التكعيبية
اقترح الناقد الفني « لوى فوكسيل » هذه التسمية حين كتب في أواخر عام ۱۹۰۸ مايلي : « ان السيد «براك يزدري الشكل ويحول كل مافي الوجود : المواقع والوجوه والبيوت الى ترسبات هندسية والى مكعبات . حقاً ، ان هذه المكعبات يظهرها ( براك ) عمليا في هذا المنظر أو ذاك من قرية « الايستاك . ، وليس ذلك هو المهم . والأهم بكثير هو الاسلوب الذي تدخل فيه المكعبات في التأليف الذي لم يعد يشاد حسب القواعد القديمة. لم يعد هناك خط افق ، ولا خطوط تتجه لتلتقي عند نقطة الهروب الوحيدة. فبدلا من أن تنحرف الأشياء لتتيح لنظرتنا بالغوص بعيداً ، تلتصق هذه الأشياء بعضها ببعض وتتدرج صعودا ، وتتصلب . وتتماسك الأوراق التي تكسو الأشجار مثلها مثل الجذع . وتفقد البيوت فتحاتها من أبواب ونوافذ . واذا كانت اللوحات فيما مضى تدعونا الى التوغل بعمق في المشاهد الطبيعية ، فاننا نصطدم هنا في كل مكان بكتل كتيمة تستوقفنا وتبعدنا .
وهذا الرفض لمفهوم المجال الذي شيده عصر النهضة ، تظهر لنا أهميته الرئيسية بسهولة بمجرد دراستنا للتطور عند و دیران » Derain . عبثا حاول هذا الأخير أن يضفي الشكل الهندسي على تصويره ، فانه لا يجدد بشكل واضح مطلق ودائم اذ أنه في النهاية لا يقطع صلته بالماضي في مفهوم المجال . ولا تدهشنا كثيراً ارادته بالعودة ذات . يوم الى تقليد لم يتخل عنه بشكل جذري حتى في محاولاته التجديدية أما. بالنسبة لـ « براك ، فان قطع صلته بالماضي كان جذرياً في عام ١٩٠٨ والأمر كذلك بالنسبة الى « بيكاسو ، الذي يعمل بروح مماثلة .
لم يكن عمر بيكاسو في ذلك الحين يزيد عن ٢٧ عاماً وكان يمكننا ذلك ، أن نميز في أعماله فترات مختلفة . دعنا من الكلام عن أعماله الأولى في أسبانيا ، انه يظهر فيها بدون شك موهبة مبكرة ، بيد بقي أسير المفاهيم المدرسية .. كما أن اللوحات التي صورها في عام ١٩٠٠ خلال اقامته الأولى في باريس لا تعبر هي أيضاً بشكل كلي عن شخصيته سواء من حيث الموضوع أم من حيث الأسلوب ، وهي تبرز مختلف المؤثرات وخاصة بأسلوب » لوتريك » . ولم تمض سنة واحدة حتى تمثل الفنان المؤثرات المذكورة وبتنقله بين باريس وبرشلونة لغاية عام ١٩٠٤ دشن « فترته الزرقاء ونعني بذلك انه بسلم لوني محدود يسيطر عليه الأزرق البارد والكتيم عمد إلى تصوير نساء هزيلات مستسلمات لمصير هن وأطفال بعيون حزينة ، ومتسولين مسنين بادين كفلاسفة جائعين . وتبدأ فترة جديدة حوالي عام ۱۹۰٥ حيث يلعب اللون الوردي دور اللون الأزرق . وهكذا يزول الحزن بينما تستمر الرصانة . أما المواضيع فمستعارة عادة من حياة المهرجين والبهاليل. وقبل أشهر من ذلك ، أقام « بيكاسو نهائياً في باريس : سكن في شارع « مونمارتر » في الدار الملقبة بـ « باتو – لافوار ( السفينة المغسلة ) حيث كان يجتمع كل الطليعيين وما لبث تصويره هناك أن تحول بعمق - وحوالي أواخر عام ١٩٠٦ ، فإن خطوط التصوير التي امتدت لدى بيكاسو التاريخ ، بعاطفة رقيقة متراخية ، لم تلبث هذه الخطوط أن اشتدت وتصلبت ، وها الأشكال تتقاطع بقسوة محدثة زوايا مقرنة حادة وهكذا أصبح ( بيكاسو ) منذ ذلك التاريخ ، مهيئاً لوضع اللوحة التي سجلت منعطفاً ليس فقط في تطوره بالذات ، بل في تطور التصوير بكامله في القرن العشرين ألا وهي ( آنسات آفنيون ) Les برسم Demoiselles D' Avignon . وكان النقاد على حق حين قالوا أن لتلك اللوحة أهمية أكثر مما فيها من المتعة ، فالعاريات الخمس التي جمعها الفنان تمثل أشكالاً رسمت بعنف ، فالألوان ( خاصة الزهر والأمغر والأزرق ) تتصادم كما تتصادم الخطوط . وقد عولجت الوجوه بطريقتين مختلفتين : فنرى هنا سطوحاً بسيطة محددة مقتضب واضح يحدد العينين والأنف والفم : ونرى هناك خط محيط أكثر قسوة مع ظلال جافية داخل الوجه لايحاء حجم أنف مسطح ومدبب . ولعل بيكاسو بلجوئه إلى مثل هذه التبسيطات يذكر الفن الرومانسي في كاتالونيا إلا أنه يبدو متأثراً أيضاً بالحفر الزنجي الذي اكتشفه » الفنانون في تلك الآونة والذي عمد أكثر من واحد منهم إلى استنتاج درس منه .
في أواخر عام ۱۹۰۷ شاهد ( براك ) هذا التأليف الطوعي والعدواني وغير المتساوي ، وعلى الرغم من أنه لم يثر فيه حماساً ما في أول الأمر ، مالبث بعد فترة قصيرة أن بدأ بتصوير عاري ، وراح بدوره يبسط الشكل ، مبيناً . ذلك قسوة أقل عنفاً وأقل إيذاء . ولم تمض بضعة شهور حتى نفذ في قرية الأيستاك - مشاهد طبيعية نعتت بالتكعيبية . ومن ثم تطور هو و ( بيكاسو ) جنباً إلى جنب حتى حرب ١٩١٤ ، فتطابقت بحوثهما ، وغالباً ما أصبحت أعمالهما متقاربة إلى حد أنه أصبح يتعذر على المرء أن يميز الفنان الذي صور هذا العمل أو ذاك .
لا يمكن الانكار أن في فنهما الكثير من الدراسة النظرية . . ومع . فمن الخطأ القبول أنهما كانا يعلمان منذ البداية بوضوح إلى أين يتجهان . ولم تكن لوحاتهما تجسيداً لنظريات مدروسة سابقاً ، فضلا عن أن كليهما حرص على الاشارة إلى ذلك فقال ( براك ) : « ان التكعيبية بالنسبة لي أو بالأحرى تكعيبيتي هي وسيلة خلقتها لاستعمالي الخاص . أما الهدف من خلقها هو أن أضع التصوير بمتناول مواهبي . كما قال ( بيكاسو ) : حين خلقنا التكعيبية ، لم تكن لدينا نية ما في أن ننتج أعمالاً تكعيبية ، بل في التعبير عما يخالجنا » . ومهما يكن من أمر فإذا لم يكتشف الفنانان اتجاههما الا في اللحظة نفسها التي سلكا فيها هذا الاتجاه ، فإنه لا يمكن النظر بامعان إلى خطوتهما دون أن تأخذنا الدهشة بما تحوي هذه الخطوة من المنطق .
وقد توضح اتجاههما بدقة في عام ۱۹۰۹ . اذ أصبح اللون أصماً أكثر فأكثر ، وكاد يتقيد في تلك الفترة بالألوان الرمادية والبنية والمغراء. و بايجاز فقد خضع اللون بعزم إلى الشكل الذي تتركز عليه البحوث والذي ظهر تحوله في السنين اللاحقة أكثر فأكثر. ففي أول الأمر استنكفت الحجوم عن أن تأخذ شكل كتل قليلة الحركة وحبيسة اطار يهمل التفاصيل. فأصبحت هذه الحجوم تتجزأ إلى عدد وافر من السطوح الهندسية ، وتولد هذه الأخيرة تحت تأثير نور لا يستمد معينه من العالم الخارجي ، ولا يتطور طبقاً لقوانين الحقيقة الفيزيائية . فهذا النور ينبع من حساسية الفنان فيوزعه ويوجهه حسب هواه فينجم عن ذلك ، أن حجماً مكوراً بديناً مثلاً . ويتحول ليأخذ شكلاً متعدد الوجوه .
وثمة شي له دلالته : حوالي عام ۱۹۱۰ أهمل تماماً تقريباً المنظر الطبيعي لصالح الطبيعة الصامتة والوجه البشري . واذا ما شعر « براك » و ( بيكاسو ) في عصر التكعيبية أنهما منجذبان بالطبيعة الصامتة ، فهذا لا يدعو إلى الدهشة : ذلك لأنهما بغية تحليلهما للشكل ، يحتاجان إلى أشياء صلبة يتمكنان من النظر إليها عن كثب على أن لا تكون هذه ، قابلة للتغيير . بيد أن الوجه البشري لا يتمتع بلين الكأس أو وعاء المربيات أو آلة المندولينة . وهذا لا يحول دون معالجة الوجه البشري مراراً ودون أن يوافق الفنان على التساهل في تصويره ، ، أعني بذلك أن الوجه يتمتع بامتياز خاص ، فالفنان يحلله ويعيد خلقه وبتفكك وباستهتار مطلقين . وهكذا لم يصل رفض إنسانية عصر النهضة جذرياً إلى الدرجة التي بلغه في التكعيبية. بقيت صفة انسانية وحيدة ظاهرة في أعمال التكعيبيين بلغت أقصى خاصة الاختراع و مقدرة الفنان الخلاقة . أما النمودج الانساني فلم يعد سوى شيء .
وأخذ الشكل يتداعى أكثر فأكثر ، فمنذ عام ١٩١٠ راح يتفتت ويتسطح إلى حد أنه أصبح ينزلق في الخلفية حيث يضيع . فمثلاً لوحة بيكاسو المسماة صورة كاهنفيلر Portrait det kahnweiler لم تعد تسمح بالتعرف الا على بعض خصائص الوجه والصدر واليدين بينما كل ما تبقى من الجسم لا يتميز من الخلفية لا من حيث الرسم ولا من جهة اللون . وفي عام ۱۹۱۱ ، تندر أكثر العناصر المعرفة على الشخص المرسوم. واذا ما دعيت اللوحة عازفة الماندولينة أو « امرأة تحمل قيثارة ، لم يعد سهلاً أن يكتشف المرء فيها سوى مجموعة صفائح ذات زوايا ناتئة : تارة واضحة وطوراً مظللة . وهكذا نصل إلى ما يلي : إن شدة تفكيك الشكل إلى تفتيت الشيء ، والى هدمه ، و كان المقصود اتخاذ اتجاه معاكس
اقترح الناقد الفني « لوى فوكسيل » هذه التسمية حين كتب في أواخر عام ۱۹۰۸ مايلي : « ان السيد «براك يزدري الشكل ويحول كل مافي الوجود : المواقع والوجوه والبيوت الى ترسبات هندسية والى مكعبات . حقاً ، ان هذه المكعبات يظهرها ( براك ) عمليا في هذا المنظر أو ذاك من قرية « الايستاك . ، وليس ذلك هو المهم . والأهم بكثير هو الاسلوب الذي تدخل فيه المكعبات في التأليف الذي لم يعد يشاد حسب القواعد القديمة. لم يعد هناك خط افق ، ولا خطوط تتجه لتلتقي عند نقطة الهروب الوحيدة. فبدلا من أن تنحرف الأشياء لتتيح لنظرتنا بالغوص بعيداً ، تلتصق هذه الأشياء بعضها ببعض وتتدرج صعودا ، وتتصلب . وتتماسك الأوراق التي تكسو الأشجار مثلها مثل الجذع . وتفقد البيوت فتحاتها من أبواب ونوافذ . واذا كانت اللوحات فيما مضى تدعونا الى التوغل بعمق في المشاهد الطبيعية ، فاننا نصطدم هنا في كل مكان بكتل كتيمة تستوقفنا وتبعدنا .
وهذا الرفض لمفهوم المجال الذي شيده عصر النهضة ، تظهر لنا أهميته الرئيسية بسهولة بمجرد دراستنا للتطور عند و دیران » Derain . عبثا حاول هذا الأخير أن يضفي الشكل الهندسي على تصويره ، فانه لا يجدد بشكل واضح مطلق ودائم اذ أنه في النهاية لا يقطع صلته بالماضي في مفهوم المجال . ولا تدهشنا كثيراً ارادته بالعودة ذات . يوم الى تقليد لم يتخل عنه بشكل جذري حتى في محاولاته التجديدية أما. بالنسبة لـ « براك ، فان قطع صلته بالماضي كان جذرياً في عام ١٩٠٨ والأمر كذلك بالنسبة الى « بيكاسو ، الذي يعمل بروح مماثلة .
لم يكن عمر بيكاسو في ذلك الحين يزيد عن ٢٧ عاماً وكان يمكننا ذلك ، أن نميز في أعماله فترات مختلفة . دعنا من الكلام عن أعماله الأولى في أسبانيا ، انه يظهر فيها بدون شك موهبة مبكرة ، بيد بقي أسير المفاهيم المدرسية .. كما أن اللوحات التي صورها في عام ١٩٠٠ خلال اقامته الأولى في باريس لا تعبر هي أيضاً بشكل كلي عن شخصيته سواء من حيث الموضوع أم من حيث الأسلوب ، وهي تبرز مختلف المؤثرات وخاصة بأسلوب » لوتريك » . ولم تمض سنة واحدة حتى تمثل الفنان المؤثرات المذكورة وبتنقله بين باريس وبرشلونة لغاية عام ١٩٠٤ دشن « فترته الزرقاء ونعني بذلك انه بسلم لوني محدود يسيطر عليه الأزرق البارد والكتيم عمد إلى تصوير نساء هزيلات مستسلمات لمصير هن وأطفال بعيون حزينة ، ومتسولين مسنين بادين كفلاسفة جائعين . وتبدأ فترة جديدة حوالي عام ۱۹۰٥ حيث يلعب اللون الوردي دور اللون الأزرق . وهكذا يزول الحزن بينما تستمر الرصانة . أما المواضيع فمستعارة عادة من حياة المهرجين والبهاليل. وقبل أشهر من ذلك ، أقام « بيكاسو نهائياً في باريس : سكن في شارع « مونمارتر » في الدار الملقبة بـ « باتو – لافوار ( السفينة المغسلة ) حيث كان يجتمع كل الطليعيين وما لبث تصويره هناك أن تحول بعمق - وحوالي أواخر عام ١٩٠٦ ، فإن خطوط التصوير التي امتدت لدى بيكاسو التاريخ ، بعاطفة رقيقة متراخية ، لم تلبث هذه الخطوط أن اشتدت وتصلبت ، وها الأشكال تتقاطع بقسوة محدثة زوايا مقرنة حادة وهكذا أصبح ( بيكاسو ) منذ ذلك التاريخ ، مهيئاً لوضع اللوحة التي سجلت منعطفاً ليس فقط في تطوره بالذات ، بل في تطور التصوير بكامله في القرن العشرين ألا وهي ( آنسات آفنيون ) Les برسم Demoiselles D' Avignon . وكان النقاد على حق حين قالوا أن لتلك اللوحة أهمية أكثر مما فيها من المتعة ، فالعاريات الخمس التي جمعها الفنان تمثل أشكالاً رسمت بعنف ، فالألوان ( خاصة الزهر والأمغر والأزرق ) تتصادم كما تتصادم الخطوط . وقد عولجت الوجوه بطريقتين مختلفتين : فنرى هنا سطوحاً بسيطة محددة مقتضب واضح يحدد العينين والأنف والفم : ونرى هناك خط محيط أكثر قسوة مع ظلال جافية داخل الوجه لايحاء حجم أنف مسطح ومدبب . ولعل بيكاسو بلجوئه إلى مثل هذه التبسيطات يذكر الفن الرومانسي في كاتالونيا إلا أنه يبدو متأثراً أيضاً بالحفر الزنجي الذي اكتشفه » الفنانون في تلك الآونة والذي عمد أكثر من واحد منهم إلى استنتاج درس منه .
في أواخر عام ۱۹۰۷ شاهد ( براك ) هذا التأليف الطوعي والعدواني وغير المتساوي ، وعلى الرغم من أنه لم يثر فيه حماساً ما في أول الأمر ، مالبث بعد فترة قصيرة أن بدأ بتصوير عاري ، وراح بدوره يبسط الشكل ، مبيناً . ذلك قسوة أقل عنفاً وأقل إيذاء . ولم تمض بضعة شهور حتى نفذ في قرية الأيستاك - مشاهد طبيعية نعتت بالتكعيبية . ومن ثم تطور هو و ( بيكاسو ) جنباً إلى جنب حتى حرب ١٩١٤ ، فتطابقت بحوثهما ، وغالباً ما أصبحت أعمالهما متقاربة إلى حد أنه أصبح يتعذر على المرء أن يميز الفنان الذي صور هذا العمل أو ذاك .
لا يمكن الانكار أن في فنهما الكثير من الدراسة النظرية . . ومع . فمن الخطأ القبول أنهما كانا يعلمان منذ البداية بوضوح إلى أين يتجهان . ولم تكن لوحاتهما تجسيداً لنظريات مدروسة سابقاً ، فضلا عن أن كليهما حرص على الاشارة إلى ذلك فقال ( براك ) : « ان التكعيبية بالنسبة لي أو بالأحرى تكعيبيتي هي وسيلة خلقتها لاستعمالي الخاص . أما الهدف من خلقها هو أن أضع التصوير بمتناول مواهبي . كما قال ( بيكاسو ) : حين خلقنا التكعيبية ، لم تكن لدينا نية ما في أن ننتج أعمالاً تكعيبية ، بل في التعبير عما يخالجنا » . ومهما يكن من أمر فإذا لم يكتشف الفنانان اتجاههما الا في اللحظة نفسها التي سلكا فيها هذا الاتجاه ، فإنه لا يمكن النظر بامعان إلى خطوتهما دون أن تأخذنا الدهشة بما تحوي هذه الخطوة من المنطق .
وقد توضح اتجاههما بدقة في عام ۱۹۰۹ . اذ أصبح اللون أصماً أكثر فأكثر ، وكاد يتقيد في تلك الفترة بالألوان الرمادية والبنية والمغراء. و بايجاز فقد خضع اللون بعزم إلى الشكل الذي تتركز عليه البحوث والذي ظهر تحوله في السنين اللاحقة أكثر فأكثر. ففي أول الأمر استنكفت الحجوم عن أن تأخذ شكل كتل قليلة الحركة وحبيسة اطار يهمل التفاصيل. فأصبحت هذه الحجوم تتجزأ إلى عدد وافر من السطوح الهندسية ، وتولد هذه الأخيرة تحت تأثير نور لا يستمد معينه من العالم الخارجي ، ولا يتطور طبقاً لقوانين الحقيقة الفيزيائية . فهذا النور ينبع من حساسية الفنان فيوزعه ويوجهه حسب هواه فينجم عن ذلك ، أن حجماً مكوراً بديناً مثلاً . ويتحول ليأخذ شكلاً متعدد الوجوه .
وثمة شي له دلالته : حوالي عام ۱۹۱۰ أهمل تماماً تقريباً المنظر الطبيعي لصالح الطبيعة الصامتة والوجه البشري . واذا ما شعر « براك » و ( بيكاسو ) في عصر التكعيبية أنهما منجذبان بالطبيعة الصامتة ، فهذا لا يدعو إلى الدهشة : ذلك لأنهما بغية تحليلهما للشكل ، يحتاجان إلى أشياء صلبة يتمكنان من النظر إليها عن كثب على أن لا تكون هذه ، قابلة للتغيير . بيد أن الوجه البشري لا يتمتع بلين الكأس أو وعاء المربيات أو آلة المندولينة . وهذا لا يحول دون معالجة الوجه البشري مراراً ودون أن يوافق الفنان على التساهل في تصويره ، ، أعني بذلك أن الوجه يتمتع بامتياز خاص ، فالفنان يحلله ويعيد خلقه وبتفكك وباستهتار مطلقين . وهكذا لم يصل رفض إنسانية عصر النهضة جذرياً إلى الدرجة التي بلغه في التكعيبية. بقيت صفة انسانية وحيدة ظاهرة في أعمال التكعيبيين بلغت أقصى خاصة الاختراع و مقدرة الفنان الخلاقة . أما النمودج الانساني فلم يعد سوى شيء .
وأخذ الشكل يتداعى أكثر فأكثر ، فمنذ عام ١٩١٠ راح يتفتت ويتسطح إلى حد أنه أصبح ينزلق في الخلفية حيث يضيع . فمثلاً لوحة بيكاسو المسماة صورة كاهنفيلر Portrait det kahnweiler لم تعد تسمح بالتعرف الا على بعض خصائص الوجه والصدر واليدين بينما كل ما تبقى من الجسم لا يتميز من الخلفية لا من حيث الرسم ولا من جهة اللون . وفي عام ۱۹۱۱ ، تندر أكثر العناصر المعرفة على الشخص المرسوم. واذا ما دعيت اللوحة عازفة الماندولينة أو « امرأة تحمل قيثارة ، لم يعد سهلاً أن يكتشف المرء فيها سوى مجموعة صفائح ذات زوايا ناتئة : تارة واضحة وطوراً مظللة . وهكذا نصل إلى ما يلي : إن شدة تفكيك الشكل إلى تفتيت الشيء ، والى هدمه ، و كان المقصود اتخاذ اتجاه معاكس
تعليق