النحت
لا يختلف الوضع عند النحاتين عنه عند المصورين . فنحن نجد من جهة أولى أولئك الذين يستمرون في الانضواء تحت لواء التقليد الواقعي . ومن جهة ثانية أولئك الذين يخترعون ويجددون . ونذكر ه بورديل » و « دريفيه و مالفري Malfray » و « بواسون Poisson » و « فليريك الذين يسترشدون بالفن الإغريقي وبفن عصر النهضة ونذكر بين الآخرين بومبون Pompon » و « هرناندز Hernandez و جيمون Gimond » الذين ينظرون إلى مصر القديمة والقرون الوسطى ، وهم من هذه الزاوية بالذات أقل اتباعاً للتقليد بالمعنى المدرسي للكلمة . ونحن ندين لهؤلاء وأولئك جميعاً بأعمال فنية مؤثرة وبخاصة هرناندز وبومبون في حيواناتهما الضخمة ، كما نجد التماثيل العارية لمالفري ، ووجوه الأشخاص ليمون وهي وجوه ردت إلى أشكال تركيبية . إلا أن كل هذه الفئة يسيطر عليها اثنان هما «
( مايول Maillol ) و ( دسیو Despiau ) .
وقد ظل مايول بعد الحرب كما كان قبلها ، أي أنه ظل بناء لتماثيل النساء العاريات ذوات الحجوم المتينة الناعمة الملمس . ولا ننكر أنه قد يحدث له أن يغير الجليس. وهذه الأجسام التي صنعها في « ايل دي فرانس ( ۱۹۲۰ - ۱۹۲۵ ) وفي بعض ( السابحات ) هي أقل وزناً من الجسم الذي نحته في ( العمل المكبل ) على أنها كلها معالجة بالطريقة نفسها وهو رجل لا تجتذبه المغامرة ، وإنما يهمه قبل كل شيء المهارة ، أكثر مما يهمه التجديد . فهو معني بأن يأتي العمل الذي يبدأه اليوم بنفس الكمال الذي اتسم به العمل الذي انتهى منه أمس . وهو يعطي قيمة متعاظمة للبلاغة الناطقة في الأشكال المليئة التي يصنعها أكثر من القيمة التي يعطيها لتعبير الوجوه . ويقول : أنا لا أصنع صور الوجوه ، وإنما أصنع رؤوساً . وأحاول أن أجعلها تعطي تعبيراً إجمالياً. إن الرأس الذي يغريني هو ذلك الذي أستطيع أن أستخرج منه فناً معمارياً .
وعلى العكس من ذلك كان دسبيو يعنى بدقة بكل ما يعبر عن الشخص بالذات حتى في رؤوس التماثيل العارية التي يصنعها . وإذا كان في نحت الوجوه يعمد إلى تبسيط الشكل ، وإلى تنقيته ، فلا يفوته أبداً أن يأتي بالملامح الرئيسية لجليسه. وفي أروع آثاره التي تمثل نساء مثل « لين أمان جان Line Aman Jean ( ١٩٢٥ ) و ماريا لاني مدام فونتين Mme Fontaine ( ۱۹۳۳ ) ، يحرص دائماً على الدقة في الحجم ، كما يحرص في الوقت نفسه أن يعطي التمثال نعومة اللحم البشري . وهو يريد بصورة خاصة أن يجعل الحجر أو البرونز يشف عن حياة داخلية . وإذا شئنا الحق ، قلنا انه لا يكشف عن هذه الحياة بل يذهب إلى حمل الناظر إلى افتراض وجودها ، فليس يعري القلوب ، أو بعبارة أخرى نحن لا نرى قط ما يمكن أن يكون في أعماقها من اضطراب وتمزق . ان نساء ( دسبيو ) يبدون كما كن في حقيقتهن في الصمت والوحدة أي أنهن متنبهات إلى الخفقات السرية التي ترتعش في نفوسهن ،
ومستسلمات إلى هذه الأحلام الهشة التي ليس لغير العزلة القدرة على . تغذيتها . وهن ، في الوقت ذاته ، فاتنات رزينات سريعات العطب ، آسرات للألباب. وهن يذكرننا بالتماثيل الحساسة التي خلفتها لنا روما القديمة وايطاليا في القرن الخامس عشر ، وليس من شك مطلقاً في أن هذه التماثيل النصفية هي في مجال تصوير الوجوه ، أو نحتها أجمل الآثار وأكثرها رقة في التعبير ، من بين المنحوتات الواقعية في عصرنا هذا .
على أن هذا المجال بالذات هو مجال لا يميل الفن الحديث بالمعنى الصحيح إلى الاهتمام به. أما دعاته وأصحابه ممن هم أكثر راديكالية من مايول ، فيصنعون رؤوساً تبرز دلالتها أو معانيها من التفنن بالأشكال، دون أن يكون هذا المعنى أو هذه الدلالة ، مرتبطاً أي ارتباط بنفسية فرد من الأفراد . وفي عام ۱۹۲۹ أنهى ماتيس نحت ( رأس امرأة ) . وليس لهذا الرأس أي تأثير في النفس، إلا من حيث امتلاء الأشكال وثقلها وتوازنها ، أو بكلمة موجزة ، من حيث بنيتها ، وبعد ذلك بثلاثة أعوام صنع بيكاسو وجهاً منتفخ الخدين ، ذا جبهة تكاد تكون زائلة ، وعينين وأنف يشكل كل منهما نتوءاً ضخماً . وهكذا نرى نفسنا مرة أخرى أمام صنم لا يخلو من قرابة مع صور بعض الآلهة السومرية ، إلا أن هذه الآلهة السومرية هي في الغالب ذات أبعاد صغيرة ، في حين أن الرأس الذي صنعه بيكاسو أكبر بكثير من الرأس . وأن هذه الضخامة مضافة إلى كثافة الأحجام ، وإلى ما فيها من سمة الأمر المتسلط ، تجعل هذا الرأس يبدو ذا وقع على النفس شديد . وإذا كان بيكاسو في نحت هذا الرأس يحترم إلى حد ما ترتيب الحياة ، فقد صنع في عام ۱۹۲۹ تمثالاً سماه ( الصورة Figure ) فجعل الجسم البشري كتلة مطاوعة ، فينفخها أو يضغطها أو يرققها حسبما يشاء ، وان هذه المنحوتة ذات صلة قربى بالمستحمات الهائلات اللواتي نشاهدهن في اللوحات التي نفذت في فترة « دينار ». ومن الواضح أن منحوتة بيكاسو هي عمل مستقل يستمد قيمته من مزاياه الذاتية في فن النحت ، بل في فن الهندسة . ولا يعرض للناظر من الجسم البشري سوى أجزاء متناثرة ومتغيرة .
وكذلك تحل بالجسم البشري تحولات أخرى على أيدي لورنز
( ليبشيتز Libchitz ) وهما مثالان أثرت فيهما التكعيبية ، فأخذا يطبقان مبادئها تطبيقاً منطقياً دقيقاً ، منذ عام ١٩١٥ .
وإذا كان لورنز بما صنعه من الخشب والحديد والصفيح الملون يذكرنا بأرشبينكو Archipenko » فهو وليبشيتز أقرب إلى بيكاسو و براك و خوان غرى. فالحجوم لديهما مسطحة مرققة ذات زوايا ، كما أن المستويات وهي كثيرة محددة بحواف دقيقة . وحتى في المواضيع ، نجد هنا ذكرى مبدعي التكعيبية . ومنها : رجل أو امرأة تحمل قيثاراً ، وشاباً في زي المهرجين يحمل بوقاً وقدحاً وزجاجة ، وطاولة ، وعنبا . وبعبارة موجزة ، فإن هذين الفنانين يحفلان بادىء ذي بدء ، وبصورة جوهرية ، بأن ينقلا إلى مجال النحت ، والنحت الناتيء مجموعة القواعد الجمالية الموضوعة في الأصل للوحة أن لورنز قد أنجز لوحات بأوراق ملصقة بديعة ، فهو ، ومع وليشيتز يظهران في آثارهما ذات الأبعاد الثلاثة اهتمامات الفنان المثال وذلك في كل ما صنعا . وحتى عندما يضيفان الألوان إلى الشكل ، فلا يبغيان من ذلك التوصل إلى تأثيرات جمالية تصويرية .
لا يختلف الوضع عند النحاتين عنه عند المصورين . فنحن نجد من جهة أولى أولئك الذين يستمرون في الانضواء تحت لواء التقليد الواقعي . ومن جهة ثانية أولئك الذين يخترعون ويجددون . ونذكر ه بورديل » و « دريفيه و مالفري Malfray » و « بواسون Poisson » و « فليريك الذين يسترشدون بالفن الإغريقي وبفن عصر النهضة ونذكر بين الآخرين بومبون Pompon » و « هرناندز Hernandez و جيمون Gimond » الذين ينظرون إلى مصر القديمة والقرون الوسطى ، وهم من هذه الزاوية بالذات أقل اتباعاً للتقليد بالمعنى المدرسي للكلمة . ونحن ندين لهؤلاء وأولئك جميعاً بأعمال فنية مؤثرة وبخاصة هرناندز وبومبون في حيواناتهما الضخمة ، كما نجد التماثيل العارية لمالفري ، ووجوه الأشخاص ليمون وهي وجوه ردت إلى أشكال تركيبية . إلا أن كل هذه الفئة يسيطر عليها اثنان هما «
( مايول Maillol ) و ( دسیو Despiau ) .
وقد ظل مايول بعد الحرب كما كان قبلها ، أي أنه ظل بناء لتماثيل النساء العاريات ذوات الحجوم المتينة الناعمة الملمس . ولا ننكر أنه قد يحدث له أن يغير الجليس. وهذه الأجسام التي صنعها في « ايل دي فرانس ( ۱۹۲۰ - ۱۹۲۵ ) وفي بعض ( السابحات ) هي أقل وزناً من الجسم الذي نحته في ( العمل المكبل ) على أنها كلها معالجة بالطريقة نفسها وهو رجل لا تجتذبه المغامرة ، وإنما يهمه قبل كل شيء المهارة ، أكثر مما يهمه التجديد . فهو معني بأن يأتي العمل الذي يبدأه اليوم بنفس الكمال الذي اتسم به العمل الذي انتهى منه أمس . وهو يعطي قيمة متعاظمة للبلاغة الناطقة في الأشكال المليئة التي يصنعها أكثر من القيمة التي يعطيها لتعبير الوجوه . ويقول : أنا لا أصنع صور الوجوه ، وإنما أصنع رؤوساً . وأحاول أن أجعلها تعطي تعبيراً إجمالياً. إن الرأس الذي يغريني هو ذلك الذي أستطيع أن أستخرج منه فناً معمارياً .
وعلى العكس من ذلك كان دسبيو يعنى بدقة بكل ما يعبر عن الشخص بالذات حتى في رؤوس التماثيل العارية التي يصنعها . وإذا كان في نحت الوجوه يعمد إلى تبسيط الشكل ، وإلى تنقيته ، فلا يفوته أبداً أن يأتي بالملامح الرئيسية لجليسه. وفي أروع آثاره التي تمثل نساء مثل « لين أمان جان Line Aman Jean ( ١٩٢٥ ) و ماريا لاني مدام فونتين Mme Fontaine ( ۱۹۳۳ ) ، يحرص دائماً على الدقة في الحجم ، كما يحرص في الوقت نفسه أن يعطي التمثال نعومة اللحم البشري . وهو يريد بصورة خاصة أن يجعل الحجر أو البرونز يشف عن حياة داخلية . وإذا شئنا الحق ، قلنا انه لا يكشف عن هذه الحياة بل يذهب إلى حمل الناظر إلى افتراض وجودها ، فليس يعري القلوب ، أو بعبارة أخرى نحن لا نرى قط ما يمكن أن يكون في أعماقها من اضطراب وتمزق . ان نساء ( دسبيو ) يبدون كما كن في حقيقتهن في الصمت والوحدة أي أنهن متنبهات إلى الخفقات السرية التي ترتعش في نفوسهن ،
ومستسلمات إلى هذه الأحلام الهشة التي ليس لغير العزلة القدرة على . تغذيتها . وهن ، في الوقت ذاته ، فاتنات رزينات سريعات العطب ، آسرات للألباب. وهن يذكرننا بالتماثيل الحساسة التي خلفتها لنا روما القديمة وايطاليا في القرن الخامس عشر ، وليس من شك مطلقاً في أن هذه التماثيل النصفية هي في مجال تصوير الوجوه ، أو نحتها أجمل الآثار وأكثرها رقة في التعبير ، من بين المنحوتات الواقعية في عصرنا هذا .
على أن هذا المجال بالذات هو مجال لا يميل الفن الحديث بالمعنى الصحيح إلى الاهتمام به. أما دعاته وأصحابه ممن هم أكثر راديكالية من مايول ، فيصنعون رؤوساً تبرز دلالتها أو معانيها من التفنن بالأشكال، دون أن يكون هذا المعنى أو هذه الدلالة ، مرتبطاً أي ارتباط بنفسية فرد من الأفراد . وفي عام ۱۹۲۹ أنهى ماتيس نحت ( رأس امرأة ) . وليس لهذا الرأس أي تأثير في النفس، إلا من حيث امتلاء الأشكال وثقلها وتوازنها ، أو بكلمة موجزة ، من حيث بنيتها ، وبعد ذلك بثلاثة أعوام صنع بيكاسو وجهاً منتفخ الخدين ، ذا جبهة تكاد تكون زائلة ، وعينين وأنف يشكل كل منهما نتوءاً ضخماً . وهكذا نرى نفسنا مرة أخرى أمام صنم لا يخلو من قرابة مع صور بعض الآلهة السومرية ، إلا أن هذه الآلهة السومرية هي في الغالب ذات أبعاد صغيرة ، في حين أن الرأس الذي صنعه بيكاسو أكبر بكثير من الرأس . وأن هذه الضخامة مضافة إلى كثافة الأحجام ، وإلى ما فيها من سمة الأمر المتسلط ، تجعل هذا الرأس يبدو ذا وقع على النفس شديد . وإذا كان بيكاسو في نحت هذا الرأس يحترم إلى حد ما ترتيب الحياة ، فقد صنع في عام ۱۹۲۹ تمثالاً سماه ( الصورة Figure ) فجعل الجسم البشري كتلة مطاوعة ، فينفخها أو يضغطها أو يرققها حسبما يشاء ، وان هذه المنحوتة ذات صلة قربى بالمستحمات الهائلات اللواتي نشاهدهن في اللوحات التي نفذت في فترة « دينار ». ومن الواضح أن منحوتة بيكاسو هي عمل مستقل يستمد قيمته من مزاياه الذاتية في فن النحت ، بل في فن الهندسة . ولا يعرض للناظر من الجسم البشري سوى أجزاء متناثرة ومتغيرة .
وكذلك تحل بالجسم البشري تحولات أخرى على أيدي لورنز
( ليبشيتز Libchitz ) وهما مثالان أثرت فيهما التكعيبية ، فأخذا يطبقان مبادئها تطبيقاً منطقياً دقيقاً ، منذ عام ١٩١٥ .
وإذا كان لورنز بما صنعه من الخشب والحديد والصفيح الملون يذكرنا بأرشبينكو Archipenko » فهو وليبشيتز أقرب إلى بيكاسو و براك و خوان غرى. فالحجوم لديهما مسطحة مرققة ذات زوايا ، كما أن المستويات وهي كثيرة محددة بحواف دقيقة . وحتى في المواضيع ، نجد هنا ذكرى مبدعي التكعيبية . ومنها : رجل أو امرأة تحمل قيثاراً ، وشاباً في زي المهرجين يحمل بوقاً وقدحاً وزجاجة ، وطاولة ، وعنبا . وبعبارة موجزة ، فإن هذين الفنانين يحفلان بادىء ذي بدء ، وبصورة جوهرية ، بأن ينقلا إلى مجال النحت ، والنحت الناتيء مجموعة القواعد الجمالية الموضوعة في الأصل للوحة أن لورنز قد أنجز لوحات بأوراق ملصقة بديعة ، فهو ، ومع وليشيتز يظهران في آثارهما ذات الأبعاد الثلاثة اهتمامات الفنان المثال وذلك في كل ما صنعا . وحتى عندما يضيفان الألوان إلى الشكل ، فلا يبغيان من ذلك التوصل إلى تأثيرات جمالية تصويرية .
تعليق