توطئة
مهما بلغت فترة تاريخية من الابداع في مجال الفن ، فإن من الواضح انها لاتعرف إلا اتجاهات مجددة فحسب. بيد أن هذه الاتجاهات المجددة هي التي تميز هذه الفترة المعينة وتعطيها وجهها المميز لها في التاريخ ومكانتها في الموروث . وتلك الاتجاهات هي كذلك التي تطرح أكثر المشاكل وتتطلب القدر الاكبر من الايضاحات . وفي مؤلف كهذا حيث يقتضي الامر اظهار الابحاث التي اكسبت التصوير والنحت المعاصر بن ابرز ملامحهما المميزة ، يبدو لي انه من الطبيعي أن نتوقف عند المجددين اكثر من اهتمامنا بهؤلاء الذين يهدفون الى مواصلة عادات الماضي، على أنه مادام التجديد لا يكفي بحد ذاته لاستحقاق الالتفات ، فسنعمد الى التقليل من الاهتمام بالمحاولات الغريبة بالنسبة الى الأعمال المتينة .
يبدو طبيعيا بدون شك ان نشدد على الفن المحدث في فرنسا ، بيد اننا تناولنا بالبحث مصورين ونحاتين يعملون في بلدان غير فرنسا، خاصة أولئك الذين يمثلون تيارات معبرة او يوجهونها ، أو يمارسون تأثيرا على النشاط الفني في فرنسا نفسها ، وعلى هذا نجد في هذا الكتاب صفحات عن التعبيريين الالمان والفلمنكيين ، وعن المستقبليين الايطاليين وعن البنائيين الروس والهولانديين وعن الباوهاوس» الذين ظهروا في فايمار وعن اللاشكليين الاميركان . ولا أدعي انني ذكرت كل الفنانين الاكفاء. ومن المتعذر ذكرهم جميعا في اطار هذا الكتاب خاصة وأنني لا أبغي تعداد اسماء وتصنيفها بقدر ما أبغي تقديم تيارات وتعيين خصائص بعض الاعمال .
أما بالنسبة لمخطط المؤلف ، فانه يخرج عن المألوف . فبعد فصل مكرس ( للرواد ) الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر قسمت الموضوع الى ثلاثة أجزاء : الأول قبل حرب ١٩١٤ ، والثاني من حرب ١٩١٤ الى حرب ۱۹۳۹ ، والثالث من عام ١٩٤٠ الى يومنا هذا . وبمعنى آخر ، بينما تسرد عادة حياة الفنان الانتاجية منذ الوقت الذي يبدأ بفرض نفسه مما يؤدي الى التحدث عن نتاج بونار في عام ١٩٤٠ قبل نتاج ماتيس في عام ١٩٠٥، وعن نتاج ماتيس في عام ۱۹۱٦ قبل نتاج بيكاسو في عام ۱۹۰۹ ، فان العرض المتبع في هذا المؤلف يسمح بوضع الاعمال المختلفة كل منها بالنسبة للاخرى في مواقعها من حيث الزمن بشكل افضل . يضاف الى ذلك ان هذه الطريقة تظهر لكل فترة الملامح التي تميزها.
ولا يختلف احد في ان اول فترة هي فترة الثورات الحاسمة ، فالتيارات النبوية والوحشية والتعبيرية والتكعيبية والمستقبلية والتجريدية ، كلها ظهرت قبل عام ١٩١٤ وانتهت الى رفض قواعد الجمالية الواقعية التي وضعتها النهضة الايطالية والى ادخال مبادی جديدة في كل مجال من مجالات الابداع الفني. وبما أن هذه المباديء تشكل أساسا للتجديدات اللاحقة ، وبما أن معرفتها لازمة لازبة لتفهم الفن الذي يتكون تحت أنظارنا بذاته ، فقد بدا لي أن من المستحسن أن نتتبع عن كتب خطوات أولئك الذين ساهموا أكثر من غيرهم في وضع تلك المبادىء خاصة وأنه من الضروري أن ندرك أن وجه الفن الحديث لم يحدد نتيجة لنزوات بل نتيجة لسلسلة من الابحاث توبعت بشجاعة ، وجدية و منطق .
أما الفترة الثانية فقد كانت أقل فورانا . اذ ان التيارات الجديدة كانت خلالها نادرة وما كان منها اكثر اندفاعا ) الدادائية والسريالية ( يعارض تيارات ماقبل الحرب من عدة وجوه ، وكانت المعارضة بنظر البعض شعار تلك الفترة : المعارضة ، الارتداد ، تصفية الفن الحديث ، وزيارة المتاحف للاسترشاد باعمال المعلمين القدامى ولتقليدهم بدون كبرياء. ومما لاشك فيه أن ذلك الشعار قد اتبع ، وأن السلامة ، بنظر الكثير من الشباب في فرنسا كانت تكمن في التخلي كليا أو جزئيا عن مكتسبات الرعيل السابق. وأما في غير فرنسا فلم تكن الردة محبذة او مختارة فحسب، بل كانت مفروضة . ففي الاتحاد السوفياتي منذ بدء العشرينات ، وفي المانيا بعد تبوؤ هتلر السلطة ، عمد القادة الى إدانة الابحاث الحديثة والى الايماز ( باحترام الطبيعة ) أي بنقل الواقع بقليل أو كثير من الامانة ، وبشكل فوتوغرافي انى حد ما أو بتحويل الواقع الى مثل اعلى بطولي . وكانت النتيجة ان خبا الفن الحديث في تلك البلاد أو اختبا ، وهاجر الكثير من رواده. فذهب قسم من الفنانين الروس ، أولا الى المانيا ، ثم ، حين هددتهم النازية ، لحقوا في باريس بمواطنيهم الذين كانوا سبقوهم اليها قبل عشر سنوات. أما الفنانون الالمان ، فقد استقروا في فرنسا وفي سويسرا ، وفي هولاندا وفي الولايات المتحدة. وبما أن المهاجرين يحتفظون بأفكارهم ويستمرون في التصوير والنحت ، فانهم ينتهون الى التأثير على الاوساط التي يعيشون فيها وهكذا فان وجود البعض منهم في باريس مرتبط مباشرة بازدهار الفن التجريدي بعد الحرب .
واذا كان من المفهوم ان تعتبر بصورة عامة ، العشرينات والثلاثينات في المؤلفات عن تاريخ الفن كفترة ردة ، فيجب ان لانغفل مع ذلك عن الاعمال العديدة التي ما فتئت تخلق خلال تلك الفترة سواء من قبل الفنانين الشباب او من قبل المجددين المنتمين للفترة السابقة والتي بقيت الروح الحديثة فيها حية وخلافة . واهم من ذلك ، حين نقارن هذه الاعمال بتلك التي كانت تنسجم مع الذوق السائد في ذلك الحين ، يظهر جليا ان هذه الاخيرة ليست هي الا بعد أثرا . لذلك بدا لي من الانصاف ان اعطي في هذا المؤلف مكانا للمحاولات الارتدادية أهل من المكان الذي خصصته للابحاث الخصبة التي كانت تتابع ماتم قبل عام ١٩١٥ وتهييء لما سيكون بعد عام ١٩٤٠.
أما المرحلة الثالثة فتتجه من جديد نحو الجراة والمغامرة ، وبلغت الحركة المضادة للواقعية مدى لم تبلغه من قبل ابدا . وبالفعل فان هذه الحركة ، وبوجهها الاكثر تطرفا بالذات ، اكتسبت أكبر عدد من المشايعين : فالفن التجريدي الذي لم يتمكن رواده الاوائل على الرغم من مزاياهم من تأمين منزلة لائقة له ، أصبح الآن وبصورة غير متوقعة ، الاتجاه الذي يهيمن على غيره من الاتجاهات ويؤثر فيها . وقد سبر الفنانون غور الامكانات المختلفة المتوفرة لهذا الفن ، وفي الوقت نفسه كانت تتم تجارب جديدة على صعيد الفن التصويري وأصبح الكل ينادون بالتجديد بحماس شديد الى حد أنه أصبح الشيء المهم بالنسبة الى البعض هو التجديد في كل لحظة وبأي ثمن ، حتى أننا نرى أنه دخل في مجال الفن عادات كانت انى الآن منحصرة بالأزياء وبصناعة السيارات أو بالاغاني العاطفية : فينتظر أن يأتي كل موسم بشيء جديد ولو بأتفه الوسائل أو باشداها غرابة
وكيف السبيل الى التوجه في واقع متحرك بهذا القدر وبين العدد الكبير من الابحاث المتعارضة ؟ لذلك ، وعوضا عن متابعة التطور خطوة خطوة ، حرصت على اظهار سمات أهم التيارات وعلى تصنيف الفنانين بحسب صلات القربى التي تجمع بينهم ، ومن الطبيعي أن ترتيبا من هذا القبيل قد يبدو متعمداً من بعض الوجوه ، فقد يكون لدينا اليوم أسباب تدفعنا لأن نصنف احد المصورين أو الفنانين في زمرة او اخرى وقد يثبت غدا انه ينتسب الى زمرة غيرها بسبب جوهر عمله
وقد تحاشيت في حديثي عن التيارات المختلفة اغراق شخصية الفنانين فيها ، بل سمیت قدر الامكان الى اظهار ما اعطاه كل منهم الى تياره وما يبقى لهذا الفنان من صفات مميزة حين يزول ذلك التيار . وبما ان حدود هذا المؤلف تحول دون دراسة كل من الفنانين طوال فترة تطوره ، فقد اخترت ان اقدمه في الفترة التي كانت أعماله فيها أكثر أهمية أو اکثر آنية ، ونتج عن هذه الخطة أن بعض الاسماء تتكرر في كل قسم من هذا المؤلف بينما لا يظهر البعض الآخر سوى مرة او مرتين ولو امتد انتاجهم خلال فترتين او ثلاث .
ومن المحتمل أن يجد القارى أن عدد الفنانين المذكورين في القسم الاخير يفوق بصورة محسوسة عدد الذين ذكروا في القسمين الأولين ، وان انتقاء هم جرى بالتالي بالتزام أقل وهذا مما لاشك فيه . فالى جانب الاعمال التي بدا لي أنها قد لاتزول مع زوال ذوق أيامنا أظهرت أعمالا سوف لانقدر في عام ۱۹۸۰ كما تقدر في الوقت الحاضر. الا انه يكون من الخطا بنظري عدم ذكرها في هذا الكتاب لانها تمثل على كل حال وجها ) أو وجيها ) من الفن الذي يهمنا اليوم .
تشرين الاول ١٩٦٥
مهما بلغت فترة تاريخية من الابداع في مجال الفن ، فإن من الواضح انها لاتعرف إلا اتجاهات مجددة فحسب. بيد أن هذه الاتجاهات المجددة هي التي تميز هذه الفترة المعينة وتعطيها وجهها المميز لها في التاريخ ومكانتها في الموروث . وتلك الاتجاهات هي كذلك التي تطرح أكثر المشاكل وتتطلب القدر الاكبر من الايضاحات . وفي مؤلف كهذا حيث يقتضي الامر اظهار الابحاث التي اكسبت التصوير والنحت المعاصر بن ابرز ملامحهما المميزة ، يبدو لي انه من الطبيعي أن نتوقف عند المجددين اكثر من اهتمامنا بهؤلاء الذين يهدفون الى مواصلة عادات الماضي، على أنه مادام التجديد لا يكفي بحد ذاته لاستحقاق الالتفات ، فسنعمد الى التقليل من الاهتمام بالمحاولات الغريبة بالنسبة الى الأعمال المتينة .
يبدو طبيعيا بدون شك ان نشدد على الفن المحدث في فرنسا ، بيد اننا تناولنا بالبحث مصورين ونحاتين يعملون في بلدان غير فرنسا، خاصة أولئك الذين يمثلون تيارات معبرة او يوجهونها ، أو يمارسون تأثيرا على النشاط الفني في فرنسا نفسها ، وعلى هذا نجد في هذا الكتاب صفحات عن التعبيريين الالمان والفلمنكيين ، وعن المستقبليين الايطاليين وعن البنائيين الروس والهولانديين وعن الباوهاوس» الذين ظهروا في فايمار وعن اللاشكليين الاميركان . ولا أدعي انني ذكرت كل الفنانين الاكفاء. ومن المتعذر ذكرهم جميعا في اطار هذا الكتاب خاصة وأنني لا أبغي تعداد اسماء وتصنيفها بقدر ما أبغي تقديم تيارات وتعيين خصائص بعض الاعمال .
أما بالنسبة لمخطط المؤلف ، فانه يخرج عن المألوف . فبعد فصل مكرس ( للرواد ) الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر قسمت الموضوع الى ثلاثة أجزاء : الأول قبل حرب ١٩١٤ ، والثاني من حرب ١٩١٤ الى حرب ۱۹۳۹ ، والثالث من عام ١٩٤٠ الى يومنا هذا . وبمعنى آخر ، بينما تسرد عادة حياة الفنان الانتاجية منذ الوقت الذي يبدأ بفرض نفسه مما يؤدي الى التحدث عن نتاج بونار في عام ١٩٤٠ قبل نتاج ماتيس في عام ١٩٠٥، وعن نتاج ماتيس في عام ۱۹۱٦ قبل نتاج بيكاسو في عام ۱۹۰۹ ، فان العرض المتبع في هذا المؤلف يسمح بوضع الاعمال المختلفة كل منها بالنسبة للاخرى في مواقعها من حيث الزمن بشكل افضل . يضاف الى ذلك ان هذه الطريقة تظهر لكل فترة الملامح التي تميزها.
ولا يختلف احد في ان اول فترة هي فترة الثورات الحاسمة ، فالتيارات النبوية والوحشية والتعبيرية والتكعيبية والمستقبلية والتجريدية ، كلها ظهرت قبل عام ١٩١٤ وانتهت الى رفض قواعد الجمالية الواقعية التي وضعتها النهضة الايطالية والى ادخال مبادی جديدة في كل مجال من مجالات الابداع الفني. وبما أن هذه المباديء تشكل أساسا للتجديدات اللاحقة ، وبما أن معرفتها لازمة لازبة لتفهم الفن الذي يتكون تحت أنظارنا بذاته ، فقد بدا لي أن من المستحسن أن نتتبع عن كتب خطوات أولئك الذين ساهموا أكثر من غيرهم في وضع تلك المبادىء خاصة وأنه من الضروري أن ندرك أن وجه الفن الحديث لم يحدد نتيجة لنزوات بل نتيجة لسلسلة من الابحاث توبعت بشجاعة ، وجدية و منطق .
أما الفترة الثانية فقد كانت أقل فورانا . اذ ان التيارات الجديدة كانت خلالها نادرة وما كان منها اكثر اندفاعا ) الدادائية والسريالية ( يعارض تيارات ماقبل الحرب من عدة وجوه ، وكانت المعارضة بنظر البعض شعار تلك الفترة : المعارضة ، الارتداد ، تصفية الفن الحديث ، وزيارة المتاحف للاسترشاد باعمال المعلمين القدامى ولتقليدهم بدون كبرياء. ومما لاشك فيه أن ذلك الشعار قد اتبع ، وأن السلامة ، بنظر الكثير من الشباب في فرنسا كانت تكمن في التخلي كليا أو جزئيا عن مكتسبات الرعيل السابق. وأما في غير فرنسا فلم تكن الردة محبذة او مختارة فحسب، بل كانت مفروضة . ففي الاتحاد السوفياتي منذ بدء العشرينات ، وفي المانيا بعد تبوؤ هتلر السلطة ، عمد القادة الى إدانة الابحاث الحديثة والى الايماز ( باحترام الطبيعة ) أي بنقل الواقع بقليل أو كثير من الامانة ، وبشكل فوتوغرافي انى حد ما أو بتحويل الواقع الى مثل اعلى بطولي . وكانت النتيجة ان خبا الفن الحديث في تلك البلاد أو اختبا ، وهاجر الكثير من رواده. فذهب قسم من الفنانين الروس ، أولا الى المانيا ، ثم ، حين هددتهم النازية ، لحقوا في باريس بمواطنيهم الذين كانوا سبقوهم اليها قبل عشر سنوات. أما الفنانون الالمان ، فقد استقروا في فرنسا وفي سويسرا ، وفي هولاندا وفي الولايات المتحدة. وبما أن المهاجرين يحتفظون بأفكارهم ويستمرون في التصوير والنحت ، فانهم ينتهون الى التأثير على الاوساط التي يعيشون فيها وهكذا فان وجود البعض منهم في باريس مرتبط مباشرة بازدهار الفن التجريدي بعد الحرب .
واذا كان من المفهوم ان تعتبر بصورة عامة ، العشرينات والثلاثينات في المؤلفات عن تاريخ الفن كفترة ردة ، فيجب ان لانغفل مع ذلك عن الاعمال العديدة التي ما فتئت تخلق خلال تلك الفترة سواء من قبل الفنانين الشباب او من قبل المجددين المنتمين للفترة السابقة والتي بقيت الروح الحديثة فيها حية وخلافة . واهم من ذلك ، حين نقارن هذه الاعمال بتلك التي كانت تنسجم مع الذوق السائد في ذلك الحين ، يظهر جليا ان هذه الاخيرة ليست هي الا بعد أثرا . لذلك بدا لي من الانصاف ان اعطي في هذا المؤلف مكانا للمحاولات الارتدادية أهل من المكان الذي خصصته للابحاث الخصبة التي كانت تتابع ماتم قبل عام ١٩١٥ وتهييء لما سيكون بعد عام ١٩٤٠.
أما المرحلة الثالثة فتتجه من جديد نحو الجراة والمغامرة ، وبلغت الحركة المضادة للواقعية مدى لم تبلغه من قبل ابدا . وبالفعل فان هذه الحركة ، وبوجهها الاكثر تطرفا بالذات ، اكتسبت أكبر عدد من المشايعين : فالفن التجريدي الذي لم يتمكن رواده الاوائل على الرغم من مزاياهم من تأمين منزلة لائقة له ، أصبح الآن وبصورة غير متوقعة ، الاتجاه الذي يهيمن على غيره من الاتجاهات ويؤثر فيها . وقد سبر الفنانون غور الامكانات المختلفة المتوفرة لهذا الفن ، وفي الوقت نفسه كانت تتم تجارب جديدة على صعيد الفن التصويري وأصبح الكل ينادون بالتجديد بحماس شديد الى حد أنه أصبح الشيء المهم بالنسبة الى البعض هو التجديد في كل لحظة وبأي ثمن ، حتى أننا نرى أنه دخل في مجال الفن عادات كانت انى الآن منحصرة بالأزياء وبصناعة السيارات أو بالاغاني العاطفية : فينتظر أن يأتي كل موسم بشيء جديد ولو بأتفه الوسائل أو باشداها غرابة
وكيف السبيل الى التوجه في واقع متحرك بهذا القدر وبين العدد الكبير من الابحاث المتعارضة ؟ لذلك ، وعوضا عن متابعة التطور خطوة خطوة ، حرصت على اظهار سمات أهم التيارات وعلى تصنيف الفنانين بحسب صلات القربى التي تجمع بينهم ، ومن الطبيعي أن ترتيبا من هذا القبيل قد يبدو متعمداً من بعض الوجوه ، فقد يكون لدينا اليوم أسباب تدفعنا لأن نصنف احد المصورين أو الفنانين في زمرة او اخرى وقد يثبت غدا انه ينتسب الى زمرة غيرها بسبب جوهر عمله
وقد تحاشيت في حديثي عن التيارات المختلفة اغراق شخصية الفنانين فيها ، بل سمیت قدر الامكان الى اظهار ما اعطاه كل منهم الى تياره وما يبقى لهذا الفنان من صفات مميزة حين يزول ذلك التيار . وبما ان حدود هذا المؤلف تحول دون دراسة كل من الفنانين طوال فترة تطوره ، فقد اخترت ان اقدمه في الفترة التي كانت أعماله فيها أكثر أهمية أو اکثر آنية ، ونتج عن هذه الخطة أن بعض الاسماء تتكرر في كل قسم من هذا المؤلف بينما لا يظهر البعض الآخر سوى مرة او مرتين ولو امتد انتاجهم خلال فترتين او ثلاث .
ومن المحتمل أن يجد القارى أن عدد الفنانين المذكورين في القسم الاخير يفوق بصورة محسوسة عدد الذين ذكروا في القسمين الأولين ، وان انتقاء هم جرى بالتالي بالتزام أقل وهذا مما لاشك فيه . فالى جانب الاعمال التي بدا لي أنها قد لاتزول مع زوال ذوق أيامنا أظهرت أعمالا سوف لانقدر في عام ۱۹۸۰ كما تقدر في الوقت الحاضر. الا انه يكون من الخطا بنظري عدم ذكرها في هذا الكتاب لانها تمثل على كل حال وجها ) أو وجيها ) من الفن الذي يهمنا اليوم .
تشرين الاول ١٩٦٥
تعليق