ليست حادة ، ولا قاسية ولا جامحة كخطوط بيكاسو . بل هو يموجها نمويجاً وتبداً حتى يخيل للمرء أنه يتلمس طريقه في رسمها ، أو أنه يرسمها على مهل وحتى عندما يقوى الخط ويشتد ، لايزال فيه بعض العناية ، ومن جهة أخرى فإن الألوان التي يؤثرها هي بصورة خاصة الألوان البنية والرمادية ، والخضراء الزيتونية . وهي ألوان الحياة الصامنة ، والمتأملة . ونفس التدرجات الودية نجدها في المناظر التي أوحت بها إليه شواطئ دييب عام ۱۹۲۹ ونجد فيها أيضاً نفس الجو تقريباً .
هذا . وأن موقع براك في الفن ، هو في خط « شاردا ن Chardin » و « کورو Corot . فليس في لوحاته أية فجاجة ، أية عدوانية ، ولا أثر فيها مطلقاً للكبرياء . وهو يعمل في لوحاته بعناية ، وحرارة. أما عجينة الألوان فهي تارة رقيقة وطوراً كثيفة ولا تقل في حسن وقعها في النفس عن فنه التلويني ذاته . . .
وإذا كان تصوير الطبيعة الصامتة يستهوى براك بصورة خاصة ، فذلك لا يعني أنه يهمل رسم الوجوه البشرية . فرسم مجموعة « حاملات القرابين ، المتفتحات بجلال ( ۱۹۲۲ - ١٩٢٦ ) ، ورسم مجموعة المستحمات ۱۹۳۰ وهي أقل ارضاء من سابقتها لأنه صور أجسادهن بأسلوب أقرب إلى طبيعة بيكاسو منه إلى طبيعة براك نفسه . . وبعد هاتين المجموعتين ، أخذ يرسم صور نساء شابات داخل المنازل ( ١٩٣٦ ۱۹۳۸ ) . وبصورة عامة ، ومهما كان ما تفعله تلك النسوة ، سواء أكن يعزفن الموسيقى ، أم يجلسن في مشغل الفنان ، . . . . نرى وجه المرأة مجابهاً ، ونراه أيضاً جانبياً ، مما يدل على ظل وفياً للنظرية الجمالية في التكعيبية. كما يدل على ذلك أيضاً أنه يستعمل في الأشياء اسلوب المنظور المقلوب، وبموجبه لا تمضي بخطوط الهروب نحو الأفق ، بل تتجه نحو عين الناظر وتلتقي عندها . وهكذا نرى سطوح المناضد تنتصب بشكل يكاد يكون شاقولياً . ونرى الأشياء قد علا بعضها فوق بعض وبدت كأنها تدنو منا حتى تكاد أن تصل إلينا بكل ثقلها . ثم أن براك عندما يرينا منظرين لوجه واحد يجعلنا نكتشف كائنين اثنين في شخص واحد . فقسم الوجه الذي يبدو مواجهة يكون ممتلى الخد جميل القسمات ، فيه بعض التزين ففيه رقة ، وأصالة وذكاء . والأول صافي اللون نسبياً ، والثاني أسود ، أو غامق كما هو شأن الصور المرسومة على الأواني الاغريقية القديمة جداً . ثم أن الشكل نفسه الذي يتضاءل حتى يصبح مجرد ملامح دقيقة للصورة يذكرنا أيضاً بالأواني الأغريقية المذكورة بيد أن هذه اللوحات تخلو من التصنع . وإذا كان فيها ما يجعل اليونان ماثلة حاضرة ، فما ذاك نتيجة تقليد وإنما هو نتيجة التقاء. فالفنان براك يماثل مصوري تلك الأواني ويلتقي معهم من حيث الولوع بالدقة والاعتدال والرشاقة البعيدة عن الاسفاف .
وهذه الرشاقة تميز أيضاً فن مركوسيس ، ويضاف إليها الفتنة فهل يعني ذلك أن الفنان المذكور انما يعرض علينا وجهاً مشذباً من التكعيبية ، وأنه استبعد مالديها من صرامة ومن تقص للابتكار ؟ كلا . إن كل ماجاء به مركوسي هو أنه يستبعد من جمالية الفن التكعيبي كل مافيها أحياناً من جفاف. ولذلك نراه يستعمل في تصوير الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية ألواناً تمتاز بالرقة والهدأة الحنون والخفة الأثيرية أحياناً. ففيها الكثير من الألوان البنية والكثير من ألوان الزرقاء الرمادية. فإذا استعمل أحياناً ألواناً أكثر حيوية ولا سيما الأحمر الآجري ، فإنه يحيطها بتدرجات هادئة رزينة . ومن الأمور ذات الدلالة الكثيرة أن مركوسي أخذ أعتباراً من ١٩١٩ يميل إلى التصوير على الزجاج من الخلف . لأنها تتيح له أن يبرز مافي اسلوبه في التلوين من طابع مضي لامادي وأن يبالغ في التقليل منه إلى حد التكلف .
ونحو ۱۹۲۸ بدأت خطوط هذا الفنان تزداد ليونة وانطلاقاً وراحت تنتفخ تارة وتضيق طوراً ، وكأنها تتنفس ، وكثيراً ما نجد أن خطها المتماوج السريع يوحي برأس ، أو بخيال بشريين مثل ماكس جاكوب Max Jacob أو أبو لينير Apollinaire مثلا . الا أن هذا الايحاء محصور بما هو جوهري
وبعد ذلك بمدة، أخذ الخط يزداد ثباتاً ، وأصبحت الألوان رنانة
أكثر . إلا أنها لا تزال منسجمة انسجاماً موفقاً ، ولا تستبعد مطلقاً ذلك الحنان الشاعري .
وإذا كان خوان غري قد أحب الرسم الصارم منذ ماقبل الحرب فقد زاد تعلقه به بين أعوام ۱۹۱۵ و ۱۹۲۰ . وأصبح كل شي في لوحاته هندسياً ليس إلا ، وغالباً ما تتوارى الخطوط المنحنية لتفسح المجال أمام الخطوط المستقيمة علماً بأن هذه الخطوط كلها ، لاتختلف عن بعضها من حيث رسمها الرزين. فليس ثمة مكان للنزوة ، أو الأنفراج، ولو بصورة عابرة . ورغم كل هذا ، فإن هذا الفن لا يسف ، أما الذي هذا المصير فهو التلوين ، لانه يظل على الدوام يمتاز بالحساسية . سواء أكان رقيقاً أم جليلاً. وقد قال غري : « أني أشتغل بعناصر الفكر والخيال . وأنا أحاول أن أجسد ماهو مجرد ، وأنا أنطلق من العام إلى الخاص ثم قال « أنطلق من شي تجريدي ، فأصل إلى واقع حقيقي ، وأنا أعتبر أن الناحية الهندسية في التصوير هي الناحية الرياضية التجريدية. وإنما أريد أن أجعله انسانياً .... وإذا كان سيزان يجعل من الزجاجة أو القنينة اسطوانة فأنا أنطلق من الأسطوانة لأخلق كائناً من نوع خاص، فأجعل من الاسطوانة قنينة ، قنينة ما وبعد عام ۱۹۲٠ أخذ الرسم عند غري! تدريجياً أكثر ليونة . وبدأت الحرارة تدب في الألوان . لكن تركيب الصورة ظل مصمماً بكثير من التفكير ، مع أن الأشياء بدت أكثر تأكيداً لوجودها وحقيقتها من ذي قبل ، وإذا كانت أجسامها المنبطحة المسطحة قد أخذت تتوارى حوالي ۱۹۱٥ وراء التفنن بالخطوط وخلف مناطق الألوان ، فقد أخذت حوالي عام ۱۹٢٥ ، هي ، أي الأشياء ذاتها ، تستعيد كثافتها . ولم تعد الألوان تطغى عليها بل تؤكد وتوضح معالمها وحدودها وصورتها . وإذا شئنا استعمال تعابير غري بالذات قلنا ان الواقع الحقيقي أصبح الآن مرئياً أكثر من التجريد . بينما كان الأمر على العكس تماماً . قبل .
و كذلك ، أبدع « اميليو بتوروتي Emilio Pettoruti » اعمالاً تكعيبية ذات مستوى ممتاز . ولما كان والداه ايطاليين ، فقد غادر مسقط رأسه في الأرجنتين عام ۱۹۱۳ ليدرس في فلورنسا . وقد انطبعت بواكيره هناك بطابع ( المستقبلية ) . ومنذ ١٩١٤ رسم لوحات تجريدية أبدى فيها اهتماماً خاصاً بتأثير الضوء الديناميكي. وفي هذه الفترة نفسها نفذ أوراقاً مصمغة تظهر أنه تمثل اللغة التكعيبية وقد عبر بها بقوة ، ثم عاد عام ١٩٢٤ إلى الارجنتين ، ولكنه ، وإن غير البيئة التي يعيش فيها ، لم يغير شيئاً من اتجاهه الفني. إلى جانب تصويره المهرجين وغيرهم من الأشخاص فقد صور لوحات من الطبيعة الصامتة تميزت بمافيها من إيجاز مرن في أشكالها المسطحة ، ومن نبل في ألوانها ، وصفاء ودقة في تركيبها ، ولم ينته عهده في التكعيبية إلا في مطالع الخمسينيات إلى أوربا ، فاستقر في باريز ، وعاد مجدداً إلى الفن غير التصويري وأصبح من دعاته والعاملين على انتشاره .
ثم . ماذا عن فيللون و دولوني و ليجيه .؟ . إن أيا منهم لم ينس ماخبره أيام التكعيبية . لكن كلا يبدأ فصلاً جديداً إلى حد ما بعد عام ۱۹۱۸ . وقد انساق فيللون وراء إغراء الفن التجريدي . فحتى في اللوحات التي سماها ( أوراق ) أو ( جواد السباق ) لا يصنع إلا الأشكال الهندسة المسطحة . وكل هذه الأشكال ، أو كلها تقريباً ترسم معالمها خطوط مستقيمة. وتبدو فيها زوايا غالباً حادة ، لكن تلوينه ينقذ أعماله من عيب الصرامة. فهو يتميز دائماً بالرقة . سواء تكونت ألوانه من ضروب الأحمر والأسود أو من الألوان الوردية ، والليلكية والبنفسجية والخضراء ، التي لعبت فيما بعد دوراً هاماً في فنه .
على أن الفترة التجريدية الأولى كانت قصيرة الأمد فبين ١٩٢٢ و ۱۹۳۰ اضطرته مطالب العيش إلى الانصراف بصورة أساسية إلى ممارسة النقوش المعدة للاستنساخ . ثم اجتذبه التصوير مرة ثانية ، فاتجه حقبة قصيرة نحو التصوير الحر. ثم نفذ في ۱۹۳۱ ، ۱۹۳۲ لوحات تجريدية جديدة ، واهتم فيها بمشاكل الفضاء . فهنالك خطوط قطرية توهم الناظر إليها أنها خطوط الهروب. وهناك أشرطة من الألوان تخلق تتابعاً من الأضواء والظلال ، وإذا بنا أمام مايشبه غرفة مكعبة أو هرمية تنفتح أمامنا ، تنجذب أبصارنا إليها وكأنها تدعونا إلى ولوجها. وإمعاناً في إيهام الناظر بوجود العمق ورغبة في إبراز المستويات برسم الفنان أشكالاً هندسية بدائية ببعض الخطوط : فهنا منحنيات تتعانق وتدعى اللوحة ( تمثيلية ) وهناك خطوط مستقيمة منكسرة يثبب بعضها فوق بعض وتدعى اللوحة «فرح» وإذا كان هنالك اقتصاد
هذا . وأن موقع براك في الفن ، هو في خط « شاردا ن Chardin » و « کورو Corot . فليس في لوحاته أية فجاجة ، أية عدوانية ، ولا أثر فيها مطلقاً للكبرياء . وهو يعمل في لوحاته بعناية ، وحرارة. أما عجينة الألوان فهي تارة رقيقة وطوراً كثيفة ولا تقل في حسن وقعها في النفس عن فنه التلويني ذاته . . .
وإذا كان تصوير الطبيعة الصامتة يستهوى براك بصورة خاصة ، فذلك لا يعني أنه يهمل رسم الوجوه البشرية . فرسم مجموعة « حاملات القرابين ، المتفتحات بجلال ( ۱۹۲۲ - ١٩٢٦ ) ، ورسم مجموعة المستحمات ۱۹۳۰ وهي أقل ارضاء من سابقتها لأنه صور أجسادهن بأسلوب أقرب إلى طبيعة بيكاسو منه إلى طبيعة براك نفسه . . وبعد هاتين المجموعتين ، أخذ يرسم صور نساء شابات داخل المنازل ( ١٩٣٦ ۱۹۳۸ ) . وبصورة عامة ، ومهما كان ما تفعله تلك النسوة ، سواء أكن يعزفن الموسيقى ، أم يجلسن في مشغل الفنان ، . . . . نرى وجه المرأة مجابهاً ، ونراه أيضاً جانبياً ، مما يدل على ظل وفياً للنظرية الجمالية في التكعيبية. كما يدل على ذلك أيضاً أنه يستعمل في الأشياء اسلوب المنظور المقلوب، وبموجبه لا تمضي بخطوط الهروب نحو الأفق ، بل تتجه نحو عين الناظر وتلتقي عندها . وهكذا نرى سطوح المناضد تنتصب بشكل يكاد يكون شاقولياً . ونرى الأشياء قد علا بعضها فوق بعض وبدت كأنها تدنو منا حتى تكاد أن تصل إلينا بكل ثقلها . ثم أن براك عندما يرينا منظرين لوجه واحد يجعلنا نكتشف كائنين اثنين في شخص واحد . فقسم الوجه الذي يبدو مواجهة يكون ممتلى الخد جميل القسمات ، فيه بعض التزين ففيه رقة ، وأصالة وذكاء . والأول صافي اللون نسبياً ، والثاني أسود ، أو غامق كما هو شأن الصور المرسومة على الأواني الاغريقية القديمة جداً . ثم أن الشكل نفسه الذي يتضاءل حتى يصبح مجرد ملامح دقيقة للصورة يذكرنا أيضاً بالأواني الأغريقية المذكورة بيد أن هذه اللوحات تخلو من التصنع . وإذا كان فيها ما يجعل اليونان ماثلة حاضرة ، فما ذاك نتيجة تقليد وإنما هو نتيجة التقاء. فالفنان براك يماثل مصوري تلك الأواني ويلتقي معهم من حيث الولوع بالدقة والاعتدال والرشاقة البعيدة عن الاسفاف .
وهذه الرشاقة تميز أيضاً فن مركوسيس ، ويضاف إليها الفتنة فهل يعني ذلك أن الفنان المذكور انما يعرض علينا وجهاً مشذباً من التكعيبية ، وأنه استبعد مالديها من صرامة ومن تقص للابتكار ؟ كلا . إن كل ماجاء به مركوسي هو أنه يستبعد من جمالية الفن التكعيبي كل مافيها أحياناً من جفاف. ولذلك نراه يستعمل في تصوير الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية ألواناً تمتاز بالرقة والهدأة الحنون والخفة الأثيرية أحياناً. ففيها الكثير من الألوان البنية والكثير من ألوان الزرقاء الرمادية. فإذا استعمل أحياناً ألواناً أكثر حيوية ولا سيما الأحمر الآجري ، فإنه يحيطها بتدرجات هادئة رزينة . ومن الأمور ذات الدلالة الكثيرة أن مركوسي أخذ أعتباراً من ١٩١٩ يميل إلى التصوير على الزجاج من الخلف . لأنها تتيح له أن يبرز مافي اسلوبه في التلوين من طابع مضي لامادي وأن يبالغ في التقليل منه إلى حد التكلف .
ونحو ۱۹۲۸ بدأت خطوط هذا الفنان تزداد ليونة وانطلاقاً وراحت تنتفخ تارة وتضيق طوراً ، وكأنها تتنفس ، وكثيراً ما نجد أن خطها المتماوج السريع يوحي برأس ، أو بخيال بشريين مثل ماكس جاكوب Max Jacob أو أبو لينير Apollinaire مثلا . الا أن هذا الايحاء محصور بما هو جوهري
وبعد ذلك بمدة، أخذ الخط يزداد ثباتاً ، وأصبحت الألوان رنانة
أكثر . إلا أنها لا تزال منسجمة انسجاماً موفقاً ، ولا تستبعد مطلقاً ذلك الحنان الشاعري .
وإذا كان خوان غري قد أحب الرسم الصارم منذ ماقبل الحرب فقد زاد تعلقه به بين أعوام ۱۹۱۵ و ۱۹۲۰ . وأصبح كل شي في لوحاته هندسياً ليس إلا ، وغالباً ما تتوارى الخطوط المنحنية لتفسح المجال أمام الخطوط المستقيمة علماً بأن هذه الخطوط كلها ، لاتختلف عن بعضها من حيث رسمها الرزين. فليس ثمة مكان للنزوة ، أو الأنفراج، ولو بصورة عابرة . ورغم كل هذا ، فإن هذا الفن لا يسف ، أما الذي هذا المصير فهو التلوين ، لانه يظل على الدوام يمتاز بالحساسية . سواء أكان رقيقاً أم جليلاً. وقد قال غري : « أني أشتغل بعناصر الفكر والخيال . وأنا أحاول أن أجسد ماهو مجرد ، وأنا أنطلق من العام إلى الخاص ثم قال « أنطلق من شي تجريدي ، فأصل إلى واقع حقيقي ، وأنا أعتبر أن الناحية الهندسية في التصوير هي الناحية الرياضية التجريدية. وإنما أريد أن أجعله انسانياً .... وإذا كان سيزان يجعل من الزجاجة أو القنينة اسطوانة فأنا أنطلق من الأسطوانة لأخلق كائناً من نوع خاص، فأجعل من الاسطوانة قنينة ، قنينة ما وبعد عام ۱۹۲٠ أخذ الرسم عند غري! تدريجياً أكثر ليونة . وبدأت الحرارة تدب في الألوان . لكن تركيب الصورة ظل مصمماً بكثير من التفكير ، مع أن الأشياء بدت أكثر تأكيداً لوجودها وحقيقتها من ذي قبل ، وإذا كانت أجسامها المنبطحة المسطحة قد أخذت تتوارى حوالي ۱۹۱٥ وراء التفنن بالخطوط وخلف مناطق الألوان ، فقد أخذت حوالي عام ۱۹٢٥ ، هي ، أي الأشياء ذاتها ، تستعيد كثافتها . ولم تعد الألوان تطغى عليها بل تؤكد وتوضح معالمها وحدودها وصورتها . وإذا شئنا استعمال تعابير غري بالذات قلنا ان الواقع الحقيقي أصبح الآن مرئياً أكثر من التجريد . بينما كان الأمر على العكس تماماً . قبل .
و كذلك ، أبدع « اميليو بتوروتي Emilio Pettoruti » اعمالاً تكعيبية ذات مستوى ممتاز . ولما كان والداه ايطاليين ، فقد غادر مسقط رأسه في الأرجنتين عام ۱۹۱۳ ليدرس في فلورنسا . وقد انطبعت بواكيره هناك بطابع ( المستقبلية ) . ومنذ ١٩١٤ رسم لوحات تجريدية أبدى فيها اهتماماً خاصاً بتأثير الضوء الديناميكي. وفي هذه الفترة نفسها نفذ أوراقاً مصمغة تظهر أنه تمثل اللغة التكعيبية وقد عبر بها بقوة ، ثم عاد عام ١٩٢٤ إلى الارجنتين ، ولكنه ، وإن غير البيئة التي يعيش فيها ، لم يغير شيئاً من اتجاهه الفني. إلى جانب تصويره المهرجين وغيرهم من الأشخاص فقد صور لوحات من الطبيعة الصامتة تميزت بمافيها من إيجاز مرن في أشكالها المسطحة ، ومن نبل في ألوانها ، وصفاء ودقة في تركيبها ، ولم ينته عهده في التكعيبية إلا في مطالع الخمسينيات إلى أوربا ، فاستقر في باريز ، وعاد مجدداً إلى الفن غير التصويري وأصبح من دعاته والعاملين على انتشاره .
ثم . ماذا عن فيللون و دولوني و ليجيه .؟ . إن أيا منهم لم ينس ماخبره أيام التكعيبية . لكن كلا يبدأ فصلاً جديداً إلى حد ما بعد عام ۱۹۱۸ . وقد انساق فيللون وراء إغراء الفن التجريدي . فحتى في اللوحات التي سماها ( أوراق ) أو ( جواد السباق ) لا يصنع إلا الأشكال الهندسة المسطحة . وكل هذه الأشكال ، أو كلها تقريباً ترسم معالمها خطوط مستقيمة. وتبدو فيها زوايا غالباً حادة ، لكن تلوينه ينقذ أعماله من عيب الصرامة. فهو يتميز دائماً بالرقة . سواء تكونت ألوانه من ضروب الأحمر والأسود أو من الألوان الوردية ، والليلكية والبنفسجية والخضراء ، التي لعبت فيما بعد دوراً هاماً في فنه .
على أن الفترة التجريدية الأولى كانت قصيرة الأمد فبين ١٩٢٢ و ۱۹۳۰ اضطرته مطالب العيش إلى الانصراف بصورة أساسية إلى ممارسة النقوش المعدة للاستنساخ . ثم اجتذبه التصوير مرة ثانية ، فاتجه حقبة قصيرة نحو التصوير الحر. ثم نفذ في ۱۹۳۱ ، ۱۹۳۲ لوحات تجريدية جديدة ، واهتم فيها بمشاكل الفضاء . فهنالك خطوط قطرية توهم الناظر إليها أنها خطوط الهروب. وهناك أشرطة من الألوان تخلق تتابعاً من الأضواء والظلال ، وإذا بنا أمام مايشبه غرفة مكعبة أو هرمية تنفتح أمامنا ، تنجذب أبصارنا إليها وكأنها تدعونا إلى ولوجها. وإمعاناً في إيهام الناظر بوجود العمق ورغبة في إبراز المستويات برسم الفنان أشكالاً هندسية بدائية ببعض الخطوط : فهنا منحنيات تتعانق وتدعى اللوحة ( تمثيلية ) وهناك خطوط مستقيمة منكسرة يثبب بعضها فوق بعض وتدعى اللوحة «فرح» وإذا كان هنالك اقتصاد
تعليق