الصحة العقلية
الصحة العقلية mental health هو العلم الذي يبحث في تأمين الرعاية الصحية النفسية والوقاية من الإصابة بالاضطراب العقلي أو النفسي لدى البالغين والأطفال والشيوخ، وكذلك الوقاية من أمراض اضطراب الشخصية والسلوك، ومرض الإدمان والصرع والاضطرابات الجنسية ومعالجتها في حال الإصابة بها دوائياً ونفسياً بمختلف طرق المعالجة الدوائية والنفسية، وتأمين وصول خدمات هذه الرعاية لكل أفراد المجتمع في المدن والأرياف عن طريق مراكز الرعاية الصحية الأولية الجسمية primary health care المنتشرة في كل المناطق ليكون كل فرد مستقراً نفسياً وسعيداً ونافعاً لأسرته ومجتمعه.
تبين الإحصائيات العالمية أن 1 إلى 2% من السكان يعانون من مرض عقلي خطير، وأن 4 إلى 5% من السكان يعانون مرضاً نفسياً، مما تعد معه هذه الأمراض النفسية والعقلية من معوقات تقدم الفرد والمجتمع اقتصادياً واجتماعياً وحضارياً.
شغل الإنسان، منذ القديم، بمشكلة الصحة النفسية، وتشير الدراسات الآثارية الحديثة إلى أن بعض الأمراض العقلية كانت معروفة منذ العصر الحجري، وكان البابليون والمصريون القدماء يميزون الشيخوخة وما فيها من اضطرابات ذهنية ومزاجية من الاكتئاب النفسي، وربطوا هذه الأمراض بالإثم والأرواح الشريرة وعالجوها في المعابد بوسائل السحر والإيحاء والتسلية. وقد اقترح الصينيون عام 2600 ق.م التداوي بتبديل البيئة وممارسة الهوايات، وسار مثلهم الهنود واليونانيون على الطريقة نفسها.
ـ المرحلة السحرية magic stage: وعدت، في هذه المرحلة، الأرواح الشريرة والجن والشياطين التي تسكن داخل البدن هي المسؤولة عن الإصابة بالمرض العقلي، ولهذا لابد من إخراجها من البدن باستخدام أساليب السحر والتعاويذ والشعائر الكهنوتية والنار والبخور. وقد استخدم البابليون والآشوريون والهنود والمصريون الطريقة ذاتها لفترات طويلة من التاريخ.
ـ المرحلة الطبيعية ـ الطبية أو اليونانية hellenic stage: أسس اليونانيون الاتجاه الطبي العضوي في تفسير المرض العقلي والنفسي، ووصفوا الصرع، وسموه (المرض المقدس)، وأكد معظم أطباء اليونان، وعلى رأسهم جالينوس وأبقراط، أن لاعلاقة للجن والأرواح الشريرة بالأمراض العقلية والنفسية، وقالوا بأن المسؤول عن ذلك هي الاضطرابات الوظيفية الجسديةfunctional physical disorders.
ـ مرحلة العصر الأوروبي الوسيط أو (المرحلة الكنسية): ساءت حالة الصحة النفسية وحالة المرضى العقليين في هذه المرحلة التي اعتمدت على الأساليب الدينية والمشروبات السحرية والغول والوخز بالسكاكين والضرب بمطارق السحرة لطرد العفاريت والأرواح الشريرة من الجسد، وكانوا يعزلون المريض العقلي ويبتعدون عنه، فوضعوه في الملاجئ والأقبية المهجورة والسجون ضمن شروط سيئة جداً، كما اعتقدوا أن المرض العقلي هو رجس من الشيطان، وربطوا بين هذا المرض والشياطين وخطايا المريض وآثامه وذنوبه، وعدوا هذا المرض عقاباً له على الخطايا والآثام التي ارتكبها، ولجؤوا إلى ربط المرضى العقليين بالسلاسل والأغلال وتركهم بلا ماء وغذاء ومارسوا عليهم الضرب الشديد والحرق بالنار كطريقة من طرق عقاب المريض والأرواح الشريرة التي تسكن داخل جسده.
ـ المرحلة العربية ـ الإسلامية في الطب والعلاج النفسي: للثقافة العربية الإسلامية أثر مهم في تقدم الطب عامة والطب النفسي والصحة النفسية خاصة، فقد منحته قيماً حضارية ومعاني إنسانية، واستعملت وسائل العلاج الإنسانية والرحيمة في معالجة المرضى العقليين. وقد أسست هذه الحضارة المستشفيات وسمتها (بيمارستانات) لاستقبال المرضى ـ ومنهم المرضى العقليين ـ ومعالجتهم بكل طرق العلاج النفسي كالتداوي بالعمل والموسيقى ووسائل الترفيه الأخرى. وكان ابن سينا أول من تكلم عن الطب النفسي الجسديpsychosomatic وطبق مبادئ هذا الطب وأساليبه في المعالجة، كما كان أول من تحدث عن القلق والاكتئاب والميول الانتحارية والانفعالات وتأثيرها في الجسد، وتحدث أيضاً عن تأثير البيئة في المرض العقلي والنفسي، ورأى أن الموسيقا هي أسلوب علاجي مهم ومؤثر في الأمراض العقلية. كما أن الطبيب العربي الرازي أسس علم النفس التجريبي وألف نحو (236) كتاباً في الطب والسلوك والنفس الإنسانية فضلاً عن إنتاجه في سائر العلوم، وأوصى أيضاً بالموسيقى أسلوباً مهماً لعلاج الأمراض العقلية.
وقد أكدت هذه المرحلة أن العلاج في الأمراض النفسية والعقلية هو علاج نفسي ـ جسدي، كما أن الأطباء ابن رشد والفارابي والكندي قاموا بمعالجة الأمراض العقلية في مستشفيات الأمراض العقلية التي أنشئت في كل مدينة إسلامية كبيرة، كدمشق وبغداد والقاهرة بالأدوية والأعشاب والموسيقى والترويح عن نفس المريض وبكل الطرق الحضارية الأخرى التي فيها الرحمة والإنسانية والفهم لأحوال المريض العقلي.
ـ مرحلة عصر النهضة والمرحلة العلمية الحديثة: بحثت هذه المرحلة في الأسباب النفسية للأمراض العقلية وبدأ المتخصصون مثل فون هوهنهايم (1541) von Hohenheim وشاركو Charcotفي استخدام الإيحاء والتنويم في المعالجات النفسية، وبحث آخرون أيضاً في الهلوسات والتخيلات والشخصية المرضية (السيكوباتية)، ثم نشأت بعد ذلك المدارس النفسية مثل المدرسة القياسية measurement school والمدرسة الحركية dynamic schoolفي علم النفس السريري. ثم تطورت هذه المدارس النفسية وقامت بتطوير طرق المعالجة ووسائلها الدوائية والنفسية الحديثة، وقفزت قفزات كبيرة حتى وصلت إلى الوضع الحديث والمتقدم في المعالجة الدوائية بالعقاقير النفسية المتنوعة وبطرق العلاج النفسي التي تعتمد على هذه المدارس والنظريات الجديدة أيضاً.
بعض التطبيقات والطرق في الصحة النفسية وتصنيف الأمراض النفسية
تبحث هذه الطرق والتطبيقات في كيفية إيصال الخدمات الصحية النفسية لكل أفراد المجتمع وكيفية تطويرها لتكون فعالة ومفيدة ومتقدمة وشافية للمريض النفسي أو العقلي. ويمكن إيصال هذه الخدمات النفسية لكل فرد في المجتمع عن طريقين:
1ـ مراكز الصحة النفسية المنتشرة في كل المناطق، وتقوم هذه المراكز بالمهام الآتية:
ـ الكشف المبكر للمرضى المصابين بالاضطرابات العقلية الكبرى والصغرى والتخلف العقلي والصرع.
ـ تقديم العلاج والإرشاد النفسي للحالات النفسية الطارئة ومعالجة البسيط منها.
ـ تحويل المصابين بالاضطرابات النفسية والعقلية الكبرى (المرضى العقليين) وخاصة الخطيرة منها إلى العيادات النفسية والمستشفيات العقلية.
ـ تعرف المشكلات النفسية والعقلية السائدة في المجتمع والمساعدة في حلها.
ـ نشر الوعي الصحي النفسي في المجتمع وتشجيع المشاركة الاجتماعية للارتقاء بمستوى خدمات الصحة النفسية، ومحاربة الإدمان بأنواعه، عن طريق ترشيد الفرد وتوعيته، بمشاركة الجمعيات الخيرية والأندية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى.
2ـ عيادات الأمراض النفسية والمستشفيات العقلية: إن هذه العيادات النفسية الموجودة في معظم مناطق الريف والمدن والمستشفيات العقلية الموجودة في مراكز المدن الكبيرة هي التي تقوم بمعالجة المرضى العقليين بالأدوية النفسية وبكل طرق المعالجات النفسية الأخرى ومتابعتهم حتى الشفاء، ثم تقوم بتأهيلهم وإعادتهم أفراداً أسوياء منتجين ونافعين لأسرهم ومجتمعهم.
ويمكن تصنيف الاضطرابات العقلية والنفسية كمايأتي:
1ـ الاضطرابات العقلية والنفسية الكبرى (الذهان psychosis) وتشمل مجموعتين:
ـ الذهانات العضوية organic psychosis: ومنها الحادة مثل الهذيان الحاد وتحت الحاد، والمزمن مثل الخرف المبكر والخرف الشيخي.
ـ الذهانات الوظيفية أو غير العضويةfunctional psychosis: ومنها الفصام والاكتئاب الذهاني والزور والهوس الدوري ومتلازمة الهوس الهمودي.
2ـ الاضطرابات العقلية والنفسية الصغرى (أو العصاب neurosis): وتشمل عصاب القلق النفسي والاكتئاب النفسي التفاعلي أو البسيط والهستريا والوساوس القهرية والرهاب وغير ذلك من الأمراض النفسية.
3ـ الاضطرابات العقلية والنفسية عند الأطفال childhood mental disorders: تؤدي هذه الأمراض إلى اضطراب الطفل وانحراف سلوكه وتشمل: المخاوف الليلية واضطراب الكلام وسلس البول الليلي وبعض الأمراض الأخرى، والسبب الرئيس فيها هو الظروف الأسرية غير المواتية للطفل، أو الضغوط الاجتماعية الأخرى والاستعداد الوراثي لدى العائلة.
4ـ أمراض نفسية وعقلية أخرى: وتشمل التخلف العقلي البسيط والشديد وأمراض اضطراب الشخصية ومرض الصرع وحالات الإدمان على الكحول والمخدرات والعقاقير النفسية والانحرافات الجنسية المختلفة.
لمحة عن أسباب الاضطرابات النفسية والمعالجة وطرقها
إن أسباب معظم الأمراض العقلية والنفسية هي على الأغلب الظروف غير المواتية والمشكلات الصحية والاجتماعية والتفاعلات البيئية، كالشدة (الكرب) stressوالاستعداد الوراثي والكوارث الاقتصادية والحروب والهجرة والنزوح والحرمان المادي والعاطفي، وتظهر أعراض هذه الأمراض في مرحلة الطفولة المبكرة أو المراهقة أو في سن العشرين أو الأربعين من العمر بشكل اضطراباً خفيفاً أو شديداً في مجال الإرادة والمزاج والتفكير والعاطفة أو في أحدها فقط. ويكون هذا الاضطراب شديداً في الأمراض العقلية مع تغير كبير في شخصية المريض وسلوكه وتفكيره، ويكون خفيفاً وبسيطاً في الأمراض النفسية وبدون تغير كبير في شخصية المريض.
تكون المعالجة في الاضطرابات النفسية والعقلية بأنواعها إما دوائية عن طريق العلاجات المركنة المضادة للهلاوس والتخيلات والهذيانات العقلية (المهدئات العقلية الكبرى مثل الهالوبيريدول haloperidolوالكلور برومازين promazine ومضادات الاكتئاب بأنواعها القديمة والحديثة)، والعلاجات المهدئة والمسكنة بأنواعها (المهدئات النفسية الصغرى مثل مركبات الديازيبام diazepam واللورازيبام lorazepamوأشباهها) التي يصفها الطبيب المعالج النفسي، وقد يضاف إلى المعالجة الدوائية المعالجة الفيزيائية بالصدمات الكهربائيةE.C.T، وهي مؤثرة جداً في معالجة مرض الفصام والاكتئاب الذهاني الشديد، أو تستعمل إحدى طرق المعالجة النفسية مثل المعالجة السلوكية behavior therapyوالمعالجة البيئية الاجتماعية social therapy,occupational therapy، وكذلك هنالك طرق العلاج النفسي الفردي والجماعي إذا لزم الأمر. والهدف الأساسي لكل هذه المعالجات هو شفاء المريض النفسي وطمأنته وعودته إلى حياته الطبيعية وتأهيله ليكون فرداً سوياً منتجاً ونافعاً لأسرته ومجتمعه.
عبد الحميد غنامة
الصحة العقلية mental health هو العلم الذي يبحث في تأمين الرعاية الصحية النفسية والوقاية من الإصابة بالاضطراب العقلي أو النفسي لدى البالغين والأطفال والشيوخ، وكذلك الوقاية من أمراض اضطراب الشخصية والسلوك، ومرض الإدمان والصرع والاضطرابات الجنسية ومعالجتها في حال الإصابة بها دوائياً ونفسياً بمختلف طرق المعالجة الدوائية والنفسية، وتأمين وصول خدمات هذه الرعاية لكل أفراد المجتمع في المدن والأرياف عن طريق مراكز الرعاية الصحية الأولية الجسمية primary health care المنتشرة في كل المناطق ليكون كل فرد مستقراً نفسياً وسعيداً ونافعاً لأسرته ومجتمعه.
تبين الإحصائيات العالمية أن 1 إلى 2% من السكان يعانون من مرض عقلي خطير، وأن 4 إلى 5% من السكان يعانون مرضاً نفسياً، مما تعد معه هذه الأمراض النفسية والعقلية من معوقات تقدم الفرد والمجتمع اقتصادياً واجتماعياً وحضارياً.
شغل الإنسان، منذ القديم، بمشكلة الصحة النفسية، وتشير الدراسات الآثارية الحديثة إلى أن بعض الأمراض العقلية كانت معروفة منذ العصر الحجري، وكان البابليون والمصريون القدماء يميزون الشيخوخة وما فيها من اضطرابات ذهنية ومزاجية من الاكتئاب النفسي، وربطوا هذه الأمراض بالإثم والأرواح الشريرة وعالجوها في المعابد بوسائل السحر والإيحاء والتسلية. وقد اقترح الصينيون عام 2600 ق.م التداوي بتبديل البيئة وممارسة الهوايات، وسار مثلهم الهنود واليونانيون على الطريقة نفسها.
ـ المرحلة السحرية magic stage: وعدت، في هذه المرحلة، الأرواح الشريرة والجن والشياطين التي تسكن داخل البدن هي المسؤولة عن الإصابة بالمرض العقلي، ولهذا لابد من إخراجها من البدن باستخدام أساليب السحر والتعاويذ والشعائر الكهنوتية والنار والبخور. وقد استخدم البابليون والآشوريون والهنود والمصريون الطريقة ذاتها لفترات طويلة من التاريخ.
ـ المرحلة الطبيعية ـ الطبية أو اليونانية hellenic stage: أسس اليونانيون الاتجاه الطبي العضوي في تفسير المرض العقلي والنفسي، ووصفوا الصرع، وسموه (المرض المقدس)، وأكد معظم أطباء اليونان، وعلى رأسهم جالينوس وأبقراط، أن لاعلاقة للجن والأرواح الشريرة بالأمراض العقلية والنفسية، وقالوا بأن المسؤول عن ذلك هي الاضطرابات الوظيفية الجسديةfunctional physical disorders.
ـ مرحلة العصر الأوروبي الوسيط أو (المرحلة الكنسية): ساءت حالة الصحة النفسية وحالة المرضى العقليين في هذه المرحلة التي اعتمدت على الأساليب الدينية والمشروبات السحرية والغول والوخز بالسكاكين والضرب بمطارق السحرة لطرد العفاريت والأرواح الشريرة من الجسد، وكانوا يعزلون المريض العقلي ويبتعدون عنه، فوضعوه في الملاجئ والأقبية المهجورة والسجون ضمن شروط سيئة جداً، كما اعتقدوا أن المرض العقلي هو رجس من الشيطان، وربطوا بين هذا المرض والشياطين وخطايا المريض وآثامه وذنوبه، وعدوا هذا المرض عقاباً له على الخطايا والآثام التي ارتكبها، ولجؤوا إلى ربط المرضى العقليين بالسلاسل والأغلال وتركهم بلا ماء وغذاء ومارسوا عليهم الضرب الشديد والحرق بالنار كطريقة من طرق عقاب المريض والأرواح الشريرة التي تسكن داخل جسده.
ـ المرحلة العربية ـ الإسلامية في الطب والعلاج النفسي: للثقافة العربية الإسلامية أثر مهم في تقدم الطب عامة والطب النفسي والصحة النفسية خاصة، فقد منحته قيماً حضارية ومعاني إنسانية، واستعملت وسائل العلاج الإنسانية والرحيمة في معالجة المرضى العقليين. وقد أسست هذه الحضارة المستشفيات وسمتها (بيمارستانات) لاستقبال المرضى ـ ومنهم المرضى العقليين ـ ومعالجتهم بكل طرق العلاج النفسي كالتداوي بالعمل والموسيقى ووسائل الترفيه الأخرى. وكان ابن سينا أول من تكلم عن الطب النفسي الجسديpsychosomatic وطبق مبادئ هذا الطب وأساليبه في المعالجة، كما كان أول من تحدث عن القلق والاكتئاب والميول الانتحارية والانفعالات وتأثيرها في الجسد، وتحدث أيضاً عن تأثير البيئة في المرض العقلي والنفسي، ورأى أن الموسيقا هي أسلوب علاجي مهم ومؤثر في الأمراض العقلية. كما أن الطبيب العربي الرازي أسس علم النفس التجريبي وألف نحو (236) كتاباً في الطب والسلوك والنفس الإنسانية فضلاً عن إنتاجه في سائر العلوم، وأوصى أيضاً بالموسيقى أسلوباً مهماً لعلاج الأمراض العقلية.
وقد أكدت هذه المرحلة أن العلاج في الأمراض النفسية والعقلية هو علاج نفسي ـ جسدي، كما أن الأطباء ابن رشد والفارابي والكندي قاموا بمعالجة الأمراض العقلية في مستشفيات الأمراض العقلية التي أنشئت في كل مدينة إسلامية كبيرة، كدمشق وبغداد والقاهرة بالأدوية والأعشاب والموسيقى والترويح عن نفس المريض وبكل الطرق الحضارية الأخرى التي فيها الرحمة والإنسانية والفهم لأحوال المريض العقلي.
ـ مرحلة عصر النهضة والمرحلة العلمية الحديثة: بحثت هذه المرحلة في الأسباب النفسية للأمراض العقلية وبدأ المتخصصون مثل فون هوهنهايم (1541) von Hohenheim وشاركو Charcotفي استخدام الإيحاء والتنويم في المعالجات النفسية، وبحث آخرون أيضاً في الهلوسات والتخيلات والشخصية المرضية (السيكوباتية)، ثم نشأت بعد ذلك المدارس النفسية مثل المدرسة القياسية measurement school والمدرسة الحركية dynamic schoolفي علم النفس السريري. ثم تطورت هذه المدارس النفسية وقامت بتطوير طرق المعالجة ووسائلها الدوائية والنفسية الحديثة، وقفزت قفزات كبيرة حتى وصلت إلى الوضع الحديث والمتقدم في المعالجة الدوائية بالعقاقير النفسية المتنوعة وبطرق العلاج النفسي التي تعتمد على هذه المدارس والنظريات الجديدة أيضاً.
بعض التطبيقات والطرق في الصحة النفسية وتصنيف الأمراض النفسية
تبحث هذه الطرق والتطبيقات في كيفية إيصال الخدمات الصحية النفسية لكل أفراد المجتمع وكيفية تطويرها لتكون فعالة ومفيدة ومتقدمة وشافية للمريض النفسي أو العقلي. ويمكن إيصال هذه الخدمات النفسية لكل فرد في المجتمع عن طريقين:
1ـ مراكز الصحة النفسية المنتشرة في كل المناطق، وتقوم هذه المراكز بالمهام الآتية:
ـ الكشف المبكر للمرضى المصابين بالاضطرابات العقلية الكبرى والصغرى والتخلف العقلي والصرع.
ـ تقديم العلاج والإرشاد النفسي للحالات النفسية الطارئة ومعالجة البسيط منها.
ـ تحويل المصابين بالاضطرابات النفسية والعقلية الكبرى (المرضى العقليين) وخاصة الخطيرة منها إلى العيادات النفسية والمستشفيات العقلية.
ـ تعرف المشكلات النفسية والعقلية السائدة في المجتمع والمساعدة في حلها.
ـ نشر الوعي الصحي النفسي في المجتمع وتشجيع المشاركة الاجتماعية للارتقاء بمستوى خدمات الصحة النفسية، ومحاربة الإدمان بأنواعه، عن طريق ترشيد الفرد وتوعيته، بمشاركة الجمعيات الخيرية والأندية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى.
2ـ عيادات الأمراض النفسية والمستشفيات العقلية: إن هذه العيادات النفسية الموجودة في معظم مناطق الريف والمدن والمستشفيات العقلية الموجودة في مراكز المدن الكبيرة هي التي تقوم بمعالجة المرضى العقليين بالأدوية النفسية وبكل طرق المعالجات النفسية الأخرى ومتابعتهم حتى الشفاء، ثم تقوم بتأهيلهم وإعادتهم أفراداً أسوياء منتجين ونافعين لأسرهم ومجتمعهم.
ويمكن تصنيف الاضطرابات العقلية والنفسية كمايأتي:
1ـ الاضطرابات العقلية والنفسية الكبرى (الذهان psychosis) وتشمل مجموعتين:
ـ الذهانات العضوية organic psychosis: ومنها الحادة مثل الهذيان الحاد وتحت الحاد، والمزمن مثل الخرف المبكر والخرف الشيخي.
ـ الذهانات الوظيفية أو غير العضويةfunctional psychosis: ومنها الفصام والاكتئاب الذهاني والزور والهوس الدوري ومتلازمة الهوس الهمودي.
2ـ الاضطرابات العقلية والنفسية الصغرى (أو العصاب neurosis): وتشمل عصاب القلق النفسي والاكتئاب النفسي التفاعلي أو البسيط والهستريا والوساوس القهرية والرهاب وغير ذلك من الأمراض النفسية.
3ـ الاضطرابات العقلية والنفسية عند الأطفال childhood mental disorders: تؤدي هذه الأمراض إلى اضطراب الطفل وانحراف سلوكه وتشمل: المخاوف الليلية واضطراب الكلام وسلس البول الليلي وبعض الأمراض الأخرى، والسبب الرئيس فيها هو الظروف الأسرية غير المواتية للطفل، أو الضغوط الاجتماعية الأخرى والاستعداد الوراثي لدى العائلة.
4ـ أمراض نفسية وعقلية أخرى: وتشمل التخلف العقلي البسيط والشديد وأمراض اضطراب الشخصية ومرض الصرع وحالات الإدمان على الكحول والمخدرات والعقاقير النفسية والانحرافات الجنسية المختلفة.
لمحة عن أسباب الاضطرابات النفسية والمعالجة وطرقها
إن أسباب معظم الأمراض العقلية والنفسية هي على الأغلب الظروف غير المواتية والمشكلات الصحية والاجتماعية والتفاعلات البيئية، كالشدة (الكرب) stressوالاستعداد الوراثي والكوارث الاقتصادية والحروب والهجرة والنزوح والحرمان المادي والعاطفي، وتظهر أعراض هذه الأمراض في مرحلة الطفولة المبكرة أو المراهقة أو في سن العشرين أو الأربعين من العمر بشكل اضطراباً خفيفاً أو شديداً في مجال الإرادة والمزاج والتفكير والعاطفة أو في أحدها فقط. ويكون هذا الاضطراب شديداً في الأمراض العقلية مع تغير كبير في شخصية المريض وسلوكه وتفكيره، ويكون خفيفاً وبسيطاً في الأمراض النفسية وبدون تغير كبير في شخصية المريض.
تكون المعالجة في الاضطرابات النفسية والعقلية بأنواعها إما دوائية عن طريق العلاجات المركنة المضادة للهلاوس والتخيلات والهذيانات العقلية (المهدئات العقلية الكبرى مثل الهالوبيريدول haloperidolوالكلور برومازين promazine ومضادات الاكتئاب بأنواعها القديمة والحديثة)، والعلاجات المهدئة والمسكنة بأنواعها (المهدئات النفسية الصغرى مثل مركبات الديازيبام diazepam واللورازيبام lorazepamوأشباهها) التي يصفها الطبيب المعالج النفسي، وقد يضاف إلى المعالجة الدوائية المعالجة الفيزيائية بالصدمات الكهربائيةE.C.T، وهي مؤثرة جداً في معالجة مرض الفصام والاكتئاب الذهاني الشديد، أو تستعمل إحدى طرق المعالجة النفسية مثل المعالجة السلوكية behavior therapyوالمعالجة البيئية الاجتماعية social therapy,occupational therapy، وكذلك هنالك طرق العلاج النفسي الفردي والجماعي إذا لزم الأمر. والهدف الأساسي لكل هذه المعالجات هو شفاء المريض النفسي وطمأنته وعودته إلى حياته الطبيعية وتأهيله ليكون فرداً سوياً منتجاً ونافعاً لأسرته ومجتمعه.
عبد الحميد غنامة