ڤان ديك (أنطونيس -)
(1599-1641)
ولد أنطونيس ڤان ديك Anthonis van Dyck في أنڤرس Anvers (أنتڤربن Antwerpen) الفلمنكية، وكان والده من كبار تجار الحرير في هذه المدينة. درس التصوير منذ أن كان في العاشرة من عمره، وبعد عام 1618 التحق بمرسم المصور الشهير روبنز[ر] Rubens مدة سنتين، حيث نقل موضوعاته الفنية إلى أعمال نُفِّذت بالحفر على المعدن، ثم استقلَّ بنشاطه، ملبياً طلبات الكنائس لتنفيذ موضوعات دينية وصور شخصية، بأسلوب واقعي مميَّز، ثمَّ عاد للعمل في مرسم روبنز في أنڤرس لإنجاز لوحة تخص قصر البلدية، مازالت موجودة في متحف برادو Prado في مدريد.
في عام 1620، مضى إلى لندن بدعوة من الكونتيسة أرونديل Arundel للعمل هناك، وتقرّب بسرعة من الملك يعقوب الأول وأصبح رسام البلاط، ولكنه لم يستمر طويلاً، إذ عاد إلى أنڤرس ليمضي وقتاً قصيراً، ثم سافر إلى إيطاليا عام 1623 وقصد مدينة جنوا Genova، وأقام هناك في سكن أحد التجار الذين مارسوا تجارة التصوير، ثمَّ توجَّه إلى روما وبعدها إلى البندقية، وفيها تأثر بأعمال تيسيانو[ر] Tiziano وفيرونيز Veronese.
وفي إيطاليا، التقى ثانية بالكونتيسة أرونديل التي فتحت له أبواب التعارف مع علية القوم، ورافقها في تنقلاتها بين المدن الإيطالية، ولكنه استقر في جنوا حتى عام 1626 حيث زار فيها بالرمو Palermo، وأنجز في أثناء وجوده في إيطاليا عدداً كبيراً من الصور الشخصية.
وفي الأعوام 1627-1632 استقر في مدينته أنڤرس، متمتعاً برعاية الأرشيدوقة إيزابيل - كلير، وقام بتلبية أعمال تصويرية لبيت أورانج Maison d’Orange، وفيه ترك مجموعة كبيرة من الصور الشخصية لفنانين من زملائه، ولشخصيات سياسية، ولرجال نبلاء مثل شارل دوكور وزوجته، والكونتيسة ليجانيه والكاردينال بنتيفوليو، مع عدد من الصور التي تُمثِّله شخصياً، وإلى جانب الصور الزيتية كان ثمة أعمال في فن الحفر على المعدن.
وكان من اهتمامه دائماً إمداد الكنائس بالصور الدينية التي تمثَّلت فيها موهبته ورهافته مثل: «العذراء في بيت لحم» و«سان ميشيل» و«استشهاد القديس يعقوب» و«تتويج المسيح بإكليل الشوك».
امتاز أسلوب ڤان ديك في تصوير الوجوه، بالاهتمام بالظلِّ والنور، واستغلال الخطوط المنكسرة والمتموجة التي قرَّبته من أسلوب التكلفية maniérisme.
في عام 1632، ولأسباب سياسية ارتحل ثانية إلى لندن لكي يستقر فيها نهائياً. وفي أثناء هذه الإقامة الطويلة، أنجز أروع أعماله التي تمثل الملك كارل الأول في أوضاع متشابهة وهي موزعة في أكبر المتاحف، واحدة في متحف اللوڤر، وأخرى في المتحف الوطني في لندن والثالثة في متحف برادو في مدريد، وأخرى في قصر وندسور.
تمتع ڤان ديك بشهرة واسعة في لندن، ومنح وسام الاستحقاق بدرجة فارس. كما كرَّمه النبلاء الذين صادقوه، وكان قد صوَّر أكثرهم في لوحات محفوظة في المتاحف.
أسهمت إقامة ڤان ديك في لندن وزيارته السابقة في تحريك النشاط الفني الذي كان راكداً، واستطاع أن يملأ الفراغ الكبير الذي كانت تعانيه لندن بسبب تردي الفن الإنكليزي، هذا الضعف الذي دفع الملوك والنبلاء إلى دعوة عدد من كبار الفنانين في أوربا إلى الإقامة في لندن وتفعيل النشاط الفني، منهم هولباين[ر] Holbein ومورو[ر] A.Moro.
وكان تأثير ڤان ديك في مصوري لندن قوياً، بل إن المدرسة الفنية الإنكليزية تدين بخصائصها إلى هذا المصور الفلمنكي، ويمكن القول إن جميع مدارس التصوير الشخصي في إنكلترا حملت في القرنين السابع عشر والثامن عشر تأثيرات ڤان ديك الذي اهتم بالتعبير النفسي في تصوير الوجوه.
ويبدو تأثيره أكثر وضوحاً في أعمال عدد من المصورين الإنكليز الذين كوَّنوا طليعة النهضة الفنية في إنكلترا، مثل رامزي Ramsay ورينولدز Reynolds وغينزبورو Gaunsborough ولورانس Laurens.
وفي أثناء إقامته الطويلة في لندن، سافر فترة قصيرة إلى بروكسل لتصوير أعضاء مجلس المدينة مع رمز العدالة في الوسط، وقد أتلفت هذه اللوحة مع الأسـف إثر قصف الفرنسـيين للمديـنة في عـام 1695، ولم يبقَ منها إلا دراسات أولية تحضيرية محفوظة في مدرسة الفنون الجميلة في باريس وفي أكسفورد: متحف أشموليان، وفي المتحف البريطاني.
كذلك مضى إلى باريس بدعوة لتنفيذ تزيينات جدارية في الجناح الكبير في قصر اللوڤر، إلا أنه لم يقم بتنفيذ العمل إذ كلف المصور الفرنسي نيقولا بوسان Poussin هذا العمل.
تزوج ڤان ديك في العام 1639 بنبيلة من إيقوسيا، هي ماري روثوين M.Ruthwen، والتي صوَّرها قبيل وفاته في لوحة محفوظة في متحف برادو.
كان ڤان ديك وافر النشاط وغزير الإنتاج، مما أثر في صحته. كما كان كثير الانتقال في أنحاء أوربا، ولم يكتب له الحظ أن يمضي آخر حياته في مسقط رأسه أنڤرس، زعيماً للحركة الفنية بعد وفاة معلمه روبنز، جراء الحرب الأهلية. وهكذا ترك غياب روبنز عن أنڤرس فراغاً كبيراً في الحياة الفنية الفلمنكية، ولم يستطع المصورون هناك ملء هذا الفراغ وكانوا يأملون بعودة ڤان ديك، وقد أقاموا حفلاً لتكريمه.
في لندن حضر ولادة ابنته، وأنجز تصوير زوجته قبل أيام من موته في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر عن عمر يناهز الثانية والأربعين.
امتازت أعمال ڤان ديك بالموضوعات الشخصية حتى أصبح المصور الأكثر شهرة في هذا المجال، وكان أسلوبه واقعياً دقيقاً، لم يقصر بالتعبير عن الدقائق وحتى عن ملمس الأشياء المعروضة من حرير ومطرزات أو من معدن، محافظاً على الأسلوب الذي أخذه عن روبنز. واستمر أسلوبه محافظاً على أناقته في التلوين حتى أصبح مثالاً للفنانين المصورين في أوربا، الذين أدركوا جدارته العالية.
كان تأثير ڤان ديك واضحاً في الحركة الفنية في أوربا، وعلى الرغم من عمره القصير، فإنه ترك عدداً ضخماً من الصور الشخصية التي تمثِّل كبار رجال عصره من الملوك والنبلاء وغيرهم، مثل الملك كارل والدوق ريتشموند والكونتيسة دو أكسفورد ودوق هاملتون. كما ترك أعداداً من اللوحات التي تمثّله شخصياً والموزِّعة اليوم في أشهر المتاحف.
عفيف البهنسي
(1599-1641)
أنطونيس فان ديك: «السيدة الجنوية مع ابنتها» | |
(المتاحف الملكية للفنون الجميلة، بروكسل) |
في عام 1620، مضى إلى لندن بدعوة من الكونتيسة أرونديل Arundel للعمل هناك، وتقرّب بسرعة من الملك يعقوب الأول وأصبح رسام البلاط، ولكنه لم يستمر طويلاً، إذ عاد إلى أنڤرس ليمضي وقتاً قصيراً، ثم سافر إلى إيطاليا عام 1623 وقصد مدينة جنوا Genova، وأقام هناك في سكن أحد التجار الذين مارسوا تجارة التصوير، ثمَّ توجَّه إلى روما وبعدها إلى البندقية، وفيها تأثر بأعمال تيسيانو[ر] Tiziano وفيرونيز Veronese.
وفي إيطاليا، التقى ثانية بالكونتيسة أرونديل التي فتحت له أبواب التعارف مع علية القوم، ورافقها في تنقلاتها بين المدن الإيطالية، ولكنه استقر في جنوا حتى عام 1626 حيث زار فيها بالرمو Palermo، وأنجز في أثناء وجوده في إيطاليا عدداً كبيراً من الصور الشخصية.
وفي الأعوام 1627-1632 استقر في مدينته أنڤرس، متمتعاً برعاية الأرشيدوقة إيزابيل - كلير، وقام بتلبية أعمال تصويرية لبيت أورانج Maison d’Orange، وفيه ترك مجموعة كبيرة من الصور الشخصية لفنانين من زملائه، ولشخصيات سياسية، ولرجال نبلاء مثل شارل دوكور وزوجته، والكونتيسة ليجانيه والكاردينال بنتيفوليو، مع عدد من الصور التي تُمثِّله شخصياً، وإلى جانب الصور الزيتية كان ثمة أعمال في فن الحفر على المعدن.
وكان من اهتمامه دائماً إمداد الكنائس بالصور الدينية التي تمثَّلت فيها موهبته ورهافته مثل: «العذراء في بيت لحم» و«سان ميشيل» و«استشهاد القديس يعقوب» و«تتويج المسيح بإكليل الشوك».
امتاز أسلوب ڤان ديك في تصوير الوجوه، بالاهتمام بالظلِّ والنور، واستغلال الخطوط المنكسرة والمتموجة التي قرَّبته من أسلوب التكلفية maniérisme.
في عام 1632، ولأسباب سياسية ارتحل ثانية إلى لندن لكي يستقر فيها نهائياً. وفي أثناء هذه الإقامة الطويلة، أنجز أروع أعماله التي تمثل الملك كارل الأول في أوضاع متشابهة وهي موزعة في أكبر المتاحف، واحدة في متحف اللوڤر، وأخرى في المتحف الوطني في لندن والثالثة في متحف برادو في مدريد، وأخرى في قصر وندسور.
تمتع ڤان ديك بشهرة واسعة في لندن، ومنح وسام الاستحقاق بدرجة فارس. كما كرَّمه النبلاء الذين صادقوه، وكان قد صوَّر أكثرهم في لوحات محفوظة في المتاحف.
أسهمت إقامة ڤان ديك في لندن وزيارته السابقة في تحريك النشاط الفني الذي كان راكداً، واستطاع أن يملأ الفراغ الكبير الذي كانت تعانيه لندن بسبب تردي الفن الإنكليزي، هذا الضعف الذي دفع الملوك والنبلاء إلى دعوة عدد من كبار الفنانين في أوربا إلى الإقامة في لندن وتفعيل النشاط الفني، منهم هولباين[ر] Holbein ومورو[ر] A.Moro.
وكان تأثير ڤان ديك في مصوري لندن قوياً، بل إن المدرسة الفنية الإنكليزية تدين بخصائصها إلى هذا المصور الفلمنكي، ويمكن القول إن جميع مدارس التصوير الشخصي في إنكلترا حملت في القرنين السابع عشر والثامن عشر تأثيرات ڤان ديك الذي اهتم بالتعبير النفسي في تصوير الوجوه.
ويبدو تأثيره أكثر وضوحاً في أعمال عدد من المصورين الإنكليز الذين كوَّنوا طليعة النهضة الفنية في إنكلترا، مثل رامزي Ramsay ورينولدز Reynolds وغينزبورو Gaunsborough ولورانس Laurens.
وفي أثناء إقامته الطويلة في لندن، سافر فترة قصيرة إلى بروكسل لتصوير أعضاء مجلس المدينة مع رمز العدالة في الوسط، وقد أتلفت هذه اللوحة مع الأسـف إثر قصف الفرنسـيين للمديـنة في عـام 1695، ولم يبقَ منها إلا دراسات أولية تحضيرية محفوظة في مدرسة الفنون الجميلة في باريس وفي أكسفورد: متحف أشموليان، وفي المتحف البريطاني.
كذلك مضى إلى باريس بدعوة لتنفيذ تزيينات جدارية في الجناح الكبير في قصر اللوڤر، إلا أنه لم يقم بتنفيذ العمل إذ كلف المصور الفرنسي نيقولا بوسان Poussin هذا العمل.
تزوج ڤان ديك في العام 1639 بنبيلة من إيقوسيا، هي ماري روثوين M.Ruthwen، والتي صوَّرها قبيل وفاته في لوحة محفوظة في متحف برادو.
كان ڤان ديك وافر النشاط وغزير الإنتاج، مما أثر في صحته. كما كان كثير الانتقال في أنحاء أوربا، ولم يكتب له الحظ أن يمضي آخر حياته في مسقط رأسه أنڤرس، زعيماً للحركة الفنية بعد وفاة معلمه روبنز، جراء الحرب الأهلية. وهكذا ترك غياب روبنز عن أنڤرس فراغاً كبيراً في الحياة الفنية الفلمنكية، ولم يستطع المصورون هناك ملء هذا الفراغ وكانوا يأملون بعودة ڤان ديك، وقد أقاموا حفلاً لتكريمه.
في لندن حضر ولادة ابنته، وأنجز تصوير زوجته قبل أيام من موته في التاسع من كانون الأول/ ديسمبر عن عمر يناهز الثانية والأربعين.
امتازت أعمال ڤان ديك بالموضوعات الشخصية حتى أصبح المصور الأكثر شهرة في هذا المجال، وكان أسلوبه واقعياً دقيقاً، لم يقصر بالتعبير عن الدقائق وحتى عن ملمس الأشياء المعروضة من حرير ومطرزات أو من معدن، محافظاً على الأسلوب الذي أخذه عن روبنز. واستمر أسلوبه محافظاً على أناقته في التلوين حتى أصبح مثالاً للفنانين المصورين في أوربا، الذين أدركوا جدارته العالية.
كان تأثير ڤان ديك واضحاً في الحركة الفنية في أوربا، وعلى الرغم من عمره القصير، فإنه ترك عدداً ضخماً من الصور الشخصية التي تمثِّل كبار رجال عصره من الملوك والنبلاء وغيرهم، مثل الملك كارل والدوق ريتشموند والكونتيسة دو أكسفورد ودوق هاملتون. كما ترك أعداداً من اللوحات التي تمثّله شخصياً والموزِّعة اليوم في أشهر المتاحف.
عفيف البهنسي