الصُّفرية
الخوارج أوالحرورية أو الشُّرَاة من أقدم الفرق الإسلامية في التاريخ العربي الإسلامي،ظهرت حركتهم على أثر الخلافات التي نشأت حول قبول التحكيم في حرب صفّين 37هـ/657م بين أنصار الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب وأتباع معاوية بن أبي سفيان والي الشام المتمرد على سلطة الخلافة، والتسمية ترجع إما لأنهم خرجوا على طاعة الإمام الحق أو لأنهم خرجوا على الجماعة ومرقوا من الإجماع الديني. وهم يسمّون أنفسهم «الشُّراة» أي الذين باعوا أنفسهم في طاعة الله تعالى بأن لهم الجنة، ورفضوا تحكيم الرجال في حكم الله. وسريعاً ما انقسم الخوارج إلى عدد من الفرق يتفرع من كل منها فروع أخرى حتى بلغت العشرين. وأشهر فرقهم الرئيسة: المحكّمة الأولى بزعامة عبد الله الكوا وعبد الله بن وهب الراسبي وحرقوص بن زهير البجلي ذي الثدية التي قضى عليها في وقعة النهروان (39هـ/659م) جيش الخليفة علي، والأزارقة والعجاردة والنجدات والصّفرية والبيهسية والإباضية، وتنأى المصادر الإباضية عن عدّ فرقتهم خارجية، ويقولون إنهم يلتقون مع الخوارج في النشأة الأولى عند التحكيم وفي إدانته بكل أشخاصه ونتائجه فقط.ولم يؤلف الخوارج وحدة حقيقية سياسية ودينية، ولم يكن لهم مجموعة منسّقة من المبادئ، إلا أن فرقهم كلها تلتقي حول آراء مشتركة هي: أنهم كفّروا علياً وعثمان وأصحاب الجمل والحَكَمَين ومن صوّبهما، أو صوّب أحدهما، أو رضي بالتحكيم. وقالوا أنْ لاحُكْمَ إلا لله، وأن الخلافة اختيار حر حق لكل مؤمن غير متهم في دينه أو خُلُقه من دون اعتبار للمولد والأصل، وما إذا كان قرشياً أو غير ذلك، وكان مولى أو عبداً أسود، وأعلنوا الإنكار المطلق للإيمان بلا عمل، و أنكروا عذاب القبر، ونادوا بخلق القرآن، واختلفوا في طريقة التعامل مع سائر المسلمين بين قطبي التكفير، والتعامل المحدود دون تكفير.
وقد تمادت فرق الخوارج في الشقاق والمنازعة على مسائل جزئية وفرعية جداً بأسلوب متعصب مُتشنج، وأحياناً دموي، على أ نهم جميعاً يمتازون بالشدة في الدّين والإخلاص في العقيدة والشجاعة البالغة.
والصّفرية إحدى أهم فرق الخوارج بحيث يرى باحثون أن معظم أصنافهم ما عدا الأزارقة والنَّجدات والإباضية، إنما تفرعوا من الصّفرية، وهي نازعت الفرق الأخرى حول مسائل صغيرة وثانوية، وكانت معتدلة نسبياً قياساً إلى الأزارقة والنجدات، فهم لايرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم والأزارقة يرون ذلك، وكان رأيهم أن ما كان من الأعمال عليه حد واقع يسمى صاحبه بالاسم الموضوع له (زان، سارق، قاذف، قاتل عمد) ولايسمّى كافراًَ أو مشركاً، وكل ذنب ليس فيه حد مثل ترك الصلاة والصوم فهو كفر وصاحبه كافر. والصّفرية لا يُكفّرون القعدة الذين لايشتركون معهم في العمل إذا كانوا معهم على الإيمان، ولايكفّرون أطفال المشركين، والرجم عندهم قائم وعند غيرهم ساقط، وجوّزوا التقيّة في القول فقط.
وسبب تسميتهم بالصّفرية إما لأنهم نُسِبوا إلى زياد بن الأصفر ولذا يسمّون بالزيادية، وإما لأنهم نسبوا ـ وهذا أرجح ـ إلى عبد الله بن الصفّار التميمي من خوارج البصرة الذي كان مع زعيمين خارجيين آخرين هما نافع ابن الأزرق وعبد الله بن إباض إلى جانب عبد الله بن الزبير في أثناء إعلانه خلافته في مكة (64هـ/684م)، ثم اختلفوا معه وفارقوه إلى شرقي الجزيرة العربية، ولكنهم اختلفوا فيما بينهم أيضاً وألّف كل واحد منهم فرقة خارجية نسبت إليه ولها آراء خاصة. وكانت الصّفرية الأكثر تأثيراً في أحداث العصر الأموي في المشرق وفي أحداث العصر العباسي في المغرب.
ومن أهم ثورات الصّفرية في العصر الأموي ثورة صالح بن مسرّح (76هـ/695م) الذي خرج على والي العراق بشر ابن مروان زمن خلافة عبد الملك بن مروان في منطقة الجزيرة، وعندما جرح واحتُضِر أوصى بأن يخلفه رجل فارس شجاع فقيه هو شبيب بن يزيد الشيباني الذي تابع ثورة صالح إلى أن تمكن منه الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراقين فهزمه وانتهى أمره بموته غرقاً، حينما نفر به فرسه وهو على جسر دُجيل (في نواحي الأهواز) فسقط في الماء، سنة 77هـ.
وفي سنة 126هـ قام زعيم صفري هو سعيد بن بهدل بثورة في الجزيرة، وعندما مات في 127هـ خلفه الضحاك ابن قيس الشيباني وهو من الدهاة الشجعان، فامتد بثورته إلى أرض الموصل وشهرزور، واجتمعت إليه الصفرية واستولى على الموصل والكوفة وعظم خطره، فقصده الخليفة الأموي مروان بن محمد والتقى جيشاهما بنواحي كفر توثا من ديار ماردين، وقُتل الضحاك عام 129هـ، وقد بلغ من قوته أن بايعه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام ابن عبد الملك وصلّيا خلفه.
وفي زمن الخليفة المنصور (136ـ158هـ/754ـ775م) في العصر العباسي قام الصفريون والإباضية بثورة شديدة في المغرب قتلوا فيها الوالي العباسي عمر بن حفص من ولد قبيصة بن أبي صفرة ولد المهلّب، وكانت بقيادة أبي حاتم الإباضي. فأرسل المنصور يزيد بن حاتم بن قبيصة بن أبي صفرة والياً وقائداً تغلب على الخوارج وقتل زعيمهم أبا حاتم. وفي أيام الرشيد (170ـ193هـ/786ـ809م) خرج في الجزيرة الفراتية سنة 177هـ/793م الوليد بن طريف الشاري، وجمع جموعاً كبيرة، واستفحل أمره في الجزيرة وجوارها، فسيّر الرشيد إليه جيشاً كثيفاً يقوده يزيد بن مزيد الشيباني فهزمه وقتله. بيد أن أشد ثورات الصّفرية في المغرب (تونس وماوراءها) كانت ثورة بربرية بزعامة الصفري أبي يزيد مخلدّ بن كيداد الزناتي وذلك في عهد الخليفة الفاطمي أبي القاسم القائم بأمر الله محمد (322ـ334هـ/934ـ945م) واجتمع إلى الثائر خوارج تلك الديار وكادوا أن يهدموا الخلافة الفاطمية، واستمرت ثورتهم إلى أيام الخليفة الفاطمي المنصور إسماعيل (334ـ341هـ/945ـ953م) الذي قضى على الثورة وعلى زعمائها. وظل الخوارج يقيمون حكماَ لهم في مناطق متفرقة من المغرب كان من أهمها أن الصفرية أقاموا حكماَ لهم في سجلّماسة على يد مدرار بن اليسع وعرفوا ببني مدرار واستمر حكمهم مدة طويلة (155ـ297 هـ/772ـ909م) إلى أن استولى الفاطميون على دولتهم.
يوسف الأمير علي
الخوارج أوالحرورية أو الشُّرَاة من أقدم الفرق الإسلامية في التاريخ العربي الإسلامي،ظهرت حركتهم على أثر الخلافات التي نشأت حول قبول التحكيم في حرب صفّين 37هـ/657م بين أنصار الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب وأتباع معاوية بن أبي سفيان والي الشام المتمرد على سلطة الخلافة، والتسمية ترجع إما لأنهم خرجوا على طاعة الإمام الحق أو لأنهم خرجوا على الجماعة ومرقوا من الإجماع الديني. وهم يسمّون أنفسهم «الشُّراة» أي الذين باعوا أنفسهم في طاعة الله تعالى بأن لهم الجنة، ورفضوا تحكيم الرجال في حكم الله. وسريعاً ما انقسم الخوارج إلى عدد من الفرق يتفرع من كل منها فروع أخرى حتى بلغت العشرين. وأشهر فرقهم الرئيسة: المحكّمة الأولى بزعامة عبد الله الكوا وعبد الله بن وهب الراسبي وحرقوص بن زهير البجلي ذي الثدية التي قضى عليها في وقعة النهروان (39هـ/659م) جيش الخليفة علي، والأزارقة والعجاردة والنجدات والصّفرية والبيهسية والإباضية، وتنأى المصادر الإباضية عن عدّ فرقتهم خارجية، ويقولون إنهم يلتقون مع الخوارج في النشأة الأولى عند التحكيم وفي إدانته بكل أشخاصه ونتائجه فقط.ولم يؤلف الخوارج وحدة حقيقية سياسية ودينية، ولم يكن لهم مجموعة منسّقة من المبادئ، إلا أن فرقهم كلها تلتقي حول آراء مشتركة هي: أنهم كفّروا علياً وعثمان وأصحاب الجمل والحَكَمَين ومن صوّبهما، أو صوّب أحدهما، أو رضي بالتحكيم. وقالوا أنْ لاحُكْمَ إلا لله، وأن الخلافة اختيار حر حق لكل مؤمن غير متهم في دينه أو خُلُقه من دون اعتبار للمولد والأصل، وما إذا كان قرشياً أو غير ذلك، وكان مولى أو عبداً أسود، وأعلنوا الإنكار المطلق للإيمان بلا عمل، و أنكروا عذاب القبر، ونادوا بخلق القرآن، واختلفوا في طريقة التعامل مع سائر المسلمين بين قطبي التكفير، والتعامل المحدود دون تكفير.
وقد تمادت فرق الخوارج في الشقاق والمنازعة على مسائل جزئية وفرعية جداً بأسلوب متعصب مُتشنج، وأحياناً دموي، على أ نهم جميعاً يمتازون بالشدة في الدّين والإخلاص في العقيدة والشجاعة البالغة.
والصّفرية إحدى أهم فرق الخوارج بحيث يرى باحثون أن معظم أصنافهم ما عدا الأزارقة والنَّجدات والإباضية، إنما تفرعوا من الصّفرية، وهي نازعت الفرق الأخرى حول مسائل صغيرة وثانوية، وكانت معتدلة نسبياً قياساً إلى الأزارقة والنجدات، فهم لايرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم والأزارقة يرون ذلك، وكان رأيهم أن ما كان من الأعمال عليه حد واقع يسمى صاحبه بالاسم الموضوع له (زان، سارق، قاذف، قاتل عمد) ولايسمّى كافراًَ أو مشركاً، وكل ذنب ليس فيه حد مثل ترك الصلاة والصوم فهو كفر وصاحبه كافر. والصّفرية لا يُكفّرون القعدة الذين لايشتركون معهم في العمل إذا كانوا معهم على الإيمان، ولايكفّرون أطفال المشركين، والرجم عندهم قائم وعند غيرهم ساقط، وجوّزوا التقيّة في القول فقط.
وسبب تسميتهم بالصّفرية إما لأنهم نُسِبوا إلى زياد بن الأصفر ولذا يسمّون بالزيادية، وإما لأنهم نسبوا ـ وهذا أرجح ـ إلى عبد الله بن الصفّار التميمي من خوارج البصرة الذي كان مع زعيمين خارجيين آخرين هما نافع ابن الأزرق وعبد الله بن إباض إلى جانب عبد الله بن الزبير في أثناء إعلانه خلافته في مكة (64هـ/684م)، ثم اختلفوا معه وفارقوه إلى شرقي الجزيرة العربية، ولكنهم اختلفوا فيما بينهم أيضاً وألّف كل واحد منهم فرقة خارجية نسبت إليه ولها آراء خاصة. وكانت الصّفرية الأكثر تأثيراً في أحداث العصر الأموي في المشرق وفي أحداث العصر العباسي في المغرب.
ومن أهم ثورات الصّفرية في العصر الأموي ثورة صالح بن مسرّح (76هـ/695م) الذي خرج على والي العراق بشر ابن مروان زمن خلافة عبد الملك بن مروان في منطقة الجزيرة، وعندما جرح واحتُضِر أوصى بأن يخلفه رجل فارس شجاع فقيه هو شبيب بن يزيد الشيباني الذي تابع ثورة صالح إلى أن تمكن منه الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراقين فهزمه وانتهى أمره بموته غرقاً، حينما نفر به فرسه وهو على جسر دُجيل (في نواحي الأهواز) فسقط في الماء، سنة 77هـ.
وفي سنة 126هـ قام زعيم صفري هو سعيد بن بهدل بثورة في الجزيرة، وعندما مات في 127هـ خلفه الضحاك ابن قيس الشيباني وهو من الدهاة الشجعان، فامتد بثورته إلى أرض الموصل وشهرزور، واجتمعت إليه الصفرية واستولى على الموصل والكوفة وعظم خطره، فقصده الخليفة الأموي مروان بن محمد والتقى جيشاهما بنواحي كفر توثا من ديار ماردين، وقُتل الضحاك عام 129هـ، وقد بلغ من قوته أن بايعه عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن هشام ابن عبد الملك وصلّيا خلفه.
وفي زمن الخليفة المنصور (136ـ158هـ/754ـ775م) في العصر العباسي قام الصفريون والإباضية بثورة شديدة في المغرب قتلوا فيها الوالي العباسي عمر بن حفص من ولد قبيصة بن أبي صفرة ولد المهلّب، وكانت بقيادة أبي حاتم الإباضي. فأرسل المنصور يزيد بن حاتم بن قبيصة بن أبي صفرة والياً وقائداً تغلب على الخوارج وقتل زعيمهم أبا حاتم. وفي أيام الرشيد (170ـ193هـ/786ـ809م) خرج في الجزيرة الفراتية سنة 177هـ/793م الوليد بن طريف الشاري، وجمع جموعاً كبيرة، واستفحل أمره في الجزيرة وجوارها، فسيّر الرشيد إليه جيشاً كثيفاً يقوده يزيد بن مزيد الشيباني فهزمه وقتله. بيد أن أشد ثورات الصّفرية في المغرب (تونس وماوراءها) كانت ثورة بربرية بزعامة الصفري أبي يزيد مخلدّ بن كيداد الزناتي وذلك في عهد الخليفة الفاطمي أبي القاسم القائم بأمر الله محمد (322ـ334هـ/934ـ945م) واجتمع إلى الثائر خوارج تلك الديار وكادوا أن يهدموا الخلافة الفاطمية، واستمرت ثورتهم إلى أيام الخليفة الفاطمي المنصور إسماعيل (334ـ341هـ/945ـ953م) الذي قضى على الثورة وعلى زعمائها. وظل الخوارج يقيمون حكماَ لهم في مناطق متفرقة من المغرب كان من أهمها أن الصفرية أقاموا حكماَ لهم في سجلّماسة على يد مدرار بن اليسع وعرفوا ببني مدرار واستمر حكمهم مدة طويلة (155ـ297 هـ/772ـ909م) إلى أن استولى الفاطميون على دولتهم.
يوسف الأمير علي