تصبح ، تحت ريشته حيواناً ذهبت عنه تفاهته وابتذاله ، وأضحى. رمزاً لما في خصب الحياة من كرم ومن جلال . وفي مشاهده الطبيعة الواسعة ، تسير قوى بدائية ، فتبدو الأشجار ، والبيوت وكأنها تلجأ إلى بعضها بينما نرى الإنسان الذي يبدو قوياً شديداً عندما يحتل ( أمامية ) اللوحة يبدو كائناً صغيراً يتشبث بأن يؤكد ذاته بواسطة عمله .
إن فن بيرميك فن ثقيل . غير صاف ، وغير نقي . بل هو غالباً خشن وعنيف ، ومع ذلك ، فهو فن رسام حقيقي لا يقتصر فنه على الخشونة. أما الشكل عنده ، فيتبين فيه تأثير النحاتين الزنوج . ويبدو وكأنه قد تكون بضربات قوية من فأس. بيد أنه ، رغم ذلك ، شكل مفعم حزماً ومتانة . وتكاد ملونة بيرميكه تقتصر على الألوان البنية والمغرة والخضراء والرمادية . لكن التلوين على كل حال يخلو من التجهم . ولا يخلو من تدرجات لونية نادرة. وعلاوة على ذلك ، فإن تكن العجينة دسمة طرية ، فهو يعرف كيف يتحاشى أن تكون موحلة ويعرف كيف يبعث فيها نوراً مرتعشاً يزيل عنها ما قد يكون فيها من مادية مغالية.
أما غوستاف دي سمت ، فليس في فنه هذه المرارة ولا هذة الخشونة . فأشخاصه باشون . والقرى التي يرسمها تسودها هدأة شاعرية . ويبدو الإنسان صوره مرتاحاً . وتبدو الحيوانات أليفة . وكأننا نعرفها. ومن جهة ثانية ، فان دي سمت واحد من هؤلاء التعبيريين الذين تأثروا بدروس الدقة التي أعطاها التكعيبيون ، ولذلك ، يمكن أن نعتبره قريباً من غرومير. ولكن الشكل عنده مهما كانت ... عنايته بحسن تركيبه ، يبدو أقل حزماً من الشكل لدى زميله الفرنسي .
أما ألوانه ، بما فيها من تنوعات الأمغر والبني فتبدو أكثر بهجة . وبعد ۱۹۳۰ بدأ الرسم يصبح أقل انتظاماً . وأصبحت الوجوه أكثر فردية . وراح الفنان يفرض على صور الواقع أسلوباً أكثر مرونة .
وإذا كان فان دي برغه قريباً من دي سمت في بعض النواحي، فهو أقرب إلى برميكه في النواحي الأخرى . وهو يستعمل الهندسة في بنيان أشكاله . لكن النور لديه يؤثر في النفس . ولا يخلو فنه من قلق الحواس ، وقلق الفكر . وهو رجل مثقف أكثر منه فلاحاً ، رجل مثقف يسكن في الريف. وهو لا يقتصر على تصوير المشاهد التي تراها عيناه بل يشاركنا في أفكاره ، ويعطي الكثير من الأشياء التي في صوره قيمة رمزية ... وفي ۱۹۲۷ ، أشاح عن التعبيرية بمعناها الصحيح . وراح يفتح أبواب فنه « لما تحت الوعي فنشأت هذه المخلوقات الغريبة الهائلة المكشرة التي أخذت تملأ لوحاته وبدأت الأشكال التي كانت قوية ، تتراخى وتتخذ طابعاً اسفنجياً وأصبحت الألوان تبدو باهتة ، معتمة ، أو تتجلى بجمال خداع الوقت صار كل شيء من ء معبراً عن الكرب والقنوط .
وليس من قنوت أو كرب عند ( تيتجات Titgat ) الذي طفق بعد حرب ۱١٩١٤ - ۱۹۱۸ ينتج هو الآخر ، لوحات يمكن أن تلحق بالمدرسة التعبيرية فهي مبتكرة من حيث أنها تروي عادة قصصاً فتيتجات يحاكي شاغال من حيث أنه قصاص . أما موضوعاته فيجدها في البيئة التي يعيش فيها . بيد أنه أكان شعبية ، أم مشهداً من سيرك أم نزهة ، أم موكباً دينياً أم حفلة موسيقية ، أم زوجاً من العشاق ، فهو يعالج هذه المواضيع بروح القصص الخيالية أو الأساطير والأشخاص في الموحاته يبدون كالدمى أو اللعب ، بقاماتهم الصغيرة ، ووجوههم المنتظمة في قسمانها ، وهيأتهم الدالة على الانشداه ، أو الحنو . أما الألوان حيث يبرز الرمادي والأمغر والوردي الذابل . وبالإجمال الألوان المتضاعفة فتؤكد ما في هذا الفن من براءة وتخابت محبب .
وفي حين يقدم لنا ( تيتجات ) لوحات تفتن الناظر وتسره ، نری برو سلمانز Brusslmans يبعد عن قصد كل ما يمكن أن يكون فاتناً مغرياً. فهو لا يدين بالدقة الصارمة فحسب ، بل بالتصلب أيضاً ، وهو فنان يحب التأكيدات الجافة المختصرة ويرسم أمواج البحر بمثل الوضوح الذي يرسم به صور السفن والبواخر ويرسم الغيوم بنفس الشكل الهيكلي المختصر الذي يرسم الأشجار المزهرة . ولسنا نقصد أن كل شيء عنده قاس يخلو من النعومة ، ان برو سلمانز يتمسك بالنمط بحزم ، بحيث لا يستطيع دائماً أن يتجنب ضياع أحاسيسه وراء صرامة ترتيب العناصر .
وثمة فنان يمثل نوعاً آخر من المذهب التعبيري . وهو الفنان اللوكسمبر جي كوتر Kutter . وبما أنه عاش في بلد صغيرة ، فهو أقل شهرة من التعبيريين الفلمنكيين ، مع أعمالهم أهمية وشخصية مميزة وامع أنه درس في ميونيخ فقد ابتعد عن التصوير الألماني منذ أن عاد إلى وطنه في عام ١٩٢٤ . وإذا كان قد رنا بأبصاره برهة نحو فلامينك وبرميكه ، فهو يبرهن . على أنه مختلف عنهما . فهو أقل اندفاعاً من أولهما ولا يتصف بما عند الثاني من ريفية كثيفة ومن قصر في التلوين . . . أما من حيث الأشكال فنراه يأبى المبالغة ، ولكنه لا يرفض التشويه ، ، فالأشكال عنده هي أشكال بناء قوي . أما طريقته على كونها متسعة فهي لا تتسم أ أبداً بهذا الإهمال المقصود الذي يؤثره أولئك الذين يخالون أن التعبيرية لا تكون إلا بالتعبير الفج ..
على أن المناظر الطبيعية التي صورها قد كشفت أن نفسه يعوزها الصفاء واعتباراً من عام ١٩٣٦ ، أي منذ أن بدأ مرض غامض يعذبه : أصبحت صورا الوجوه ، وبخاصة وجوه مهرجي السيرك مثقلة بآلام مأساوية شديدة التأثير . وهو في العادة ، يضع الأشخاص أمام خلفية قائمة ولا تقتصر هذه الخلفية على إبراز كآبة نفسه ، فهو إذ يستخدمها بإبراز تألق الطلاءات الدافئة والحارة ، يتجاوب أيضاً مع ذوقه التلويني . ومهما كان كوتر يحب النغمات الرصينة ، فهو ليس من أنصار الفن المتقشف ، أن بعض المناظر الطبيعية ذات ألوان ومع قليلة التنوع ، فهو لا يتردى في البرودة ولا في الجفاف .
وفي ألمانيا نجد أن نولده Nolde يظل كما كان قبل الحرب فهو لا يتخلى عن قسم من فجاجته إلا عندما لا يصور الرؤى ، بل الأشياء الواقعية ، کالزهور والمناظر الطبيعية . ونجد أن « هيكل Heckel » يعقل وأن شمیدت روتلون Schmidt Rottluff يتنظم الاحتفاظ بشدته الفجة. أما « أوتو موللر Otto Muller مع ظل كما كان ، فنانا غير عنيف بيد أنه يجعل أسلوبه أكثر لينا ليصور ماصار يؤثر رسمه من مشاهد مستمدة من حياة الغجر البوهيميين بالوانه الصماء الكامدة فهو يصور على الأخص الصبايا والأولادو يعطي وجوههم شكلاً مثلثياً ولوناً بنياً . ويضع في عيونهم نظرات قائمة فيها هوى شديد الحنين .
أما كيرشنر Kirchner ، فقد غادر ألمانيا عام ١٩١٧ ، وقد زعزعت الحرب صحته، فحاول أن يستردها في سويسرا حيث أقام حتى وافاه الأجل المحتوم. وقد تحول فنه فيها . وأصبحت مواضيعه المفضلة الجبال وسكانها. وإذا كان يميل إلى التأكيد على الناحية البارزة البدائية نوعاً ما في تصويره الكائن البشري، فهو يغدق على الجبال روعة ونقاوة ونشوة . وهذا الانطباع تبعثه فينا وثبة الخطوط المنحنية . والخطوط المستقيمة الحادة كما تبعثه فينا نقاوة التلوين التي قد تكون أحياناً متوهجة ، والتي تكثر فيها الألوان الاصطناعية كالبرتقالي والوردي والليلكي .
وكذلك أثرت الحرب على كوكوشكا Kokoschka » فزادت من قلقه واضطرابه . فمن الوجوه التي يرسمها ينبعث هم شديد ، وتبدو الخطوط كأنها رسمت بيد واهنة . واتخذت الألوان طابعاً محموماً وجعاً . وفي عام ۱۹۱۹ ذهب عنه القنوط . بينما استمرت عصبيته . وطفق كوكوشكا المناظر الطبيعية بألوان متآلفة مشرقة لذيذة . واعتباراً من ١٩٢٤ أعقبت هذه السلسلة سلسلة أخرى من مشاهد تلوينها أكثر خفة ، وأكثر انارة وذلك عندما قام الفنان برحلات طويلة ساقته إلى الشرق الأوسط وافريقيا الشمالية بعد أن جال في أوروبا. وبصورة عامة، فإن اضطراباً شديداً يظهر جلياً في لوحاته . وهو يسرع في بنيانها سرعة شديدة ويوحي الكبير المتراص من الخطوط المتعجلة بالأشياء دون تحديدها كوكوشكا صوراً للأشخاص بالطراز الباروكي ويتمسك بهذا الطراز إلى النهاية لكنها لا تصل إلى مستوى ما صوره منها في أعوام ۱۹۰۹ إلى ۱۹۲۰ ، لا من حيث العمق النفساني ولا من حيث الكثافة التصويرية . ولا ريب في أن الفنان التعبيري الألماني بكمان Beckmann » هو أكثر الفنانين الجدد شخصية واضحة أنه أكبر سناً كوكوشكا فإن عمله كمحترف لا يبدأ فعلاً إلا بعد ۱۹۱۸ . وقد أراد أن يعبر عن التشاؤم القلق الذي غمر روحه أيام الحرب ، فتبني أسلوباً قاسياً حاداً يذكرنا بعض الشيء بأسلوب القوطيين ، الألمان . وهذا يعني أن الأشخاص كما يصورها تبدو وكأنها دمى ذات أجسام هزيلة ، وحركات ميكانيكية. أما الوجوه فهي قلقة ، أو شريرة ، أو بلهاء . والأشخاص يتراكم بعضها فوق بعض . وتكثر من الحركات والإشارات في داخل غرف ضيقة وكأن هذا الضيق يكربها ويثيرها ويزيد في جو القلق الذي يغمرها .
وبعد بضع سنوات أخذ بكمان يصور الوجوه ، والمناظر الطبيعية والطبيعة الصامتة وهو في هذه اللوحات يبدو أقل تشنجاً . وأصبحت الأشكال فيها أكثر سعة واكتسب الرسم ، قوة لا تخلو أحياناً من القسوة . إلا أن القلق والتشاؤم عادا إليه عندما تسلم هتلر زمام الحكم في ألمانيا . فعادت إلى لوحاته صور المشاهد ذات العدد الكبير من الأشخاص الذين . ومنذئذ طفق بركمان يستطيب تصوير اللوحات الثلاثية : كلوحاته : المغادرة . البهلوانيون وإغراء القديس انطونيوس وفيها يبرز ميله إلى رمزية غامضة أحياناً . تبرز رغبته في عرض أفكاره بوضوح أكثر من المزايا التصويرية ولذلك ، فان ما أنتجه في هذه الفترة قد يهم هواة الأدب أكثر مما يلذ أولئك الذين يشغفون بمزايا الشكل وجمال التلوين .
إن فن بيرميك فن ثقيل . غير صاف ، وغير نقي . بل هو غالباً خشن وعنيف ، ومع ذلك ، فهو فن رسام حقيقي لا يقتصر فنه على الخشونة. أما الشكل عنده ، فيتبين فيه تأثير النحاتين الزنوج . ويبدو وكأنه قد تكون بضربات قوية من فأس. بيد أنه ، رغم ذلك ، شكل مفعم حزماً ومتانة . وتكاد ملونة بيرميكه تقتصر على الألوان البنية والمغرة والخضراء والرمادية . لكن التلوين على كل حال يخلو من التجهم . ولا يخلو من تدرجات لونية نادرة. وعلاوة على ذلك ، فإن تكن العجينة دسمة طرية ، فهو يعرف كيف يتحاشى أن تكون موحلة ويعرف كيف يبعث فيها نوراً مرتعشاً يزيل عنها ما قد يكون فيها من مادية مغالية.
أما غوستاف دي سمت ، فليس في فنه هذه المرارة ولا هذة الخشونة . فأشخاصه باشون . والقرى التي يرسمها تسودها هدأة شاعرية . ويبدو الإنسان صوره مرتاحاً . وتبدو الحيوانات أليفة . وكأننا نعرفها. ومن جهة ثانية ، فان دي سمت واحد من هؤلاء التعبيريين الذين تأثروا بدروس الدقة التي أعطاها التكعيبيون ، ولذلك ، يمكن أن نعتبره قريباً من غرومير. ولكن الشكل عنده مهما كانت ... عنايته بحسن تركيبه ، يبدو أقل حزماً من الشكل لدى زميله الفرنسي .
أما ألوانه ، بما فيها من تنوعات الأمغر والبني فتبدو أكثر بهجة . وبعد ۱۹۳۰ بدأ الرسم يصبح أقل انتظاماً . وأصبحت الوجوه أكثر فردية . وراح الفنان يفرض على صور الواقع أسلوباً أكثر مرونة .
وإذا كان فان دي برغه قريباً من دي سمت في بعض النواحي، فهو أقرب إلى برميكه في النواحي الأخرى . وهو يستعمل الهندسة في بنيان أشكاله . لكن النور لديه يؤثر في النفس . ولا يخلو فنه من قلق الحواس ، وقلق الفكر . وهو رجل مثقف أكثر منه فلاحاً ، رجل مثقف يسكن في الريف. وهو لا يقتصر على تصوير المشاهد التي تراها عيناه بل يشاركنا في أفكاره ، ويعطي الكثير من الأشياء التي في صوره قيمة رمزية ... وفي ۱۹۲۷ ، أشاح عن التعبيرية بمعناها الصحيح . وراح يفتح أبواب فنه « لما تحت الوعي فنشأت هذه المخلوقات الغريبة الهائلة المكشرة التي أخذت تملأ لوحاته وبدأت الأشكال التي كانت قوية ، تتراخى وتتخذ طابعاً اسفنجياً وأصبحت الألوان تبدو باهتة ، معتمة ، أو تتجلى بجمال خداع الوقت صار كل شيء من ء معبراً عن الكرب والقنوط .
وليس من قنوت أو كرب عند ( تيتجات Titgat ) الذي طفق بعد حرب ۱١٩١٤ - ۱۹۱۸ ينتج هو الآخر ، لوحات يمكن أن تلحق بالمدرسة التعبيرية فهي مبتكرة من حيث أنها تروي عادة قصصاً فتيتجات يحاكي شاغال من حيث أنه قصاص . أما موضوعاته فيجدها في البيئة التي يعيش فيها . بيد أنه أكان شعبية ، أم مشهداً من سيرك أم نزهة ، أم موكباً دينياً أم حفلة موسيقية ، أم زوجاً من العشاق ، فهو يعالج هذه المواضيع بروح القصص الخيالية أو الأساطير والأشخاص في الموحاته يبدون كالدمى أو اللعب ، بقاماتهم الصغيرة ، ووجوههم المنتظمة في قسمانها ، وهيأتهم الدالة على الانشداه ، أو الحنو . أما الألوان حيث يبرز الرمادي والأمغر والوردي الذابل . وبالإجمال الألوان المتضاعفة فتؤكد ما في هذا الفن من براءة وتخابت محبب .
وفي حين يقدم لنا ( تيتجات ) لوحات تفتن الناظر وتسره ، نری برو سلمانز Brusslmans يبعد عن قصد كل ما يمكن أن يكون فاتناً مغرياً. فهو لا يدين بالدقة الصارمة فحسب ، بل بالتصلب أيضاً ، وهو فنان يحب التأكيدات الجافة المختصرة ويرسم أمواج البحر بمثل الوضوح الذي يرسم به صور السفن والبواخر ويرسم الغيوم بنفس الشكل الهيكلي المختصر الذي يرسم الأشجار المزهرة . ولسنا نقصد أن كل شيء عنده قاس يخلو من النعومة ، ان برو سلمانز يتمسك بالنمط بحزم ، بحيث لا يستطيع دائماً أن يتجنب ضياع أحاسيسه وراء صرامة ترتيب العناصر .
وثمة فنان يمثل نوعاً آخر من المذهب التعبيري . وهو الفنان اللوكسمبر جي كوتر Kutter . وبما أنه عاش في بلد صغيرة ، فهو أقل شهرة من التعبيريين الفلمنكيين ، مع أعمالهم أهمية وشخصية مميزة وامع أنه درس في ميونيخ فقد ابتعد عن التصوير الألماني منذ أن عاد إلى وطنه في عام ١٩٢٤ . وإذا كان قد رنا بأبصاره برهة نحو فلامينك وبرميكه ، فهو يبرهن . على أنه مختلف عنهما . فهو أقل اندفاعاً من أولهما ولا يتصف بما عند الثاني من ريفية كثيفة ومن قصر في التلوين . . . أما من حيث الأشكال فنراه يأبى المبالغة ، ولكنه لا يرفض التشويه ، ، فالأشكال عنده هي أشكال بناء قوي . أما طريقته على كونها متسعة فهي لا تتسم أ أبداً بهذا الإهمال المقصود الذي يؤثره أولئك الذين يخالون أن التعبيرية لا تكون إلا بالتعبير الفج ..
على أن المناظر الطبيعية التي صورها قد كشفت أن نفسه يعوزها الصفاء واعتباراً من عام ١٩٣٦ ، أي منذ أن بدأ مرض غامض يعذبه : أصبحت صورا الوجوه ، وبخاصة وجوه مهرجي السيرك مثقلة بآلام مأساوية شديدة التأثير . وهو في العادة ، يضع الأشخاص أمام خلفية قائمة ولا تقتصر هذه الخلفية على إبراز كآبة نفسه ، فهو إذ يستخدمها بإبراز تألق الطلاءات الدافئة والحارة ، يتجاوب أيضاً مع ذوقه التلويني . ومهما كان كوتر يحب النغمات الرصينة ، فهو ليس من أنصار الفن المتقشف ، أن بعض المناظر الطبيعية ذات ألوان ومع قليلة التنوع ، فهو لا يتردى في البرودة ولا في الجفاف .
وفي ألمانيا نجد أن نولده Nolde يظل كما كان قبل الحرب فهو لا يتخلى عن قسم من فجاجته إلا عندما لا يصور الرؤى ، بل الأشياء الواقعية ، کالزهور والمناظر الطبيعية . ونجد أن « هيكل Heckel » يعقل وأن شمیدت روتلون Schmidt Rottluff يتنظم الاحتفاظ بشدته الفجة. أما « أوتو موللر Otto Muller مع ظل كما كان ، فنانا غير عنيف بيد أنه يجعل أسلوبه أكثر لينا ليصور ماصار يؤثر رسمه من مشاهد مستمدة من حياة الغجر البوهيميين بالوانه الصماء الكامدة فهو يصور على الأخص الصبايا والأولادو يعطي وجوههم شكلاً مثلثياً ولوناً بنياً . ويضع في عيونهم نظرات قائمة فيها هوى شديد الحنين .
أما كيرشنر Kirchner ، فقد غادر ألمانيا عام ١٩١٧ ، وقد زعزعت الحرب صحته، فحاول أن يستردها في سويسرا حيث أقام حتى وافاه الأجل المحتوم. وقد تحول فنه فيها . وأصبحت مواضيعه المفضلة الجبال وسكانها. وإذا كان يميل إلى التأكيد على الناحية البارزة البدائية نوعاً ما في تصويره الكائن البشري، فهو يغدق على الجبال روعة ونقاوة ونشوة . وهذا الانطباع تبعثه فينا وثبة الخطوط المنحنية . والخطوط المستقيمة الحادة كما تبعثه فينا نقاوة التلوين التي قد تكون أحياناً متوهجة ، والتي تكثر فيها الألوان الاصطناعية كالبرتقالي والوردي والليلكي .
وكذلك أثرت الحرب على كوكوشكا Kokoschka » فزادت من قلقه واضطرابه . فمن الوجوه التي يرسمها ينبعث هم شديد ، وتبدو الخطوط كأنها رسمت بيد واهنة . واتخذت الألوان طابعاً محموماً وجعاً . وفي عام ۱۹۱۹ ذهب عنه القنوط . بينما استمرت عصبيته . وطفق كوكوشكا المناظر الطبيعية بألوان متآلفة مشرقة لذيذة . واعتباراً من ١٩٢٤ أعقبت هذه السلسلة سلسلة أخرى من مشاهد تلوينها أكثر خفة ، وأكثر انارة وذلك عندما قام الفنان برحلات طويلة ساقته إلى الشرق الأوسط وافريقيا الشمالية بعد أن جال في أوروبا. وبصورة عامة، فإن اضطراباً شديداً يظهر جلياً في لوحاته . وهو يسرع في بنيانها سرعة شديدة ويوحي الكبير المتراص من الخطوط المتعجلة بالأشياء دون تحديدها كوكوشكا صوراً للأشخاص بالطراز الباروكي ويتمسك بهذا الطراز إلى النهاية لكنها لا تصل إلى مستوى ما صوره منها في أعوام ۱۹۰۹ إلى ۱۹۲۰ ، لا من حيث العمق النفساني ولا من حيث الكثافة التصويرية . ولا ريب في أن الفنان التعبيري الألماني بكمان Beckmann » هو أكثر الفنانين الجدد شخصية واضحة أنه أكبر سناً كوكوشكا فإن عمله كمحترف لا يبدأ فعلاً إلا بعد ۱۹۱۸ . وقد أراد أن يعبر عن التشاؤم القلق الذي غمر روحه أيام الحرب ، فتبني أسلوباً قاسياً حاداً يذكرنا بعض الشيء بأسلوب القوطيين ، الألمان . وهذا يعني أن الأشخاص كما يصورها تبدو وكأنها دمى ذات أجسام هزيلة ، وحركات ميكانيكية. أما الوجوه فهي قلقة ، أو شريرة ، أو بلهاء . والأشخاص يتراكم بعضها فوق بعض . وتكثر من الحركات والإشارات في داخل غرف ضيقة وكأن هذا الضيق يكربها ويثيرها ويزيد في جو القلق الذي يغمرها .
وبعد بضع سنوات أخذ بكمان يصور الوجوه ، والمناظر الطبيعية والطبيعة الصامتة وهو في هذه اللوحات يبدو أقل تشنجاً . وأصبحت الأشكال فيها أكثر سعة واكتسب الرسم ، قوة لا تخلو أحياناً من القسوة . إلا أن القلق والتشاؤم عادا إليه عندما تسلم هتلر زمام الحكم في ألمانيا . فعادت إلى لوحاته صور المشاهد ذات العدد الكبير من الأشخاص الذين . ومنذئذ طفق بركمان يستطيب تصوير اللوحات الثلاثية : كلوحاته : المغادرة . البهلوانيون وإغراء القديس انطونيوس وفيها يبرز ميله إلى رمزية غامضة أحياناً . تبرز رغبته في عرض أفكاره بوضوح أكثر من المزايا التصويرية ولذلك ، فان ما أنتجه في هذه الفترة قد يهم هواة الأدب أكثر مما يلذ أولئك الذين يشغفون بمزايا الشكل وجمال التلوين .
تعليق