هذا وان المهم بالنسبة اليه فيما يتعلق باللون ، ليس العجينة ، بل الصبغة والعنصر الروحي. وكذلك ، فهو لا يحفل كثيرا بمادة الاشياء ، فاذا صور ثمرة ما فهو لا يهدف كما يهدف بونار الى أن يجعلنا نحس بلبها اللذيذ . بل يجعل من هذه الثمرة شكلا ملونا ضمن تركيب تصويري . ان ماتيس هو واحد من هؤلاء الحسيين الذين يرون أن النشوة القصوى هي في تصعيد معطيات الحياة .
أما دوفي فقد عاد الى اللون حوالي ۱۹۳۰ . وبعد خمس سنوات أخذ يضفي على اللون هذه الحيوية اللعوب التي ميزته منذئذ و بما أن رسمه أصبح أكثر خفة ، وصار وثابا واهليليجيا ، راح دوفي يخلق أعمالا تطفح بالفرح والجمال الناعم ، حتى أن البعض اعتبروها سطحية متسمة بالتفاؤل التافه. والحقيقة أنها إنما تترجم طبيعة رجل وهب ميزة التأثر العميق بما توفر الحياة من لذيذ وفتان .
ومهما كان المشهد الذي يتوقف عنده هذا الفنان ، فهو يستسلم له ويدعه يتغلغل حتى أعماق كيانه ، وطالما أن زرقة البحر الأبيض المتوسط قد غمرت روحه ، فهو بدوره ، يغمر صوره بهذه الزرقة وهو كذلك ، يجعلنا نتنفس ملء رئتينا طراوة الهواء المنداة التي تذوق هو حلاوتها وهو ينظر الى الزوارق في دوفيل أو يتأمل مسيرات الخيول وسباقها في لون شان وأوتوي وإبسوم وهو يغمرنا أحيانا بهذا الشعور اللذيذ بالاغتراب الذي عرفه وسط صالة موسيقى أو اوبرا . وانه لينقل الينا حماسه حتى لو كانت لوحته تصور مزرعة في نورمانديا أو حقلا مزروعا بالقمح ، والحصادات تجرها جياد الفلاحين . ولما كان هدفه الدائم هو أن ينقل الينا أحاسيس لا أن يصف الأشياء ، فان صبغاته لا تقتصر أن تكون نفس صبغة الأشياء المصورة . ثم أنه يتخلى عن مراعاة المعقول ، وذلك في سبيل زيادة الوزن الشعري .
وان قدرته على الابتكار ونشاطه الفكري ، وخفة يده ومهارتها ، أتاحت له أن ينفذ لمعرض باريز العالمي عام ١٩٣٧ تركيبا واسعا احتل نحوا من : مربع يمثل تاريخ الكهرباء بدءا من تاليس حتى بيير و ماري كوري . وليس من العسير أن يتصور المرء مدى الفخامة والعظمة هذا العمل الفني أن يبلغهما ، لكنه ، في الواقع ، لم يكن كذلك بل بقي الرسم فيه خفيفاً والتلوين مشبعا بالتألق والنكهة .
من النزعة الحديثة المعتدلة الى النزعة التقليدية :
لم يكن لـ دوفي تلامذة ، في حين أثر بونار وماتيس على عدد من الفنانين الشبان الذين استرعوا الانظار حوالي عام ۱۹۳۰ ولاسيما كافاليس » و « ليموز و « بریانشون » و « لوغول Legueult الا أن هؤلاء لا يتخذون من سالفيهم موقفا مشابها لموقف ورثة التكعيبية.
وهم قليلو الميل الى التأملات الفكرية ولذلك لا يهتمون مطلقاً بأن يأتوا بالجديد المحدث . فالذي حفظوه من المعلمين اللذين يتبعونهم ليس مافيهم من جرأة ، بل ما يمكن أن يكون في فنهم من مستحب . ففيما يتعلق بماتيس مثلا ، لم يستر شدوا بلوحاته الثوروية أيام « الوحشية . بقدر ما استر شدوا بلوحات ( الجواري ) الباشة ، ويبرزون فيها الناحية السمحة . ويبرز ذلك بصورة خاصة في كون بریانشون و لوغول يحبان معالجة مواضيع تذكر بسلفهما ، على أنهما لا يصوران و جواري بل موضوع لوحاتهما ( المتنكرون » و « الغانيات ، أو ببساطة « داخل دار ) وليس من ينكر عليهما أنهما يدللان في هذه اللوحات على حساسية وذوق . فتلوينهما متناسق عذب يفسح مجالا واسعا للتموجات وللتدرجات اللونية الصماء ومرد ذلك أنهما يستوحيان أيضاً من فويار Vuillard ، . ولكنهما لا يقتفيان أثره فيما جاء عنده مبتكراً فهما من أنصار ( نزعة حديثة ) مقبولة ومفتتنان بملونة فويار ، لايجدة الرؤية التي قدمها في عهد الأنبياء .
على أنه حوالي عام ۱۹۳۰ ، كان فويار قد تخلى منذ زمن طويل عن الفكر الإبداعي الذي تميز به أيام صباه وأصبح واحداً . أولئك الذين يمثلون العودة إلى الواقعية » . ولما كان راغباً في إرضاء زبائنه البورجوازيين الذين يطلبون منه أن يصورهم فقد أخذ يعمد إلى إظهار الجلساء في البيئة التي يعيشون فيها . وراح يهتم بالتفاصيل الكثيرة ، حتى بدا وكأنه يريد أن ينظم جرداً بجميع ما يقتنون من فلا بد من الإشارة إلى أن هذه اللوحات إذا ما ظلت محتفظة بشيء من الشاعرية ، فإنما تكمن هذه الشاعرية في الأشياء . فحياء فويار الطبيعي يتلاءم بصعوبة مع متطلبات الصور الواقعية ، للأشخاص طبقاً من الفواكه أو غطاء مائدة من الشبيك ، فإنه يشعر بأنه أكثر حرية ، وسرعان ما يستعيد من ماضيه تناسقات نادرة وحساسة . إن لم يستعد كل ما كان يتحلى به من رقة . وكذلك هو شأنه عندما يكون موضوع اللوحة منظراً طبيعياً . وبعبارة وجيزة ، كلما لا يعمل الفنان مباشرة لحساب الغير. وهذا هو السبب في أن مشروعات صور بعض الأشخاص تحوي ما يسر الناظر ، ولكن هذا كله يقل كثيراً أو يتلاشى تماماً في اللوحة النهائية .
وهذا الاحترام للجليس ، وهذه الرغبة في مقابلة لطفه بالمثل ، هما أمران غريبان تماماً لدى فان دونجن ، الذي حصل ، هو الآخر منذ عام ۱۹۱۰ على شهرة كمصور وجوه : بل أنه ظل عشرين تقريباً مصور الوجوه المرموق في المجتمعات الراقية في تلك الحقبة من الزمن . وهذا يفترض بالبداهة أنه كان بدوره مجاملاً في مجال التعبير بيد أن نظرته حادة. وفي أسلوبه شيء من الوقاحة والوحشية . وإذا كان فيمن صورهم بعض الرجال كـ ( أناتول فرانس ) والسياسي رابوبور Rappoport » و « الآغا خان ، وبوني دي كاستيلان»، فهو يصور بصورة خاصة سيدات من المجتمع الراقي وممثلات . وهو يرسمهن مبالغة يسيرة في تأليق حليهن وملابسهن الحريرية ، ويكشف مع عن بعض جسدهن بشكل مثير ، ويضفي الألوان الحية اللاذعة على تأنقهن المتكلف وعلى وجوههن التي تشبه أقنعة الدمى .
ويمكن أن نتحدث عن ( ماركيه ) كمصور وجوه هو أيضاً إلا أن مدن وموانيء ، وهكذا عرفناه أيام « الوحشية هي ولم يتغير منذئذ وإذا كان كثير الانتباه إلى الضوء والجو ، مثل الانطباعيين ، فأعماله الفنية تدل على أنه جاء بعدهم ، من حيث أنه بدلاً من أن يحلل انطباعاته ، فهو يوجزها في صورة تركيبية يضع مسند التصوير في أجواء متنوعة في نابولي ، وهامبورغ ، ومدينة الجزائر ، وروتردام وفي النروج ، كما في مصر ، لكنه يعود دائماً إلى باريز لكي يمعن النظر في أرصفة نهر السين. ولكي يلتفت صوب نوتردام ه البون - نوف Point - Neuf وهو يتأمل هذا المنظر الباريزي بحنان طوال أيام السنة ، مسجلاً كيف يبدو في ضوء الشمس ، وعلى الأخص ، في المطر ، والثلج والضباب ، ولذلك حق القول أن باريز تدين له ببعض أروع اللوحات التي أوحت بها هذه المدينة إلى أهل الفن .
وربما كان الشعار الذي يليق ( بماركيه ) ، هو : لا ثوروي ولا
أما دوفي فقد عاد الى اللون حوالي ۱۹۳۰ . وبعد خمس سنوات أخذ يضفي على اللون هذه الحيوية اللعوب التي ميزته منذئذ و بما أن رسمه أصبح أكثر خفة ، وصار وثابا واهليليجيا ، راح دوفي يخلق أعمالا تطفح بالفرح والجمال الناعم ، حتى أن البعض اعتبروها سطحية متسمة بالتفاؤل التافه. والحقيقة أنها إنما تترجم طبيعة رجل وهب ميزة التأثر العميق بما توفر الحياة من لذيذ وفتان .
ومهما كان المشهد الذي يتوقف عنده هذا الفنان ، فهو يستسلم له ويدعه يتغلغل حتى أعماق كيانه ، وطالما أن زرقة البحر الأبيض المتوسط قد غمرت روحه ، فهو بدوره ، يغمر صوره بهذه الزرقة وهو كذلك ، يجعلنا نتنفس ملء رئتينا طراوة الهواء المنداة التي تذوق هو حلاوتها وهو ينظر الى الزوارق في دوفيل أو يتأمل مسيرات الخيول وسباقها في لون شان وأوتوي وإبسوم وهو يغمرنا أحيانا بهذا الشعور اللذيذ بالاغتراب الذي عرفه وسط صالة موسيقى أو اوبرا . وانه لينقل الينا حماسه حتى لو كانت لوحته تصور مزرعة في نورمانديا أو حقلا مزروعا بالقمح ، والحصادات تجرها جياد الفلاحين . ولما كان هدفه الدائم هو أن ينقل الينا أحاسيس لا أن يصف الأشياء ، فان صبغاته لا تقتصر أن تكون نفس صبغة الأشياء المصورة . ثم أنه يتخلى عن مراعاة المعقول ، وذلك في سبيل زيادة الوزن الشعري .
وان قدرته على الابتكار ونشاطه الفكري ، وخفة يده ومهارتها ، أتاحت له أن ينفذ لمعرض باريز العالمي عام ١٩٣٧ تركيبا واسعا احتل نحوا من : مربع يمثل تاريخ الكهرباء بدءا من تاليس حتى بيير و ماري كوري . وليس من العسير أن يتصور المرء مدى الفخامة والعظمة هذا العمل الفني أن يبلغهما ، لكنه ، في الواقع ، لم يكن كذلك بل بقي الرسم فيه خفيفاً والتلوين مشبعا بالتألق والنكهة .
من النزعة الحديثة المعتدلة الى النزعة التقليدية :
لم يكن لـ دوفي تلامذة ، في حين أثر بونار وماتيس على عدد من الفنانين الشبان الذين استرعوا الانظار حوالي عام ۱۹۳۰ ولاسيما كافاليس » و « ليموز و « بریانشون » و « لوغول Legueult الا أن هؤلاء لا يتخذون من سالفيهم موقفا مشابها لموقف ورثة التكعيبية.
وهم قليلو الميل الى التأملات الفكرية ولذلك لا يهتمون مطلقاً بأن يأتوا بالجديد المحدث . فالذي حفظوه من المعلمين اللذين يتبعونهم ليس مافيهم من جرأة ، بل ما يمكن أن يكون في فنهم من مستحب . ففيما يتعلق بماتيس مثلا ، لم يستر شدوا بلوحاته الثوروية أيام « الوحشية . بقدر ما استر شدوا بلوحات ( الجواري ) الباشة ، ويبرزون فيها الناحية السمحة . ويبرز ذلك بصورة خاصة في كون بریانشون و لوغول يحبان معالجة مواضيع تذكر بسلفهما ، على أنهما لا يصوران و جواري بل موضوع لوحاتهما ( المتنكرون » و « الغانيات ، أو ببساطة « داخل دار ) وليس من ينكر عليهما أنهما يدللان في هذه اللوحات على حساسية وذوق . فتلوينهما متناسق عذب يفسح مجالا واسعا للتموجات وللتدرجات اللونية الصماء ومرد ذلك أنهما يستوحيان أيضاً من فويار Vuillard ، . ولكنهما لا يقتفيان أثره فيما جاء عنده مبتكراً فهما من أنصار ( نزعة حديثة ) مقبولة ومفتتنان بملونة فويار ، لايجدة الرؤية التي قدمها في عهد الأنبياء .
على أنه حوالي عام ۱۹۳۰ ، كان فويار قد تخلى منذ زمن طويل عن الفكر الإبداعي الذي تميز به أيام صباه وأصبح واحداً . أولئك الذين يمثلون العودة إلى الواقعية » . ولما كان راغباً في إرضاء زبائنه البورجوازيين الذين يطلبون منه أن يصورهم فقد أخذ يعمد إلى إظهار الجلساء في البيئة التي يعيشون فيها . وراح يهتم بالتفاصيل الكثيرة ، حتى بدا وكأنه يريد أن ينظم جرداً بجميع ما يقتنون من فلا بد من الإشارة إلى أن هذه اللوحات إذا ما ظلت محتفظة بشيء من الشاعرية ، فإنما تكمن هذه الشاعرية في الأشياء . فحياء فويار الطبيعي يتلاءم بصعوبة مع متطلبات الصور الواقعية ، للأشخاص طبقاً من الفواكه أو غطاء مائدة من الشبيك ، فإنه يشعر بأنه أكثر حرية ، وسرعان ما يستعيد من ماضيه تناسقات نادرة وحساسة . إن لم يستعد كل ما كان يتحلى به من رقة . وكذلك هو شأنه عندما يكون موضوع اللوحة منظراً طبيعياً . وبعبارة وجيزة ، كلما لا يعمل الفنان مباشرة لحساب الغير. وهذا هو السبب في أن مشروعات صور بعض الأشخاص تحوي ما يسر الناظر ، ولكن هذا كله يقل كثيراً أو يتلاشى تماماً في اللوحة النهائية .
وهذا الاحترام للجليس ، وهذه الرغبة في مقابلة لطفه بالمثل ، هما أمران غريبان تماماً لدى فان دونجن ، الذي حصل ، هو الآخر منذ عام ۱۹۱۰ على شهرة كمصور وجوه : بل أنه ظل عشرين تقريباً مصور الوجوه المرموق في المجتمعات الراقية في تلك الحقبة من الزمن . وهذا يفترض بالبداهة أنه كان بدوره مجاملاً في مجال التعبير بيد أن نظرته حادة. وفي أسلوبه شيء من الوقاحة والوحشية . وإذا كان فيمن صورهم بعض الرجال كـ ( أناتول فرانس ) والسياسي رابوبور Rappoport » و « الآغا خان ، وبوني دي كاستيلان»، فهو يصور بصورة خاصة سيدات من المجتمع الراقي وممثلات . وهو يرسمهن مبالغة يسيرة في تأليق حليهن وملابسهن الحريرية ، ويكشف مع عن بعض جسدهن بشكل مثير ، ويضفي الألوان الحية اللاذعة على تأنقهن المتكلف وعلى وجوههن التي تشبه أقنعة الدمى .
ويمكن أن نتحدث عن ( ماركيه ) كمصور وجوه هو أيضاً إلا أن مدن وموانيء ، وهكذا عرفناه أيام « الوحشية هي ولم يتغير منذئذ وإذا كان كثير الانتباه إلى الضوء والجو ، مثل الانطباعيين ، فأعماله الفنية تدل على أنه جاء بعدهم ، من حيث أنه بدلاً من أن يحلل انطباعاته ، فهو يوجزها في صورة تركيبية يضع مسند التصوير في أجواء متنوعة في نابولي ، وهامبورغ ، ومدينة الجزائر ، وروتردام وفي النروج ، كما في مصر ، لكنه يعود دائماً إلى باريز لكي يمعن النظر في أرصفة نهر السين. ولكي يلتفت صوب نوتردام ه البون - نوف Point - Neuf وهو يتأمل هذا المنظر الباريزي بحنان طوال أيام السنة ، مسجلاً كيف يبدو في ضوء الشمس ، وعلى الأخص ، في المطر ، والثلج والضباب ، ولذلك حق القول أن باريز تدين له ببعض أروع اللوحات التي أوحت بها هذه المدينة إلى أهل الفن .
وربما كان الشعار الذي يليق ( بماركيه ) ، هو : لا ثوروي ولا
تعليق