اندلس تاريخيا جغرافيا Al-Andalûsاتسم فتح الاندلس باليسر والسرعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اندلس تاريخيا جغرافيا Al-Andalûsاتسم فتح الاندلس باليسر والسرعة

    اندلس (تاريخيا جغرافيا)

    Al-Andalus - Al-Andalûs


    الأندلس تاريخياً
    فتح الأندلس
    1ـ أحوال الأندلس قبل الفتح: اتسم فتح الأندلس باليسر والسرعة مقارنة بفتح المغرب الذي سبقها مباشرة. ويمكن تفسير ذلك بوضع الأندلس التي كانت تعيش آنذاك مرحلة أزمة تفاقمت لعدة عقود، كان الحكام قبلها وهم قوط غزاة قد أفلحوا في تحقيق الاندماج بين مجتمعهم والمجتمع الإسباني، وذلك بالتخلي عن مذهبهم الأريوسي واعتناق الكاثوليكية مذهب السكان، وبوضع قانون واحد مبني على تقاليد الطرفين وأعرافهما ضمن الوحدة القانونية. لكن هذا المجتمع لم يلبث أن انقسم إلى نبلاء يملكون معظم الأرض، وأقنان يعملون فيها. أما على الصعيد الديني فقد علا مقام رجال الكنيسة الكبار فأفلحوا في توجيه سياسة الدولة نحو اضطهاد الأقلية اليهودية حتى فُرِض التنصر عليهم، ونزع أولادهم منهم بحجة عدم صدقهم في التنصر، والخشية من تربية هؤلاء الأولاد على اليهودية، مما خلق أقلية بالغة النقمة تنشد الخلاص ولو على يد غاز. وفي الوقت نفسه تفاقمت أزمة سياسية بين مؤيدي تطوير النظام الجرماني من الملكية الانتخابية إلى الوراثية، والنبلاء الحريصين على امتيازاتهم في انتخاب الملك. وقد نال ويتيثا Witiza الذي يسميه العرب غيطشة، عرشه وراثة عن أبيه، وقد خفف من اضطهاد اليهود، فأثار عليه بذلك سخط النبلاء ورجال الكنيسة، وزاد هذا السخط محاولته تأكيد نظام الوراثة بتسمية ابنه أخيلا Aquila (وِقْلَة عند العرب) ولياً لعهده وإعطائه حكم شمالي إسبانية. ولما توفي غيطشة عام 90هـ /708م، لم يتمكن ابنه من دخول طُلَيْطُلة والجلوس على العرش، وقام النبلاء بانتخاب دوق قُرْطُبة رودريغو Rodrigo (لذريق أو رذريق عند العرب) فقدم إلى العاصمة التي هرب منها أفراد أسرة غيطشة. ثم قوى سلطانه بعد أن خضع له أَخَوان لوِقْلَة وتسلم وظائف مهمة في جيشه.
    تزامن هذا الاضطراب السياسي الجديد في الداخل مع قحط دام ثلاث سنوات، ووباء أودى بحياة ما يزيد على نصف السكان، ومن الخارج وصل العرب المسلمون الفاتحون إلى المضيق، وكان يقودهم موسى بن نصير، أمير المغرب الذي وصل إلى طَنْجةَ سنة 89هـ/ 707م وأنزل العرب فيها، وجعلها لهم قاعدة يقودهم فيها مولاه طارق بن زياد. ومن هذه القاعدة كرر العرب هجماتهم على سَبْتَة التي استعصى عليهم فتحها لطبيعتها، فقد كانت لساناً برياً داخلاً في البحر، وكان يحكمها يوليان، وهو حاكم بيزنطي، على ما يرجح، تقوّى بعد انقراض سلطان دولته في المغرب بتوثيق علاقته بأسرة غيطشة مالكة الأندلس قبل سقوطها. بهذا تجمعت الظروف التي قادت يوليان وأصحابه من الأسرة المالكة المخلوعة إلى التحالف مع العرب لتحطيم عرش لذريق بعدما أخفقوا في مجابهته بقواهم وحدها، يضاف إلى ذلك رغبة يوليان في توجيه اندفاع العرب بعيداً عن ملكه، وعزمه على الانتقام الشخصي من لذريق الذي اعتدى على عفاف ابنته الوصيفة في القصر الملكي بطُلَيْطلُة. أما العرب فكان القيام بفتح الأندلس عندهم تنفيذاً لفريضة الجهاد، ولذلك كان من المنتظر بعد إتمام فتح المغرب الاستمرار في الفتح الذي يصعب متابعته جنوباً لوجود الصحراء، في حين كان يمكن متابعته شمالاً أي في الأندلس. ولم يكن عرض الحاجز المائي، وهو المضيق، يتجاوز تسعة عشر كيلومتراً في بعض النقاط ولكن كان ثمة عقبات أخرى تفرض عليهم التوقف ولو لأمد، ريثما تتوافر وسائل العبور على الأقل. وهنا جاء تدخل يوليان في الاتصال بهم وتشجيعهم وعرض معونته عليهم من السفن والأَدلاء، ميسراً بدء أعمال فتح الأندلس في السنة التالية لفتح طَنْجة.
    2ـ عمليات الفتح: اتصل يوليان بموسى بن نصير، مباشرة أو عن طريق طارق بن زياد وعرض عليه إمداده بالسفن والأدلاء لغزو الأندلس، كما هوّن من شأن المقاومة فيها. وبناء على أمر الخليفة تم التأكد من صدق يوليان ومن عداوته للذريق، بقيامه بغارة على جهات الجزيرة الخضراء، عاد منها بسرعة حاملاً الغنائم والسبي. كما اختبر العرب ضعف المقاومة بتوجيه غارة قاد فيها طريف بن مالك أربعمئة راجل ومئة فارس نزلوا في ميناء أندلسي قريب من الشاطىء المغربي للمضيق، حمل منذ ذلك الوقت اسم طريف Tarrif، وأحرزوا نجاحاً مماثلاً لما حققه يوليان.
    قامت الحملة الكبرى في رجب أو شعبان سنة 91هـ/ نيسان أو أيار سنة 710م، بقيادة طارق بن زياد وتألفت من سبعة آلاف مجاهد حملتهم أربع سفن ليوليان على دفعات وأنزلتهم في سفح جبل كالبي Calpe الذي حمل اسم طارق فيما بعد. ورفده موسى بن نصير بعد ذلك بخمسة آلاف مقاتل. توافقت عملية الإنزال مع انشغال لذريق بمحاربة الخارجين عليه في بمبلونة بأقصى شمالي الأندلس. وتبعه تحرك طارق لاحتلال بقية الخليج المتصل بالجبل، الذي تقع في أعلاه مدينة قرطجنة Cartagena الصغيرة، وينتهي على بعد ستة أميال بالموقع الذي سمي الجزيرة الخضراء، مما يدل على سعيه لإيجاد خليج بحري للاتصال مع قاعدته. لكن روايات متأخرة تنفرد بنسبة عملين آخرين إلى طارق أولهما إحراق السفن وثانيهما خطبته المشهورة. وهذان الأمران موضع نظر وبحث.
    بعدما علم لذريق بنزول طارق اتجه مسرعاً إلى الجنوب على رأس جيش اختلفت الروايات في تقدير عدده بين الأربعين ألفاً والمئة ألف. أما طارق فلم يسر إلا مسافة يسيرة نحو الشمال الغربي نحو بحيرة خاندا التي تمتد عدة كيلومترات في موازاة البحر، ويعبرها نهر بَرْبَاط Barbat (الشائع تسميته في المصادر العربية بوادي لكُّه)، وهناك حمى طارق جناحي جيشه بمانعين طبيعيين هما البحيرة من جانب ومرتفعات جبال ريتين المجاورة من جانب آخر، وبذلك حرم خصمه الاستفادة من نقاط تفوقه في العدد لأن الميدان ضيق.
    بدأت المعركة في 28 رمضان91هـ/31 تموز 710م ودامت ثمانية أيام انتهت بهزيمة لذريق وموته غرقاً على الأرجح. وربما ساعد العرب على إحراز هذا النصر خيانة جرت في جيش لذريق، إذ إن ششبرت وأبه قريبي وقلة، كانا يقودان الميمنة والميسرة في جيش لذريق وقد انسحبا في أوج المعركة كي يجرا عليه الهزيمة وكانا يظنان أن العرب سوف ينسحبون من الأندلس بعد امتلاء أيديهم بالغنائم، أما ابن القوطية، سليل أسرة غيطشة من ناحية الأم والمولع بالاعتماد على روايات الشعوبيين من مولدي الأندلس، فيذكر أن الانسحاب تم بالاتفاق مع طارق الذي وعدهما برد ضياع أبيهما إليهما البالغ عددها ثلاثة آلاف ضيعة.
    كان نصر العرب مُكلفاً إذ خسروا ربع عددهم، لكنه كان من ناحية أخرى الحدث الحاسم في الفتح، لأنه حطم أكبر قوة ضاربة أمكن للقوط جمعها، كما كان من جملة غنائم المسلمين خيول كافية لإركاب المجاهدين جميعاً وقد مكنتهم من طي المراحل بسرعة. إذ إن طارقاً لم يتوقف في مكانه بانتظار سيده كما أُمِر، بل تابع تقدمه لاستثمار النصر، فهاجم أولاً مدينة إِستِجَة على نهر شنيل حيث احتمت فلول المنهزمين، وأحرز نصراً آخر بعد معركة حامية. لكن متابعة الفتح بهذا الأسلوب، من حرب المعاقل كان يضطره إلى التوقف عند كل مدينة مما يفسح في المجال للقوط لجمع أمرهم، لذلك عمل بنصيحة يوليان مرافقه باتباع طريقة الحرب الخاطفة، فأرسل قوات قليلة إلى مدن مالَقَة وغرناطة وقُرْطُبَة. وقد فتحت هذه الأخيرة بعد حصار المولى مغيث لها ثلاثة شهور، في حين كان طارق يخترق شبه الجزيرة من وسطها بسرعة خاطفة حتى وصل إلى طُلَيْطُلة العاصمة قبل حلول الشتاء. ويبدو أن وصوله كان مفاجأة كاملة لأصحابها فهرب كبار النبلاء ورجال الكنيسة، ولم تبد المدينة مقاومة تذكر فدخلها طارق وجنده وغنموا كثيراً من النفائس التي بهرت عقول الناس، فأطلق بعضهم العنان لخياله في ابتداع الصور الخيالية عنها. ويبدو أن طارقاً تابع تقدمه نحو الجبال المحيطة بها ففتح وادي الحجارة ثم عاد إلى طليطلة لقضاء فصل الشتاء.
    نزل موسى بن نصير في الجزيرة الخضراء في رمضان سنة 92هـ/ حزيران وتموز 711م، مع عشرة آلاف أو ثمانية عشر ألف مجاهد، أكثرهم من العرب. ولم يكن قدومه إلى الأندلس بدافع الحسد لاستئثار طارق بشرف الفتح، كما يرى بعض المؤرخين، بل كان استجابة لضرورات تأمين الفتح واستكماله لأن طارق بن زياد اخترق الجزيرة من وسطها وترك على جانبيه معاقل مهمة قوتها بالمقاومة الشديدة التي واجهت بها موسى، بحيث استغرق فتح معاقل الغرب من الجنوب إلى الوسط أكثر من سنة. بدأت غزوات موسى بفتح مدينة شَذُونة Medina Sidonia ثم قَرْمُوِنة الحصينة التي فتحت بالحيلة، وبعدها اضطر إلى التوقف أمام إشْبِيليَة محاصراً عدة شهور. وأبدت ماردَة إثر ذلك مقاومة أشد، إذ حاربه أهلها خارجها كما أوقعوا بالذين حاولوا اختراق السور ثم استسلمت. ولما غادرها موسى شمالاً نحو طُلَيْطُلة خرج طارق للقائه فاجتمعا في مدينة طَلَبِيرَة، وكان اللقاء عاصفاً بحسب الروايات التي تباينت قي تحديد مدى الجفاء الذي أظهره موسى لتابعه، ومع ذلك أبقى موسى طارقاً في موقعه القيادي وأمره بمتابعة الفتح، سواء كان برفقة مولاه كما حصل عند فتح سَرَقُسْطَة على وادي إِبرو، أو منفرداً عندما سار على خط روماني قديم متجهاً غرباً نحو جليقية حيث مدن أماية وليون واشتُرقة Astorga في السفوح الجنوبية لجبال أشتوريش وجليقية. وقام موسى في أثناء ذلك بفتح لارِدَة على أحد روافد الإبْرو، ثم اتجه غرباً ليفتح مدن الساحل الشمالي الذي يحيط بجبال مناطق أشتوريش وجليقية من الشمال مثل أوبيدو (أوفيدو) وخيخون. وبذلك اضطر بعض سكان السهول المحيطة بهذه الجبال، سواء في الشمال أو في الجنوب، ممن لم يرغب في الاستسلام للعرب إلى ارتقاء هذه الجبال الوعرة والتحصن بها، حيث تكونت النواة الأولى للمقاومة الإسبانية في المراحل اللاحقة.
    غادر موسى إثر ذلك الأندلس برفقة مولاه طارق تنفيذاً لأمر الخليفة أواخر سنة 95هـ/أيلول 714م، تاركاً حكمها لابنه عبد العزيز. وصل موكبه الكبير الذي ضم الأسرى والسبي والغنائم إلى دمشق قبيل وفاة الوليد بن عبد الملك سنة 96هـ/715م.

  • #2
    عصر الولاة (97 - 138هـ /716- 756م): أقام عبد العزيز بن موسى بن نصير يدير شؤون الأندلس من مقره في إشبيلية، مستكملاً أعمال الفتح التي ساعد أباه فيها سابقاً، ولعل أهم أعماله في هذا المضمار إخضاعه تُدْمِير، فدخلت المنطقة في ذمة المسلمين. وفي رجب 97هـ/آذار716م اغتاله زياد بن عُذرة البَلَوي وهو يؤم الناس في الصلاة واتُهم عبد العزيز بن موسى بن نصير بالخروج عن الإسلام بتأثير زوجته أم عاصم أرملة لذريق التي ألبسته التاج وجعلت القادمين عليه يركعون له.
    شغر منصب الولاية مدة إثر ذلك، إلى أن اتفق قادة الجند على تقديم أيوب بن حبيب اللخمي ابن أخت موسى الذي كان يؤمهم في صلاتهم، وبدأ عصر جديد هو عصر الولاة الذي استمر ما يزيد قليلاً على أربعين عاماً، وانتهى ببيعة عبد الرحمن الداخل بالإمارة سنة 138هـ/756م. وتوالى على الحكم فيها عشرون والياً هم:
    أيوب بن حبيب اللخمي، حتى ذي الحجة 97هـ/ آب 716م
    الحر بن عبد الرحمن الثقفي حتى رمضان 100هـ/ نيسان 719م
    السمح بن مالك الخولاني حتى ذي الحجة 102هـ/كانون الثاني 721م
    عبد الرحمن الغافقي (المرة الأولى) حتى صفر 103هـ/ آب 721م
    عنبسة بن كليم الكلبي حتى شعبان 107هـ/ كانون الثاني 726م
    عذرة بن عبد الله الفهري حتى شوال 107هـ / آذار 726م
    يحيى بن سلمة الكلبي حتى ربيع الأول 110هـ/ شباط728م
    حذيفة بن الأحوص القبسي حتى شعبان 110هـ/ تشرين الثاني 728م
    عثمان بن أبي نِسْعَة الخثعمي حتى محرم 111هـ/ نيسان 729م
    الهيثم بن عبيد الكلابي حتى ذي القعدة 111هـ/ شباط 730م
    محمد بن عبد الله الأشجعي حتى صفر 112هـ/ نيسان 730م
    عبد الرحمن الغافقي(المرة الثانية) حتى رمضان 114هـ/ تشرين أول 732م
    عُقبة بن الحجاج السلولي حتى صفر 123هـ/ كانون الثاني 741م
    عبد الملك بن قطن الفهري حتى ذي القعدة 123هـ/ أيلول 741م
    بَلْج بن بشر القشيري حتى شوال 124هـ/ آب 742م
    ثعلبة بن سلامة العاملي أو الجذامي حتى رجب 125هـ/ أيار 743م
    أبو الخطار الحُسام بن ضِرار الكلبي حتى رجب 127هـ/ نيسان 745م
    ثوابة بن سَلامة الجُذامي حتى 129هـ/ 746م
    يوسف بن عبد الرحمن الفهري من ربيع ثاني 129هـ/ كانون أول 746م إلى ذي الحجة 138هـ/أيار 756م.
    انصرف جل اهتمام هؤلاء الولاة إلى متابعة أعمال الفتح في النصف الأول من هذه الحقبة في حين شغلتهم المنازعات الداخلية في النصف الثاني، مما جعل العصر عصر اضطراب دلت عليه هذه القائمة الطويلة من الولاة.
    4ـ الفتح في غاليش (فرنسة): استمرت أعمال الفتح في هذه البلاد نحو عشرين عاماً لم يعرف فيها استقرار على أراضيها، وكانت غارات المسلمين تتوغل حتى أعماق مختلفة وتتبدل المحاور فيها من حملة إلى أخرى. وبعد أن فتح طارق الأندلس أرسل إلى بَرْشَلونة حملة عبرت جبال البيرنيه (البرانس أو البرتات كما يسميها عرب الأندلس) وتوغلت في حوض الرون فدخلت أَرْبُونَة ثم صخرة أبينيون (أفينيون Avignon) فحصن لودون (ليون اليوم) على نهر رُدُونه (الرون اليوم). واستطاع شارل مارتل إخراجهم منها وأقام فيها الحصون بعد ذلك، في حين احتمى العرب بحصون أَرْبُونة، التي استعادها الفرنج على الأرجح في مرحلة الاضطراب التي أعقبت اغتيال عبد العزيز بن موسى بن نصير. ثم استعادها السمح بن مالك الخولاني وجعلها قاعدة للفتح على محور آخر هو حوض الغارون حتى وصل إلى طَلُّوشة (تولوز) وحاصرها، فأنجدها دوق أكيتانية وقُتل السمح في المعركة حولها وتفرق جيشه. ثم تجدد الفتح بعد أربع سنوات وقاده عنبسة بن سحيم الكلبي إلى بورغونية ودخل قَرْقَشُونَة، ودفع أهلها الجزية تعبيراً عن خضوعهم وحرروا أسرى المسلمين فيها، ثم صعد شمالاً حتى ماكون وشالون. وفي طريق عودته هاجمته جموع فرنجية كبيرة فأُصيب بجراح توفي على أثرها في شعبان 107هـ/كانون الثاني 726م.
    قامت أكبر الغارات بعد سبع سنوات بقيادة عبد الرحمن الغافقي، الذي حشد جنده في بمبلونة في صيف عام 114هـ/732م، وعبر جبال البيرنيه إلى بوردو على نهر الغارون، فهزم بجوارها دوق أكيتانية وتابع تقدمه شمالاً. أما على الطرف الآخر فقد كان حاجب الدولة الميروفنجية شارل مارتل قد هيأ منذ زمن مستلزمات الصمود أمام خطر العرب، فأدخل عنصر الفرسان بأعداد كبيرة في جيشه، بعدما كان محاربو قومه مشاة لا قبل لهم بمواجهة العرب الفرسان السريعي الحركة. وتحرك لنجدة دوق أكيتانية جنوباً فدخل مدينة تور على اللوار قبل وصول العرب إليها، ثم واجههم وهم مثقلون بالغنائم في نقطة تقع على طريق روماني قديم وتبعد عشرين كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من مدينة بواتيه حيث وقعت المعركة في رمضان 114هـ/732م واستشهد فيها عبد الرحمن الغافقي مع عدد كبير من جنده. أطلق المؤرخون المسلمون على المعركة اسم بلاط الشهداء، ولو أنهم لم يخصوها بتفاصيل تذكر تمييزاً لها من غيرها، في حين عدّها الدارسون الأوربيون قديماً وحديثاً واحدة من المعارك الفاصلة في التاريخ، لأن نصر شارل مارتل وضع حداً للتوسع العربي الإسلامي على الأرض الأوربية وحمى أوربة كلها. لم يفقد العرب مع ذلك كل وجود لهم في غاليش بل بقيت قاعدتهم أربونة في حوزتهم مدة ثلاثين سنة أخرى، وبقي حاكمها يقوم بغارات في حوض الرون ولو أنها أقل عمقاً. وربما كان ذلك نتيجة للمقاومة الفرنجية أو لانشغال الولاة بالصراعات الداخلية في الأندلس.

    الصراع الداخلي
    كان مجتمع الأندلس في هذا العصر حديث التكوّن يفتقر إلى التجانس بين فئاته، وإلى التماسك ضمن الفئة الواحدة. ويمكن تمييز فئتين كبيرتين فيه: فئة الفاتحين وفئة سكان البلد المفتوح الذين تركت لهم حرية العقيدة والحفاظ على قوانينهم وإن لم يحل ذلك دون محاولة نشر الإسلام بالحسنى كفعل الوالي عُقبة بن الحجاج، الذي أسلم على يديه ألف أسير بالإقناع. وأدت دوافع أخرى عدا الإقناع إلى اعتناق الإسلام، كظفر العبيد بالحرية وتوفير العدالة للأقنان، أو حفظ المكانة والثروة لبعض أفراد الأسرة المالكة. وقد أطلق العرب على الداخلين في الإسلام اسم المُسالِمة في حين شاع اسم المولَّدين للجيل التالي. وأطلقوا على الباقين على دينهم اسم العجم أو المعاهَدين، وربما اقتصر استخدام مصطلح أهل الذمة على اليهود وقد تقرب هؤلاء من الفاتحين الذين أنقذوهم من الاضطهاد. ومع هذا التفتت الذي أصاب هذه الفئة فإنها ظلت هادئة طوال هذه الحقبة ولم يشارك أحد منهم في اضطراب إلا حالة واحدة التحق فيها بعض من غير المسلمين بفتنة عذرة بن عبد الله الفهري.
    كان التفتت أكبر في جماعة الفاتحين الذين كانوا فئتين كبيرتين: مشارقة (عرب) ومغاربة (بربر)، وكان جلّ هؤلاء الأخيرين من شمالي المغرب الأقصى الجبلي المجاور للمضيق، اتخذوا لأنفسهم منازل في الأندلس، في المناطق المشابهة لبلادهم، كوسط الأندلس وشماليها، حيث كانوا أيضاً على مقربة من ميادين الغزو في غاليش. ولم يتيسر لهم النزول في أحواض الأنهار الخصبة ولاسيما في الجنوب لاستئثار المشارقة بها أو لعدم تقدير المغاربة لها حق قدرها. ولما انقطعت عنهم موارد الفتح جهروا بالشكوى من سوء معاملتهم، إذ احتفظ المشارقة في الأندلس بالنظرة نفسها لهم في المغرب كسكان بلاد مفتوحة.
    أما فئة المشارقة (العرب) فكانت مؤلفة من وحدات كثيرة هي القبائل التي احتفظت كل منها بكيانها، لأن كل قبيلة كونت وحدة عسكرية ثم سكنية في الغالب، وقد حملت معها عصبياتها من المشرق. كعصبية الانتماء إلى القبيلة أو الجذم (قيس أو يمن)، وقد ساق ابن حزم في كتابه جمهرة أنساب العرب ما يدل على وجود اثنين وأربعين فرعاً من فروع اليمانية. وقد أدت هذه العصبية إلى التنافس بين القبائل على الزعامة في كل جذم. فقد فازت قبيلة كلب بالزعامة على اليمانية أمداً طويلاً، ونافستها عليها كل من قبيلتي لخم وجذام. وحُرمت غطفان بين القيسية الزعامة وحازتها قبائل ربيعة بن عامر بن صعصعة، وفي إطار هذه القبيلة قامت المنافسة بين كلاب وكعب بفرعيها قُشير وعُقيل. ومما حملته القبائل من عصبيات المشرق عصبية الموطن، كالحجاز والشام والعراق، وأضيف إليها في الأندلس عصبية النازلين فيها منذ زمن الفتح الذين سُمّوا بلديين في مقابل الطارئين الجدد الشاميين.
    أضيفت إلى هذه العصبيات في الأندلس أسباب ملائمة لانفجار الصراع فيما بينها، فلم تكن هناك قاعدة ثابتة في تعيين الولاة، الذين يعينهم إما والي المغرب وإما الخليفة وإما القوى المحلية الأندلسية. كما أن أرض الأندلس لم تقسم كما تقسم الغنائم، ولم توقف على المسلمين كما حصل في البلاد المفتوحة الأخرى، بل سادت فيها قاعدة كل يد وما أخذت، وتكاد المشاركة في هذه الصراعات تكون عامة، ولعل الاستثناء الوحيد هو وجود فئة صغيرة اعتزلتها عرفت باسم الصالحين، انصرف رجالها إلى بناء المساجد كالحنش الصنعاني، أو لإصلاح ذات البين عند احتدام الصراعات، أو مراقبة التزام الحكام الشرع، كما حصل في زمن الفتح. وشكا بعضهم من خرق قادة الفتح لهذا الالتزام في بعض أعمالهم.
    بدأت ضروب الصراع هذه بين الفئات المتباعدة ثم تعمقت شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت إلى القبيلة الواحدة، كما تدل على ذلك وقائعها.
    آ

    تعليق


    • #3
      - الصراع بين المشارقة والمغاربة: كان هذا فاتحة الصراع الداخلي، وانطلقت شرارته الأولى من المغرب، حيث ثار المغاربة تحت راية الخوارج الصفرية منطلقين من طنجة سنة 122هـ /739م، وألحقوا بجند الوالي هزائم عدة، ثم أضافوا إليها هزيمة أخرى لهم وللمدد الذي أرسله الخليفة هشام بن عبد الملك وجله من أجناد الشام. وكان من ذيول هذه الهزيمة الأخيرة انفصال خيالة جند الشام بقيادة بلج بن بشر عن بقية الجيش في أقصى المغرب، فاحتموا بأسوار سبتة، حيث حاصرهم الثائرون حتى أوشكوا أن يموتوا جوعاً. ولم يقبل والي الأندلس عبد الملك بن قطن الفهري المدني الأصل تلبية طلبهم بدخول الأندلس لنقمته على الشاميين لما فعلوه بالمدينة في موقعة الحَرَّة، ولخشيته على سلطانه منهم، فهم كتلة من سبعة آلاف فارس، ودعمه عرب الأندلس البلديون خشية مشاركتهم لهم في أرزاقهم. ثم تغير الموقف بعدما شجعت انتصارات الصفرية في المغرب مغاربة الأندلس على الثورة التي استطاعوا فيها تهديد المشارقة كلهم، فاضطر الوالي إلى الاستعانة بقوى الشاميين وقبل نقلهم إلى الأندلس ضمن شرط تنتفي معه كل محاذير دخولهم، وهو أن يخرجوا من الأندلس بعد إخماد ثورة المغاربة. كما قبل شرطهم لضمان سلامتهم وهو نقلهم دفعة واحدة إلى شواطىء إفريقية الآمنة. وقد استطاع الشاميون تحقيق المهمة المنوطة بهم، فهزموا المغاربة الثائرين على كل المحاور التي سلكوها من الشمال باتجاه قُرْطُبة، في شَذُونَة وعلى مقربة من قُرْطُبة وعلى وادي سليط Guazalete بجهات طُلَيطُلة. ولما طلب الوالي بعد ذلك منهم الخروج وتملص من الوفاء بشرطهم، وهو نقلهم إلى إفريقية رفضوا طلبه وهاجموا القصر فخلعوه ونصبوا مكانه قائدهم بَلْج بن بشر القشيري. وبعد مدة قتلوا الوالي المخلوع، فتحرك لحربهم البلديون بقيادة ابنين له وانضم إليهم المغاربة، وعندما اقتربوا من قُرْطُبة جابههم الشاميون وهم في خمس عددهم وصدوهم. لكن قائدهم بلج أصيب بجراح توفي على أثرها بعد أيام قليلة في شوال عام 124هـ/742م فولّوا مكانه ثعلبة بن سلامة العاملي، الذي سارع إلى محاربة البلديين في جهات ماردة فانتصر وعاد إلى قُرْطُبةَ بعدد كبير من الأسرى تشفى منهم بالإذلال إذ عرض بيعهم بالمناقصة حتى بيع أحد الأشراف بكلب وآخر بعود. ولهذا ناشد عدد من الصالحين في الأندلس الخليفة إنقاذ بلدهم، فعيّن أبا الخطّار الحسام بن ضرار الكلبي والياً. وبعد تسلمه لمنصبه في رجب 125هـ/أيار 743م وضع صيغة حل ملائمة، إذ هدأ من ثائرة الشاميين بإبقائهم في الأندلس، وأزال مخاوف البلديين من مشاركة هؤلاء لهم في أرزاقهم بجعله رزق الشاميين على ثلث ما يؤديه أهل الذمة. كما خلص سلطة الوالي في قُرْطُبةَ من هيمنتهم بتوزيعهم على الكُوَر، مختاراً لكل جند منهم الكورة المشابهة لموطنه. فأنزل جند دمشق في إلبيرة، وجند الأردن في ريّة (مالقة) وجند فلسطين في شذونة، وجند حمص في إشْبِيلِيَة وجند قِنَّسْرين في جَيّان. وقسّم جند مصر بين باجة في الغرب وتُدْمير في الشرق.
      ب - النزاع بين القيسية واليمانية: تبع ارتقاء أبي الخطار سدّة الحكم احتدام نار العصبية القبلية في قاعدة الدولة وامتدت إلى الولايات ومنها المغرب والأندلس. وبدت عليه دلائل انحياز لعصبيته اليمانية، فأهان في مجلسه زعيم القيسية الصَّميل بن حاتم الكلابي، وهو يحاول رفع ظلامة لحقت بقيسي. ورد هذا بمحاولة قلب حكم أبي الخطّار، فتمكن أولاً من رصّ صفوف القيسية، بإزالة الجفاء بينه وبين زعيم غطفان. ثم أفلح في شق صفوف اليمانية ذات الأكثرية العددية، بالتحالف مع لخم وجذام بإحلال زعيم منهما هو ثوابة بن سلامة العاملي محل أبي الخطار. واجه المتحالفون أبا الخطار في شَذونة، فهزموه لكثرتهم ولتراخي بعض اليمانية من أنصاره؛ لأن الولاية ستنتقل إلى يماني آخر، وذلك في رجب سنة 127هـ/نيسان745م، وأُدخل أبو الخطار السجن.
      دام حكم ثوابة أكثر من عام، فقد توفي في محرم 129هـ /تشرين أول 746م وتنازع قومه على وراثته ما بين ابنه عمرو ويحيى بن حريث، وبقيت الأندلس شهوراً بلا وال، اقترح بعدها الصميل اختيار قرشي للمنصب كما يفعل المشارقة عند تنازع القبائل على الحكم، فقبل اقتراحه لتلهف الجميع إلى إنهاء الفوضى. ثم ضمن تعيين مرشحه يوسف بن عبد الرحمن الِفهْري بعد إرضاء يحيى بن حريث بكورة ريّة طُعمة. وكان الوالي الجديد المنحدر من نسل عقبة بن نافع مسناً معتزلاً على شيمة أهل الخير، فكان واجهة بَرَّاقة لا خبرة لها في الحكم الذي مارسه الصَميل فعلياً. وصرف همه إلى الانتقام من اليمانية فعزل يحيى بن حريث عن رَيَّة، وأدى هذا إلى توحيد صفوف اليمانيين. فقام بعضهم بإخراج أبي الخطار من سجنه لتتحالف قبيلته مع جذام، جعلوا الحكم لزعيمها يحيى بن حريث. جرت الموقعة بين الفريقين سنة 130هـ/747 في شقندة وقد اعتزلها يوسف، وقاد الصميل القيسية ولما نهكت الحرب الفريقين استعان الصَّميل، بعامة قُرْطُبة وأحرز النصر، ثم قتل أبا الخطار وابن حريث بعد وقوعهما في أسره وحمل بقية الأسرى إلى قرطبة القريبة، وأقام من نفسه مدعياً وقاضياً وجلاداً فقتل سبعين منهم، ثم توقف بتدخل زعيم غطفان بعد ما كاد يهمّ بقتل المزيد.
      استقر الحكم بعد ذلك للقيسية وساعد على ذلك حلول القحط بالأندلس لعدة سنوات. وكان يوسف قد تمرس في شؤون الحكم فرام التخلص من وصاية الصميل بإبعاده إلى سَرَقُسْطَة حاكماً لها. وقبل الصميل ذلك على كثرة اليمانية فيها، وتمكن بكرمه من إرضاء جميع الفئات، لكن اليمانية لم تنس ثاراتها وحقها في الحكم، فما إن انقضت سنوات القحط حتى تحركت سنة 136هـ/753م واعتمدت على دعامتين معنويتين: الأولى واجهة براقة تمثلت في عامر بن عمرو القُرشي العَبْدَري من قريش البطاح لا من قريش الظواهر كالفهري، والثانية الادعاء بأن ثورتهم قامت باسم الخليفة العباسي. وقد وجهوا ضربتهم نحو رأس القيسية الصميل فحاصروا سَرَقُسْطَة مدة أربعة شهور، فتحركت القيسية لنجدته وفكّوا الحصار. وكان ضمن جيشهم داعية عبد الرحمن الداخل ومولاه بدر مع زعماء موالي الأمويين في الأندلس، الذين استغلوا الحادثة لجس نبض القيسية وزعيمها تجاه دعوة سيدهم. ولما أدركوا رفضهم لها، تحولوا نحو اليمانية الذين كانوا في حاجة إلى مثله كي يدركوا ثأرهم، مثلما كان هو في حاجة إلى أعدادهم الكثيرة لإقامة ملك الأمويين وإنهاء عصر الولاة.
      الدولة الأمويــة فـي الأندلس (138 - 422هـ)
      [ر. الأمويون في الأندلس].
      قامت هذه الدولة عند مبايعة عبد الرحمن الداخل بالإمارة سنة 138هـ/755م وانتهت بخلع المعتد بالله 422هـ/1013م ومرت بمراحل ثلاث:
      1ـ عصر الإمارة: وقد انتهى بإعلان عبد الرحمن الداخل الثالث الخلافة سنة316هـ/928م، وفيه حكم الأمويون أمراء أو أبناء خلائف، واستطاعوا أن يحلّوا سلطان الدولة محل سيادة القبيلة. كما واجهوا تمرّد المولّدين المتكرر في الثغور وعندما عم التمرد الأندلس في المرحلة الأخيرة من العصر، قمعوه وحققوا الاندماج بين عناصر المجتمع الأندلسي. وفي الوقت نفسه أقاموا إدارة في المركز والولايات قلدوا فيها الإدارة العباسية، وإن تميزت ببعض الخصوصية، كوجود ثلاث مراتب للشرطة، وتعدد الوزراء، وبروز مكانة الحاجب رئيساً لهم. وفي عهدهم صار للأندلس شأن مهم في السياسة الدولية، إذ اتصل بهم البيزنطيون محاولين عبثاً جرهم إلى التحالف على أعداء الطرفين: الكارولنجيين في الغرب والعباسيين في الشرق. ومع ذلك لم يفلح الأمراء في القضاء على عصيان النبلاء الإسبان في شمالي غربي الأندلس، الذي بدأ في عصر الولاة بإقامة نواة دولة أشتوريش التي استفادت من مراحل الضعف في عصر الإمارة لتوسع دائرة سلطانها حتى اقتربت من حوض التاجة وسط الأندلس.
      2ـ عصر الخلافة (316 - 399هـ/929 - 1008م): لما وطد الخلفاء الأمويون سلطانهم في الداخل نازعوا الفاطميين السيادة على المغرب، وحوّلوا أمراء الدويلات الإسبانية التي تعددت في الشمال إلى مرتبة الأمراء التابعين، وسعوا إلى إقامة علاقات مع الامبراطورية الجرمانية المقدسة في الغرب، وبيزنطة في الشرق. وعلى الصعيد الحضاري انتقلت الأندلس فكرياً من مركز تابع للمشرق إلى مركز منافس واستمر الأمويون في المحافظة على خصوصية الأندلس في الوحدة المذهبية بتنصيب أنفسهم حماة للمالكية في ديار الإسلام. وفي المجال العمراني نشطوا في عمران المساجد، من ذلك مسجد قرطبة الذي صفحت سواريه وجدرانه بالذهب. وزُيّن محرابه بالفسيفساء والفضة أما المنبر فقد صنع من العاج ونفيس الخشب، وكان للمسجد لسعته واحد وعشرون باباً غطيت بالنحاس الأصفر. واستمروا وتوسعوا في ببناء حصون الثغور وتشييد دور الصناعة وإقامة الموانئ، كما تابعوا في العمران المدني بناء المنى والجنات، منها منية الرصافة ومنية الناعورة وغيرها، وأضافوا إلى ذلك بناء القصور الملكية كالزهراء والزاهرة التي استمر البناء فيها خمساً وعشرين سنة، وأنفق عليها ثلث دخل المملكة في كل سنة، وكان بها خمسة عشر ألف باب ملبس بالحديد أو النحاس المموه، وكان سقف بهو الخليفة وحيطانه في قصر الزاهرة من الرخام والذهب، وفي وسط البهو حوض ملئ بالزئبق الرجراج، وفي كل جانب منه ثمانية أبواب من العاج والأبنوس رصعت بالجواهر. أما في مجال الإدارة فقد حادوا عن سنن أسلافهم في الاعتماد على موالي الأمويين ومالوا إلى استخدام العبيد أو الأحرار من أصول متواضعة، كما استبعدوا الأندلسيين واعتمدوا على المرتزقة المغاربة والعبيد الصقالبة في الجيش. لكن هؤلاء لم يقدروا سلطة الأمويين تقدير السابقين فسلب الحُجَّاب ما استطاعوا من سلطان الخليفة كما أن الجند الأغراب جعلوا منه أُلعوبة عندما تمكنوا من ذلك في المرحلة التالية.
      3ـ عصر الفتنة (399 - 422هـ /1008 - 1031م): وهو ربع قرن من الاقتتال في العاصمة خاصة بين عامة قرطبة ومرتزقة المغاربة والعبيد الصقالبة. حاول فيه كل منهم نصب من اختاره من أحفاد الناصر على عرش الخلافة كي يحكم الأندلس من خلاله. وبعد ما خربت المدينة من دون أن يظفر أي منهم ببغيته قنع بإقامة دولة له في منطقة نفوذه وقوته وترك المدينة لأهلها. في حين استغلت القوى المحلية خارج العاصمة انشغال المركز لتستقل عنه، وتكونت من مجموع المستغلين دول الطوائف.
      دول الطوائف
      اصطلح على تسمية الدويلات التي حلّت محل الخلافة الأموية في الأندلس بالطوائف جمع طائفة وتعني جزءاً من الجماعة، لا مذهباً معيناً. وكان عددها أول العصر كبيراً يبلغ عدة عشرات، تفاوتت فيما بينها بسعة السلطان، وتباينت بطول العمر الذي تناسب طرداً مع السعة والقوة، فلم تعمر الدويلة القائمة على حصن إلا سنوات قليلة، في حين صمدت المؤلفة من مدينة أو اثنتين مع توابعها عشرات من السنين، وعمّرت الكبيرة بعد التهامها الصغيرة إلى نهاية العصر. وقد اعتمدت هذه في الغالب على أكثرية بشرية أنشأت سلطة محلية تستمد قوتها من عراقتها في النفوذ، أو من قدرتها على فرضه إذا كانت حديثة. ويمكن تصنيف هذه الدويلات الكبيرة بحسب أصولها:
      1ـ دول الأرستقراطية العريقة أو الأشراف: تمركزت هذه الدول في مدينتي الوادي الكبير، قرطبة وإشبيلية، فكانت أرستقراطية النسب في إشبيلية، ونبالة الوظيفة في العاصمة قرطبة.
      آ - أشراف النسب بنو عباد[ر] هم أشراف لخميون صرحاء، حازوا المال وتقلدوا المناصب العالية، وكان مؤسس دولتهم محمد الأول بن إسماعيل (414ـ433هـ/1023ـ1041م) قاضياً لإشبيلية، ومنها توسعت دولته إلى الأطلسي غرباً وإلى غرب المضيق جنوباً وشواطىء المتوسط عند مُرْسِيَة شرقاً.
      ب - أشراف الوظيفة بنو جهور[ر] هم من موالي الأمويين، أسس دولتهم أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور (422ـ435هـ/ 1031ـ1042م) حفيد أحد وزراء الخليفة الناصر، بعدما تزعم القرطبيين في تخليص مدينتهم من الجماعات المتقاتلة وطرد منها آخر خليفة مع كل الأمويين سنة 422هـ/1031م ثم عمل حتى وفاته سنة 435هـ/ 1042م في إحياء المدينة المخربة المقفرة في ظل حكم قريب من الشورى، وأفلح في إعادة عجلة العمل إلى الدوران وفي توفير السلام لها بمسالمة كل من حولها، وتلاه ابنه أبو الوليد محمد بن جهور الملقب بالرشيد فضبط أمور الدولة مدة عشرين عاماً، ثم أدركه الضعف فترك الإدارة بيد وزيره ابن السقّاء وولديه عبد الرحمن وعبد الملك. فظهرت الانقسامات حين نقم علية القوم القرطبيين على الوزير ابن السقاء ذي المنبت المتواضع، وتنافس الولدان على السلطة. واستغل الطامعون المجاورون الوضع، فحاول بنو عباد احتلال قرطبة سنة 451هـ/1059م لكنهم أخفقوا، ثم عمدوا إلى اصطناع الابن الأصغر عبد الملك حليفاً لهم ودعموه فاغتال ابن السقاء سنة 455هـ/1063م، ثم حجر على أخيه وانفرد بالسلطة. لكن بني ذي النون[ر] تمكنوا من سلب العباديين كسبهم باحتلال قرطبة بهجوم مفاجئ عام 462هـ/1069ــ 1070م. ورد العباديون بإرسال قوة عباديّة ساعدت الحليف عبد الملك على طرد الغزاة، ثم أطاحته بعد ذلك ليحمل مع أبيه وأسرته للعيش في جزيرة شلطيش.
      2ـ دول القوى الإقطاعية في الثغور: ضمت مناطق الثغور عدة قوى محلية جرى الأمويون على منحها حكم بعض المواقع حكماً وراثياً، فاستغلت ضعف المركز في الفتنة، وأقامت لنفسها وحول قواعدها الأولى دولاً منها:
      آــ دولة بني «ذوالنون»: نزل بنو «ذو النون» منذ الفتح بكورة شَنْت بَرية (سنتافر) Santaver من الثغر الأوسط. ونالوا في أوقات مختلفة بعد ذلك حكم مواضع في أماكن مفرقة في المنطقة. ثم نجحوا في زمن الفتنة بتوسيع دائرة سلطانهم على المنطقة كلها مع طليطلة، حاضرة الثغر الأوسط، ليقيموا واحدة من كبريات دول الطوائف، حاولت طوال العصر التوسع في كل الاتجاهات.
      ب - دولة بني الأفطس: ينتمون إلى مكناسة المغربية، أقاموا دولة في منطقة الثغر الأدنى وحاضرته بطليوس، وامتدت أراضي دولتهم من أواسط وادي آنة شرقاً إلى منطقة مصبه ومصب التاجه في المحيط غرباً.
      ج - دولة بني تجيب في الثغر الأعلى: نزلت في الثغر الأعلى وحاضرته سَرَقُسْطَة على نهر الإبرو قبائل يمانية منذ الفتح. وكان منهم بنو تجيب الذين استعان الأمراء الأمويون بهم للحد من نفوذ بني قسيّ المولدين، حتى إن الأمير محمداً بنى سنة 248هـ/862م مدينة قلعة أيوبز Calatayud وأدخل فيها عبد الرحمن بن عبد العزيز التجيبي ليغير منها على بني قسي ثم جعل الأمويون حكم المنطقة وراثياً فيهم. وقد برز من الأسرة في الفتنة وشارك بها منذر بن يحيى، وسلك فيها مسلكاً مغايراً للأندلسيين، إذ تحالف مع خصومهم المغاربة وخليفتهم سليمان المستعين الذي منحه عند تقسيم الأندلس على أنصاره سنة 403هـ/1012م سَرَقُسْطَة وتوابعها. وأنزل المنذر بها طائفة من أتباعه وسالم الفرنج المحيطين بها من ثلاث جهات، كما بذل المال بسخاء لقصّاده ومداحيه من الشعراء. وفي نهاية ذي الحجة سنة 430هـ/ أواخر آب 1039م، فاجأه بقصره ابن عمه عبد الله بن الحكم وقتله. لكن المشيخة في سرقسطة لم تقبل تسويغه لعمله وامتنعت من بيعته واستقدمت سليمان بن هود صاحب لاِردةَ، الذي احتل سَرَقُسْطَة وأنزل بها طائفة بني هود.
      3ـ دويلات الجند الغرباء: وهم مرتزقة مغاربة أو عبيد صقالبة استكثر منهم الخلفاء الأمويون واعتمد عليهم أكثر الحجاب العامريين. وكانت بداية الفتنة انتفاضاً على تحكُّمهم، فانهمك أكثرهم في محاربة بعضهم بعضاً أو في محاربة عامة قرطبة. ثم انسحبت كل طائفة إلى الجهة الأندلسية الملائمة لها حيث أقامت دولة أو عدة دول. وقد تمركز المغاربة في أقصى الجنوب على مقربة من مواطنهم الأصلية في حين انسحب العبيد الصقالبة إلى الشرق حيث نقاط تجميعهم قبل بيعهم.
      آـ دويلات المرتزقة المغاربة:
      ـ الدولة الزيرية أقامها الزيريون في كورتي إلبيرة ورية، وأعمروا موقع غرناطة التي جعلوها حاضرة لدولتهم، ونظراً لكبر دولتهم النسبي وقوتها فقد تزعموا لأمد طويل دويلات المغاربة.
      ـ الدولة الحمودية[ر] ينتمي الحموديون إلى الأدارسة نسباً، وكان لهم دور بارز في الفتنة بقرطبة، حتى أصبح علي بن حمود أول خليفة غير أموي في الأندلس. ولما اغتيل سنة 408هـ/1016م نادى أتباعه بأخيه القاسم مكانه، ثم حل محله ابن أخيه يحيى بن علي وظل في الحكم حتى خلع وهرب إلى مالقة ليعود عمه ثانية ويشغل عرشه ستة أشهر، ثار عليه بعدها القرطبيون وخلعوه. كان دور الحموديين مزدوجاً فقد كانت لهم أكثر من حاضرة حول المضيق. منها في الأندلس مالقة التي حكمها يحيى بن علي وخلفاؤه من بعده حتى عام 449هـ/1057م عندما احتلها الملك الزيري باديس وخلع محمد الثاني المستعلي عن عرشها. وفي الجزيرة الخضراء حكم محمد المهدي بن القاسم. ثم حكم ابنه حتى انتزعها منهم بنو عباد.
      ب - دويلات الصقالبة: كان جل هؤلاء من مماليك العامريين استفادوا من موقع شرقي الأندلس وصلاحه لإقامة دول لهم فأقاموا منذ وقت مبكر من الفتنة دولة واسعة نسبياً ثم تعددت دولهم:
      ـ دولة دانية والجزر: منذ أول أيام الفتنة تولى مجاهد بن عبد الله المكنى بأبي الجيش (436هـ/1044م) من موالي عبد الرحمن شنجول Sanchuelo حكم مدينة دانية وجزر الباليار ميورقة ومنورقة ويابسة. ثم وسع سلطانه على كل المنطقة من المرية جنوباً حتى بلنسية شمالاً. وأوجد لنفسه سنداً شرعياً بمبايعة عبد الله المعيطي سنة 415هـ/1014م، وهو أموي من فرع لم يحكم مطلقاً في الدولة الأموية ولقبه المنتصر بالله، في حين اتخذ عبد الله لنفسه لقب الموفق. وكانت دولته غنية بالموارد من تجارة وغزو بحري واحتكار المورد المطلوب تجارياً من منطقته وهو الرِماك المشهورة (ج. رمكة وهي الفرس والبرذونة تتخذ للنسل) وظل هذا الغنى سمة لدولته حتى ما بعد انفصال مناطق عنها في الشمال والجنوب. وظهر هذا الغنى في سخائه على رجال الفكر الذين غصّ بهم بلاطه، كابن الصيرفي أحد كبار علماء القراءات وابن زُهر الإشبيلي أحد أعلام الطب وابن سيد العالم اللغوي صاحب «المخصَّص». لكن هذا البلاط اتسم بتقريب الشعوبيين أيضاً مثل ابن غرسيه صاحب الرسالة المشهورة في الشعوبية. فخلفه ابنه علي الذي اشتهر بمسالمة جيرانه من نصارى ومسلمين وصرف جلّ اهتمامه إلى التجارة لا للاستعداد للحرب، مما جعله لقمة سائغة لجيرانه المتوسعين من بني هود الذين احتلوا دانية سنة 468هـ/1057م ونقلوه إلى سرقسطة حيث منح إقطاعاً يعيش منه.
      ـ طائفة بلنسية: ثار بهذه المدينة المملوكان مبارك والمظفر واستقلا بها سنة 401هـ/1010م ثم وسعا سلطانهما جنوباً باحتلال شاطبة، وقد توفي المملوكان في وقت متقارب 408و409هـ/1017و1018م فانضمت بلنسية مدة سنتين إلى دولة دانية ثم ثار مماليك عامريون بها وبشاطبة، وولوا عليهم ابن سيدهم عبد العزيز بن عبد الرحمن شنجول 411هـ/1020م ثم توسع سلطانه ليشمل مدينتي مرسية وألمرية بعد مقتل صاحبهما ولم يطل حكمه بهما. إلا أنه ظل يحكم دولته الأولى حتى وفاته سنة 452هـ/1060م، وخلفه ابنه عبد الملك نظام الدولة مدة خمس سنوات، عجز بعدها عن الوقوف في وجه والد زوجته المأمون بن ذي النون الذي احتل بلده وحمله إلى حصن إقليش.
      ـ طائفة ألمرية ومرسية: كانت بدايتها عندما لجأ المملوك أو الفتى خيران إلى حصن أوريولة في أوائل الفتنة وامتنع به، ثم ضم إليه مرسية، ووفر السند المعنوي لسلطانه باستقدام حفيد الحاجب العامري محمد بن عبد الملك المظفر، لكنه لم يلبث أن استغنى عنه بعد ما انتزع ألمرية من حاكمها العامري سنة 412هـ/1021م ولم يقنع بسلطانه على دولته بل بقي دائم التدخل في قرطبة، وبعد وفاته حلّ محله الفتى زهير الذي سار على سياسته في التصدي لمجاهد في الشمال ومحاربة الزيريين من ناحية الشرق إلى أن قتل في الحرب معهم سنة 429هـ/1038م. فعين عليها أمير بلنسية العامري عبد العزيز بن عبد الرحمن شنجول صهره معن بن صمادح الذي ينتمي إلى تجيب، القبيلة العربية المشرقية التي استوطنت وشقة بالثغر الأعلى. وقد استغل هذا انشغال والد زوجته بالصراع مع مجاهد، ليستقل بمدينة المرية سنة 433هـ/1041م وظل فيها عشر سنوات حتى وفاته. وخلفه ابنه محمد أبو يحيى معز الدولة (ت484هـ) الذي اتخذ لنفسه لقبين خلافيين هما: المعتصم بالله والواثق بفضل الله. ويسر له ثراء ألمرية جعل بلاطه فخماً بقصوره وما تجمع فيه من أدباء وشعراء.
      4ـ الدويلات الصغيرة: قام بين دويلات الطوائف الكبيرة دويلات صغيرة ولم يعمّر غالبها حتى نهاية العصر. وقد اشتهرت منها في الشرق: دويلة بني رزين في السهلة بين بلنسية وسرقسطة، ثم دويلة البُنْت بجوار مرسية وحكمها بنو قاسم. لكن أكبر تجمع للدويلات الصغيرة كان حول إشبيلية. في جنوبها الغربي فقد حكمتها أسر عربية وهي: بنو يحصب في لبلة وجبل العيون وفي جنوبها حكم بنو هارون اوكشونَبَة وشَنْتَمرية، وفي ولبة وشلطيش حكم البكريون وحكم بنو جراح مدينة شلب. وقد ضم العباديون كل هذه الدويلات قبل أن ينتصف القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي. كما تعددت الدويلات المغربية في جنوب إشْبيلية، حيث حكم بنو دوناس اليفرنيون كورة تاكرنة، وعاصمتها رُنْدة، وبنو يرنيان مدينتي أركش وقلشانة، وبنو دمر مدينة مورور. وقد ضم العباديون أيضاً هذه الدويلات بعيد منتصف القرن.

      تعليق


      • #4
        العلاقات الداخلية والخارجية لدول الطوائف: تمسك غالبية الجيل الأول من مؤسسي الطوائف بالمواضع التي كانو يحكمونها، ريثما تتفق الجماعة على خليفة، لذا استمر بعضهم بحمل لقب وظيفته السابقة إذا كانت رفيعة كلقب القاضي. وأخذ بعضهم الآخر لقب حاجب. وعندما قام صراع حاد بين حزب المغاربة برئاسة الزيريين، وحزب الأندلسيين بزعامة العباديين، بحث الطرفان عن سند معنوي فوجدوه في الخليفة، فبايع الأوائل أحد الحموديين، في حين ادعى الطرف الثاني أنه عثر على هشام المؤيد آخر خليفة أموي قبل الفتنة. لكن الجيل الثاني اطمأن إلى اعتياد الناس طاعة أسرته، فاتخذ لقباً أو لقبين تعبيراً عن سيادته العليا. مع ذلك لم يركن إلى إخلاص الناس في دويلته حتى لو كانوا أبناء عصبيته، بل نظر إلى الجميع بوصفهم رعية، واعتمد على مرتزقة مغاربة اشتهر من بينهم بنو بِرزال، كما استخدم بعضهم جنداً من النصارى الإسبان. وقد وقع على كاهل الرعية دفع الأجور العالية لهؤلاء المرتزقة ضرائب متعددة تفنن ملوكهم في ابتكار أنواع لها، كي تغطي نفقات الجند والبلاط الفخم بقصوره وما حوته من الجواري وأكابر رجال الفكر الذين كان لهم نشاط قد يعد الأثر الإيجابي الوحيد للطوائف. فقد توزع علماء قرطبة عاصمة الخلافة وكتب مكتباتها في الكثير من البلاطات وتعددت بذلك مراكز الإشعاع. وهكذا ازدهرت الآداب في بلاطات الأشراف والعرب ولعل أبرز من يمثل الشعراء ابن زيدون (ت463هـ/1071م) في قرطبة وإشبيلية أما في التاريخ فكانت القمة في بلاط بني جهور متمثلة بحيّان بن خلف المشهور بابن حيان (ت469هـ/1076م)، الذي صنع بتاريخ الأندلس ما صنعه الطبري في المشرق سابقاً إذ جمع أخباره منذ الفتح حتى وفاة الحكم المستنصر. وأرخ لعصره في كتاب المُبين في ستين مجلداً. كما أرخ لحكم العامريين ولحادثة الغدر ببني جهور. وبرز في ميدان الجغرافية أبو عبيد البكري عبد الله بن عبد العزيز (ت 487هـ) فكتب في المسالك معجماً جمع فيه بين اللغة والجغرافية. أما العلوم فكان مجالها في بلاطات مغربية، كعالم الفلك إبراهيم بن يحيى التجيبي النقّاش المعروف بابن الزُرقالي (ت 493هـ) الذي استدرك على ما توصل إليه بطلميوس وعده بعضهم أفضل فلكي عرفته أوربة قبل كبلر. واشتهر ابن وافد عبد الرحمن بن محمد في دراسة الأعشاب وفوائدها الطبية، كما عرف بلاط المأمون في طليطلة ابن بصال في الزراعة وصاحب مؤلف فيها. وفي هذا الجو الفكري المتطور لم يخل الأمر من وجود أعلام لا صلة لهم بالبلاطات، والمثل الواضح عنهم ابن حزم[ر] (ت 456هـ) الذي ألف أربعمئة كتاب في فنون شتى بدءاً من فلسفة الحب في كتاب «طوق الحمامة» وانتهاء بعلم الأديان المقارن في «الفصل في الملل والأهواء والنحل»، وما بينها من فنون تاريخية كالأنساب في كتابه «جمهرة أنساب العرب» ورسائل في السيرة، وتاريخ الخلفاء.
        أما علاقات دول الطوائف فيما بينها، فكانت في الغالب صراعاً رأوا فيه صراع حياة أو موت، وللانتصار فيه لجؤوا إلى طلب عون الإسبان مقابل مال أو حصون أو كليهما معاً. وأدى مجمل هذا الوضع إلى تقديم عنصر قوة لهؤلاء الإسبان أضيف إلى عناصر تقويتهم، ومنها تطورات داخلية في مجتمعهم تمثلت على الصعيد الاجتماعي في ابتداع نظم أدت إلى دمج عددٍ أكبر منهم في طبقة المحاربين. وعلى الصعيد السياسي في تقارب بين ممالكهم بزعامة ملك ليون الذي اتخذ لقب امبراطور. وكانوا يسترشدون عند القيام بهذه الإصلاحات بوعي قومي مؤداه أن إسبانية وحدة كان يملكها القوط وملوك الإسبان فيجب أن تعود إليهم. كما أن البابوية نظرت للصراع بين الفريقين على أنه صراع بين أوربة المسيحية والعالم الإسلامي، فشجعت الأوربيين على عون الإسبان؛ فقد أعلن البابا ألكسندر الثاني الخلاص من الخطايا لمن يشارك في حملة صليبية على العرب المسلمين في إسبانية، وذلك سنة 456هـ/1063م أي قبل نحو ثلاثين سنة من توجه أول حملة صليبية إلى المشرق.
        بكل هذه الوسائل أصبح الإسبان وعلى رأسهم الامبراطور قادرين على احتلال الأندلس كلها، لكن العنصر البشري كان ينقصهم لضبطها أو إعمارها، لذلك جعل الامبراطور هذا الأمر هدفاً ثابتاً يتحقق على مراحل، كان أولها زيادة قوته وإضعاف الطوائف بما يأخذه من جزية، مع الحرص على منع توحيدها واندماجها لما ينتج منه من عقبة أمام الهدف النهائي، ثم يقتطع بعد أمد من الأراضي الأندلسية المجاورة ما يقدر عليه وكانت هذه السياسة معروفة في بلاطه ونقلت إلى ملوك الطوائف فسكنوا إليها لأنهم كانوا يجمعون الجزية من الرعية. ثم تغير الوضع عند احتلاله طليطلة في 27 محرم 478هـ/20 أيار 1085م، إذ أظهر أنه يريد القواعد، كما سبق هذا الحادث بعدة شهور إتمام المرابطين بسط سيادتهم على المغرب بضم سبتة إلى حكمهم متذرعين بأن صاحبها منعهم من الجواز عبرها إلى الأندلس للجهاد. وأضيف إلى الحدثين تحرك داخلي قاده الفقهاء زعماء العامة، متأثرين بالقلق العام الذي ساد الأندلس عقب سقوط طليطلة. فاتفق عدد منهم اجتمع في قرطبة على أن الخلاص من الخطر الإسباني يقتضي طلب دخول المرابطين إلى الأندلس، فوافقوا على اقتراح المعتمد بن عباد باستدعاء يوسف بن تاشفين أمير المرابطين مع الاشتراط عليه عدم التدخل بينهم وبين رعاياهم في شيء.
        الأندلس في عهد المرابطين
        قامت دولة المرابطين[ر] تتويجاً لحركة دينية - سياسية أفلح فيها فقهاء مالكيون في توحيد صنهاجة اللثام (أسلاف الطوارق) في الصحراء الكبرى، وإقامة دولة ملتزمة بالشرع كما تصوروه. وقد ضمت بعد ذلك المغرب من أقصاه حتى أواسطه عند حدود الزيريين أقاربهم في النسب بين سنتي 444 - 477هـ/1052 ــ 1084م. ولبّى يوسف بن تاشفين سلطانهم آخر دعوة أندلسية وجهها إليه ملوك الطوائف لإنقاذ الأندلس، فدخلتها قواته ثلاث مرات. قاد في الأولى منها القوى المغربية والأندلسية نحو النصر الكبير على ألفونسو السادس في موقعة الزلاقة على مقربة من بطليوس في رجب 479هـ/تشرين أول1086م. وفي المرة الثانية سنة 481هـ/1088م حاصر حصن لييط مدة أربعة شهور، ولم ينجح، فعزا أسباب الإخفاق إلى خصومات ملوك الطوائف وفي المرة الثالثة أنزل جيوشه للقضاء على ملوك الطوائف متسلحاًً بفتوى الفقهاء بوجوب ذلك. وبدأ بالدولة الزيرية سنة 483هـ/1090م وأتبعها في العام التالي بدولتي ابن عباد وصمادح. ثم تريث في إخضاع الثغور، فلم يدخل بطليوس عاصمة بني الأفطس إلا عام 488هـ/1095م. وأما في الشرق فقد اصطدم المرابطون بالفارس الإسباني إلسِيْد الكُمبيطور صاحب بلنسية، ولم يتمكنوا من دخولها إلا عام 494هـ/1102م، أي بعد سنة من وفاته. أما سرقسطة قاعدة الثغر الأعلى المتداخل مع أراضي الإسبان في عدة جهات فلم تخضع لهم إلا عام 503هـ/1109م.
        ظل حكم المرابطين مستقراً في الأندلس بعد وفاة يوسف بن تاشفين (501هـ/1106م) وطوال النصف الأول من حكم ابنه علي المتوفى سنة537هـ/1143م. وكان القول الفصل في حكمها آنذاك لفقهائها، وقد أحرز المرابطون في هذه الحقبة عدة انتصارات على الإسبان، حتى أوشكوا أن يحرروا طليطلة. ثم اضطربت أمور دولتهم في المغرب بظهور حركة الموحدين بدءاً من سنة 515هـ/1121م فاضطرتهم الحاجة إلى المال إلى زيادة الضرائب في الأندلس التي تحكم قوادهم في إدارتها، وكان جندهم في بعض الأحيان يعتدون على أموال الناس وأعراضهم، مما أدى إلى نشوب ثورة في قرطبة عام 514هـ/1120م. وعجز المرابطون في الوقت نفسه عن صد الأخطار الخارجية عن الأندلس، كغزو أهل بيزا (بيشة عند المسلمين) وجنوة لجزر الباليار واحتلال سرقسطة سنة 512هـ/1118م مع جزء من وادي الإبْرُو على يد ألفونسو الأول (ابن رذمير) ملك أَراغون[ر] الذي أتبع ذلك بغارة سريعة عبر الأندلس وصل فيها إلى المضيق وبذلك فقد المرابطون مسوّغ وجودهم في الأندلس، إذ عمت الثورة عليهم في آخر العقد الرابع من القرن السادس الهجري، عندما كانوا في أوج انهماكهم في مواجهة الموحدين في المغرب. وأفلحت ثورة الأندلس في إقامة دويلات طوائف ثانية، عرفت بطوائف المرابطين التي كانت أصغر وأقصر عمراً من الطوائف الأولى وحكم فيها شيوخ صوفية في الغرب، وفقهاء في الوسط، وقادة جند في الشرق. ومن نتائج حكم المرابطين للأندلس في المجال الحضاري، تزايد تأثير الأندلسيين الحضاري في المغرب، إذ هيمن كتابهم وأدباؤهم على البلاط، كما انتشر بعضهم في المغرب معلمين للعربية، ووجد مهندسوهم لدى السلاطين مجالاً رحباً للعمل في هندسة الزراعة والعمران المدني والديني.
        الموحّدون في الأندلس
        قامت قبائل المصامدة المستقرّة في جبال الأطلس بالإجهاز نهائياً على حكم المرابطين باحتلال مراكش في شوال541هـ/1147م. وفي العام ذاته أرسلوا قوة إلى الأندلس بقي دورها محدوداً خمس سنوات، إذ تعددت القوى المعادية لهم، كما أن الأندلسيين الذين استدعوهم ثاروا عليهم، واستغل الإسبان وضع التفكك ليتابعوا غزوهم ففي أقصى الشرق احتل كونت برشلونة بمساعدة جنوية طرطوشة على مصب الإبرو(543هـ/1148م) وفي الوسط، كان ألفونسو السابع امبراطور ليون المعروف بالسليطين لدى العرب، قد تجاوز الجبال إلى حوض الوادي الكبير، حيث قرطبة وإشبيلية، واحتل مدينة قلعة رباح في شعبان سنة 541هـ/كانون الثاني1147م. ثم احتل ميناء ألمرية بمعونة فرنسية وجنوية. وفي الوقت نفسه كان ابن خالته هنري (إنريكي) سيد الدولة الحديثة النشأة (البرتغال)، يقوم باحتلال شنترين أواسط عام 541هـ/1147م، ثم احتل الأشبونة في آخر العام الهجري نفسه، مستعيناً بقوى صليبية أوربية مارة بموانئ بلاده وهي في طريقها إلى المشرق. وقد ردّ الموحدون بتخصيص قوة أكبر للأندلس فأحرزت نجاحاً أكبر بسيطرتهم على شلب في الجنوب الغربي (546هـ/1151م)، ثم على غرناطة (552هـ/1157م)، وبتحرير المرية في العام نفسه. لكن قوى الإسبان والثائرين الأندلسيين تكالبت عليهم مرة أخرى، إذ تقوى ابن مردنيش صاحب شرقي الأندلس بحميه ومساعده ابن هَمْشك الذي توسع في الوسط باحتلال جيان وأبذة وقرمونة واستجة عام 454هـ/1159م ثم غرناطة عام 557هـ/1162م، كما احتل البرتغاليون في الغرب مدينة باجة. ولم يتيسر لعبد المؤمن خليفة الموحدين الرد على النكسات، إذ توفى سنة 558هـ/1163م وهو في طريقه إلى الجهاد في الأندلس بعد ما مهد له ببناء قاعدة عسكرية في جبل طارق. وتحقق ذلك لابنه يوسف أبي يعقوب بعد قرابة تسع سنوات عندما قضى نهائياً على سيادة بني مردنيش وضم الأندلس الإسلامية إلى الموحدين. فحكمها أمراء من الأسرة المالكة، أقاموا في إشبيلية، حيث التفت حولهم مجموعة من الطلبة (الفقهاء في مذهب الموحدين) لتقديم المشورة وبث المذهب الذي عدّوا اعتناقه من ضرورات الطاعة في حين وجد أعلام الفكر الأندلسي في بلاط الموحدين مجالاً لنشاطهم فبرز من أعلام الفلاسفة ابن طفيل وابن رشد. أما على صعيد التصدّي للخطر الإسباني، فقد قاد الخليفة يوسف أبو يعقوب حملة لتحرير شنترين لكنه أصيب بجراح في جوارها وتوفي في أثناء الانسحاب سنة580هـ/1184م ثم حلت بالموحدين نكسة أخرى عام 585هـ/1189م، عندما انتزع منهم البرتغاليون مدينة شلب بمعونة صليبية متجهة نحو الشرق. فقام الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور باستعادتها (587هـ/1191م). ثم أجهز على تهديد القشتاليين لحوض نهر الوادي الكبير بنصره المدوّي عليهم في موقعة الأرك (591هـ/1195م) وأكمل انتصاره بغارات في عمق أراضيهم وصلت إلى مقربة من طليطلة، واضطرهم إلى عقد صلح معه مدة عشر سنوات. وفي عهد خليفته محمد بن يعقوب الملقب بالناصر حلت بالموحدين كارثة وقعة العقاب[ر] (15 صفر 609هـ/16 تموز 1212م)، وتلاها تدهور دولتهم في الأندلس والمغرب.

        تعليق


        • #5
          الأندلس بعد خروج الموحدين
          على الرغم من كارثة العقاب وحدوث القحط والوباء بعدها، ظلت دولة الموحدين متماسكة حتى سنة620هـ/1223م لانشغال أعدائها عنها على ما يبدو، إذ لم يحتلوا في هذه المدة إلا قصر أبي داني Al-Cacar de sal لحساب ملك البرتغال (614هـ/1217م). ثم بدأ الصراع بين أمرائهم الحاكمين في الأندلس على عرش الخلافة الموحدية. فقد بويع عبد الواحد على الخلافة أواخر سنة 620هـ/أوائل 1224م، ولم يلبث أن ثار عليه عبد الله بن المنصور أمير مرسية الموحدي، ودعا نفسه بلقب العادل، واستطاع الحصول على بيعة الأمراء والشيوخ في الأندلس والمغرب. لكن أخاه عبد الله أمير قرطبة الذي عرف فيما بعد بالبياسي ثار عليه في العام التالي واستعان في صراعه مع أتباع أخيه العادل بالإسبان الذين أمدوه بعشرة آلاف من الجند وتلقوا منه بالمقابل عشرين حصناً ومدينة، منها ما كان في شمال قرطبة ومنها ما كان في شرقها، كما اتهم بالدخول في المسيحية. ومع ذلك لم يتمكن من النصر، وثارت عليه حاضرته قرطبة ذاتها خشية إدخاله الإسبان إليها، فاضطر إلى الهرب إلى حصن المدوّر حيث قتل. لكن الطرف الآخر لم يتحد، فما إن غادر العادل إلى مراكش تاركاً أخاه إدريس أبا العلا في إشبيلية سنة624هـ/1228م، حتى ثار هذا على أخيه داعياً لنفسه متلقباً بالمأمون. وسرعان ما حصل على بيعة الموحدين في الأندلس والمغرب إذ خلعوا أخاه بمراكش، لكنهم لم يلبثوا أن غيروا رأيهم فنقلوا بيعتهم لابن أخيه يحيى بن محمد الناصر، فلجأ إلى الاستنجاد بالملك الإسباني الذي قدم له معونة من الجند لإخضاع موحدي مراكش مقابل عشرة حصون أندلسية، والسماح للجند بإقامة كنيسة في مراكش وحرية التبشير بين المسلمين. وقامت لذلك ثورات في الأندلس منها:
          ثورة ابن هود
          في هذه الظروف بدأت ثورة الأندلس على الموحّدين ودعت للخليفة العباسي، وقام بها في الصخور أو الصخيرات في رجب سنة 625هـ/1228م قائد الجند محمد بن يوسف بن هود الذي يدعي الانتساب إلى بني هود ملوك الثغر الأعلى وقد تحالف مع الغشتي رأس مجموعة من قطاع الطرق في البر والبحر. وقد هزم الثائر جيشين للموحدين وجههما إليه واليا مرسية وبلنسية، ثم توجه نحو مرسية ودخلها سلماً بتدبير من قاضيها أبي الحسن علي بن محمد القسطلّي في أول رمضان من العام نفسه. لكنه هزم خارج لورقة أمام الخليفة الموحدي المأمون، الذي لاحقه حتى مرسية، وذلك قبل أن تضطره أوضاع عاصمته مراكش إلى التوجه نحو المغرب ومغادرة الأندلس التي عمتها الثورة على الموحدين عقب خروجه، وقادها في المدن في أغلب الأحيان قضاتها الذين أعلنوا تبعيتهم لابن هود وهكذا بايعته في العام التالي لثورته المريّة برئاسة قاضيها محمد بن يحيى الرميمي، ومالقة برئاسة أبي عبد الله بن زُنون وغَرنْاطَة برئاسة عتبة بن يحيى الجزولي وتبعه في العام التالي شرق الأندلس وغربها، إذ قام كل من أبي زكريا وأبي سلطان من بني مردنيش صاحبي دانية وجزيرة شَقْر بإعلان تبعيتهما لابن هود في الثلث الأول من شوال 626هـ/الثلث الأول من أيلول 1229م، وحذا حذوهما أحمد بن عيسى الخزرجي سيد شاطبة. كما ثارت قُرْطُبة، في ذي القعدة من العام نفسه وبايعت ابن هود، ثم تبعتها إِشْبِيِلية في 11 ذي الحجة 626هـ/31تشرين أول 1229م، وقد تأخر في الخضوع له الجزيرة الخضراء وجبل طارق حتى رجب 628هـ/أيار 1231، ولما انتهى سلطان الموحدين في الأندلس، وزادت قوة ابن هود المعنوية بوصول كتاب اعتراف الخليفة العباسي به أميراً للمسلمين لبس السواد وتلقب بمجاهد الدين المتوكل على الله أمير المسلمين. كما عين ابنه محمداً ولياً لعهده ولقبه الواثق بالله. ولكن سلطانه الذي شمل الأندلس كلها سرعان ما تزعزع تحت ضغط القوى الإسبانية المندفعة للتوسع وقوى الداخل المضطربة. وهكذا سدّد ألفونسو التاسع ملك ليون ضربة قوية إليه فهزمه عند مدينة مارِدَة وانتزعها منه وهو في أوج توسيع سلطانه أي سنة 628هـ/ 1231م. وتبع ذلك في العام التالي ثورة في الداخل قام بها في صخرة أرْجونَة محمد بن يوسف بن نصر المشهور بابن الأحمر، الذي كان رئيساً لمجموعة من المرابطين الثغريين على الحدود، وذلك في 26 رمضان 629هـ/ 18 نيسان 1232م، وقد أصبح سنداً لكل الناقمين على ابن هود، أو اليائسين من قدرته على حمايتهم من الإسبان. فقد سقطت بعد شهور بيد فرناندو الثالث (فرّاندُه الأحول في التسمية العربية) مدينتا تُرجيلة وأُبَدَّة ولم يستطع ابن هود حمايتهما، فخشيت مدينة جَيّان الكبيرة المجاورة مصيراً كمصيرهما، وسارت وراء عبد الملك بن صناديد، أحد وجوهها، لتعلن ولاءها للثائر الجديد ابن الأحمر وتبعتها قُرْطُبة في العام نفسه (630هـ/1233م )، وهذا ما شجع إشبيلية فخلعت ابن هود وبايعت أحمد الباجي أحد وجوهها. ودفع ذلك ابن هود إلى موادعة فرناندو الثالث مقابل ألف دينار يومياً ليتفرغ لمحاربة هذين الخصمين، بادئاً بالباجي أضعفهما واستنجد هذا بابن نصر فاستطاع الطرفان إيقاع الهزيمة بابن هود وبدا آنذاك واضحاً أن الأندلس عادت إلى التمزق ثانية مع أن بعض المدن عادت إلى الدعوة لابن هود كقُرْطُبة التي لم تتحمل قسوة ابن الأحمر، وإِشبيلية التي غدر بزعمائها من حلفائه كي يبسط سلطانه عليها الذي لم يستمر أكثر من شهور قليلة. ولكن الإسبان استغلّوا هذه المنازعات فاحتلوا قرطبة في شوال 633هـ/حزيران 1236م في حين كان ابن الأحمر في حلف مع فرناندو الثالث ملك قشتالة الذي بدا كأنه سيد الموقف، ورأى ابن هود، على ما يبدو، أنه لا قبل له بمواجهته فعقد معه صلحاً لعدة أعوام مقابل نحو مئة ألف دينار كل عام وقد أدّى منها خمسين ألفاً معجلة ووزع الباقي على البلاد التابعة له كي تؤدّى في وقتها المحدّد. ويبدو أنه فقد بهذا العمل مسوغ طاعته لدى الجميع إذ أثقل كاهل الناس بالمال وعجز عن حمايتهم، فثاروا عليه في غَرناطَة في رمضان 634هـ/ 29 نيسان 1237م واستدعوا ابن الأحمر، وسرعان ما لقي ابن هود مصرعه في ألمرِيَّة في 24 جمادى الأولى سنة 635هـ/13 كانون الثاني 1238م بتدبير من قاضيها ابن الرميمي. وبوفاة ابن هود انتهت تلك الوحدة القصيرة الأمد التي قامت تحت سلطانه إذ تعدد وارثوه وكان أوفرهم حظاً ابن الأحمر، الذي ضم إضافة إلى ما كان يملك ألمَرِيَّة ومالَقَة عام 636هـ/1239م. واستطاع الاحتفاظ بهذه الدولة الواسعة نسبياً قرابة خمس سنوات بدأ بعدها فرناندو الثالث ملك قَشْتالة بالتوسع على حسابه فاحتل مهد ثورته الأولى أَرْجونَة في 641هـ/1243م ثم حاصر جَيَّان مدة سبعة شهور. ووافاه ابن الأحمر ليسلمه إياها مع ما يتبعها من مواقع ويعلن تبعيته له في حكم غيرها من أجزاء دولته بموجب عقد سلم أمده عشرون عاماً. وبعدها تفرغ الملك القَشْتالي لضم بلاد أخرى كان على رأسها إشبيلية مستغلاً ثورتها على زعيمها ابن الجد الذي كان مسالماً له، وقد سقطت في يده في 27 رمضان 646هـ/ 15 كانون أول 1249م بعد حصارها سنة وخمسة شهور. أما الشرق الأندلسي فكان يتبع كله ابن هود إلا بَلَنْسِيَة التي تأمر فيها منذ ثورتها على الموحدين 626هـ/1229م أبو جميل زَيّان من بني مَرْدنيش. ثم انقسمت دولة ابن هود بعد مقتله بسبعة شهور، بويع فيها بمُرْسِيَة ابنه وولي عهده الواثق بالله، ثم خلع ليحل محله عزيز بن عبد الملك بن خطاب في 4 المحرم 636هـ/18 آب 1238م الذي خلع على يد أبي جميل زيّان صاحب بَلَنْسِيَة في 15 رمضان من السنة نفسها. لكن ابن زيان لم يستطع السيطرة على دولة ابن هود كلها إذ انفصلت شاطِبَة، وحكمها يحيى بن أحمد بن عيسى الخزرجي ثم خلفه ابنه محمد الذي ضم دانِيَة إلى سلطانه.
          سهل هذا التجزؤ والاضطراب على خايمي الأول (جاقُمة عند العرب) ملك أراغون متابعة احتلال مناطق الأندلس بنجاح فسيطر في الشرق الأندلسي على كل المنطقة الممتدة حتى نهر شَقُورَة. وسقطت بَلَنْسِية بيده في 14 صفر 636 /30 أيلول 1238م، وأجلي أهلها عنها. ثم سالم دانِيَة وشاطِبَة، المدينتين الكبيرتين الباقيتين، مقابل مال معلوم. وحاول الحفصي الحفاظ على بقية الشرق تحت حكم أبي جميل زَيّان الذي قام بالدعوة للحفصيين637هـ/1239ـ1240م، لكن الوضع لم يستقر، فثارت مُرْسِيَة وبايع أهلها أبا بكر بن هود ثم استسلموا للقَشْتاليين 640هـ/1242 - 1243م وأسكنوا أعداداً منهم في بلدهم. ثم احتلها خايمي ملك أراغون وأجلى أهلها في 644هـ/1246م، ولقيت جزر الباليار مصيراً مماثلاً للبر الأندلسي المجاور، إذ كان الملك الأراغوني نفسه قد احتل ميورقة كبرى الجزر سنة 627/1229م، ثم عقد معه محمد بن أحمد بن هشام قاضي مَنُورَقَة معاهدة خضوع، التزمها بعده سعيد بن حكم بن عمر القرشي مغتصب الحكم منه سنة 631هـ/1234م الذي ظل يحكم نحو خمسين سنة، وفي زمن ابنه حكم بن سعيد احتلها ألفونسو الثالث ملك أَراغون 686هـ/1287م.
          دولة غَرْناطَة
          اقتصر الوجود العربي إثر ذلك على دولة غرناطة تحت حكم بني الأحمر أو بني نصر[ر] في أقصى الجنوب. وكانت تشمل مدن: غَرناطَة ومالَقَة وألمَرِيَّة وما يتبع هذه المدن، وعاشت ما يزيد على قرنين ونصف القرن حتى سقطت عام 897هـ/1492م. واعتمدت في البقاء على الموازنة بين قوة المرينيين في المغرب الأقصى والقَشْتاليين في الأندلس، فكانت تتبع وتوالي، عند تهديد إحداهما لوجودها، القوة الأخرى. ومع ذلك لم يخل الأمر من تمتعها باستقلال تام في مراحل انشغال الطرفين، كما حدث في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي. وكان لهذه الدولة منجزاتها الحضارية في مجال العمران والفن، تمثلت في قصر الحمراء الذي حصن بأسوار غطيت بالمرمر، وأجمل جزء في القصر المتعدد الأجزاء هو بهو السباع وأعمدته المنسقة تنسيقاً جميلاً. وفي المجال الفكري ظهر عدد من الشخصيات كان أبرزهم لسان الدين بن الخطيب.
          المدجنون والمواركة
          مع قيام دولة للإسبان في الأندلس منذ العقود الأولى التي تبعت الفتح فإن المسلمين على اختلافهم ظلوا يأنفون من الخضوع لحكمهم طوال المدة التي كانت كفة القوة راجحة إلى جانب الحكم العربي، أي حتى بداية القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي. وبعدها توالت انتصارات الإسبان، ورافقها ضم البلدان إلى سلطانهم، ولاسيما عقب موجات الاكتساح الكبرى الثلاث، أواخر أيام الطوائف في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، وبعد انهيار سلطان الموحدين في الربع الثاني من القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي وسقوط الحواضر الكبرى، وأخيراً عند احتلال دولة غرناطة. وقد تغير موقف الأندلسيين في هذه المراحل فرحل بعضهم عن مواطنهم المحتلة، في حين بقي بعض آخر أطلق عليهم أبناء قومهم اسم المدجّنين يعنون به الحيوان المروض والقطيع الذليل، وتبناه الإسبان، وإن نطقوه محرفاً لينسجم مع سنن لغتهم اللفظية موديخر Modejar وقد تبلورت قواعد معاملة الملوك الإسبان لهم منذ البداية بعد غزوة طُليْطلة، عندما عدّوا أنفسهم ملوكاً للملل الثلاث المسيحية والإسلام واليهودية. وأعطوا بموجبها السكان المسلمين عند الاستسلام حق الخروج لمن يشاء والبقاء لمن يريد متمتعاً بأملاكه وحرية معتقده محتفظاً بمساجده وظلت هذه الشروط متبعة ومحترمة في خطوطها الأساسية حتى بعيد سقوط غَرناطة، مع خرق لها عند التطبيق في ناحيتين، إذ غالباً ما كان المسجد الجامع في المدن الكبرى يحول إلى كنيسة، كما كان المدجنون يجبرون من حين لآخر على وضع علامات خاصة في ملابسهم. تابع المدجنون ضمن هذه الظروف حياتهم، إذ لم يتغير عليهم في الأرياف سوى السادة وبقي عماد عملهم زراعاتهم الأساسية الثمينة، كالرز وقصب السكر والتوت لإنتاج الحرير كما كانت لهم شهرة بالبراعة في شؤون الري. أما في المدن فقد ظلوا غالبية سكانها وسيطروا على الحرف وعرفوا بدأبهم واستقامتهم مما جعلهم ميسورين ولا يشكون من البطالة. ولعل فئة المعماريين كانت أوفرهم حظاً من اليسر، إذ استخدمهم السادة الجدد ليبنوا لهم قصوراً مماثلة لتلك التي بنوها للسادة القدماء كقصر إشْبيلية، وقد ظهر فيما بنوه طراز عمران المدجنين، الذي أضحى منبع اقتباس للعمران الإسباني حتى في الكنائس الصغيرة، ثم عبر مع المهاجرين الإسبان إلى العالم الجديد.
          وأصاب مثل هذا التأثير الإدارة، إذ بقيت مؤسساتها العربية قائمة بدليل أن أسماء المناصب العليا فيها لدى الإسبان ظلت الأسماء العربية نفسها، وكان على رأس كل مدينة Zalmadina (صاحب المدينة عند العرب) ويجمع الضرائب فيها Almojarife (المشرف) ويقوم بالقضاء Alcalde (القاضي)، ويشرف على الأسواق Almotacen (المحتسب) ويسهر على تطبيق القانون ومحاسبة الخارجين عليه Alguacil (الوزير). ومع ذلك لم يخل تاريخ هؤلاء من ثورات كتلك التي قام بها على الملك القشتالي ألفونسو العاشر 662هـ/1264م مدجنو شربش ومرسية التي أخمدت في العام التالي وطرد من جرائها أهل مرسية من بلدهم. حصل الانقلاب في معاملة المدجنين بعد سقوط غَرناطة بعشر سنوات، عندما نقض الإسبان شروط استسلام المدينة وفرضوا التنصر عليهم، ولم يتركوا لهم خيارات سوى الرحيل، ثم عُمّم الأمر على المدجنين في الأندلس بكاملها. فخضع بعضهم للتنصر لكنهم لم يندمجوا في المجتمع الإسباني بل بقوا فئة متميزة عرفت بالمواركة أو الموريسكوس Moriscos. وكانت تظهر المسيحية وتضمر اعتقادها بالإسلام وتؤدي شعائره سراً وظل الأمر على هذه الحال طوال قرن كامل تقريباً وصدر بنهاية عام 1609م قرار طردهم النهائي. وقد سارت في هذا القرن علاقاتهم بالإسبان وفق تتابع الأوامر والقوانين الإسبانية التي كانت تتوخى منعهم من ممارسة أي سلوك أو عادة لهما ارتباط بالدين أو العبادة، وقيام الموريسكوس بابتكار الوسائل الكفيلة بالتملص من تلك الأوامر ولو بالثورات، كثورتهم العارمة التي استمرت سنوات بين 976ـ 979هـ/1568 - 1571م.
          انتقال الحضارة العربية الإسلامية إلى أوربة عبر الأندلس
          انتقلت الحضارة العربية الإسلامية إلى أوربة على ثلاثة جسور هي: المشرق زمن الحروب الصليبية وصقلية والأندلس. وربما كانت بلاد الأندلس أهم هذه الجسور أثراً لطول أمد الاحتكاك بين المجتمعين الأندلسي والأوربي البالغ ثمانية قرون وكذلك لعمق التداخل بينهما سواء في مرحلة قوة الأندلسيين أو في مرحلة ضعفهم.
          في المرحلة الأولى عاش في ظل حكم العرب المسلمين كثرة من الإسبان احتفظوا بدينهم لكنهم اصطبغوا بصبغة الحضارة العربية الإسلامية حتى دعوا بالمستعربين، وكانوا كثيري النزوح إلى الشمال الإسباني المتصل بأوربة عبر سبل عدّة، ونقلوا إليه عناصر حضارية من شتى نواحي الحياة كما أن الأندلسيين حملوا حضارتهم في توسعهم الحربي في البروفانس والألب حيث أثَّروا في أساليب العمران واستخراج القطران من الصنوبر والبلوط والتعدين، كما قادهم التوسع التجاري ولاسيما تجارة العبيد مع منطقة اللورين إلى نثر بذور حضارتهم في قلب أوربة. وقامت السفارات المتبادلة مع الملوك، كتلك التي تبادلوها مع أوتون الكبير في القرن الرابع هجري/العاشر الميلادي والتي أدت إلى احتكاك فكري، إذ إن ربيع بن زيد رجل الفكر في البلاط الأندلسي لقي لوتبراند وحثه على وضع مؤلفه في التاريخ الوسيط، كما يعتقد بأن سفير أوتون إلى قرطبة نقل منها مخطوطات يونانية ولاتينية. ومن ناحية أخرى أدت شهرة الرقي العلمي للأندلس إلى ارتياد كبار طالبي العلم الأوربيين لها كالقس جيربرت دي أورياك Gerbert الذي اعتلى عرش البابوية فيما بعد باسم سلفستر الثاني.
          واتسع نقل الحضارة العربية الإسلامية في مراحل ضعف الأندلسيين، فحيثما وجدوا ثم غادروا خلّفوا وراءهم علماء استخدموا لتعليم الإسبان وغيرهم كالرقوطي المرسي المقرب لألفونسو الحكيم في القرن 7هـ/13م. وتركوا أيضاً تقاليد وأدوات ملاحية ملائمة للإبحار في الأطلسي، وزراعات مجلوبة من الشرق الأقصى كالرز وقصب السكر وصناعة السكر التي أدت إلى تغيير في النظام الغذائي للعالم أجمع، وكالقطن الذي أصبح أحد أركان التقدم الصناعي في أوربة في عصر النهضة. إضافة إلى وسائل الري كالقنوات تحت الأرض التي انتشرت حتى تشيلي في العالم الجديد. كما ورث الإسبان عن العرب مكتبات ضخمة زاخرة بشتى المعارف مما يغري بترجمتها من العربية فنشطت الترجمة فيما سمي بمدرسة طُليْطلة على وجه الخصوص وعلى مراحل.
          قاد المرحلة الأولى الأسقف غنديسالبو وكانت الترجمة إلى اللاتينية. وأهم ما تم فيها ترجمة خوان الإشبيلي لكتاب الخوارزمي في الحساب مما أسهم في نقل الأرقام الهندية إلى أوربة. وترجمة ماركوس لكتب جالينوس في الطب، إضافة إلى عدة كتب عرَّفت أوربة بتصوف الغزالي وفكر أرسطو والأفلاطونية الحديثة بشكلهما المتطور في أعمال ابن سينا والفارابي. وانتقل مترجمون من بلدان أوربية شتى إلى طُليْطلة، منهم رئيس دير كلوني بطرس الممجد من فرنسة الذي أشرف على ترجمة القرآن، وجيراردو دي كريمونا من إيطالية مترجم مؤلفات بطلميوس الفلكية، وقدم من إنكلترة أديلارد الباثي ليترجم الجداول الفلكية للخوارزمي والإضافات عليها لمسْلَمة اَلْمجريطي، وتلاه ميخائيل سكوت مترجم أعمال الفلكي الأندلسي البطروجي المشكّك بنظرية بطلميوس. وفي المرحلة الثانية تمت الترجمة إلى الإسبانية الدارجة وإلى غيرها من اللغات الأوربية في بعض الأحيان، وذلك في عهد الملك القشتالي ألفونسو الحكيم، وكانت أيضاً في شتى العلوم والمعارف، بدءاً من التاريخ فقد ترجمت عدة مؤلفات في التاريخ الأندلسي وأدمجها ألفونسو ضمن مدونته عن تاريخ إسبانية العام، كما ترجم كتاب الصفيحة للفلكي الزرقالي التي عرفت باسم الاصطرلاب الألفونسي الذي عم استخدامه في الملاحة الأوربية. كما ترجمت قصة المعراج الإسلامية الواردة عند ابن عربي في الفتوحات المكية إلى أكثر من لغة أوربية وكانت الأساس الذي بنى عليه دانتي الكوميديا الإلهية. كذلك ترجم كتاب كليلة ودمنة إلى القشتالية والفرنسية وانتشرت مطالعة المؤلفات المترجمة إلى الحد الذي جعل الكنيسة تنهى عنها، فلجأ المؤلفون الأوربيون إلى الاقتباس منها من دون الإشارة إليها، كما هي حال قصص لافونتين الفرنسي وكتاب الوحوش لرامون لول الإسباني. ولاقت الرواج نفسه قصص ألف ليلة وليلة ولاسيما ما دل منها على مكر النساء وقصص السندباد، التي ترجمت بأمر فادريكي أخي ألفونسو الحكيم، ومنها اقتبست قصص بوكاشيو الإيطالي وكثير غيرها ضمّنتها كتب القصص والمسرحيات حتى مواعظ الكنيسة. وأخيراً أطلق خوليان ريبيرا في أول سني القرن العشرين نظريته ومؤداها أنه في الوقت الذي كان يدون فيه العلم والثقافة باللغات الأوربية الدارجة ظهر أيضاً أول شعر غنائي أوربي بالدارجة عند شعراء التروبادور.
          وقد استمد هذا الشعر أصله من الموشحات الأندلسية التي تشتمل على مقاطع إسبانية دارجة في الأصل. وقدم ريبيرا أدلة على صدق نظريته، لعل أبرزها أن شعر التروبادور هذا مماثل للموشح في وزن مقاطعه ولكونه وضع ليغنى ويحمل المعاني والقيم الواردة في قصص الحب العربية، كما أن مبتكري التروبادور، وفي مقدمتهم غليوم التاسع دوق أكيتانية وكونت بواتيه (1071- 1127م) كانوا على صلة بالثقافة العربية عموماً والبيئة الأندلسية على وجه الخصوص.
          ملوك الطوائف بالأندلس
          بنو عباد في إشبيلية
          414-484 هـ / 1023-1091م
          أبو القاسم محمد الأول بن إسماعيل بن عباد 414-433هـ/1023- 1041م
          أبو عمرو عباد المعتضد بن محمد 433- 461هـ/1041- 1068م
          محمد الثاني المعتمد بن عباد 461- 484هـ/1068- 1091م
          بنو جهور في قرطبة
          422-461هـ/1031-1068م
          أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور 422- 435هـ/1031-1042م
          أبو الوليد محمد بن جهور 435-457هـ/1042- 1058م
          عبد الملك بن محمد 450-461هـ/1058-1068م
          بنو ذو النون في طليطلة
          427-478 هـ/1036-1085م
          إسماعيل الظافر بن عبد الرحمن 427-429هـ/ 1036-1038م
          يحيى الأول المأمون بن إسماعيل 429-467هـ / 1038-1075م
          يحيى الثاني القادر بالله بن إسماعيل بن المأمون 467-478هـ / 1075-1085م
          بنو الأفطس في بطليوس
          413-487 هـ/1022-1095م
          المنصور عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي (ابن الأفطس) 413-437هـ/1022-1045م
          المظفر محمد بن عبد الله 437 - 460هـ/1045-1068م
          المنصور يحيى بن المظفر 460ـ 464 هـ/1068- 1072م
          المتوكل عمر بن المظفر 464 - 487هـ/1072- 1095م
          بنو تجيب وبنو هود في سرقسطة
          410-536هـ / 1019-1141م
          المنذر الأول المنصور بن يحيى التجيبي 410- 414هـ/1019- 1023م
          يحيى المظفر بن المنذر 414- 420هـ/1023-1029م
          المنذر الثاني بن يحيى 420- 431 هـ/1029-1039م
          سليمان المستعين بن هود 431- 438 هـ/1039-1046م
          أحمد الأول سيف الدولة المقتدر بالله بن سليمان 438-474هـ/1046-1081م
          المؤتمن يوسف بن أحمد 474-478هـ/1081-1085م
          أحمد الثاني المستعين بن يوسف 478-503هـ/1085-1110م
          عماد الدولة عبد الملك بن أحمد 503-513هـ/1110-1119م
          المستنصر بالله سيف الدولة (أحمد الثالث) 513-536هـ/1119-1141م
          الزيريون في غرناطة
          403-484هـ/1012- 1090م
          زاوي بن زيري 403-410هـ/1012-1019-1020م
          المظفر حبوس بن زاوي 410-429هـ/1020-1038م
          الناصر باديس بن حبوس 429-466هـ/1038-1073م
          سيف الدولة عبد الله بن بلكين 466-484هـ/1073-1090م
          بنو حمود في الجزيرة
          431-466هـ/1039-1055م
          المهدي محمد بن القاسم 431-440هـ/1039-1048م
          الواثق القاسم بن محمد 441-446هـ/1049-1055م
          الصقالبة في دانية
          405-468هـ/1014-1075م
          الموفق مجاهد بن يوسف 405-436هـ/1014-1044م
          إقبال الدولة علي بن مجاهد 436-468هـ/1044-1075م
          بنو عامر في بلنسية
          412 ـ457هـ / 1021ـ 1065 م
          المنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن شنجول 412ـ452هـ /1021ـ1060م
          نظام الدولة عبد الملك بن عبد العزيز 452ـ 457هـ /1060ـ 1065م
          بنو صمادح في ألمرية
          433-484هـ/1041-1091م
          معن بن محمد بن أحمد بن صمادح 433-444هـ/1041-1052م
          المعتصم محمد بن معن 444-480هـ/1052-1087م
          أحمد بن المعتصم 480 -484هـ/1087 -1091م
          البرزاليون في قرمونة
          414- 459هـ/1024-1067م
          محمد بن عبد الله بن إسحاق البرزالي 414-434هـ/1024-1042م
          إسحاق بن محمد 434-444هـ/1042-1052م
          المستظهر العزيز أو العز 444-459هـ/1052-1067م
          أحمد بدر

          تعليق

          يعمل...
          X