ربما قرأت عدة أخبار تتعلق بعثور العلماء على أدلة تثبت أن المادة المظلمة تنتج أشعة جاما.
رغم التشويق الذي تحمله هذه الأخبار فيما لو كانت حقيقية، إلا أن لدينا أسبابًا للتشكيك بها.
عندما نراقب الفضاء، نتلقى معلومات متناقضة من الضوء والجاذبية.
فالضوء الذي نراه في أي مكان من الكون مصدره المادة ذاتها التي نتكوّن منها – المصنوعة من البروتونات والنيوترونات والالكترونات وما شابه من المكونات المدهشة.
عندما يمر الضوء عبر سحابة من مادة موجودة هنا على الأرض، ينبثق محمّلاً بخصائص مميزة توضح لنا نوع المادة التي مر عبرها.
وعندما نراقب من خلال التلسكوب، نجد أن الضوء عموماً يتميز بنفس الخصائص، بمعنى أنه يمر عبر المواد في الفضاء تماماً كما يمر عبر المواد على الأرض.
بعض أنواع المواد لا تتفاعل مع الضوء بطريقة مباشرة.
فالنيوترونات مثلاً متعادلة كهربائياً، لذا فهي لا تستجيب لمرور الضوء بجانبها.
ولكن هناك نوعان آخران من القوى – القوى النووية القوية والضعيفة –حيث تؤثر على النيوترونات، ما يعني أننا نستطيع استخدام الضوء للكشف عن وجود النيوترونات (عن طريق كشف تفاعله مع الجسيمات الأخرى).
أما الجاذبية فتروي لنا قصة أخرى.
عندما نقيس كمية الجذب الموجودة في الكون، نجد أنها أكثر بكثير مما تستطيع أن تنتجه المادة التي نراها.
إذا أخذنا الجاذبية كمقياس، فإن كمية المادة التي نتكون منها (المادة العادية) مسؤولة فقط عما يقارب خُمس (1/5) كمية الجذب الموجود في الكون.
أم البقية فتنسب إلى ما يُسمّى “المادة المظلمة”، إذ أنها لا تصدر أي ضوء.
المرشح الأبرز لتمثيل الهوية الحقيقة للمادة المظلمة هو نوع من الجسيمات المفترضة وكأنها نيوترونات انتقائية.
ويعرف باسم “الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل” (Weakly Interacting Massive Particles) أو (WIMPs).
تعتبر الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs) مثل النيوترونات فيما يتعلق بالضوء، ولكنها أيضاً لا تتأثر بوجود القوى النووية القوية.
فهي تتفاعل مع المواد الأخرى فقط من خلال قوى الجذب والقوى النووية الضعيفة، وهذا ما يفسر صعوبة العثور عليها.
إن كانت الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs) موجودة، فربما تكون مادة عادية نوعاً ما، فما هي سوى مادة لم نستطع حتى الآن مراقبتها بشكل مباشر بسبب طريقة تفاعلها مع المواد الأخرى.
كل ما في الكون من مادة-مظلمة كانت أم مضيئة- يُعتقد أن لها نظيرتها من المادة المضادة.
وعندما تصطدم المادة العادية بتوأمها الشرير من المادة المضادة يختفي كلاهما ضمن انفجار خاطف من أشعة جاما – وهي أقوى أنواع الضوء في الكون من حيث الطاقة.
هذا ما يجب أن ينطبق على الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs)، ويمكن التنبؤ بنوع أشعة جاما التي قد تنتج عن هذا الانفجار.
طبقاً للبحث الجديد المنشور في دورية فيزياء الكون المظلم (Physics of the Dark Universe)، استطاع تلسكوب فيرمي رؤية أشعة جاما تماماً بنفس التوزع والطاقة المتوقعين، وهو الدليل على أن الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs) موجودة.
وبالرغم من أن أشعة جاما قد تكون أول دليل واضح لوجود الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs)، إلا أن بضعة مجموعات من العلماء ما زالوا يشككون فيه.
فقد قدم البعض أوراقاً بحثية تفيد بأنهم غير متأكدين من مصدر أشعة جاما هذه، ولكن هناك احتمال كبير بألا تكون المادة المظلمة هي المصدر.
إحدى تلك المجموعات تضم عضواً يُعتبر من أعضاء الفريق الذي يدّعي اكتشاف المادة المظلمة، وجميع الأطراف المشاركة تقر بوجود طرق أخرى لتفسير توزع مصادر أشعة جاما تلك.
مجموعة أخرى من هولندا كانت أقل إنكاراً لهذا الدليل، فقد كتبوا أن النجوم النابضة التي لم تكن مرئية من قبل، يمكن أن تفسر بشكل كامل أشعة جاما التي تم اعتبارها دليلاً على وجود الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل (WIMPs).
أما مؤلفو الورقة البحثية الخاصة بالمادة المظلمة فيدّعون بأنه لا سبب للاعتقاد بوجود هذا العدد الكبيرمن النجوم النابضة في تلك المنطقة بالذات من الفضاء، ولكن المجموعة الهولندية تختلف معهم كلياً.
ما تزال المسألة معلقة. فاكتشاف أن المادة المظلمة تعمل بطريقة أخرى تشابه المادة العادية سيكون اكتشافاً ضخماً، وسوف يعطينا فكرة أفضل عن ماهية المادة المظلمة وسوف يفتح أبواباً جديدة للبحث عنها.
وكما قال كارل ساجان، العلم هو تزاوج الدافعين المتعارضين: الشك والدهشة.
يجب أن نتقبل الأفكار الجديدة ونشكك بها في آن معاً.
يجب أن نبحث عن الإجابات بتأنّ دون التعجل في افتراضها.
لا شك أننا بحاجة لمزيد من الاختبارات للتأكد من مصدر أشعة جاما تلك. لكن في هذه الأثناء، علينا التحلي بالصبر