يدافع عن نفسه ، وأن يبرر أعماله . واذا كان حريصاً على أن يعيد تكوين الأشياء وفقا لمشاعره ، فهو يفعل ذلك أيضاً وفق مزاجه ونزواته بيد أن هذه النزوات ربما قادته الى اكتشافات والى لوحات مقنعة .
ويحدث أحياناً أن تكون مواضيع تغيير انه وتحويلاته منصبة لا على الطبيعة بل على لوحة صورها فنان آخر. وفي ١٩٥٠ أثارت أحدى لوحات كوربيه ( Courbet ) بعنوان آنسات على ضفاف السين رغبته في أن يقوم بتجربة جديدة . وبعد مدة اللوحات انطلاقا من لوحة « نساء الجزائر » للفنان دلاكروا ، ولوحة «الوصيفات للفنان فيلا سكز أو لوحة مانيه المسماة « الغذاء على العشب » وهو لا يعامل هذه الروائع الفنية بدراية تختلف عن معاملته للمواضيع التي يستقيها من الحياة، فيحولها الى ( لوحات بيكاسوية ) من جميع الوجوه . . بل انه لا يحجم عن تحويرها الى حد أنه لا يمكن التعرف عليها . ولكن هل يتوصل الى أن ينتج الوحات مساوية لتلك التي يستوحي منها .
لابد من الاعتراف أنه لا يتوصل الى ذلك دائماً ، وعلى كل حال فهو لا يضع نصب عينيه أن يصل الى الكمال في عمل وحيد وأن مجموع نسخه المختلفة أكثر جذباً للنفس من نسخة فريدة .
والسبب في هذا المسلك أن بيكاسو ، وعلى الأخص منذ الحرب ، يبرز للمشاهدين فكرة لوحة أكثر مما يبرز لهم لوحة مكتملة الصنع وأعني بذلك أنه يدلنا متعجلا على أن حلا ما ممكن . ولكنه لا يتريث لوضع هذا الحل في شكله الكامل ، ولذلك لا يستطيع أحد أن ينكر أن في عمله المصور بعض الهمج ، وقد يحدث أن يكون في الرسوم البسيطة التي أبدعها قوة وعصبية أكثر مما في اللوحات في العادة تهيئة للوحات ، فقد نجد بعضها أكثر اكتمالا . وهذا ما نشاهده في اللوحة (غذاء فوق العشب وليس فيها فحسب، بل في لوحة الحرب والسلم أيضاً وهذه وتلك هما تأليفان كبيران نفذهما بيكاسو عام ١٩٥٢ لأجل كنيسة مهجورة في مدينة فاللوريس. وفي هذه اللوحات نرى الخط تارة رخوا وتارة حازما وقلما نجد فيه القوة والبلاغة اللتين نجدهما في رسومها التحضيرية العديدة فان الاسلوب المختصر والمرتبك عمداً الذي قد يغض النظر عنه اذا كانا في لوحة متوسطة الأبعاد ، فانهما يزعجان حتما اذا جاءا في لوحات جدارية ، لأن كبر أن تكون في منأى عن كل تسرع في الرسم . لذلك ، على الرغم من الدور الذي تلعبه الألوان في هذه اللوحات الكبيرة ، لانجد فيها مانجد في لوحة غرنيكا من قوة التعبير والتأثير . وهذا تماما هو شأن لوحة سقوط ايكار الموجودة في مقر اليونيسكو في باريس . وجماع القول ؛ أنه ليس من النادر أن نجد أن ناحية الابتكار تتغلب على ناحية التنفيذ . ولسنا نعني أن هذه أقل شأنا وقيمة من الأولى ، وانما نعني أن الفنان ها أهمية أقل. فهو يعتقد ان الاكتشاف أهم من
ففي هذه اللوحات يشوه بيكاسو الكائن البشري أكثر مما شوهه في لوحته ( غرنيكا ) وفيها ليس الموضوع التعبير عن رعب موقت بعثه مربع ، بل الموضوع اظهار الهلع والقسوة والحماقة المخجلة ، في طبيعة الانسان فاذا حدث حادث تاريخي ، أظهرها ، ولذلك نرى هذه اللوحات تزخر بوجوه أشبه بالخطم ، وبمناظر جانبية للوجوه كأسنان المناشير ، وبرؤوس مرئية من زوايا مختلفة بحيث جاءت تعابيرها متناقضة. فنرى الذعر مجاوراً للقسوة ، ونرى الخوف مجاوراً للسادية . ونرى الوقاحة متجاورة مع الخور البكاء . وقد مرت فترة قصيرة من الزمن وجد فيها بعض الناس أن في هذه التشويهات المخيفة مبالغة وتهويلا . فلما علم الناس جميعا ماتعرض له الكائن البشري في
المعسكرات الهتلرية ، من تشويه للخلق وللخلق ، أصبح من الواضح أن ماصوره بيكاسو من تشويه كان معبراً عن حقيقة مربعة لايصدقها العقل .
الا أن هذه اللوحات التي صورها بيكاسو بعد التحرير نابعة عن . فلقد أقام في بلدة أنتيب منذ عام ١٩٤٦ ومعه رفيقة جديدة ، فنفذ هنالك لوحات خصصها للطبيعة وقد أسمى أحداها ( فرحة العيش ). ويبدو فيها رب القطعان ( فون ) و سنتور الانسان الحصان يعزفان على الناي وعلى أنغامه يرقص فونان صغيران الى جانب أمرأة شابة . . . وفي السنوات التالية غالبا ماصور في لوحاته ولديه اللذين رزق بهما ، وأمهما . وليس بيكاسو ليخفي حبه ولا نظراته الحنونة ولا السرور التي يحسها وهو يتأمل ولديه .
وبكل حال نرى في النهاية أن بيكاسو لا يتخذ من الطبيعة نموذجاً، فالطبيعة بالنسبة اليه ضرب من الفرضية ، ومن الاقتراح . أما دوره فهو أن يفسرها وينوعها ويخلقها من جديد وكأننا ببيكاسو يقول لنفسه : ... وماذا لو كانت الأشياء التي نراها غير ماهي عليه؟ ماذا لو رتبتها على وجه آخر ؟ هل تصبح عندئذ أقل معنى ؟ أم أنها تصبح أ أكثر تأثيرا ؟ ولاشيء يغريه أكثر من تحولات من هذا القبيل وأنه ليستطيع بذلك أكثر من غيره أن يثبت امكاناته الهائلة . وهمه الجوهري أن يبرز هذه الامكانات وأن يثبت أنه ليس ثمة باب يحرم عليه ولوجه ، ولاشيء يحرم عليه لمسه . وعلى كل حال ، فانا مدعوون لمشاهدة كل ما ينتجه ، سواء أكان ذلك تحفة رائعة أم لوحة عادية ، أو لوحة بخطوط قليلة أم عملا مما يلقي به المصور .
ولقد قال فلامنك يوما ... أردت أن يعرفني الناس على ما أنا عليه ، كاملا ، بما في من حسنات ومساوىء » . وليس في الناس رجل أحق من بيكاسو بأن يردد هذا القول . فما يهمه مطلقاً أن يستهدف المناوئيه الذين يحملقون في اهمالاته ومبالغاته . . . اذ نفذ عددا كافيا من اللوحات القوية البارعة ، بحيث يستطيع أن يدافع عن نفسه ، وأن يبرر أعماله . واذا كان حريصاً على أن يعيد تكوين الأشياء وفقا لمشاعره ، فهو يفعل ذلك أيضاً وفق مزاجه ونزواته بيد أن هذه النزوات ربما قادته الى اكتشافات والى لوحات مقنعة .
ويحدث أحياناً أن تكون مواضيع تغيير انه وتحويلاته منصبة لا على الطبيعة بل على لوحة صورها فنان آخر. وفي ١٩٥٠ أثارت أحدى لوحات كوربيه ( Courbet ) بعنوان آنسات على ضفاف السين رغبته في أن يقوم بتجربة جديدة . وبعد مدة اللوحات انطلاقا من لوحة « نساء الجزائر » للفنان دلاكروا ، ولوحة «الوصيفات للفنان فيلا سكز أو لوحة مانيه المسماة « الغذاء على العشب » وهو لا يعامل هذه الروائع الفنية بدراية تختلف عن معاملته للمواضيع التي يستقيها من الحياة، فيحولها الى ( لوحات بيكاسوية ) من جميع الوجوه . . بل انه لا يحجم عن تحويرها الى حد أنه لا يمكن التعرف عليها . ولكن هل يتوصل الى أن ينتج الوحات مساوية لتلك التي يستوحي منها .
لابد من الاعتراف أنه لا يتوصل الى ذلك دائماً ، وعلى كل حال فهو لا يضع نصب عينيه أن يصل الى الكمال في عمل وحيد وأن مجموع نسخه المختلفة أكثر جذباً للنفس من نسخة فريدة .
والسبب في هذا المسلك أن بيكاسو ، وعلى الأخص منذ الحرب ، يبرز للمشاهدين فكرة لوحة أكثر مما يبرز لهم لوحة مكتملة الصنع وأعني بذلك أنه يدلنا متعجلا على أن حلا ما ممكن . ولكنه لا يتريث لوضع هذا الحل في شكله الكامل ، ولذلك لا يستطيع أحد أن ينكر أن في عمله المصور بعض الهمج ، وقد يحدث أن يكون في الرسوم البسيطة التي أبدعها قوة وعصبية أكثر مما في اللوحات في العادة تهيئة للوحات ، فقد نجد بعضها أكثر اكتمالا . وهذا ما نشاهده في اللوحة (غذاء فوق العشب وليس فيها فحسب، بل في لوحة الحرب والسلم أيضاً وهذه وتلك هما تأليفان كبيران نفذهما بيكاسو عام ١٩٥٢ لأجل كنيسة مهجورة في مدينة فاللوريس. وفي هذه اللوحات نرى الخط تارة رخوا وتارة حازما وقلما نجد فيه القوة والبلاغة اللتين نجدهما في رسومها التحضيرية العديدة فان الاسلوب المختصر والمرتبك عمداً الذي قد يغض النظر عنه اذا كانا في لوحة متوسطة الأبعاد ، فانهما يزعجان حتما اذا جاءا في لوحات جدارية ، لأن كبر أن تكون في منأى عن كل تسرع في الرسم . لذلك ، على الرغم من الدور الذي تلعبه الألوان في هذه اللوحات الكبيرة ، لانجد فيها مانجد في لوحة غرنيكا من قوة التعبير والتأثير . وهذا تماما هو شأن لوحة سقوط ايكار الموجودة في مقر اليونيسكو في باريس . وجماع القول ؛ أنه ليس من النادر أن نجد أن ناحية الابتكار تتغلب على ناحية التنفيذ . ولسنا نعني أن هذه أقل شأنا وقيمة من الأولى ، وانما نعني أن الفنان ها أهمية أقل. فهو يعتقد ان الاكتشاف أهم من
تعليق