تصوير الواقع الغريب
اذا ما استثنينا التعبيريين نجد أن الفن الحديث ، كما رأيناه حتى الآن ، قلما يهتم بالموضوع ، فسرد قصة أو اخراج عمل لايغرى أغلبية الفنانين المعاصرين ، حتى أنهم يعتبرونه بائداً . على أن ذلك لم يمنع امكانية عمل تصوير قصص . وقد برهن « شاغال Chagall على ذلك ومن هنا تأتي الصور الغريبة في فنه .
ولد شاغال في روسيا واستقر عام ۱۹۱۰ في باريس . وتأثر بادىء ذي بدء بالوحشيين ، ثم دون أن يهمل حيوية لونه ، تحول نحو التكعيبيين ، خطوطا حادة لتحديد الرسوم الجانبية والمستويات . والشيء الخاص به يبقى أهم من كل ما يستعير من كل مرحلة ، من جهة حاجته للسرد ، ومن جهة ثانية ، الخيال الذي لا يعوق حريته شي. ء ما وذو طبيعة متميزة. وخياله هذا لايفر من الواقع كما لا ينكره قط ، وبكل بساطة ، لا يحترم أي حد من الحدود ولا أي صنف من الأصناف يدخله العقل الى الواقع . ان الواقع لدى «شاغال» لا يكمن إلا في مشاعره وفي أحلامه وفي وساوسه . ان الطفولة التي أمضاها الفنان في ( فيتيبسك ) وحياة اليهود التي عرفها هناك ، تركتا أثراً في نفسه وصورا في فكره واضحة الى حد أنها ذات واقع ملموس بالنسبة له يفوق الاشياء التي تحيطه بشكل حسي. وللتعبير عن هذا الواقع ، لا يتردد قط في تحدي كل احتمال معقول . ان قوانين المنظور « الكلاسيكي » والنسب الطبيعية للأشخاص والأشياء ، والفروق فيما بين الانسان والحيوان ، والبعد الذي يفصل الماضي عن الحاضر ، وذكرى الانطباع الآني والحالة النفسية للوضع المادي ، كل ذلك يلغيه ليعطي البشر والأشياء مظاهر غريبة ، وأوضاعا مستحيلة ، بينما تنكشف الحقيقة الداخلية التي يجدها لها ، فمثلا حين ينفصل رأس السكير عن الجسد ليقترب من الزجاجة التي تميل نحوه ، أليس لدينا التمثيل البليغ للرغبة في الشرب التي تريد ارضاء نفسها بأي ثمن كان ؟
لكي يصبح عمل فني أبدياً بالحقيقة ، فمن الواجب أن يتعدى تماما حدود الانسانية ، ان الحصافة والكياسة والمنطق تسيء الى العمل وعلى هذا يقترب العمل الفني من الحلم ومن عقلية الأطفال » . لم يكن شاغال ، هو الذي خط هذه الجملة ( مع أنه كان باستطاعته أن يوقعها ) انما هو المصور الايطالي «جيورجيو دى شيريكو Giorgio de Chirico أيضاً استقر في باريس عام ۱۹۱۱ ولم تغره بحوث الطلعيين قط على الرغم من أنه كان على صلة بـ « آبو للينير وقد أجل « بوكلين خلال دراسته في ميونيخ وقرر أن يبقى وفياً مخلصاً لبعض المبادىء الاساسية للاسلوب الذي وضعه عصر النهضة . وهذا النهج ، الذي يعتبره خاصة باقي الفنانين المجددين ، راكداً وغير أهل لأن يعبر عن الأحاسيس التي يوحيها لهم العالم المعاصر ، هذا النهج هو بالنسبة لـ ( شيريكو ) وسيلة يؤسس عليها قسماً كبيراً من تأثيراته ، فمن أين يأتي إذن شعورنا بالغربة أمام أعماله التي تصور ساحات و عمارات وشوارع ذات أقواس؟ هذا يعود الى أن عماراته تبدو كأنها من الورق المقوى. كما تبدو المنازل خاوية بل وغير قابلة للسكنى ويضاف الى هذا الفراغ الذي نشك بوجوده في الداخل ، الفراغ الذي يحيط هذه البيوت : هذه الساحات الواسعة حيث يصطدم نور الشمس البرتقالي في الأصل ، بظل عميق ، نجدها مقفرة حتى حين يتقاطع فيها ظلال رجلين يتحادثان أو ظل طفل يلعب بدولاب . ينعزل الاحياء فيها بهزء كعزلة التماثيل ، وليسوا أقل منها لغزا . وبتحليل أخير تجد الاحياء والتماثيل نفسها في غير محلها في هذا العالم حيث يبدو شيء واحد حقيقي ألا وهو سوداوية مهيمنة .
ومع ذلك يجب القول أن اهتمام ( شيريكو ) بالصورة يفوق اهتمامه بالتصوير : لا يخلو فنه من جفاف ان كان في التلوين أو في الرسم . أن لامبالاته بالفضائل التصويرية وكذلك موقفه الرجعي في مجال الاسلوب لا يستقبحهما الناس ، بل على العكس ان هاتين الميزتين تحببان السير ياليين بفنه فيعتبرونه بهذا بشيراً ومثالاً يحتذى .
اذا ما استثنينا التعبيريين نجد أن الفن الحديث ، كما رأيناه حتى الآن ، قلما يهتم بالموضوع ، فسرد قصة أو اخراج عمل لايغرى أغلبية الفنانين المعاصرين ، حتى أنهم يعتبرونه بائداً . على أن ذلك لم يمنع امكانية عمل تصوير قصص . وقد برهن « شاغال Chagall على ذلك ومن هنا تأتي الصور الغريبة في فنه .
ولد شاغال في روسيا واستقر عام ۱۹۱۰ في باريس . وتأثر بادىء ذي بدء بالوحشيين ، ثم دون أن يهمل حيوية لونه ، تحول نحو التكعيبيين ، خطوطا حادة لتحديد الرسوم الجانبية والمستويات . والشيء الخاص به يبقى أهم من كل ما يستعير من كل مرحلة ، من جهة حاجته للسرد ، ومن جهة ثانية ، الخيال الذي لا يعوق حريته شي. ء ما وذو طبيعة متميزة. وخياله هذا لايفر من الواقع كما لا ينكره قط ، وبكل بساطة ، لا يحترم أي حد من الحدود ولا أي صنف من الأصناف يدخله العقل الى الواقع . ان الواقع لدى «شاغال» لا يكمن إلا في مشاعره وفي أحلامه وفي وساوسه . ان الطفولة التي أمضاها الفنان في ( فيتيبسك ) وحياة اليهود التي عرفها هناك ، تركتا أثراً في نفسه وصورا في فكره واضحة الى حد أنها ذات واقع ملموس بالنسبة له يفوق الاشياء التي تحيطه بشكل حسي. وللتعبير عن هذا الواقع ، لا يتردد قط في تحدي كل احتمال معقول . ان قوانين المنظور « الكلاسيكي » والنسب الطبيعية للأشخاص والأشياء ، والفروق فيما بين الانسان والحيوان ، والبعد الذي يفصل الماضي عن الحاضر ، وذكرى الانطباع الآني والحالة النفسية للوضع المادي ، كل ذلك يلغيه ليعطي البشر والأشياء مظاهر غريبة ، وأوضاعا مستحيلة ، بينما تنكشف الحقيقة الداخلية التي يجدها لها ، فمثلا حين ينفصل رأس السكير عن الجسد ليقترب من الزجاجة التي تميل نحوه ، أليس لدينا التمثيل البليغ للرغبة في الشرب التي تريد ارضاء نفسها بأي ثمن كان ؟
لكي يصبح عمل فني أبدياً بالحقيقة ، فمن الواجب أن يتعدى تماما حدود الانسانية ، ان الحصافة والكياسة والمنطق تسيء الى العمل وعلى هذا يقترب العمل الفني من الحلم ومن عقلية الأطفال » . لم يكن شاغال ، هو الذي خط هذه الجملة ( مع أنه كان باستطاعته أن يوقعها ) انما هو المصور الايطالي «جيورجيو دى شيريكو Giorgio de Chirico أيضاً استقر في باريس عام ۱۹۱۱ ولم تغره بحوث الطلعيين قط على الرغم من أنه كان على صلة بـ « آبو للينير وقد أجل « بوكلين خلال دراسته في ميونيخ وقرر أن يبقى وفياً مخلصاً لبعض المبادىء الاساسية للاسلوب الذي وضعه عصر النهضة . وهذا النهج ، الذي يعتبره خاصة باقي الفنانين المجددين ، راكداً وغير أهل لأن يعبر عن الأحاسيس التي يوحيها لهم العالم المعاصر ، هذا النهج هو بالنسبة لـ ( شيريكو ) وسيلة يؤسس عليها قسماً كبيراً من تأثيراته ، فمن أين يأتي إذن شعورنا بالغربة أمام أعماله التي تصور ساحات و عمارات وشوارع ذات أقواس؟ هذا يعود الى أن عماراته تبدو كأنها من الورق المقوى. كما تبدو المنازل خاوية بل وغير قابلة للسكنى ويضاف الى هذا الفراغ الذي نشك بوجوده في الداخل ، الفراغ الذي يحيط هذه البيوت : هذه الساحات الواسعة حيث يصطدم نور الشمس البرتقالي في الأصل ، بظل عميق ، نجدها مقفرة حتى حين يتقاطع فيها ظلال رجلين يتحادثان أو ظل طفل يلعب بدولاب . ينعزل الاحياء فيها بهزء كعزلة التماثيل ، وليسوا أقل منها لغزا . وبتحليل أخير تجد الاحياء والتماثيل نفسها في غير محلها في هذا العالم حيث يبدو شيء واحد حقيقي ألا وهو سوداوية مهيمنة .
ومع ذلك يجب القول أن اهتمام ( شيريكو ) بالصورة يفوق اهتمامه بالتصوير : لا يخلو فنه من جفاف ان كان في التلوين أو في الرسم . أن لامبالاته بالفضائل التصويرية وكذلك موقفه الرجعي في مجال الاسلوب لا يستقبحهما الناس ، بل على العكس ان هاتين الميزتين تحببان السير ياليين بفنه فيعتبرونه بهذا بشيراً ومثالاً يحتذى .
تعليق