الصباغ
الأصبغة dyes مركبات كيمياوية طبيعية أو صنعية تعطي الألوان للكائنات الحية وغير الحية.
وللون أهمية كبيرة في الطبيعة وفي مجالات الحياة المختلفة، ولا يقتصر ذلك على الذوق والجمال. وقد اهتم الفنانون وعلماء الأجناس والآثار وعلماء النفس بمظاهر اللون المختلفة، واستنبطوا معلومات كثيرة وقيِّمة في هذا المجال. وللألوان، إضافة إلى مظهرها الجمالي، تأثير في سيكولوجية وفيزيولوجية الجسم البشري، والمثال عليه ما يسببه اللون الأحمر من إثارة وشدة في سرعة نبضات القلب، وتأثير اللون الأزرق في تهدئة الجهاز العصبي. وللون تعريفات مختلفة بحسب نوعية الدراسة، إذ إن مفهوم اللون عند الفنانين التشكيليين والعاملين في مجال الصباغة هو الدهان والأحبار والأصبغة، أما عند علماء الفيزياء فاللون هو الإحساس الناتج من سقوط الأشعة الملونة على خلايا شبكية العين وانتقالها إلى المخ عن طريق العصب البصوي، فهو إذاً تأثير فيزيولوجي.
يحدد اللون بثلاث خواص:
ـ اللون نفسه hue: وهي الصفة التي يمكن بها تمييز لون من الآخر، ويسمى باسمها كاللون البنفسجي أو الأزرق أو الأخضر وغيره.
ـ القيمة value: ويقصد بها درجة عمق اللون، ويمكن بوساطتها التفريق بين الأحمر الفاتح والأحمر الغامق مثلاً.
ـ الشدة intensity: وهي تمييز درجة التشبع اللوني، فبعض الألوان قوية مشبعة وبعضها ضعيف ممزوج.
لمحة تاريخية
عرف الناس الصباغة منذ أقدم العصور، وثمة شواهد على تنوع المنتجات الطبيعية التي كانت تستخدم أصبغة، وقد عُثر على أقمشة مصبوغة في قبور قدماء المصريين، مما يدل على خبرة الفراعنة في الصباغة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وقد تميز العالم العربي عموماً وبلاد الشام خصوصاً بالمنتجات النسيجية المصبوغة منذ عهود التاريخ الأولى، حيث باتت أنواع معينة من الأقمشة تعرف بأسماء مثل الدامسكوDamask، الذي يطلق على النسيج الدمشقي (جاكار)، والموصلين الذي يُنسب إلى الموصل.
ويُعتقد بأن كلمة إنديغو indigoاليونانية، والتي تعني الصباغ الأزرق أو النيلة، مقتبسة عن اسم الهند التي كان اليونانيون والقدماء يستقدمون منسوجاتهم منها. وكانت صباغة الألياف النسيجية قديماً مقتصرة على استخدام الأصبغة الطبيعية، وأكثرها شيوعاً النيلة (الشكل 1 ـ أ) والصباغ الأحمر القديم antic purpura (الشكل 1 ـ ب) والأصبغة المرسخة mordant dyes (الشكل 1 ـ ج).
ومن اللافت للنظر أنه كان لمعظم المواد المصبوغة بالأصبغة الطبيعية ثبات عال يضاهي ثبات المواد المصبوغة بالأصبغة الصنعية، مع العلم أن استخراج الأصبغة من مصادرها الطبيعية لم يكن بالأمر السهل، وكان استخراج بعضها يستغرق أسابيع، لهذا كانت للأقمشة المصبوغة أهمية كبيرة وقيمة ثمينة.
بدأ إنتاج الأصبغة الصنعية منذ القرن الثامن عشر، حين اكتُشِفَ حمض المر وبُدءَ باستعماله على الصوف والحرير، وتتابعت الأصبغة الصنعية الأخرى في خطوات سريعة فاستصنع اللون البرتقالي الأحمر (الشكل 2 ـ أ) وأحمر الكونغو (الشكل 2 ـ ب)، وقد بلغت أنواع الأصبغة الصنعية ذروتها في مطلع القرن الحادي والعشرين.
مقدمة في علاقة اللون بالبنية الكيماوية
تمنح الأصبغة المواد ألوانها الظاهرة عليها، باحتفاظها ببعض أطوال الموجات الضوئية الساقطة فوق سطوح هذه المواد وانعكاس قسم من الأشعة عنها، فتبدو المادة ملونة إذا امتصت بعض الطيف وسمحت بانعكاس القسم الأخر.
لاتميز عين الإنسان جميع أطوال الموجات الضوئية، ويكون مجال تحسس العين محصوراً بين أطوال الموجات الضوئية الواقعة بين 4000 إلى 8000أنغستروم، وتسبب أطوال الموجات الضوئية الواقعة في هذا المجال للعين الإحساس بالضوء الأبيض، الذي يتألف من سبعة ألوان هي: الأحمر فالبرتقالي فالأصفر فالأخضر فالأزرق فالنيلي فالبنفسجي. تدعى هذه الألوان ألوان الطيف، ويجدر بالذكر أن سبب ظهور بعض المواد باللون الأبيض هو نتيجة انعكاس جميع أنواع الطيف، وأيضاً سبب ظهور بعض المواد بلون أحمر هو نتيجة انعكاس الطيف الأحمر، بينما تظهر بعض المواد بلون أسود بامتصاص جميع ألوان الطيف وعدم انعكاس أي طيف عنها.
لاحظ العالمان كريب Graebe وليبرمان Liebermannفي عام 1868 أن المادة المرجعة تخرب دائماً ألوان المركبات العضوية، واستنتجا أن اللون يترافق مع مادة غير مشبعة. واقترح ويت Witt في عام 1876 أن المجموعات مثل : النتروـ النتروزوـ الآزوـ كربونيل، تمنح المواد إمكانية إظهار اللون، وتدعى أمثال هذه المجموعات بالكروموفور Chromophores. ويحتوي الجزيء الصباغي إضافة إلى الكروموفور على مجموعات مثل: أمينوـ أمينو مبادل ـ هيدروكسيل سلفوريك ـ كربوكسيل، وتدعى هذه المجموعات الأوكسوكروم auxochromes، وسمّى ويت المجموعات (حلقات البنزن ـ النفتالين) التي يرتبط بها الكروموفور بالكروموجين chromogene مجموعات عطرية. وفي كثير من الحالات لايساعد الأوكسوكروم على تقوية اللون المنتج بوساطة الكروموفور، ولكن يساعد جزيء الصباغ على أن يكون قابلاً للانحلال بالماء. وقد اقترح أرمسترونغ H.E.Armstrong في عام 1888 مايعرف اليوم بالنظرية الكينونية للّون. والتي تفترض الكينون حلقياً وهو بمنزلة كروموفور (الشكل 3)
ودُعَّمت النظرية بالحقيقة المعروفة آنذاك، بأن جميع الكينونات كانت ملونة، وتصبح عديمة اللون إذا ما أرجعت إلى بنية حلقي بنزينويد benzenoid (الشكل 4).
لم تلاق النظرية الكينونية نجاحاً كلياً لأن وجود بعض المركبات الكينونية هي عديمة اللون أصلاً مثل : ثنائي أمينوكينون. وأصبحت اليوم جميع هذه النظريات تاريخية فقط، بسبب التطوير الكبير الذي طرأ على المطياف، وتطبيق النظرية الكوانتية والميكانيك الموجي، إذ منحت هذه النظريات تفهماً جديداً لطبيعة الضوء، مما ساعد على توضيح سبب تشكل اللون. وتبين النظريات الحديثة أن جميع المركبات العضوية لها مقدرة على امتصاص الأشعة الضوئية، سواءً أكانت تحتوي جزيئاتها على مجموعة كروموفور أم لا، ويعزى بالحقيقة وجود بعض المركبات ملونة لمصادفة دقيقة، وهي حدوث امتصاص قوي لعصبة موجات تقع ضمن مجال ضيق للأشعة تتحسس بها العين، فاللون إذاً حالة خاصة من ظاهرة عامة.
توجد الجزيئات الكيمياوية عند عددٍ مختلف من مستويات الطاقة، وتمتلك أخفض سويات الطاقة في الشروط العادية من الضغط والحرارة، وتعرف هذه الحالة بالحالة المستقرة ground state، وتستطيع هذه الجزيئات امتصاص الأشعة متحولة إلى مستويات طاقية أعلى، وتدعى هذه الحالة بالحالة المتهيجة excited state. تحدد الطاقة الممتصة بالعلاقة (1).
ΔE = hnν (العلاقة 1)
حيث: ΔE الفرق بين مستويات الطاقة بالحالتين (الحالة المستقرة والمتهيجة)
h ثابت بلانك
nν تواتر الشعاع الممتص
فإذا وجد مركب ملون، فإن التواتر يقع ضمن مجال الضوء المرئي.visible light
تصنيف الأصبغة
تصنّف الأصبغة وفقاً للبنية الكيمياوية أو وفقاً لخواصها الصباغية (أي التصنيف وفقاً للتطبيق)، وهناك ترابط ضعيف بين التصنيفين:
1ـ التصنيف وفقاً للبنية الكيمياوية: تصنف الأصبغة بنيوياً وفقاً للمجموعات المتضمنة بهذه الأصبغة مثل أصبغة الآزو وثنائي الآزو وأصبغة النترو وغيرها كما هو واضح في الجدول (1).
2ـ التصنيف وفقاً للتطبيق: يهتم الصباغون اهتماماً أساسياً بهذا التصنيف، لأنه يعتمد على نوع الألياف وطريقة استعمال الأصبغة، ويوضح الجدول (2) نوع الليف ونوع الصباغ المناسب له.
يتوقف اختيار نوع الصباغ الذي سوف يستخدم في صباغة النسيج واسمه على مدى ثبات الصباغ ومقاومته للعوامل المختلفة التي قد يتعرض لها، ويمكن تقسيم مقاومة الصباغ إلى معالجات مائية وغير مائية، تتضمن الأولى ثبات اللون عند الغسيل بالماء أو بالماء والصابون ومحاليل التبييض والتعرق، أما المعالجات غير المائية فتشمل ثبات اللون عند الاحتكاك وثباته حيال الضوء والحرارة الجافة مثل الكي.
الأصبغة المستخدمة
1ـ الأصبغة القاعدية basic dyes: يشير اسم هذه المجموعة من الأصبغة إلى كونها متأينة، ويترافق لون مركباتها دائماً بالشاردة الموجبة، لهذا يشار إليها بالأصبغة الكاتيونيةcationic dyes، وتمتلك الأصبغة القاعدية الصيغة العامة الآتية (المعادلة 2):
لايحتوي الأساس العضوي للصباغ على كروموفور كينوني ويكون عديم اللون، ويظهر هذا اللون فقط عند تشكل الملح. تستخدم هذه الأصبغة لصباغة الألياف البروتينية (الصوف ـ الحرير الطبيعي)، ومن خواصها الواضحة الكثافة اللونية واللمعان، إذ ترتبط شاردة الصباغ الموجبة مع شاردة الكربوكسيل الموجودة في الصوف لتشكيل ملح، ومن مساوئها ثباتها الضعيف للضوء، ولكن يمكن استعمالها لصباغة ألياف متعددة أكريلونتريل إذ تعطي ظلاً ساطعاً مع ثبات جيد للضوء.
2ـ الأصبغة الحمضية acid dyes: الأصبغة الحمضية هي أملاح صوديومية لحمض عضوي، والشاردة السالبة لهذه الأحماض العضوية هي الجزء الفعال في إظهار اللون. تطبق هذه الأصبغة على الصوف والحرير الطبيعي والنايلون، وتعطي ثباتاً جيداً للضوء، ولها ألفة عالية للصوف، ويعود ذلك إلى تفاعل الشاردة السالبة للصباغ مع زمرة الأمينو الموجبة الموجودة في الصوف، ويؤدي الوسط الحمضي في أغلب الأحيان دوراً معززاً للاستنزاف.
3ـ الأصبغة المباشرة direct dyes: تعرف الأصبغة المباشرة بالألوان التي لا تحتاج إلى مُرسِّخ substantive colors، وتختلف الأصبغة المباشرة عن الأصبغة الحمضية أو القاعدية بكون الألياف السيللوزية تملك ألفة قوية نحو هذه الأصبغة. وأغلب الأصبغة المباشرة مركبات آزو مسلفنة، وهي قريبة الشبه من الأصبغة الحمضية من حيث البنية، لهذا لا توجد حدود واضحة وفاصلة ما بين النوعين، وتستخدم الأصبغة المباشرة لصباغة القطن والحرير الصناعي والكتان والجوت والقنب والورق، وتتميز بأنها رخيصة الثمن، ويتم تطبيقها بسهولة على السيللوز. وتمتاز أيضاً بدرجات متوسطة من الثبات للبلل.
4 ـ أصبغة الأحواض vat dyes: عُرِفت أصبغة الأحواض الطبيعية كالنيلة أو الإنديغو منذ عصور قديمة، وأصبغة الأحواض غير الذوابة بالماء، لهذا لا يمكن تطبيقها مباشرة في الصباغة من دون إجراء تعديل لها، وتتحول هذه الأصبغة إلى مركبات الليكو حين تعالج مع عامل مرجع في وسط قلوي. ومركبات الليكو ذات ألفة شديدة للألياف السيللوزية، وبعد أن تتعرض الخامة للأكسدة تترسب الصبغة داخل الشعيرات وتتحول إلى حالة غير ذائبة، ويوضح المخطط الآتي آلية الصباغ: (الشكل 5)
أ ـ إرجاع
ب ـ استنزاف على السيللوز
ج ـ أكسدة على السيللوز
د ـ تشكيل صباغ غير ذواب
تطبق هذه الأصبغة على أقمشة المناشف والبزات العسكرية والخيام، وترجع درجات الثبات العالية لأصبغة الأحواض إلى عدم قابليتها للذوبان في معظم المذيبات العادية، ولتسهيل استعمال صبغات الأحواض على مستوى صناعي، أنتجت الشركات إسترات حمض الكبريت مع مركبات الليكو، إذ تذوب هذه الصبغات في الماء في حالة الإرجاع، ويمكن تحويلها إلى الحالة غير الذوابة بالأكسدة.
5 ـ الأصبغة الكبريتية :sulfur dyes تشبه هذه الأصبغة أصبغة الأحواض في مجالات متعددة، وتحتوي هذه الأصبغة مجموعة الكبريت الثنائي، مما يجعلها غير قابلة للانحلال في الماء. ترجع هذه الأصبغة بوساطة كبريتيد الصوديوم عند درجة الغليان، وتتحول إلى شكل ليكو D-SH القابل للانحلال بالماء، ثم يحدث امتزاز لمركب الليكو من قبل النسيج السيللوزي، وبعد ذلك يحدث فعل أكسدة بالهواء لمركب الليكو على القماش معطياً صباغاً غير ذواب، إلا أن امتزاز مركب الليكو ضعيف بالمقارنة مع أصبغة الأحواض، وتوضح المعادلتان الآتيتان طريقة صباغة السيللوز بالأصبغة الكبريتية: (المعادلة 3).
6 ـ أصبغة الآزو غير المنحلة azoic dyes: تتشكل أصبغة الآزو غير المنحلة على النسيج السيللوزي، نتيجة تفاعل ازدواج ما بين مركبات النفتول الممتزة على السيللوز مع مركبات أملاح الديازوينوم الثابتة، أي يحدث تصنيع للأصبغة على القماش مباشرة، فتجري العملية الصباغية وفق مرحلتين:
أ ـ المرحلة الأولى: وهي امتزاز السيللوز لمركبات مثل نفتول.As الذي له ألفة كبيرة للخامة، إلا أن التجفيف بعد الامتزاز يجب ألا يستغرق وقتاً طويلاً خوفاً من أكسدته.
ب ـ المرحلة الثانية: وهي غمر الألياف السيللوزية المعالجة سابقاً مع مركبات الديازونيوم الثابتة والمحضرة من تفاعل أمينات المركبات العطرية مع نتريت الصوديوم بوجود حمض كلور الماء.
7ـ أصبغة المعقدات المعدنية mordant dyes: تثبت هذه الأصبغة على الألياف بوساطة مركبات معدنية مشكلة معقداً مع الصباغ، ويجري تشكيل المعقد بعد عملية الصبغ، فيمكن تطبيقها على الأصبغة المباشرة والحمضية بشرط أن تحتوي بنية الصباغ على o-oَ ثنائي هدروكسي أو o-o-َ هدروكسي كربوكسيل أو غيره، وتعتمد أيضاً على العناصر المعدنية وعلى قدرتها على اكتساب الإلكترونات، أي وجود مدارات فارغة، إذ ينشأ تمخلب للشاردة المعدنية (كروم) مع الزمر المانحة للإلكترون من الصباغ، وهكذا يتشكل صباغ غير منحل في الماء. (الشكل 6)
8 ـ الأصبغة الفعّالة كيمياوياً: من أجل تحسين ثبات الأصبغة للبلل، اتجه الباحثون إلى ربط جزيء الصباغ بالنسيج برابطة كيمياوية مشتركة، وهذا على خلاف معظم الأصبغة الأخرى التي تكتسب ثباتاً حيال البلل بتحويل جزيئاتها الذائبة بالماء إلى شكل غير منحل عن طريق الأكسدة، كما في أصبغة الأحواض، أو تشكيل مُعقَّد كما في الأصبغة المعدنية. وتحتوي الأصبغة الفعالة كيمياوياً على ذرة أو أكثر من الكلور الفعال، أو تحتوي على رابطة مزدوجة. ويتم التفاعل ما بين الأصبغة الفعالة كيميائياً مع السيللوز أو الصوف بطريقتين :
أ: تفاعلات الاستبدال في حال وجود ذرة كلور أو أكثر، فعّالة في الصباغ.
ب: تفاعلات إضافة في حال احتواء الصباغ على رابطة مزدوجة.
ويتم كلا التفاعلين بالوسط القلوي، وتعد الأصبغة الفعّالة الأكثر انتشاراً في الوقت الحالي، لأنها لاتتطلب أسلوباً معقداً للصباغة.
9 ـ الأصبغة المعلقة :تستخدم هذه الأصبغة لصباغة الألياف التركيبية، وتتميز هذه الألياف بأنها ضعيفة الألفة نحو الماءhydrophobic. لاحظ عدد كبير من الباحثين قدرة الألياف التركيبية على امتزاز الأصبغة المعلقة بالماء اعتباراً من المحلول المائي المعلق، ويشبه هذا السلوك تجزئة المنحل ما بين مذيبين لا يمتزج أحدهما بالآخر، أو بكلمة أوضح محلول صلب في جسم صلب، وبناء على ذلك تنحل جزيئات الأصبغة بتركيز منخفض في المحلول المائي، ولكنها تنتقل إلى داخل الألياف التركيبية بسبب قابليتها العالية للانحلال في الألياف، وتتم هذه العملية عند درجات عالية من الحرارة والضغط وفي وسط حمضي، ويمكن استخدام حوامل كيمياوية تطبق هذه الأصبغة على الألياف التركيبية عند غليان الماء وتحت الضغط الجوي العادي، حيث يسرع الحامل Carrier في امتزاز الأصبغة المعلقة ويسبب في انتفاخ الألياف التركيبية.
10 ـ الأخضبة :pigments لاتذوب أصبغة الخضاب في الماء وليس لها ألفة تجاه الألياف، كما لاتتحول إلى مادة منحلة في أثناء غمر الخامة أو بعده، وإنما تلتصق على سطح النسيج بمادة رابطة، ويستخدم الخضاب على نطاق واسع في الطباعة. ويمكن تقسيم المخضبات إلى:
أ ـ خضاب لا عضوي: تتكون هذه المجموعة من ذرور المعادن وأكاسيد المعادن وأملاح غير ذوابة.
ب ـ خضاب عضوي: يتكون من أملاح الأصبغة غير المنحلة بالماء، مثل المركبات المعقدة للفتالو سيانين.
ويتوقف نجاح تلوين المنسوجات على نوع الخضاب المستخدم وعلى المواد الرابطة، أما عيوب هذا التلوين فترجع إلى انخفاض في درجة ثبات اللون للاحتكاك.
عمليات الصباغ
تتم عمليات الصباغ التي تجري ما بين جزيئات الأصبغة والألياف النسيجية في حمام الصباغة وفق ثلاثة مراحل:
ـ المرحلة الأولى: وهي انتشار جزيئات الأصبغة من المحلول إلى الحدود المشتركة بين المحلول وسطح النسيج، ويلي ذلك امتزاز جزيئات الصباغ على سطح الألياف النسيجية، وتتحكم القوى الكهربائية والحرارة والتحريك في تجمع جزيئات الأصبغة على سطح النسيج.
ـ المرحلة الثانية: وتتضمن هجرة جزيئات الصباغ باتجاه الفراغات البينية في الألياف، ويتأثر ذلك بحجم جزيئات الأصبغة والمسامات الموجودة في البنية الدقيقة للنسيج.
ـ المرحلة الثالثة: يمكن لجزيء الصباغ أن يرتبط بالألياف النسيجية برابطة أو أكثر من الروابط الكيمياوية الآتية:
ارتباط شاردي أو رابطة مشتركة أو رابطة هدروجينية أو قوى فاندرنا
شهير هاشم
الأصبغة dyes مركبات كيمياوية طبيعية أو صنعية تعطي الألوان للكائنات الحية وغير الحية.
وللون أهمية كبيرة في الطبيعة وفي مجالات الحياة المختلفة، ولا يقتصر ذلك على الذوق والجمال. وقد اهتم الفنانون وعلماء الأجناس والآثار وعلماء النفس بمظاهر اللون المختلفة، واستنبطوا معلومات كثيرة وقيِّمة في هذا المجال. وللألوان، إضافة إلى مظهرها الجمالي، تأثير في سيكولوجية وفيزيولوجية الجسم البشري، والمثال عليه ما يسببه اللون الأحمر من إثارة وشدة في سرعة نبضات القلب، وتأثير اللون الأزرق في تهدئة الجهاز العصبي. وللون تعريفات مختلفة بحسب نوعية الدراسة، إذ إن مفهوم اللون عند الفنانين التشكيليين والعاملين في مجال الصباغة هو الدهان والأحبار والأصبغة، أما عند علماء الفيزياء فاللون هو الإحساس الناتج من سقوط الأشعة الملونة على خلايا شبكية العين وانتقالها إلى المخ عن طريق العصب البصوي، فهو إذاً تأثير فيزيولوجي.
يحدد اللون بثلاث خواص:
ـ اللون نفسه hue: وهي الصفة التي يمكن بها تمييز لون من الآخر، ويسمى باسمها كاللون البنفسجي أو الأزرق أو الأخضر وغيره.
ـ القيمة value: ويقصد بها درجة عمق اللون، ويمكن بوساطتها التفريق بين الأحمر الفاتح والأحمر الغامق مثلاً.
ـ الشدة intensity: وهي تمييز درجة التشبع اللوني، فبعض الألوان قوية مشبعة وبعضها ضعيف ممزوج.
لمحة تاريخية
عرف الناس الصباغة منذ أقدم العصور، وثمة شواهد على تنوع المنتجات الطبيعية التي كانت تستخدم أصبغة، وقد عُثر على أقمشة مصبوغة في قبور قدماء المصريين، مما يدل على خبرة الفراعنة في الصباغة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، وقد تميز العالم العربي عموماً وبلاد الشام خصوصاً بالمنتجات النسيجية المصبوغة منذ عهود التاريخ الأولى، حيث باتت أنواع معينة من الأقمشة تعرف بأسماء مثل الدامسكوDamask، الذي يطلق على النسيج الدمشقي (جاكار)، والموصلين الذي يُنسب إلى الموصل.
ويُعتقد بأن كلمة إنديغو indigoاليونانية، والتي تعني الصباغ الأزرق أو النيلة، مقتبسة عن اسم الهند التي كان اليونانيون والقدماء يستقدمون منسوجاتهم منها. وكانت صباغة الألياف النسيجية قديماً مقتصرة على استخدام الأصبغة الطبيعية، وأكثرها شيوعاً النيلة (الشكل 1 ـ أ) والصباغ الأحمر القديم antic purpura (الشكل 1 ـ ب) والأصبغة المرسخة mordant dyes (الشكل 1 ـ ج).
الشكل (2) بعض أنواع الأصبغة الطبيعية الشائعة في العصور القديمة |
بدأ إنتاج الأصبغة الصنعية منذ القرن الثامن عشر، حين اكتُشِفَ حمض المر وبُدءَ باستعماله على الصوف والحرير، وتتابعت الأصبغة الصنعية الأخرى في خطوات سريعة فاستصنع اللون البرتقالي الأحمر (الشكل 2 ـ أ) وأحمر الكونغو (الشكل 2 ـ ب)، وقد بلغت أنواع الأصبغة الصنعية ذروتها في مطلع القرن الحادي والعشرين.
الشكل (2) بعض أنواع الأصبغة الصنعية |
تمنح الأصبغة المواد ألوانها الظاهرة عليها، باحتفاظها ببعض أطوال الموجات الضوئية الساقطة فوق سطوح هذه المواد وانعكاس قسم من الأشعة عنها، فتبدو المادة ملونة إذا امتصت بعض الطيف وسمحت بانعكاس القسم الأخر.
لاتميز عين الإنسان جميع أطوال الموجات الضوئية، ويكون مجال تحسس العين محصوراً بين أطوال الموجات الضوئية الواقعة بين 4000 إلى 8000أنغستروم، وتسبب أطوال الموجات الضوئية الواقعة في هذا المجال للعين الإحساس بالضوء الأبيض، الذي يتألف من سبعة ألوان هي: الأحمر فالبرتقالي فالأصفر فالأخضر فالأزرق فالنيلي فالبنفسجي. تدعى هذه الألوان ألوان الطيف، ويجدر بالذكر أن سبب ظهور بعض المواد باللون الأبيض هو نتيجة انعكاس جميع أنواع الطيف، وأيضاً سبب ظهور بعض المواد بلون أحمر هو نتيجة انعكاس الطيف الأحمر، بينما تظهر بعض المواد بلون أسود بامتصاص جميع ألوان الطيف وعدم انعكاس أي طيف عنها.
الشكل (3) |
الشكل (4) |
ودُعَّمت النظرية بالحقيقة المعروفة آنذاك، بأن جميع الكينونات كانت ملونة، وتصبح عديمة اللون إذا ما أرجعت إلى بنية حلقي بنزينويد benzenoid (الشكل 4).
لم تلاق النظرية الكينونية نجاحاً كلياً لأن وجود بعض المركبات الكينونية هي عديمة اللون أصلاً مثل : ثنائي أمينوكينون. وأصبحت اليوم جميع هذه النظريات تاريخية فقط، بسبب التطوير الكبير الذي طرأ على المطياف، وتطبيق النظرية الكوانتية والميكانيك الموجي، إذ منحت هذه النظريات تفهماً جديداً لطبيعة الضوء، مما ساعد على توضيح سبب تشكل اللون. وتبين النظريات الحديثة أن جميع المركبات العضوية لها مقدرة على امتصاص الأشعة الضوئية، سواءً أكانت تحتوي جزيئاتها على مجموعة كروموفور أم لا، ويعزى بالحقيقة وجود بعض المركبات ملونة لمصادفة دقيقة، وهي حدوث امتصاص قوي لعصبة موجات تقع ضمن مجال ضيق للأشعة تتحسس بها العين، فاللون إذاً حالة خاصة من ظاهرة عامة.
الجدول (1) |
ΔE = hnν (العلاقة 1)
حيث: ΔE الفرق بين مستويات الطاقة بالحالتين (الحالة المستقرة والمتهيجة)
h ثابت بلانك
nν تواتر الشعاع الممتص
فإذا وجد مركب ملون، فإن التواتر يقع ضمن مجال الضوء المرئي.visible light
تصنيف الأصبغة
تصنّف الأصبغة وفقاً للبنية الكيمياوية أو وفقاً لخواصها الصباغية (أي التصنيف وفقاً للتطبيق)، وهناك ترابط ضعيف بين التصنيفين:
1ـ التصنيف وفقاً للبنية الكيمياوية: تصنف الأصبغة بنيوياً وفقاً للمجموعات المتضمنة بهذه الأصبغة مثل أصبغة الآزو وثنائي الآزو وأصبغة النترو وغيرها كما هو واضح في الجدول (1).
2ـ التصنيف وفقاً للتطبيق: يهتم الصباغون اهتماماً أساسياً بهذا التصنيف، لأنه يعتمد على نوع الألياف وطريقة استعمال الأصبغة، ويوضح الجدول (2) نوع الليف ونوع الصباغ المناسب له.
يتوقف اختيار نوع الصباغ الذي سوف يستخدم في صباغة النسيج واسمه على مدى ثبات الصباغ ومقاومته للعوامل المختلفة التي قد يتعرض لها، ويمكن تقسيم مقاومة الصباغ إلى معالجات مائية وغير مائية، تتضمن الأولى ثبات اللون عند الغسيل بالماء أو بالماء والصابون ومحاليل التبييض والتعرق، أما المعالجات غير المائية فتشمل ثبات اللون عند الاحتكاك وثباته حيال الضوء والحرارة الجافة مثل الكي.
الأصبغة المستخدمة
1ـ الأصبغة القاعدية basic dyes: يشير اسم هذه المجموعة من الأصبغة إلى كونها متأينة، ويترافق لون مركباتها دائماً بالشاردة الموجبة، لهذا يشار إليها بالأصبغة الكاتيونيةcationic dyes، وتمتلك الأصبغة القاعدية الصيغة العامة الآتية (المعادلة 2):
المعادلة (2) |
الجدول (2) |
3ـ الأصبغة المباشرة direct dyes: تعرف الأصبغة المباشرة بالألوان التي لا تحتاج إلى مُرسِّخ substantive colors، وتختلف الأصبغة المباشرة عن الأصبغة الحمضية أو القاعدية بكون الألياف السيللوزية تملك ألفة قوية نحو هذه الأصبغة. وأغلب الأصبغة المباشرة مركبات آزو مسلفنة، وهي قريبة الشبه من الأصبغة الحمضية من حيث البنية، لهذا لا توجد حدود واضحة وفاصلة ما بين النوعين، وتستخدم الأصبغة المباشرة لصباغة القطن والحرير الصناعي والكتان والجوت والقنب والورق، وتتميز بأنها رخيصة الثمن، ويتم تطبيقها بسهولة على السيللوز. وتمتاز أيضاً بدرجات متوسطة من الثبات للبلل.
الشكل (5) |
أ ـ إرجاع
ب ـ استنزاف على السيللوز
ج ـ أكسدة على السيللوز
د ـ تشكيل صباغ غير ذواب
تطبق هذه الأصبغة على أقمشة المناشف والبزات العسكرية والخيام، وترجع درجات الثبات العالية لأصبغة الأحواض إلى عدم قابليتها للذوبان في معظم المذيبات العادية، ولتسهيل استعمال صبغات الأحواض على مستوى صناعي، أنتجت الشركات إسترات حمض الكبريت مع مركبات الليكو، إذ تذوب هذه الصبغات في الماء في حالة الإرجاع، ويمكن تحويلها إلى الحالة غير الذوابة بالأكسدة.
5 ـ الأصبغة الكبريتية :sulfur dyes تشبه هذه الأصبغة أصبغة الأحواض في مجالات متعددة، وتحتوي هذه الأصبغة مجموعة الكبريت الثنائي، مما يجعلها غير قابلة للانحلال في الماء. ترجع هذه الأصبغة بوساطة كبريتيد الصوديوم عند درجة الغليان، وتتحول إلى شكل ليكو D-SH القابل للانحلال بالماء، ثم يحدث امتزاز لمركب الليكو من قبل النسيج السيللوزي، وبعد ذلك يحدث فعل أكسدة بالهواء لمركب الليكو على القماش معطياً صباغاً غير ذواب، إلا أن امتزاز مركب الليكو ضعيف بالمقارنة مع أصبغة الأحواض، وتوضح المعادلتان الآتيتان طريقة صباغة السيللوز بالأصبغة الكبريتية: (المعادلة 3).
المعادلة (3) |
أ ـ المرحلة الأولى: وهي امتزاز السيللوز لمركبات مثل نفتول.As الذي له ألفة كبيرة للخامة، إلا أن التجفيف بعد الامتزاز يجب ألا يستغرق وقتاً طويلاً خوفاً من أكسدته.
ب ـ المرحلة الثانية: وهي غمر الألياف السيللوزية المعالجة سابقاً مع مركبات الديازونيوم الثابتة والمحضرة من تفاعل أمينات المركبات العطرية مع نتريت الصوديوم بوجود حمض كلور الماء.
الشكل (6) |
8 ـ الأصبغة الفعّالة كيمياوياً: من أجل تحسين ثبات الأصبغة للبلل، اتجه الباحثون إلى ربط جزيء الصباغ بالنسيج برابطة كيمياوية مشتركة، وهذا على خلاف معظم الأصبغة الأخرى التي تكتسب ثباتاً حيال البلل بتحويل جزيئاتها الذائبة بالماء إلى شكل غير منحل عن طريق الأكسدة، كما في أصبغة الأحواض، أو تشكيل مُعقَّد كما في الأصبغة المعدنية. وتحتوي الأصبغة الفعالة كيمياوياً على ذرة أو أكثر من الكلور الفعال، أو تحتوي على رابطة مزدوجة. ويتم التفاعل ما بين الأصبغة الفعالة كيميائياً مع السيللوز أو الصوف بطريقتين :
أ: تفاعلات الاستبدال في حال وجود ذرة كلور أو أكثر، فعّالة في الصباغ.
ب: تفاعلات إضافة في حال احتواء الصباغ على رابطة مزدوجة.
ويتم كلا التفاعلين بالوسط القلوي، وتعد الأصبغة الفعّالة الأكثر انتشاراً في الوقت الحالي، لأنها لاتتطلب أسلوباً معقداً للصباغة.
9 ـ الأصبغة المعلقة :تستخدم هذه الأصبغة لصباغة الألياف التركيبية، وتتميز هذه الألياف بأنها ضعيفة الألفة نحو الماءhydrophobic. لاحظ عدد كبير من الباحثين قدرة الألياف التركيبية على امتزاز الأصبغة المعلقة بالماء اعتباراً من المحلول المائي المعلق، ويشبه هذا السلوك تجزئة المنحل ما بين مذيبين لا يمتزج أحدهما بالآخر، أو بكلمة أوضح محلول صلب في جسم صلب، وبناء على ذلك تنحل جزيئات الأصبغة بتركيز منخفض في المحلول المائي، ولكنها تنتقل إلى داخل الألياف التركيبية بسبب قابليتها العالية للانحلال في الألياف، وتتم هذه العملية عند درجات عالية من الحرارة والضغط وفي وسط حمضي، ويمكن استخدام حوامل كيمياوية تطبق هذه الأصبغة على الألياف التركيبية عند غليان الماء وتحت الضغط الجوي العادي، حيث يسرع الحامل Carrier في امتزاز الأصبغة المعلقة ويسبب في انتفاخ الألياف التركيبية.
10 ـ الأخضبة :pigments لاتذوب أصبغة الخضاب في الماء وليس لها ألفة تجاه الألياف، كما لاتتحول إلى مادة منحلة في أثناء غمر الخامة أو بعده، وإنما تلتصق على سطح النسيج بمادة رابطة، ويستخدم الخضاب على نطاق واسع في الطباعة. ويمكن تقسيم المخضبات إلى:
أ ـ خضاب لا عضوي: تتكون هذه المجموعة من ذرور المعادن وأكاسيد المعادن وأملاح غير ذوابة.
ب ـ خضاب عضوي: يتكون من أملاح الأصبغة غير المنحلة بالماء، مثل المركبات المعقدة للفتالو سيانين.
ويتوقف نجاح تلوين المنسوجات على نوع الخضاب المستخدم وعلى المواد الرابطة، أما عيوب هذا التلوين فترجع إلى انخفاض في درجة ثبات اللون للاحتكاك.
عمليات الصباغ
تتم عمليات الصباغ التي تجري ما بين جزيئات الأصبغة والألياف النسيجية في حمام الصباغة وفق ثلاثة مراحل:
ـ المرحلة الأولى: وهي انتشار جزيئات الأصبغة من المحلول إلى الحدود المشتركة بين المحلول وسطح النسيج، ويلي ذلك امتزاز جزيئات الصباغ على سطح الألياف النسيجية، وتتحكم القوى الكهربائية والحرارة والتحريك في تجمع جزيئات الأصبغة على سطح النسيج.
ـ المرحلة الثانية: وتتضمن هجرة جزيئات الصباغ باتجاه الفراغات البينية في الألياف، ويتأثر ذلك بحجم جزيئات الأصبغة والمسامات الموجودة في البنية الدقيقة للنسيج.
ـ المرحلة الثالثة: يمكن لجزيء الصباغ أن يرتبط بالألياف النسيجية برابطة أو أكثر من الروابط الكيمياوية الآتية:
ارتباط شاردي أو رابطة مشتركة أو رابطة هدروجينية أو قوى فاندرنا
شهير هاشم