آثار حرب ١٩٣٩ – ١٩٤٥
إذا كانت الحرب العالمية الأولى لم تنعكس في الفن إلا قليلاً ، بصورة مباشرة على الأقل - فإن الحرب العالمية الثانية كان لها فعل واضح على صعيد المواضيع والجو الفني والتعبير . وان ثمة عدداً الفنانين ، كما قلنا آنفاً ، تأثروا تأثراً واضحاً بالأحداث ، منذ منتصف الثلاثينات، وأن عدداً آخر من الفنانين ، قد أثارت عواطفهم هزيمة فرنسا، واحتلال ألمانيا لها ، والفظائع التي ارتكبتها الهتلرية ، وقد عبروا عن هذا التأثر البالغ اما بإيثار الموضوعات المأساوية المرتبطة بأحداث الساعة ( كما فعل شاغال وماكس ارنست ) وأما باتباعهم طريقة خشنة في معالجة مواضيع ليس فيها ، بحد ذاتها ، شي من المأساوية ( كما فعل بيكاسو )
بيد أن آثار الحرب بدت شديدة وهامة جداً في مجال التعبير . فيما أن النازيين يجاهرون علناً باحتقارهم للفن الحديث ، أصبح هذا الفن ، بصورة آلية ، شاهدا على الاستقلال ووسيلة لابراز المعارضة للاحتلال ، إن لم نقل أنه أصبح سلاحاً حقيقياً . ولذلك نرى أن الأعمال الجريئة ، وروح المغامرة التي كانت حوالي ۱۹۳٥ أموراً قلما يستسيغها الناس ، أصبحت الآن تلاقي تشجيعاً أكثر ، من قبل صالات جديدة للعرض الفني ومن قبل قسم أكبر من الجمهور. وفي ١٠ أيار ١٩٤١ ، أي بعد سنة تماماً من اقتحام الجيوش الهتلرية فرنسا مندفعة صوب الغرب ، جرى في باريز تنظيم معرض للمصورين الشبان ذوي التقاليد الفرنسية » وقد عرضت فيه ، الى جانب لوحات لا يظهر فيها كثيراً أثر التجديد ، مجموعة لوحات أخرى تبين فيها رسوخ قدم طليعة جديدة . وفي السنوات التالية عززت هذه الطليعة مراكزها. وعندما تم تحرير فرنسا ، كان جلياً وواضحاً أن التصوير العصري قد استعاد حيويته واندفاعه في مراسم الفنانين الشبان من أمثال بازين Bazaine واستيف Esteve و ( جيشا Gischia » و « لا بيك Lapique و ) لوموال Le Moal » بینیون Pignon و « سانجييه مانیسییه Manessier و تال کوت Tal Coat » وغيرهم . Magnelli و Hartung Schneider » و « ستال « Staël Poliakof و بفضل ظهور مانييللي ولز Wols » و « هار تونغ » و «شنیدر و الانسکوی Lanskoy و «بولياكوف ، انبعت الفن التجريدي ايضاً ، حتى غدا حوالي عام ١٩٥٠ تياراً فنياً لايزال متعاظماً في المدى والاهمية طوال خمسة عشر عاما . أما المصورون الكبار الذين يتكنى الفنانون الشبان بهم ، والذين هاجر بعضهم الى الولايات المتحدة هربا من النازيين، فقد ظلوا يتابعون بحوثهم الفنية . الا أن أعمال بعضهم انتهت قبل انتهاء الحرب . فانطوى كلي في ١٩٤٠ . ومات ديلوني وماركوسيس عام ١٩٤١ . و كاندنسكي و مندريان في سنة ١٩٤٤ . أما بيكاسو فما زال يعمل ومثله فيللون وليجيه وماتيس .
تطور المصورين الكبار :
ولعل بونار لم يعد يأتي بمكتشف جديد غير متوقع . بيد أنه ظل يتحف انتاجه بلوحات رائعة. وكلما ازداد تقدما في السن ازداد فنه شبابا ، وازدادت الشاعرية فيه قوة جارفة. فما أشهى ما يصوره من ثمار الدراق والعنب ! وبأية جرأة مختبئة دوماً وراء مظاهر اللامبالاة يكون اللوحات التي تتأرجح فيها الألوان في توازن غير مستقر . وان بعض المناظر الطبيعية التي يصورها في منطقة البروفانس قد تبلغ حدود التجريد . فالأشياء تتحول هيئاتها ، وتبدو وكأنها غائصة في عدد كبير أضواء الشمس ، فتظهر أكثر روعة في السحر من ذي قبل . واذا كان بونار لم يعكس في لوحاته جو الحرب ، فذلك أمر طبيعي فهو رجل يجد في الناس ، مهما كان تصرفهم ، نواحي يستطيع أن ينظر اليها نظرات الود والصداقة .
وكذلك ظل ماتيس ودوني مصورين للسعادة . واذا كان ماتيس ماضيا في تنويع تعبيراته عن المواضيع التي يؤثرها مثل صورة لنساء في منازلهن ، أو صور الطبيعة الصامتة ، الى أن يجعل فنه أكثر بساطة ، والى أن يركز تأثيرات هذا الفن. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بمدة قليلة ، أقعده المرض عن مزاولة التصوير على المسند ، فلجأ الى تقنية جديدة تمكنه من التعبير عن فنه فيلون بالغواش صفائح من الورق، ثم يعمد الى المقص فيقتطع في الورق أشكالا يلصقها على حامل خاص، واذن ، لم يعد ثمة أي تضاد بين الرسم و واللون ، ولم يعد بين مختلف الألوان ، علما بأن هذه الألوان ظلت محتفظة بنقائها التام ، ذاك راحت تتجابه بصراحة مطلقة وهكذا كان تصوير ماتيس ومع عند ذلك مميزا ببهاء وألق ، أشد من كل وقت مضى . وأكثر حرية من كل وقت مضى أيضاً . وان للعديد من أوراقه المقصوصة أبعاداً كبيرة جدا وبعضها تكون نماذج لزجاجيات أو قطع خزفية وبعضها الآخر يصلح أن يكون زخرفة رائعة لجدران المباني الواسعة الحديثة . فهي تتسم بطابع الأبهة ، وأنها اذا ما استعملت في هندسة البناء ، لتغدق عليها الفرح ، والعبث ولذة يستطيبها الناظر .
والذي نراه جديدا في اللوحات الأخيرة لدوفي هو أنه قلل عدد الألوان المستعملة فيها ، الاحتفاظ بسرعة اليد في الرسم . وقد يحدث مع أن تكون اللوحة كلها تقريباً مرسومة بلون برتقالي ، يقابله لون رمادي وآخر أزرق شاحب. وفي بعض اللوحات يسيطر اللون الأزرق أو الأحمر . ومع هذا ، فليس من السائغ أن نقول أن دوني قد أصبح مقلا في اللون حتى تكاد لوحاته تعرى منه لأن رنة اللون قد ازدادت وله لوحات يحتل فيها الأسود مكانا ممتازا علماً بأن الأسود يلعب أيضاً دوره في لوحات ماتيس . الا أن هذا الأسود يخلو تماما والمأساة . وانه لبعيد كل البعد عن أن يأتي نقيضاً للضوء واللون . بل نفسه أسود مضيء ، ويجري حوارا جميلا مع اللون الوردي أو الأصفر أو الأخضر .
وكما أن دوفي ظل مستمراً في أن ينقل الى الناس الاحساس بالفرح فان روو ظل مستمراً في تصوير الشعور الديني الحار والحبور فلما تقدم به العمر ، هدأت ثائرته ، وصار فناه أقل دراماتيكية . وفي عام ١٩٤٩ ، صور لوحة تمثل رجلا مشنوقا تحت سماء مفعمة بطابع الكارثة الانسان ذئب وكان عندما صور ذلك يفكر بالحرب وأهوالها .... ومع ذلك نرى أن بعض الهدوء قد استقر في هذه النفس التي طالما لعبت بها العواصف من بل . ولم تعد الصبايا اللواتي يصور من بعيدات تماماً عن الفتنة . وقد بدا وجه المسيح في لوحاته أقل أسى وألما مما كان في اللوحات السابقة . أما مهرجو السيرك فقد قل فيهم مظهر المنبوذين . أما فيما يتعلق بالاسلوب فان تکن خطوطه قد ازدادت اتساعا فان ملونته احتفظت بنشوتها العارمة .
أما بيكاسو فلم يبد عليه أنه هدأ ولو قليلا ، بل على العكس من ذلك نجد أن العدوانية في فنه تشتد في السنوات بين ١٩٣٩ و ١٩٤٥ بنفس الوقت الذي يشتد فيه استنكاره أنه لم ينفذ مرة أخرى ما يشبه لوحته غرنيكا » في هذه الفترة. وانما صور بعد الحرب لوحة من هذا القبيل أسماها « كومة العظام » أما في هذه الفترة فاللوحات التي صورها هي امرأة جالسة » و ( أمرأة تعتمر قبعة ) و جسم . عار مضطجع على المرأة الموسيقية و صبي صغير مع السرطان البحري » و « طبيعة صامتة مع جمجمة ثور » الخ.
إذا كانت الحرب العالمية الأولى لم تنعكس في الفن إلا قليلاً ، بصورة مباشرة على الأقل - فإن الحرب العالمية الثانية كان لها فعل واضح على صعيد المواضيع والجو الفني والتعبير . وان ثمة عدداً الفنانين ، كما قلنا آنفاً ، تأثروا تأثراً واضحاً بالأحداث ، منذ منتصف الثلاثينات، وأن عدداً آخر من الفنانين ، قد أثارت عواطفهم هزيمة فرنسا، واحتلال ألمانيا لها ، والفظائع التي ارتكبتها الهتلرية ، وقد عبروا عن هذا التأثر البالغ اما بإيثار الموضوعات المأساوية المرتبطة بأحداث الساعة ( كما فعل شاغال وماكس ارنست ) وأما باتباعهم طريقة خشنة في معالجة مواضيع ليس فيها ، بحد ذاتها ، شي من المأساوية ( كما فعل بيكاسو )
بيد أن آثار الحرب بدت شديدة وهامة جداً في مجال التعبير . فيما أن النازيين يجاهرون علناً باحتقارهم للفن الحديث ، أصبح هذا الفن ، بصورة آلية ، شاهدا على الاستقلال ووسيلة لابراز المعارضة للاحتلال ، إن لم نقل أنه أصبح سلاحاً حقيقياً . ولذلك نرى أن الأعمال الجريئة ، وروح المغامرة التي كانت حوالي ۱۹۳٥ أموراً قلما يستسيغها الناس ، أصبحت الآن تلاقي تشجيعاً أكثر ، من قبل صالات جديدة للعرض الفني ومن قبل قسم أكبر من الجمهور. وفي ١٠ أيار ١٩٤١ ، أي بعد سنة تماماً من اقتحام الجيوش الهتلرية فرنسا مندفعة صوب الغرب ، جرى في باريز تنظيم معرض للمصورين الشبان ذوي التقاليد الفرنسية » وقد عرضت فيه ، الى جانب لوحات لا يظهر فيها كثيراً أثر التجديد ، مجموعة لوحات أخرى تبين فيها رسوخ قدم طليعة جديدة . وفي السنوات التالية عززت هذه الطليعة مراكزها. وعندما تم تحرير فرنسا ، كان جلياً وواضحاً أن التصوير العصري قد استعاد حيويته واندفاعه في مراسم الفنانين الشبان من أمثال بازين Bazaine واستيف Esteve و ( جيشا Gischia » و « لا بيك Lapique و ) لوموال Le Moal » بینیون Pignon و « سانجييه مانیسییه Manessier و تال کوت Tal Coat » وغيرهم . Magnelli و Hartung Schneider » و « ستال « Staël Poliakof و بفضل ظهور مانييللي ولز Wols » و « هار تونغ » و «شنیدر و الانسکوی Lanskoy و «بولياكوف ، انبعت الفن التجريدي ايضاً ، حتى غدا حوالي عام ١٩٥٠ تياراً فنياً لايزال متعاظماً في المدى والاهمية طوال خمسة عشر عاما . أما المصورون الكبار الذين يتكنى الفنانون الشبان بهم ، والذين هاجر بعضهم الى الولايات المتحدة هربا من النازيين، فقد ظلوا يتابعون بحوثهم الفنية . الا أن أعمال بعضهم انتهت قبل انتهاء الحرب . فانطوى كلي في ١٩٤٠ . ومات ديلوني وماركوسيس عام ١٩٤١ . و كاندنسكي و مندريان في سنة ١٩٤٤ . أما بيكاسو فما زال يعمل ومثله فيللون وليجيه وماتيس .
تطور المصورين الكبار :
ولعل بونار لم يعد يأتي بمكتشف جديد غير متوقع . بيد أنه ظل يتحف انتاجه بلوحات رائعة. وكلما ازداد تقدما في السن ازداد فنه شبابا ، وازدادت الشاعرية فيه قوة جارفة. فما أشهى ما يصوره من ثمار الدراق والعنب ! وبأية جرأة مختبئة دوماً وراء مظاهر اللامبالاة يكون اللوحات التي تتأرجح فيها الألوان في توازن غير مستقر . وان بعض المناظر الطبيعية التي يصورها في منطقة البروفانس قد تبلغ حدود التجريد . فالأشياء تتحول هيئاتها ، وتبدو وكأنها غائصة في عدد كبير أضواء الشمس ، فتظهر أكثر روعة في السحر من ذي قبل . واذا كان بونار لم يعكس في لوحاته جو الحرب ، فذلك أمر طبيعي فهو رجل يجد في الناس ، مهما كان تصرفهم ، نواحي يستطيع أن ينظر اليها نظرات الود والصداقة .
وكذلك ظل ماتيس ودوني مصورين للسعادة . واذا كان ماتيس ماضيا في تنويع تعبيراته عن المواضيع التي يؤثرها مثل صورة لنساء في منازلهن ، أو صور الطبيعة الصامتة ، الى أن يجعل فنه أكثر بساطة ، والى أن يركز تأثيرات هذا الفن. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بمدة قليلة ، أقعده المرض عن مزاولة التصوير على المسند ، فلجأ الى تقنية جديدة تمكنه من التعبير عن فنه فيلون بالغواش صفائح من الورق، ثم يعمد الى المقص فيقتطع في الورق أشكالا يلصقها على حامل خاص، واذن ، لم يعد ثمة أي تضاد بين الرسم و واللون ، ولم يعد بين مختلف الألوان ، علما بأن هذه الألوان ظلت محتفظة بنقائها التام ، ذاك راحت تتجابه بصراحة مطلقة وهكذا كان تصوير ماتيس ومع عند ذلك مميزا ببهاء وألق ، أشد من كل وقت مضى . وأكثر حرية من كل وقت مضى أيضاً . وان للعديد من أوراقه المقصوصة أبعاداً كبيرة جدا وبعضها تكون نماذج لزجاجيات أو قطع خزفية وبعضها الآخر يصلح أن يكون زخرفة رائعة لجدران المباني الواسعة الحديثة . فهي تتسم بطابع الأبهة ، وأنها اذا ما استعملت في هندسة البناء ، لتغدق عليها الفرح ، والعبث ولذة يستطيبها الناظر .
والذي نراه جديدا في اللوحات الأخيرة لدوفي هو أنه قلل عدد الألوان المستعملة فيها ، الاحتفاظ بسرعة اليد في الرسم . وقد يحدث مع أن تكون اللوحة كلها تقريباً مرسومة بلون برتقالي ، يقابله لون رمادي وآخر أزرق شاحب. وفي بعض اللوحات يسيطر اللون الأزرق أو الأحمر . ومع هذا ، فليس من السائغ أن نقول أن دوني قد أصبح مقلا في اللون حتى تكاد لوحاته تعرى منه لأن رنة اللون قد ازدادت وله لوحات يحتل فيها الأسود مكانا ممتازا علماً بأن الأسود يلعب أيضاً دوره في لوحات ماتيس . الا أن هذا الأسود يخلو تماما والمأساة . وانه لبعيد كل البعد عن أن يأتي نقيضاً للضوء واللون . بل نفسه أسود مضيء ، ويجري حوارا جميلا مع اللون الوردي أو الأصفر أو الأخضر .
وكما أن دوفي ظل مستمراً في أن ينقل الى الناس الاحساس بالفرح فان روو ظل مستمراً في تصوير الشعور الديني الحار والحبور فلما تقدم به العمر ، هدأت ثائرته ، وصار فناه أقل دراماتيكية . وفي عام ١٩٤٩ ، صور لوحة تمثل رجلا مشنوقا تحت سماء مفعمة بطابع الكارثة الانسان ذئب وكان عندما صور ذلك يفكر بالحرب وأهوالها .... ومع ذلك نرى أن بعض الهدوء قد استقر في هذه النفس التي طالما لعبت بها العواصف من بل . ولم تعد الصبايا اللواتي يصور من بعيدات تماماً عن الفتنة . وقد بدا وجه المسيح في لوحاته أقل أسى وألما مما كان في اللوحات السابقة . أما مهرجو السيرك فقد قل فيهم مظهر المنبوذين . أما فيما يتعلق بالاسلوب فان تکن خطوطه قد ازدادت اتساعا فان ملونته احتفظت بنشوتها العارمة .
أما بيكاسو فلم يبد عليه أنه هدأ ولو قليلا ، بل على العكس من ذلك نجد أن العدوانية في فنه تشتد في السنوات بين ١٩٣٩ و ١٩٤٥ بنفس الوقت الذي يشتد فيه استنكاره أنه لم ينفذ مرة أخرى ما يشبه لوحته غرنيكا » في هذه الفترة. وانما صور بعد الحرب لوحة من هذا القبيل أسماها « كومة العظام » أما في هذه الفترة فاللوحات التي صورها هي امرأة جالسة » و ( أمرأة تعتمر قبعة ) و جسم . عار مضطجع على المرأة الموسيقية و صبي صغير مع السرطان البحري » و « طبيعة صامتة مع جمجمة ثور » الخ.
تعليق