تأثیرات حرب ١٩١٤ – ١٩١٨
إن السنوات العشر التي سبقت حرب ١٩١٤ تشكل بالتأكيد فترة من أكثر الفترات التي عرفها تاريخ الفن ابتداعاً واختراعاً . ففيها ترسخ ما كان قد بدأ في الظهور في أواخر القرن الماضي من بوادر القطيعة مع الفن التقليدي الواقعي ، وفيها أيضاً تم شق جميع ا والدروب تقريباً التي سار عليها فيما بعد كل من فني التصوير والنحت ، ولم يقتصر الأمر على ظهور تصوير جديد عن طريق التجديد في اللون والشكل والصورة ، بل تجاوز ذلك إلى وضع الأسس لقيام فن تجريدي متحرر من القيمة التزيينية التي كان الفن يقف عندها في العادة . أضف إلى ذلك أن الأبحاث والمحاولات كانت تجري في اندفاع وحماس ، وفي جرىء للمقاومة الشديدة القوية ، حتى أن هذه الحقبة جديرة حقاً بأن توصف بأنها بطولية ، من جميع وجهات النظر .
وإذا لم توقف الحرب إيقافاً كاملاً كل هذا النشاط ، فقد حدت منه ، إلى درجة كبيرة. فهي أولاً قد فككت الجماعات ، وحلت .... وقد قال بيكاسو فيما بعد « عند إعلان التعبئة ذهبت بصديقي براك Braque و دیران Derain إلى محطة أفينيون فلم ألقهما بعد ذلك أبداً » . ومن جهة ثانية فإن « مهنة الجندية » لا تترك للجندي متسعاً الوقت للخلق الفني ، وقد قتل بعض الفنانين من مصورين ونحاتين ممن اشتركوا في المعارك ، وجرح آخرون ، وأصيب غيرهم بأمراض تخترم أجسامهم . ولكي يستطيع فنان ما أن يمضي في عمله بصورة طبيعية تقريباً ، لا بد له من أن يكون معفياً من الجندية. أو أن يكون من رعايا بلد محايد كاسبانيا وهولندا .
أما ما كان للحرب الدائرة من تأثير على الأعمال الفنية نفسها ، فقد يدهشنا أن نجد أنه لم يكن لها في الغالب أي تأثير . ولسنا ننكر مع أن لوحة ( هجوم الرماحة ) ( ١٩١٥ ) قد صورها بوتشيوني الذي كان قد انخرط في سلك الجندية متطوعاً ، والذي مات عام ١٩١٦ في أعقاب سقطة من صهوة جواده . كما أننا لا ننكر أن ليجي قد صور لعبة الورق عام ١٩١٧ ، وكان اللاعبون فيها جنوداً من سلاح الآليات . وكان المستقبليون قد مجدوا الحرب ، وذلك حتى قبل أن تنشب وتدور رحاها ، واعتبروها ( الصحة الوحيدة للعالم ) . وهم يتحسسون بالقوى التي تفجرها . غير أنهم لا يبالون بما تسببه من مآسي وإذا كان ليجيه قد قال : إن الحرب كانت حدثاً ضخماً بالنسبة لي " فقد فسر هذه العبارة بقوله : " إنما أثناء الحرب وضعت قدمي على . لقد خلفت باريس وهي في صميم الطريقة التجريدية ، وفي حقبة تحرر الفن التصويري ودون أي انتقال وجدت نفسي في مستوى الشعب الفرنسي بأسره . وقد ألحقت بسلاح الهندسة ، وكان رفاقي الجدد ، من عمال المناجم ، أو عمال البناء ، أو صغار الحرفيين العاملين في صناعة الحديد والخشب . . . وفي ذلك الوقت ، حدث أن رأيت سبطانة مدفع من عيار (۷٥ ) ، فاغرة في ضوء الشمس الساطع . فبهرني ذلك سحر النور المنصب على المعدن الأبيض . ولما تمكن هذا المشهد الواقعي من نفسي ، لم يعد الشيء يفارق مخيلتي . إن هذه السبطانة الفاغرة في ضوء الشمس الباهر قد علمتني وعملت على تطويري في الفن التشكيلي ، أكثر مما فعلت . جميع متاحف العالم .
ولا بد من أن يكون القارىء قد لاحظ أن الحرب إنما أثرت على ليجيه من حيث تطوره التشكيلي لا غير ، رغم أنه يتكلم أيضاً عن « هذه المأساة ، مأساة الحياة والموت » « التي كنا غارقين فيها . . وحتى هذا التأثير القليل ، لا نجده عند غيره من الفنانين فالمصور براك قد جرح وثقبت جمجمته في عام ۱۹۱۵ . فلما استطاع العودة إلى ريشته ، راح يعمل كما لو أن هذه المحنة لم تكن . ومن ذلك يظهر بوضوح أن ما يؤثر في الإنسان لا يؤثر في المصور . فقد يتعرض الأول للهلاك في كل لحظة ، وقد يتألم في جسده وفي روحه . بيد أن مشاغل المصور لا تتأثر بذلك وليس بين جميع هؤلاء الفنانين الذين مرَّ ذكرهم في كل ما سبق من هذا الكتاب ، إلا بعض ممثلي المدرسة التعبيرية . عرضوا بعض اللوحات التي تنعكس فيها الأحداث ، وما تسببه من اضطرابات في القلوب .
ولكن ، إذا كانت الحرب لم توح إيحاء مباشراً إلا بالعدد القليل من اللوحات فإنها ذلك ، أسهمت في توجيه جماعة كاملة الفنانين مع الشبان كانوا يتخبطون في الحيرة ما بين السبل المختلفة عندما أعلنت التعبئة العامة . وقد قيض للبعض منهم أن يبرزوا في العشرينات من القرن ، كرواد تیار تعبيري جديد. كما أصبح البعض الآخر دعاة هذا الدادائية والسريالية .
إن السنوات العشر التي سبقت حرب ١٩١٤ تشكل بالتأكيد فترة من أكثر الفترات التي عرفها تاريخ الفن ابتداعاً واختراعاً . ففيها ترسخ ما كان قد بدأ في الظهور في أواخر القرن الماضي من بوادر القطيعة مع الفن التقليدي الواقعي ، وفيها أيضاً تم شق جميع ا والدروب تقريباً التي سار عليها فيما بعد كل من فني التصوير والنحت ، ولم يقتصر الأمر على ظهور تصوير جديد عن طريق التجديد في اللون والشكل والصورة ، بل تجاوز ذلك إلى وضع الأسس لقيام فن تجريدي متحرر من القيمة التزيينية التي كان الفن يقف عندها في العادة . أضف إلى ذلك أن الأبحاث والمحاولات كانت تجري في اندفاع وحماس ، وفي جرىء للمقاومة الشديدة القوية ، حتى أن هذه الحقبة جديرة حقاً بأن توصف بأنها بطولية ، من جميع وجهات النظر .
وإذا لم توقف الحرب إيقافاً كاملاً كل هذا النشاط ، فقد حدت منه ، إلى درجة كبيرة. فهي أولاً قد فككت الجماعات ، وحلت .... وقد قال بيكاسو فيما بعد « عند إعلان التعبئة ذهبت بصديقي براك Braque و دیران Derain إلى محطة أفينيون فلم ألقهما بعد ذلك أبداً » . ومن جهة ثانية فإن « مهنة الجندية » لا تترك للجندي متسعاً الوقت للخلق الفني ، وقد قتل بعض الفنانين من مصورين ونحاتين ممن اشتركوا في المعارك ، وجرح آخرون ، وأصيب غيرهم بأمراض تخترم أجسامهم . ولكي يستطيع فنان ما أن يمضي في عمله بصورة طبيعية تقريباً ، لا بد له من أن يكون معفياً من الجندية. أو أن يكون من رعايا بلد محايد كاسبانيا وهولندا .
أما ما كان للحرب الدائرة من تأثير على الأعمال الفنية نفسها ، فقد يدهشنا أن نجد أنه لم يكن لها في الغالب أي تأثير . ولسنا ننكر مع أن لوحة ( هجوم الرماحة ) ( ١٩١٥ ) قد صورها بوتشيوني الذي كان قد انخرط في سلك الجندية متطوعاً ، والذي مات عام ١٩١٦ في أعقاب سقطة من صهوة جواده . كما أننا لا ننكر أن ليجي قد صور لعبة الورق عام ١٩١٧ ، وكان اللاعبون فيها جنوداً من سلاح الآليات . وكان المستقبليون قد مجدوا الحرب ، وذلك حتى قبل أن تنشب وتدور رحاها ، واعتبروها ( الصحة الوحيدة للعالم ) . وهم يتحسسون بالقوى التي تفجرها . غير أنهم لا يبالون بما تسببه من مآسي وإذا كان ليجيه قد قال : إن الحرب كانت حدثاً ضخماً بالنسبة لي " فقد فسر هذه العبارة بقوله : " إنما أثناء الحرب وضعت قدمي على . لقد خلفت باريس وهي في صميم الطريقة التجريدية ، وفي حقبة تحرر الفن التصويري ودون أي انتقال وجدت نفسي في مستوى الشعب الفرنسي بأسره . وقد ألحقت بسلاح الهندسة ، وكان رفاقي الجدد ، من عمال المناجم ، أو عمال البناء ، أو صغار الحرفيين العاملين في صناعة الحديد والخشب . . . وفي ذلك الوقت ، حدث أن رأيت سبطانة مدفع من عيار (۷٥ ) ، فاغرة في ضوء الشمس الساطع . فبهرني ذلك سحر النور المنصب على المعدن الأبيض . ولما تمكن هذا المشهد الواقعي من نفسي ، لم يعد الشيء يفارق مخيلتي . إن هذه السبطانة الفاغرة في ضوء الشمس الباهر قد علمتني وعملت على تطويري في الفن التشكيلي ، أكثر مما فعلت . جميع متاحف العالم .
ولا بد من أن يكون القارىء قد لاحظ أن الحرب إنما أثرت على ليجيه من حيث تطوره التشكيلي لا غير ، رغم أنه يتكلم أيضاً عن « هذه المأساة ، مأساة الحياة والموت » « التي كنا غارقين فيها . . وحتى هذا التأثير القليل ، لا نجده عند غيره من الفنانين فالمصور براك قد جرح وثقبت جمجمته في عام ۱۹۱۵ . فلما استطاع العودة إلى ريشته ، راح يعمل كما لو أن هذه المحنة لم تكن . ومن ذلك يظهر بوضوح أن ما يؤثر في الإنسان لا يؤثر في المصور . فقد يتعرض الأول للهلاك في كل لحظة ، وقد يتألم في جسده وفي روحه . بيد أن مشاغل المصور لا تتأثر بذلك وليس بين جميع هؤلاء الفنانين الذين مرَّ ذكرهم في كل ما سبق من هذا الكتاب ، إلا بعض ممثلي المدرسة التعبيرية . عرضوا بعض اللوحات التي تنعكس فيها الأحداث ، وما تسببه من اضطرابات في القلوب .
ولكن ، إذا كانت الحرب لم توح إيحاء مباشراً إلا بالعدد القليل من اللوحات فإنها ذلك ، أسهمت في توجيه جماعة كاملة الفنانين مع الشبان كانوا يتخبطون في الحيرة ما بين السبل المختلفة عندما أعلنت التعبئة العامة . وقد قيض للبعض منهم أن يبرزوا في العشرينات من القرن ، كرواد تیار تعبيري جديد. كما أصبح البعض الآخر دعاة هذا الدادائية والسريالية .
تعليق