رجعي أما دیران ، فعلى العكس يريد أن يرتد ، وبعد ۱۹۱۸ قطع ما بينه وبين شبابه عمداً ، وراح يعارض أشد المعارضة الفن المتجدد الذي ساد في عصره. وهو لا يرى منفذاً للخلاص منه إلا في العودة الصريحة إلى فن المتاحف ولذلك طفق يقتدي بفناني مدينة بولونيا : بوستان » و « كورو » ، وبمصوري الطبيعة الصامتة الذين أنجبتهم هولندا في القرن السابع عشر ، بل أنه رجع إلى فناني روما وبومبيي .
وبوجيز العبارة نقول أنه عاد فارتبط بالتقليد الواقعي مسلماً بكل القواعد المميزة له كالمنظور والمقولب ، واحترام التشريح . على أنه لا يرتضي طبعاً بنقل نماذجه ، فهو إذا صور وجهاً أو جسماً عارياً أو طبيعة صامتة أو مشهداً طبيعياً عمل بطريقته الخاصة به . فأحياناً ، يبدي استخفافاً وشيئاً من الخرق . وكأنما أن يظهر للناس الذين يبيحون لأنفسهم بعض التحرر من القواعد المدرسية . وهو يعرف أيضاً كيف يجد ألواناً غير عادية في مجموعة لونية صماء . فله عين بصيرة وهو ذو ذوق وثقافة . وقد يكون اليه من هذه الصفات أكثر مما يجب ، بينما لا يملك ما يكفي من الشغف والغريزة الخلاقة . وخلاصة القول ومهما كان الاهتمام الذي يظن البعض أن من الواجب إبداءه نحو مسلكه خلال الثلاثينات ، فإن القسم التقليدي من أعماله لا يعادل ما أبدعه أيام المذهب ( الوحشي ) . ولا ما نفذه بين ۱۹۰۸ و ١٩١٤ . وصحيح أن هذا القسم التقليدي يشهد له بالكثير من المهارة . إلا أنه يشهد أيضاً على قلة ثقته بإمكانيات التصوير المعاصر. كما يشهد على اختيارية لم تؤد قط في الفن إلا الى لوحات خالية من أنه من أولئك يريد العنفوان .
موقفاً معارضاً كلياً للاتجاهات التجديدية فإنه وهو يقف موقفاً معاكساً تماماً للميول التجديدية لا يفكر قط في الرجوع إلى كبار الرسامين القدامى . وأكثر ما يفعله هو أن ينظر باتجاه « کوربه Courbet » : أي أن رؤياه هي رؤيا واقعية . بيد إيجازه في الرسم ووطأته في الصنع يعودان إلى القرن العشرين وقد ظهرت بواكيره قبل ١٩١٤ ، ومنذ ذلك الحين اتخذ لنفسه اتجاهاً معيناً . وان الكائنات البشرية التي يرسمها بين الحربين العالميتين ، والتي تمثل في الغالب بعض رجال البحر في قواربهم ، أو أشخاصاً عراة على شاطيء البحر . . هذه الكائنات البشرية تمتاز بالأجسام القوية والأعضاء الطويلة ، ولا تكاد لحومهم تتميز عن التربة أو عن جذوع الأشجار . وجملة القول أن كل شيء يرسمه يبدو وكأنه قد عجن من نفس الطينة الجافة إلى حد ما والمبرغلة : الوجوه ، والأيدي ، والأجسام ، والأقمشة ، والأرض وأوراق الشجر ، وحتى مياه النهر. وإنه ليجد لذة في إبراز الناحية المادية من تصويره. وإذا كان حريصاً على أن يكون للوحاته بناء قوي متين ، فإنما يفعل ذلك بشيء من الخشونة ، على طريقة الفلاحين الذين يضمون بعض العناصر إلى بعضها بعد أن يشذبوها بالمقص . وان مناخه قاس وتحت سماء رمادية ، يبدو جو مشاهده الطبيعية مكفهراً مثل يوم من الخريف أو من أواخر الشتاء . وحتى في جنوب فرنسا لا يكتشف سيجونزاك شيئاً باسماً . علاوة على ذلك فإن لوحاته ليست تلك الناجحة التي يستعمل فيها الألوان الحارة فهو يصور الألوان الترابية ، الألوان الصفراء ، والرمادية والخضراء . . . وإذا تناسى ذلك مرة تاه .
شيء غريب هو أن هذا الفنان الذي يثقل لوحاته بكل هذا الثقل ، والذي يرسمها بالخطوط المتثاقلة نراه عندما ينفذ لوحة مائية أو يرسم بالريشة أو ينقش بعض النقوش فإن أعماله هذه تشف عن رقة تحملنا على التخمين أننا أمام فنان آخر ، وذلك رغم نفس المواضيع ورغم أنه يستعمل في الرسم المائي الألوان نفسها بيد أن الألوان هنا تصبح أكثر سيولة وشفافية وغاية في الخفة ويصبح الرسم كله ناعماً سريعاً وحاسماً . .
ان العبرة في فن أمثال سيجونزاك وديران والإعجاب الذي ينالانه لدى الهواة ولدى النقاد ، قد أثرا على بعض الشبان الناشئين وحملاهم على التبصر والاعتدال فراحوا يؤكدون موقفهم بمهاجمة التكعيبية والتنديد بها ويقول « شابلان ميدي Chapelain Midy » إن التكعيبية في محاولاتها التجريدية الحتمية ، قد نسيت ما الغاية الحقيقية للفن ، وما هو معناه الإنساني ، وقال مستطرداً : « إن من واجب الذين يأتون بعد التكعيبية أن يمنحوا الفن ، ما لا يزال بحاجة إليه من الحقائق الروحية . وانه ، طبعاً ، برنامج جميل ولكن لا بد من الاعتراف بأن الأعمال الفنية التي حققت هذا البرنامج لم تكن بالمستوى الطموح الذي تدل عليه أقوال شابلان ميدي حتى عندما حملت هذه اللوحات توقيع فنانين مثل شابلان نفسه أو ( أودو ) أو ( كايار Caillard ، أو : براير Brayer ) إن كانت الغاية استدراك ما يعتري الفن المعاصر من نقص في الأصالة الداخلية كما يقولون فلا يكفي أن نغطي وجه ( الواقعية ) بقناع جديد ولا بد من التغلب على الخجل لبلوغ الأصالة المنشودة .
وكذلك على الفنان أن يكون جسوراً لكي يخلد مضى زمن كاف لنتحقق من أن الفنانين الذين ظن الناس أنهم سوف يقضون على الفن الحديث لم يستطيعوا أن يوقفوا التطور لحظة واحدة . ولم يستطيعوا أن يغيروا اتجاه هذا التطور ، بينما كان يعمل إلى جانبهم نفر من الشبان الناشئين. ولم يحفل الناس بهؤلاء الشبان وقتئذ في حين أن أعمالهم ومحاولاتهم قد قدر لها أن تكون ذات مدى أكبر ، في تاريخ الفن . وما كادت تندلع نيران الحرب حتى فرضوا أنفسهم لا يعلنون انتماءهم إلى سيجونزاك أو ديران ، بل إلى بونار وهم وماتيس وبيكاسو وليجيه وكلي وكندنسكي .
وبوجيز العبارة نقول أنه عاد فارتبط بالتقليد الواقعي مسلماً بكل القواعد المميزة له كالمنظور والمقولب ، واحترام التشريح . على أنه لا يرتضي طبعاً بنقل نماذجه ، فهو إذا صور وجهاً أو جسماً عارياً أو طبيعة صامتة أو مشهداً طبيعياً عمل بطريقته الخاصة به . فأحياناً ، يبدي استخفافاً وشيئاً من الخرق . وكأنما أن يظهر للناس الذين يبيحون لأنفسهم بعض التحرر من القواعد المدرسية . وهو يعرف أيضاً كيف يجد ألواناً غير عادية في مجموعة لونية صماء . فله عين بصيرة وهو ذو ذوق وثقافة . وقد يكون اليه من هذه الصفات أكثر مما يجب ، بينما لا يملك ما يكفي من الشغف والغريزة الخلاقة . وخلاصة القول ومهما كان الاهتمام الذي يظن البعض أن من الواجب إبداءه نحو مسلكه خلال الثلاثينات ، فإن القسم التقليدي من أعماله لا يعادل ما أبدعه أيام المذهب ( الوحشي ) . ولا ما نفذه بين ۱۹۰۸ و ١٩١٤ . وصحيح أن هذا القسم التقليدي يشهد له بالكثير من المهارة . إلا أنه يشهد أيضاً على قلة ثقته بإمكانيات التصوير المعاصر. كما يشهد على اختيارية لم تؤد قط في الفن إلا الى لوحات خالية من أنه من أولئك يريد العنفوان .
موقفاً معارضاً كلياً للاتجاهات التجديدية فإنه وهو يقف موقفاً معاكساً تماماً للميول التجديدية لا يفكر قط في الرجوع إلى كبار الرسامين القدامى . وأكثر ما يفعله هو أن ينظر باتجاه « کوربه Courbet » : أي أن رؤياه هي رؤيا واقعية . بيد إيجازه في الرسم ووطأته في الصنع يعودان إلى القرن العشرين وقد ظهرت بواكيره قبل ١٩١٤ ، ومنذ ذلك الحين اتخذ لنفسه اتجاهاً معيناً . وان الكائنات البشرية التي يرسمها بين الحربين العالميتين ، والتي تمثل في الغالب بعض رجال البحر في قواربهم ، أو أشخاصاً عراة على شاطيء البحر . . هذه الكائنات البشرية تمتاز بالأجسام القوية والأعضاء الطويلة ، ولا تكاد لحومهم تتميز عن التربة أو عن جذوع الأشجار . وجملة القول أن كل شيء يرسمه يبدو وكأنه قد عجن من نفس الطينة الجافة إلى حد ما والمبرغلة : الوجوه ، والأيدي ، والأجسام ، والأقمشة ، والأرض وأوراق الشجر ، وحتى مياه النهر. وإنه ليجد لذة في إبراز الناحية المادية من تصويره. وإذا كان حريصاً على أن يكون للوحاته بناء قوي متين ، فإنما يفعل ذلك بشيء من الخشونة ، على طريقة الفلاحين الذين يضمون بعض العناصر إلى بعضها بعد أن يشذبوها بالمقص . وان مناخه قاس وتحت سماء رمادية ، يبدو جو مشاهده الطبيعية مكفهراً مثل يوم من الخريف أو من أواخر الشتاء . وحتى في جنوب فرنسا لا يكتشف سيجونزاك شيئاً باسماً . علاوة على ذلك فإن لوحاته ليست تلك الناجحة التي يستعمل فيها الألوان الحارة فهو يصور الألوان الترابية ، الألوان الصفراء ، والرمادية والخضراء . . . وإذا تناسى ذلك مرة تاه .
شيء غريب هو أن هذا الفنان الذي يثقل لوحاته بكل هذا الثقل ، والذي يرسمها بالخطوط المتثاقلة نراه عندما ينفذ لوحة مائية أو يرسم بالريشة أو ينقش بعض النقوش فإن أعماله هذه تشف عن رقة تحملنا على التخمين أننا أمام فنان آخر ، وذلك رغم نفس المواضيع ورغم أنه يستعمل في الرسم المائي الألوان نفسها بيد أن الألوان هنا تصبح أكثر سيولة وشفافية وغاية في الخفة ويصبح الرسم كله ناعماً سريعاً وحاسماً . .
ان العبرة في فن أمثال سيجونزاك وديران والإعجاب الذي ينالانه لدى الهواة ولدى النقاد ، قد أثرا على بعض الشبان الناشئين وحملاهم على التبصر والاعتدال فراحوا يؤكدون موقفهم بمهاجمة التكعيبية والتنديد بها ويقول « شابلان ميدي Chapelain Midy » إن التكعيبية في محاولاتها التجريدية الحتمية ، قد نسيت ما الغاية الحقيقية للفن ، وما هو معناه الإنساني ، وقال مستطرداً : « إن من واجب الذين يأتون بعد التكعيبية أن يمنحوا الفن ، ما لا يزال بحاجة إليه من الحقائق الروحية . وانه ، طبعاً ، برنامج جميل ولكن لا بد من الاعتراف بأن الأعمال الفنية التي حققت هذا البرنامج لم تكن بالمستوى الطموح الذي تدل عليه أقوال شابلان ميدي حتى عندما حملت هذه اللوحات توقيع فنانين مثل شابلان نفسه أو ( أودو ) أو ( كايار Caillard ، أو : براير Brayer ) إن كانت الغاية استدراك ما يعتري الفن المعاصر من نقص في الأصالة الداخلية كما يقولون فلا يكفي أن نغطي وجه ( الواقعية ) بقناع جديد ولا بد من التغلب على الخجل لبلوغ الأصالة المنشودة .
وكذلك على الفنان أن يكون جسوراً لكي يخلد مضى زمن كاف لنتحقق من أن الفنانين الذين ظن الناس أنهم سوف يقضون على الفن الحديث لم يستطيعوا أن يوقفوا التطور لحظة واحدة . ولم يستطيعوا أن يغيروا اتجاه هذا التطور ، بينما كان يعمل إلى جانبهم نفر من الشبان الناشئين. ولم يحفل الناس بهؤلاء الشبان وقتئذ في حين أن أعمالهم ومحاولاتهم قد قدر لها أن تكون ذات مدى أكبر ، في تاريخ الفن . وما كادت تندلع نيران الحرب حتى فرضوا أنفسهم لا يعلنون انتماءهم إلى سيجونزاك أو ديران ، بل إلى بونار وهم وماتيس وبيكاسو وليجيه وكلي وكندنسكي .
تعليق