الموجة التعبيرية الجديدة
لقد أسلفت القول أن حرب ١٩١٤ أثارت تجدداً في المدرسة التعبيرية ، وفي الواقع أن الحوادث والأحداث التي تدفع الدادائيين إلى حب لعناتهم وسبابهم ، وإطلاق تحدياتهم ، حملت غيرهم من الشبان على أن ينظروا الى العالم نظرة القلق وأن يجددوا فيه مرارة مأساوية. وإلى جانب هؤلاء ، نجد فنانين لهم من الأسباب الشخصية ما يدعوهم إلى الميل إلى الكآبة أو الاضطراب . والجميع ، أي هؤلاء وأولئك يعمدون إلى الإعراب عن حالاتهم النفسية بواسطة تشويهات تعبيرية .
وطالما أن التعبيريين في الفترة التي سبقت الحرب ما برحوا يعبرون هم أيضاً ، عن عواطف مماثلة ، فإننا أمام تيار انتشر في بلدان مختلفة وله أتباع متعددون . لكن هؤلاء الأتباع لم يشكلوا في فرنسا أو في ألمانيا حركة منظمة وحتى الذين كانوا من قبل مرتبطين بعضهم ببعض كأعضاء جماعة ( Brucke ) أي الجسر قد تفارقوا . ولذلك تبدو لنا اللوحات التي توصف بالتعبيرية ، متنوعة مختلفة بعضها عن بعض ، أكثر مما مضى فالفنان رووو يبعد بعداً كبيراً عن فلامينك. أما بين التعبيريين الجدد فإننا نجد بوناً شاسعاً بين ( غرومير Gromaire ) و سوتين Soutine وبين بكمان Beckmann » و ( برمیکه Permeke ) .
وليس من العسير علينا أن نقر بأن رووو لم يكن ليستطيع أن يقف موقف اللامبالاة بما ترتكب البشرية من مذابح بين ١٩١٤ و ١٩١٨ لكن تأثره لا يبدو في لوحاته بقدر ما يبدو في سلسلة من النقوش نشرت عاماً عام ١٩٤٨ بعد عشرين من إنجازها ، وجعل عنوانها « ارحمني يا الله » . والحق يقال أن هذه النقوش ذات صفة تصويرية بحتة . حيث القيم تقوم مقام الألوان . وقد ظل الفنان يعمل فيها دائباً حتى ١٩٢٧ فلم تترك له أي وقت للعمل في سواها وعلى كل حال ، فإن البؤس الإنساني يتجلى فيها كما يتجلى في اللوحات ، وانه لبؤس شامل . بؤس الأقوياء وبؤس الضعفاء . بؤس الأحياء ، وبؤس الأموات . وبالطبع . فإن المسيح ماثل فيها أيضاً. ولكنه يظهر غالباً مسمراً على الصليب . وقد كتب تحت أحد هذه النقوش : « سيظل يسوع يعاني آلام الاحتضار حتى انتهاء العالم .
وكذلك تعود صورة المسيح المصلوب المهان إلى الظهور في اللوحات التصويرية التي تبدو فيها لهجة لم يعهدها الفن المسيحي منذ العهد القوطي . وفيها عمق روحاني لم يره الناس قط منذ غريكو Greco » و «رامبرانت . وهذه الحرارة الدينية صارت تنتشر حتى في المناظر الطبيعية ، سواء أكان اسمها ( الضاحية ) أو مشهد تورائي Paysage biblique » فإننا نجد فيها غالباً نفس الأشخاص ونفس الأبنية ونفس المادة الكثيفة التي تبدو ، مع ذلك ، وكأنها شفافة . ونجد فيها أيضاً ، وبصورة خاصة نفس النور . ذلك النور المنتشي ، اللاهب الذي يظنه المرء نوراً غسقياً. في حين أنه في الحقيقة لا يأتي من العالم الخارجي . إنه ينبع من نفس رووو الملتهبة ، فيعكس هواه الشديد وولوعه بما يتجاوز الإدراك كما يعكس حرارة نفسه العامرة بإيمان أصحاب الرؤى .
أما اللون فقد غدا ، بعد ۱۹۱۸ ، أكثر قوة من ذي قبل . وأصبحت طريقة التصوير أوسع وأصبح الرسم أكثر تباطؤاً في حركته . وغدت الخطوط أشبه بقطع الرصاص التي تشد أجزاء الزجاج في الزخارف الزجاجية . وهكذا نجد أن كل شيء يسهم في إضفاء رصانة هيبة على هذا الفن ، تزداد وضوحاً . رووو » وجهاً بشرياً . فيبرزه مواجهة ، مثل هذه المواجهة الملحة التي كانت عزيزة على قلوب مصوّري الوجوه في الغيوم وصانعي الفسيفساء البيزنطيين ومصوري اللوحات الجدارية الكبيرة الروميين .
ولسنا نجد شيئاً من هذا كله عند فلامنك الذي ينقل إلينا خبرة في الحياة تكاد تكون جسدية. وإذا كان قد راض من جماح اندفاعاته في فترة سيزان السيريالية ، فقد عاد بعد الحرب ينساق وراء اندفاعه الحار الذي أظهره به أيام الوحشية ، لكنه لا يعود إلى الألوان النقية الصافية بل راح يركز على التأثير بالألوان المغرّة والبنية والزرقاء والخضراء القائمة ، وبالألوان البيضاء غير الناصعة ، والسوداء الفاحمة ، وذلك أكثر مما كان يفعل في حوالي عام ۱۹۱۰ . وإذا حدث له أن وضع هنا وهناك لوناً أصفر ، أو أخضر أو أحمر فاقعاً ، فإن هذا لا يغير الصفة العامة في تلوينه الذي يتميز قبل كل شيء بالتضاد الشديد بين المضيء والمظلم .
أما مواضيعه فقد اختارها كلها تقريباً من الريف الذي استقر فيه عام ۱۹۱۹ : شوارع قروية يكسوها الثلج . ثقيلة . وطرقات تمضي بين صفين من الأشجار ، بحس الناظر إليها أنها رسمت كما بدت لعيني سائق سيارة بحب السرعة على أرض خصبة تنبت فيها سنابل القمح المتلاصقة . وزهور قطفت من حديقة ريفية . وطبيعة صامتة يتجاور فيها الجزر والكراث وزجاجات الخمر وضلع ثور ، وأسماك . تلكم هي موضوعاته المفضلة . وهو يعالجها جميعاً بنفس القريحة. ويحيط بها كلها بنفس الحماس . أما تركيب الصورة لديه فهو سريع وينتهي إلى الإفراط في العجلة . بيد أن أن للرجل جوه الخاص ، يتميز به ، ومع تعبيره العاطفي يبدو أحياناً مبالغاً فيه. لا يخلو من الكلفة فإن هذا التعبير يضفي على أحسن لوحاته جواً مريراً يكاد يمسك بالخناق ، ويحرك الأحشاء . ويثير شيئاً من الألم الشديد .
وهذه الإثارة للألم الشديد هي نفس ما يمتاز به تصوير سوتين من بدئه إلى منتهاه . وهو يهودي من ليتوانيا عاش في الغيتو اليهودي الحقير ثم قدم إلى باريز عام ۱۹۱۳ . واستقر فيها . وقد أثر فيه البؤس والخوف إلى درجة أنه لم ينتج قط إلا لوحات معذبة مليئة بالألم . فالكائن البشري يبدو في هذه الصور كائناً بائساً وغالباً ما تطل العينان في وجه مخلوق معتوه فيظهر فيهما القلق والتحديق الثابت اللذان نراهما في عيون فم المرأة فما يعدو أن يكون جرحاً مدمى . والطلاء بالألوان ليس إلا محاولة مضحكة سخيفة لإخفاء شحوب اللون ، وتعب الوجه. أما جسد المرأة فيشعر المرء أنه مجرد عظام . مشوه التركيب حتى الأطفال ليس فيهم ما يبعث على العزاء . فهم اما صانع حلويات صغير . واما خادم في مخزن. أو خادم للطقوس الكنسية ، أو عامل في مزرعة . وتبدو عليهم جميعاً البلاهة واللؤم والحقد .
وماذا عن المناظر الطبيعية ؟ ؟ إننا نجد فيها بيوتاً مائلة هزيلة فوق أرض متزعزعة. ونجد أيضاً أشجاراً ملتوية . وريحاً حانقة تلسع الأشجار بسياطها ، وسماء ليس فيها ذرّة من الصفاء حتى لو كانت زرقاء اللون . وماذا عن صور الطبيعة الصامتة ؟ ؟ إنها تصور بصورة عامة ، حيوانات مقتولة أو ديك ، أو تدرج قد نتف ريشه أو لا يزال عليه ، وأرنب سلخ جلده ، وقطعة كبيرة من لحم الثور ، وفي كل هذا لحم معرى ، أو مبقع بالدم أو شاحب اللون ، وقد اكتسحه الموت وأخذ يجففه . ريثما يعمل فيه انحلالاً وفساداً . . . . وبعبارة أخرى ، فإن أعمال سوتين تعبر عن يأس عميق ونهائي . فعنده لا مجال لأي خلاص حتى ذلك الذي تبشر به الديانات . أو الذي تتضمنه الثورة . إذن ؟ فهل نقول أنه من العدم ؟ أجل إنه لكذلك إذا حصرنا البحث بموضوعاته . أما إذا نظرنا إلى ناحية التصوير ذاته فإننا نجد أن هذا الرجل ، رغم نفيه لقيم الحياة ، لا ينفي قط قيم الفن . وإذا لم يكن للرسم عنده إلا دور ثانوي فإن خطوطه المتشنجة تغرق غالباً في المعجونة المشغولة بشدة وفي ألوانه غنى ولذة . وهي تجمع بين الخفيف الناعم ، والأحمر الشديد الغامق . وجماع القول أن هذا الفن المثير القانط للنفس هو مع ذلك فن لذيذ .
ويبدو من الطبيعي أن ننتقل من سوتين إلى موديغلياني Modigliani ». فكلاهما يهودي وهما مرتبطان بوشائج والمودة ، ثم أن موديفلياني وان يكن أقل اضطراباً من صديقه ، يعاني أيضاً من القلق ومن التشاؤم
لقد أسلفت القول أن حرب ١٩١٤ أثارت تجدداً في المدرسة التعبيرية ، وفي الواقع أن الحوادث والأحداث التي تدفع الدادائيين إلى حب لعناتهم وسبابهم ، وإطلاق تحدياتهم ، حملت غيرهم من الشبان على أن ينظروا الى العالم نظرة القلق وأن يجددوا فيه مرارة مأساوية. وإلى جانب هؤلاء ، نجد فنانين لهم من الأسباب الشخصية ما يدعوهم إلى الميل إلى الكآبة أو الاضطراب . والجميع ، أي هؤلاء وأولئك يعمدون إلى الإعراب عن حالاتهم النفسية بواسطة تشويهات تعبيرية .
وطالما أن التعبيريين في الفترة التي سبقت الحرب ما برحوا يعبرون هم أيضاً ، عن عواطف مماثلة ، فإننا أمام تيار انتشر في بلدان مختلفة وله أتباع متعددون . لكن هؤلاء الأتباع لم يشكلوا في فرنسا أو في ألمانيا حركة منظمة وحتى الذين كانوا من قبل مرتبطين بعضهم ببعض كأعضاء جماعة ( Brucke ) أي الجسر قد تفارقوا . ولذلك تبدو لنا اللوحات التي توصف بالتعبيرية ، متنوعة مختلفة بعضها عن بعض ، أكثر مما مضى فالفنان رووو يبعد بعداً كبيراً عن فلامينك. أما بين التعبيريين الجدد فإننا نجد بوناً شاسعاً بين ( غرومير Gromaire ) و سوتين Soutine وبين بكمان Beckmann » و ( برمیکه Permeke ) .
وليس من العسير علينا أن نقر بأن رووو لم يكن ليستطيع أن يقف موقف اللامبالاة بما ترتكب البشرية من مذابح بين ١٩١٤ و ١٩١٨ لكن تأثره لا يبدو في لوحاته بقدر ما يبدو في سلسلة من النقوش نشرت عاماً عام ١٩٤٨ بعد عشرين من إنجازها ، وجعل عنوانها « ارحمني يا الله » . والحق يقال أن هذه النقوش ذات صفة تصويرية بحتة . حيث القيم تقوم مقام الألوان . وقد ظل الفنان يعمل فيها دائباً حتى ١٩٢٧ فلم تترك له أي وقت للعمل في سواها وعلى كل حال ، فإن البؤس الإنساني يتجلى فيها كما يتجلى في اللوحات ، وانه لبؤس شامل . بؤس الأقوياء وبؤس الضعفاء . بؤس الأحياء ، وبؤس الأموات . وبالطبع . فإن المسيح ماثل فيها أيضاً. ولكنه يظهر غالباً مسمراً على الصليب . وقد كتب تحت أحد هذه النقوش : « سيظل يسوع يعاني آلام الاحتضار حتى انتهاء العالم .
وكذلك تعود صورة المسيح المصلوب المهان إلى الظهور في اللوحات التصويرية التي تبدو فيها لهجة لم يعهدها الفن المسيحي منذ العهد القوطي . وفيها عمق روحاني لم يره الناس قط منذ غريكو Greco » و «رامبرانت . وهذه الحرارة الدينية صارت تنتشر حتى في المناظر الطبيعية ، سواء أكان اسمها ( الضاحية ) أو مشهد تورائي Paysage biblique » فإننا نجد فيها غالباً نفس الأشخاص ونفس الأبنية ونفس المادة الكثيفة التي تبدو ، مع ذلك ، وكأنها شفافة . ونجد فيها أيضاً ، وبصورة خاصة نفس النور . ذلك النور المنتشي ، اللاهب الذي يظنه المرء نوراً غسقياً. في حين أنه في الحقيقة لا يأتي من العالم الخارجي . إنه ينبع من نفس رووو الملتهبة ، فيعكس هواه الشديد وولوعه بما يتجاوز الإدراك كما يعكس حرارة نفسه العامرة بإيمان أصحاب الرؤى .
أما اللون فقد غدا ، بعد ۱۹۱۸ ، أكثر قوة من ذي قبل . وأصبحت طريقة التصوير أوسع وأصبح الرسم أكثر تباطؤاً في حركته . وغدت الخطوط أشبه بقطع الرصاص التي تشد أجزاء الزجاج في الزخارف الزجاجية . وهكذا نجد أن كل شيء يسهم في إضفاء رصانة هيبة على هذا الفن ، تزداد وضوحاً . رووو » وجهاً بشرياً . فيبرزه مواجهة ، مثل هذه المواجهة الملحة التي كانت عزيزة على قلوب مصوّري الوجوه في الغيوم وصانعي الفسيفساء البيزنطيين ومصوري اللوحات الجدارية الكبيرة الروميين .
ولسنا نجد شيئاً من هذا كله عند فلامنك الذي ينقل إلينا خبرة في الحياة تكاد تكون جسدية. وإذا كان قد راض من جماح اندفاعاته في فترة سيزان السيريالية ، فقد عاد بعد الحرب ينساق وراء اندفاعه الحار الذي أظهره به أيام الوحشية ، لكنه لا يعود إلى الألوان النقية الصافية بل راح يركز على التأثير بالألوان المغرّة والبنية والزرقاء والخضراء القائمة ، وبالألوان البيضاء غير الناصعة ، والسوداء الفاحمة ، وذلك أكثر مما كان يفعل في حوالي عام ۱۹۱۰ . وإذا حدث له أن وضع هنا وهناك لوناً أصفر ، أو أخضر أو أحمر فاقعاً ، فإن هذا لا يغير الصفة العامة في تلوينه الذي يتميز قبل كل شيء بالتضاد الشديد بين المضيء والمظلم .
أما مواضيعه فقد اختارها كلها تقريباً من الريف الذي استقر فيه عام ۱۹۱۹ : شوارع قروية يكسوها الثلج . ثقيلة . وطرقات تمضي بين صفين من الأشجار ، بحس الناظر إليها أنها رسمت كما بدت لعيني سائق سيارة بحب السرعة على أرض خصبة تنبت فيها سنابل القمح المتلاصقة . وزهور قطفت من حديقة ريفية . وطبيعة صامتة يتجاور فيها الجزر والكراث وزجاجات الخمر وضلع ثور ، وأسماك . تلكم هي موضوعاته المفضلة . وهو يعالجها جميعاً بنفس القريحة. ويحيط بها كلها بنفس الحماس . أما تركيب الصورة لديه فهو سريع وينتهي إلى الإفراط في العجلة . بيد أن أن للرجل جوه الخاص ، يتميز به ، ومع تعبيره العاطفي يبدو أحياناً مبالغاً فيه. لا يخلو من الكلفة فإن هذا التعبير يضفي على أحسن لوحاته جواً مريراً يكاد يمسك بالخناق ، ويحرك الأحشاء . ويثير شيئاً من الألم الشديد .
وهذه الإثارة للألم الشديد هي نفس ما يمتاز به تصوير سوتين من بدئه إلى منتهاه . وهو يهودي من ليتوانيا عاش في الغيتو اليهودي الحقير ثم قدم إلى باريز عام ۱۹۱۳ . واستقر فيها . وقد أثر فيه البؤس والخوف إلى درجة أنه لم ينتج قط إلا لوحات معذبة مليئة بالألم . فالكائن البشري يبدو في هذه الصور كائناً بائساً وغالباً ما تطل العينان في وجه مخلوق معتوه فيظهر فيهما القلق والتحديق الثابت اللذان نراهما في عيون فم المرأة فما يعدو أن يكون جرحاً مدمى . والطلاء بالألوان ليس إلا محاولة مضحكة سخيفة لإخفاء شحوب اللون ، وتعب الوجه. أما جسد المرأة فيشعر المرء أنه مجرد عظام . مشوه التركيب حتى الأطفال ليس فيهم ما يبعث على العزاء . فهم اما صانع حلويات صغير . واما خادم في مخزن. أو خادم للطقوس الكنسية ، أو عامل في مزرعة . وتبدو عليهم جميعاً البلاهة واللؤم والحقد .
وماذا عن المناظر الطبيعية ؟ ؟ إننا نجد فيها بيوتاً مائلة هزيلة فوق أرض متزعزعة. ونجد أيضاً أشجاراً ملتوية . وريحاً حانقة تلسع الأشجار بسياطها ، وسماء ليس فيها ذرّة من الصفاء حتى لو كانت زرقاء اللون . وماذا عن صور الطبيعة الصامتة ؟ ؟ إنها تصور بصورة عامة ، حيوانات مقتولة أو ديك ، أو تدرج قد نتف ريشه أو لا يزال عليه ، وأرنب سلخ جلده ، وقطعة كبيرة من لحم الثور ، وفي كل هذا لحم معرى ، أو مبقع بالدم أو شاحب اللون ، وقد اكتسحه الموت وأخذ يجففه . ريثما يعمل فيه انحلالاً وفساداً . . . . وبعبارة أخرى ، فإن أعمال سوتين تعبر عن يأس عميق ونهائي . فعنده لا مجال لأي خلاص حتى ذلك الذي تبشر به الديانات . أو الذي تتضمنه الثورة . إذن ؟ فهل نقول أنه من العدم ؟ أجل إنه لكذلك إذا حصرنا البحث بموضوعاته . أما إذا نظرنا إلى ناحية التصوير ذاته فإننا نجد أن هذا الرجل ، رغم نفيه لقيم الحياة ، لا ينفي قط قيم الفن . وإذا لم يكن للرسم عنده إلا دور ثانوي فإن خطوطه المتشنجة تغرق غالباً في المعجونة المشغولة بشدة وفي ألوانه غنى ولذة . وهي تجمع بين الخفيف الناعم ، والأحمر الشديد الغامق . وجماع القول أن هذا الفن المثير القانط للنفس هو مع ذلك فن لذيذ .
ويبدو من الطبيعي أن ننتقل من سوتين إلى موديغلياني Modigliani ». فكلاهما يهودي وهما مرتبطان بوشائج والمودة ، ثم أن موديفلياني وان يكن أقل اضطراباً من صديقه ، يعاني أيضاً من القلق ومن التشاؤم
تعليق