الفسطاط
الفسطاط أول مدن المسلمين في القطر المصري، أسسها عمرو بن العاص بإذن الخليفة عمر بن الخطاب بعد فتح مصر، واتخذ لها مكاناً الفضاء المتسع بين النيل وتلال المقطم بالقرب من حصن بابليون، وهو المعروف اليوم بدير النصارى بمصر القديمة، فلما فتحوه ساروا إلى الإسكندرية لفتحها ففتحها عمرو بن العاص، وكتب إلى الخليفة عمر بالمدينة يخبره بذلك ويستشيره في السكنى فيها فكتب الخليفة إليه «لا تنزل بالمسلمين منزلاً يحول الماء بيني وبينهم، شتاءً ولا صيفاً» فاستخلف حامية في الإسكندرية وأمر فشدت الرحال إلى حصن بابليون فنزلوا فيه، وجعلوه مركزاً لمعسكرهم، ودعوا ذلك المكان من ذلك اليوم بالفسطاط.
اختط عمرو بن العاص بعد ذلك المدينة في نحو عشرين حارة دعاها خططاً، وأقام أربعة من كبار رجاله للإشراف على إنشائها، وإنزال الناس في الخطط المذكورة بحسب قبائلهم ثم أنزل غير العرب أطراف المدينة، فأسكن الروم جنوبيها، وأسكن قبط مصر في قصر الشمع، وأقام في المدينة شارعاً يتوسطه ميدان بنى فيه مسجداً مازال يحمل اسمه إلى اليوم (جامع عمرو)، واتخذ فيه المنبر فكان أول مسجد في مصر تعقد فيه حلقات التدريس كما كانت تعقد حلقات الوعظ والإرشاد، وفي وسط الجامع بيت للمال، أضف إلى ذلك أنه لم يكن مقصوراً على الفرائض الدينية، وحلقات التدريس بل كانت تعقد فيه محكمة لفض المنازعات الدينية.
تطورت بيوت الفسطاط فكانت في البداية تتألف من طابق واحد، وأسقفها مصنوعة من الجريد المحمول على دعامات من جذوع الأشجار، وحل محل هذه الدور مساكن من طوابق متعددة.
ومما زاد في مكانة مدينة الفسطاط أن القناة القديمة التي كانت تصل بابليون بالبحر الأحمر عند القلزم (السويس) كانت قد أهملت، فأعاد عمرو بن العاص حفرها، وأعاد لها أهميتها القديمة، فعرفت لذلك بقناة أمير المؤمنين، وكان ذلك تسهيلاً لما أراده العرب من نقل المؤونة إلى الحرمين.
وظلت الفسطاط العاصمة السياسية لمصر في أثناء حكم الخلفاء الراشدين، والأمويين، وقد استحدث الأمويون المئذنة؛ فجعل عامل معاوية في مصر مئذنة لكل ركن من أركان المسجد.
ولما انتقلت الخلافة إلى بني العباس أسسوا حاضرة جديدة لدولتهم الناشئة إلى الشمال الشرقي من الفسطاط في مكان عُرف في صدر الإسلام باسم الحمراء القصوى، وقد امتد إلى جبل يشكر الذي بنى عليه ابن طولون مسجده، وفي ذلك المكان أقام العباسيون دورهم، واتخذوا مساكنهم، وبنوا دار إمارتهم، وثكن جندهم، ولذلك سميت بالعسكر، وكان ذلك في سنة 133هـ/751م، وفي وسطها بني مسجدها الجامع.
وبمرور الزمن اتصلت العسكر بالفسطاط، وأصبحت مدينة كبيرة، وظل أمراء مصر يقيمون في دار الإمارة في العسكر حتى أُنشئت مدينة القطائع في عهد الطولونيين، وبعد ذلك بنحو نصف قرن بنيت مدينة القاهرة.
تعرضت الفسطاط لكثير من الأزمات، ففي عام 565هـ/1169م غزا عموري ملك بيت المقدس الديار المصرية، فلما عجز الخليفة العاضد عن الدفاع عنها خاف أن يدخلها الصليبيون، فأمر بإخلائها من الأهالي وحرقها، وتوالت الأزمات على المدينة في الأعوام 696-749-776هـ/ 1299-1348-1374م، وخربت المنطقة الشـمالية الغربية من بعد الأزمة التي واكبت غزو المغـول للشـام عـام 806هـ/1403م.
وقد كشفت الحفريات في مدينة الفسطاط عن وجود شبكة للصرف الصحي يُصرف جزؤها الغربي إلى النيل، أما الجزء الشرقي فيُصرف إلى مستودعات منقورة في الصخرة.
وأهم آثار مدينة الفسطاط اليوم السور الضخم الذي بناه الوزير بهاء الدين قراقوش بأمر الناصر صلاح الدين الأيوبي ليحيط بعواصم مصر الإسلامية، وليفصل بين القسم الذي دمره حريق شاور، والقسم الآخر الذي أمكن شاور استغلاله بعد الحريق، وأبراج قصر الشمع المعروفة اليوم بحصن بابليون، وأطلال الدور القديمة، وخزانات المياه المحفورة في الصخرة، وأنابيب المياه الفخارية داخل الجدران، وآثار الصرف الصحي، وحيطان يصل عرضها نحو المتر.
شكران خربوطلي
الفسطاط أول مدن المسلمين في القطر المصري، أسسها عمرو بن العاص بإذن الخليفة عمر بن الخطاب بعد فتح مصر، واتخذ لها مكاناً الفضاء المتسع بين النيل وتلال المقطم بالقرب من حصن بابليون، وهو المعروف اليوم بدير النصارى بمصر القديمة، فلما فتحوه ساروا إلى الإسكندرية لفتحها ففتحها عمرو بن العاص، وكتب إلى الخليفة عمر بالمدينة يخبره بذلك ويستشيره في السكنى فيها فكتب الخليفة إليه «لا تنزل بالمسلمين منزلاً يحول الماء بيني وبينهم، شتاءً ولا صيفاً» فاستخلف حامية في الإسكندرية وأمر فشدت الرحال إلى حصن بابليون فنزلوا فيه، وجعلوه مركزاً لمعسكرهم، ودعوا ذلك المكان من ذلك اليوم بالفسطاط.
اختط عمرو بن العاص بعد ذلك المدينة في نحو عشرين حارة دعاها خططاً، وأقام أربعة من كبار رجاله للإشراف على إنشائها، وإنزال الناس في الخطط المذكورة بحسب قبائلهم ثم أنزل غير العرب أطراف المدينة، فأسكن الروم جنوبيها، وأسكن قبط مصر في قصر الشمع، وأقام في المدينة شارعاً يتوسطه ميدان بنى فيه مسجداً مازال يحمل اسمه إلى اليوم (جامع عمرو)، واتخذ فيه المنبر فكان أول مسجد في مصر تعقد فيه حلقات التدريس كما كانت تعقد حلقات الوعظ والإرشاد، وفي وسط الجامع بيت للمال، أضف إلى ذلك أنه لم يكن مقصوراً على الفرائض الدينية، وحلقات التدريس بل كانت تعقد فيه محكمة لفض المنازعات الدينية.
تطورت بيوت الفسطاط فكانت في البداية تتألف من طابق واحد، وأسقفها مصنوعة من الجريد المحمول على دعامات من جذوع الأشجار، وحل محل هذه الدور مساكن من طوابق متعددة.
ومما زاد في مكانة مدينة الفسطاط أن القناة القديمة التي كانت تصل بابليون بالبحر الأحمر عند القلزم (السويس) كانت قد أهملت، فأعاد عمرو بن العاص حفرها، وأعاد لها أهميتها القديمة، فعرفت لذلك بقناة أمير المؤمنين، وكان ذلك تسهيلاً لما أراده العرب من نقل المؤونة إلى الحرمين.
وظلت الفسطاط العاصمة السياسية لمصر في أثناء حكم الخلفاء الراشدين، والأمويين، وقد استحدث الأمويون المئذنة؛ فجعل عامل معاوية في مصر مئذنة لكل ركن من أركان المسجد.
ولما انتقلت الخلافة إلى بني العباس أسسوا حاضرة جديدة لدولتهم الناشئة إلى الشمال الشرقي من الفسطاط في مكان عُرف في صدر الإسلام باسم الحمراء القصوى، وقد امتد إلى جبل يشكر الذي بنى عليه ابن طولون مسجده، وفي ذلك المكان أقام العباسيون دورهم، واتخذوا مساكنهم، وبنوا دار إمارتهم، وثكن جندهم، ولذلك سميت بالعسكر، وكان ذلك في سنة 133هـ/751م، وفي وسطها بني مسجدها الجامع.
وبمرور الزمن اتصلت العسكر بالفسطاط، وأصبحت مدينة كبيرة، وظل أمراء مصر يقيمون في دار الإمارة في العسكر حتى أُنشئت مدينة القطائع في عهد الطولونيين، وبعد ذلك بنحو نصف قرن بنيت مدينة القاهرة.
تعرضت الفسطاط لكثير من الأزمات، ففي عام 565هـ/1169م غزا عموري ملك بيت المقدس الديار المصرية، فلما عجز الخليفة العاضد عن الدفاع عنها خاف أن يدخلها الصليبيون، فأمر بإخلائها من الأهالي وحرقها، وتوالت الأزمات على المدينة في الأعوام 696-749-776هـ/ 1299-1348-1374م، وخربت المنطقة الشـمالية الغربية من بعد الأزمة التي واكبت غزو المغـول للشـام عـام 806هـ/1403م.
وقد كشفت الحفريات في مدينة الفسطاط عن وجود شبكة للصرف الصحي يُصرف جزؤها الغربي إلى النيل، أما الجزء الشرقي فيُصرف إلى مستودعات منقورة في الصخرة.
وأهم آثار مدينة الفسطاط اليوم السور الضخم الذي بناه الوزير بهاء الدين قراقوش بأمر الناصر صلاح الدين الأيوبي ليحيط بعواصم مصر الإسلامية، وليفصل بين القسم الذي دمره حريق شاور، والقسم الآخر الذي أمكن شاور استغلاله بعد الحريق، وأبراج قصر الشمع المعروفة اليوم بحصن بابليون، وأطلال الدور القديمة، وخزانات المياه المحفورة في الصخرة، وأنابيب المياه الفخارية داخل الجدران، وآثار الصرف الصحي، وحيطان يصل عرضها نحو المتر.
شكران خربوطلي