التفاوت الاقتصادي يعني التباين بين الأفراد في الدخل والثروة. وقد تكون هذه الفروق هائلة. تشير أحدث إحصائيات فوربس إلى وجود 2095 مليارديرًا في العالم بتاريخ 18 مارس 2020، بعد سقوط 226 اسم خلال 12 يومًا من القائمة بسبب فوضى السوق الناجمة عن جائحة كوفيد-19.
في حين تشير بيانات البنك الدولي إلى أنه في عام 2015 كان يعيش نحو 736 مليون إنسان في العالم بدخل لا يزيد على 1.90 دولار في اليوم، وذلك يُعد تحسنًا كبيرًا مقارنةً بعام 1990 عندما كان يعيش 1.9 مليار إنسان في حالة فقر مدقع، وحينها كان لدينا 269 مليارديرًا فقط في العالم.
يعد البعض هذه الأرقام دليلًا على أن (المد يرفع جميع القوارب)، فزيادة الثروة العالمية خلال الأعوام الثلاثين الماضية ترافقت مع ارتفاع المستوى المعيشي إجمالًا.
في حين يرى الرأي الآخر أنه من غير المبرر أن يعيش أحد في فقر في حين تصل ثروة أصحاب المليارات إلى ما مجموعه 8 تريليونات دولار. والحقيقة أن كلا الرأيين قد يكون على حق.
إن هذه الفروق وغيرها مما نراه في حياتنا اليومية، حيث يعيش المشردون في الخيام على بعد كيلومترات قليلة من الأحياء السكنية الفاخرة، تطرح التساؤلات حول التفاوت الاقتصادي، ما هو؟ وكيف يحدث؟ وهل هو المسار الطبيعي للحياة أم أن خللًا ما يوجد في النظام؟ وهل يجب التوجه نحو المساواة وتقليص هذه الفوارق، بزيادة الضرائب على الدخل المرتفع مثلما فعلت السويد مثلًا؟ وهل ستزيد الجائحة الأمر سوءًا؟
في الحقيقة لا نملك جميع الإجابات، لأن أسباب التفاوت الاقتصادي متعددة، ولا يوجد إلى الآن إجماع في الرأي حول ما يلزم فعله تجاهها، ويظهر ذلك بوضوح في الخلاف القائم في الانتخابات الأمريكية 2020 فيما يخص المقترحات الاشتراكية للحزب الديموقراطي، التي تتضمن فرض ضريبة على «الثروات الهائلة» لتمويل مشروعات الدعم المجتمعي، في حين يعارض الحزب الجمهوري هذه المقترحات.
سوف نعرض لكم بعض المعلومات عن خلفية حالة التفاوت الاقتصادي في الولايات المتحدة، ولمحة عامة عنها.
فهم التفاوت الاقتصادي
يكمن جوهر التفاوت الاقتصادي في المقارنة بين دخل الأقل ثروة ودخل الأكثر ثروة وكيفية توزيع الثروة في المجتمع، ماذا يملك الناس لمؤازرتهم في الأزمات المالية؟ وما الممتلكات التي تساعدهم على استثمار الفرص الجديدة؟ هذه الفروق مهمة لعدة أسباب.
لنلقِ نظرةً أولًا على الجانب النفسي للتفاوت الاقتصادي، جميعنا نقارن أنفسنا بغيرنا، إن رضانا عن دخلنا وثروتنا لا يقترن فقط بحجم هذه الأرقام إن كانت مرتفعة أو منخفضة، ولا تتعلق فقط بما نستطيع شراءه أو درجة الراحة والرفاهية التي تستطيع ثروتنا تأمينه، بل يرتبط أيضًا بمقارنة دخلنا وثروتنا بالآخرين، من جيران وأصدقاء وزملاء العمل أو الدراسة وأفراد العائلة ورؤساء العمل.
فلنأخذ محاسبًا اسمه فادي مثلًا، قد يكون فادي سعيدًا جدًّا بدخله السنوي الذي يبلغ 70,000 دولار في عمله محاسبًا، حتى يعلم أن زميله في المهنة وصديقه أسامة يجني سنويَّا 80,000 دولار، هذا الفارق يبدو غير عادل، ما يؤثر سلبًا في سعادته، وقد يجعله يشعر بالغضب أيضًا.
يُصارح فادي صديقه أسامة ويسأله عما يفعله ليجني 10,000 دولار سنويًّا زيادة عنه، ويشير إلى أنهما على نفس الدرجة من الخبرة وقد انضم كلاهما للعمل في الشركة في نفس الفترة ويقومان بالعمل ذاته.
يصارحه أسامة بسر هو أن مديرهما التنفيذي يجني 60 مليون دولار، أما صديقهما سامر الذي يعمل في قسم خدمة العملاء من طريق متعهد يتعامل مع الشركة، يجني فقط 20 دولارًا في الساعة، ولا يحصل على الامتيازات التي يحصلان عليها من تأمين صحي وخطة تقاعد، ولا يحق له سنويًّا سوى 10 أيام مدفوعة الراتب سواء كانت لإجازة مرضية أو لقضاء وقت شخصي أو لقضاء عطلة.
هل المساواة الاقتصادية أمر مرغوب؟
يملك فادي تفسيرًا لحالة سامر، لا يملك سامر شهادة جامعية مثل أسامة وفادي، اللذين لم يكتفيا بالشهادة الجامعية بل أصبحا أيضًا محاسبين قانونيين معتمدين، وذلك يعني أنهما اجتهدا كثيرًا وأنفقا الوقت والمال وخضعا لعدة اختبارات للحصول على تلك الشهادة، لن يكون منطقيًّا أن يجني سامر 75,000 دولار دون أن يفعل شيئًا من هذا، هكذا يسير الأمر.
يتفق معظم الأمريكيين مع هذا الرأي، ولو كان فادي وأسامة عازبين وسامر متزوجًا وعليه إعالة زوجة وطفلين، أي أن سامر بحاجة إلى دخل أعلى من فادي وأسامة، فلا يعجبهم المبدأ الشيوعي «من كلٍّ حسب قدرته ولكلٍّ حسب حاجته». بعد أن سادت الشيوعية حكم الاتحاد السوفييتي عام 1917، أدى هذا الحكم إلى ملايين الإعدامات والمجاعات الشاملة والحروب وانتشار المعاناة الإنسانية. ثمة رأي يقول إن المشكلة ليست في صلب الفلسفة الشيوعية، بل يقع اللوم في سوء تطبيقها تاريخيًّا على الحكام الديكتاتوريين المتوحشين.
بالعودة إلى مثالنا، لا يرى فادي أنه من العدل إعطاء سامر 15,000 دولار من راتبه البالغ 70,000 دولار ليتساوى راتبا الاثنين بقيمة 55,000 دولار سنويًّا، أسامة كذلك لا يريد التخلي عن هذا المبلغ، ولو أنه غير متزوج وليس لديه أطفال، لكنه ملتزم برهن عقاري يجب سداده، ويرغب أيضًا في العودة إلى الجامعة ليحصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال وهذا أمر مكلف، وهو ببساطة لا يريد أن يعول أبناء شخص آخر، ولو كان يريد أن يجني فقط 55,000 دولار سنويًّا ما كان ليجهد نفسه بأن يصبح محاسبًا قانونيًّا.
كيف يحدث التفاوت الاقتصادي؟
قد نرى التفاوت الاقتصادي مشكلة لسبب واحد فقط هو مقارنة أنفسنا بغيرنا، فنشعر بالسوء عندما نرى غيرنا يملك أكثر منّا، خاصًّة إذا كانوا يشبهوننا. يحتاج الناس إلى الحوافز لكي يعملوا بجد، ويشعرون أنهم يستحقون الاحتفاظ بما اكتسبوه. يؤمن الناس أيضًا بمبدأ الجدارة والاستحقاق، أي أن حالة الإنسان المادية وثروته ليست امتيازًا، بل يجب أن تتحسن بفضل العمل الجاد. لكن كيف سيكون شعور فادي وأسامة لو أخبرهم أحد بقصة حياة سامر؟
ترعرع سامر في مجتمع شبه ريفي، لم تكن المدارس التي ارتادها جيدة، ولم يمتلك الخيار حول مكان تلقي تعليمه، كان والده يعمل في ترتيب الرفوف في بقالة محلية، وكانت والدته نادلة في مطعم. لم يكمل أي من والديه تعليمه الثانوي، ولم يقدرا على مساعدته على حل فروضه المدرسية، وغالبًا ما كانا يضطران للعمل ليلًا وفي عطلة نهاية الأسبوع في حين كان جده وجدته يرعيانه في غيابهما.
في مرحلة التعليم الثانوي، كان يعمل مع والدته في المطعم، أصدقاؤه من أبناء الحي كانوا أشخاصًا جيدين، لكن لم يذكر أحد منهم مسألة الذهاب إلى الجامعة، فأكثر البالغين في محيطهم لم يكونوا من خريجي الجامعات، ولم يتوقع أحد أن يذهب سامر وأصدقاؤه إلى الجامعة أو أن يعملوا في وظائف مرموقة اجتماعيًّا.
أما فادي وأسامة فكانا أبناء المدينة، سكن أهل أسامة حيًا راقيًا، والتحق بمدرسة ممتازة. استغل أهل فادي أحد برامج التعليم لإلحاق ابنهم بمدرسة أفضل، ولاحظ مدرسو كل من فادي وأسامة فيهما أملًا واعدًا وشجعوهما على الاستفادة من برامج تعليمية متقدمة، لم يحصلا دائمًا على العلامات الكاملة لكن سمحت لهم درجاتهم بالقبول في جامعات جيدة جدًّا، وارتاد جميع أصدقائهم الجامعات، فقد توقع أساتذتهم منهم ذلك وساعدوهم.
إن التفاوت في فرص الأشخاص الثلاثة هو ما أوصلهم اليوم إلى هذه الحال، لم يُخطئ أحدهم أو أهله في أي من أفعالهم، لكن أسامة استفاد من الثروة الموروثة، التي أعطته فرصة أن ينشأ في حي راق ومدارس ممتازة، واستفاد فادي من فرصة الالتحاق بمدارس كهذه وأن يترعرع بين أطفال مثل أسامة، الذين أراد أهلهم إلحاقهم بالجامعة وحصولهم على وظائف مهمة. في حين لم يحصل سامر على أي من هذه الفرص.
هذا المثال هو أحد طرق حدوث التفاوت الاقتصادي، وباختلاف الطرق تتفاوت العواقب الحياتية.
كيف فضح كوفيد-19 التفاوت الاقتصادي؟
إن الخطر اليومي لفيروس كوفيد-19 جعل الناس أكثر وعيًا بالتفاوت الاقتصادي في مجتمعاتنا.
الأمثلة حول ذلك تتراكم:
في الولايات المتحدة جرت العادة على التهميش والإساءة لذوي الأصول اللاتينية والإفريقية والهنود الحمر (السكان الأصليين)، فهذه الجماعات تتعرض للإصابة والموت من الفيروس بمعدلات أعلى من الأمريكيين البِيض.
كما تُلاحَظ الأجور المنخفضة للعاملين في المهن المطلوبة والخطرة، فمتوسط أجور العاملين في مجال اللحوم 14.23 دولار في الساعة (أي 29,600 دولار سنويًّا)، ووفقًا لمكتب إحصائيات العمال في الولايات المتحدة، لدى هؤلاء حصة كبيرة من معدلات الإصابة في العمل نتيجة الجائحة.
في 19 مارس 2020، أصدر كريستوفر كريبس -مدير وكالة الأمن الإلكتروني وأمن البنَى التحتية لدى وزارة الأمن الداخلي الأمريكية- مذكرة تعريفية للعاملين المهمين في البنى التحتية الذين يُدعون عادةً «العمال الأساسيين»، وهم ذوو وظائف مفتاحية فيما يتعلق بحماية الصحة والسلامة العامة والاقتصاد والأمن القومي.
تقول المذكرة: «يدعم هؤلاء كل من المجالات الآتية -مثلًا لا حصرًا-: الطب والرعاية الصحية، والاتصالات وأنظمة تكنولوجيا المعلومات، والدفاع، والزراعة والغذاء، والنقل، والخدمات اللوجستية، والطاقة، وإمداد المياه والصرف الصحي، وتطبيق القانون، والأشغال العامة»
ليست هذه اللائحة أمرًا رسميًّا، بل أقرب إلى نصيحة للولايات بخصوص من عليه أن يواصل الذهاب إلى العمل ومن عليه أن يبقى في المنزل للتقليل من انتشار الفيروس بهدف «تسطيح منحنى انتشار العدوى»، لتجنب حدوث ضغط على نظام الرعاية الصحية مما يقلل فرصة المرضى في الحصول على العلاج لإنقاذ حياتهم.
تشجع المذكرة على العمل من بُعد قدر الإمكان، وعلى اتخاذ إجراءات تقليل انتشار المرض بين العاملين الذين لا يستطيعون العمل من بُعد.
التفاوت الاقتصادي والصحة
بعد شهرين من إصدار المذكرة، تبيَّن أن أصحاب العمل لم يوفروا ظروف السلامة الكافية للعمال الأساسيين لحمايتهم من الإصابة بالفيروس ونشره. ويرتبط ذلك جزئيًّا بضعف الجاهزية العالمية لمواجهة الأوبئة.
وفقًا للتقارير الصحفية الوطنية، يوجد نقص هائل في أدوات الحماية الشخصية من المرض، حتى للعاملين في المجال الطبي. ولكن من الواضح أيضًا أن التفاوت الاقتصادي زاد الأمر سوءًا لكثير من العمال.
استمر البعض بالذهاب إلى أعمالهم ذات الخطورة العالية لأن ليس لديهم خيار آخر، فعائلاتهم تعتمد على دخلهم اليومي.
في مقابلة أجرتها صحيفة لوس أنجلس تايمز مع امرأة من كاليفورنيا عمرها 62 عامًا، استمرت في الذهاب إلى عملها في غسيل الملابس لدى دار لرعاية المسنين بأجر يبلغ 13.58 دولار في الساعة، مع أن زوجها الذي يعاني مشكلات قلبية مزمنة لم يرغب في ذلك، تُبرّر ذلك بأنّ عليها إعالة عائلتها التي أصيب جميع أفرادها بالفيروس.
حالات كهذه كانت سببًا للرأي الذي يقول إننا نتعامل مع هؤلاء العمال الأساسيين كأنهم قابلين للاستهلاك والاستبدال. وأن الأجر الإضافي لتغطية خطورة العمل –إن وُجد– لا يُعد كافيًا وقد يكون مؤقتًا. حتى إن بعض أرباب العمل –في أغلب شركات الطيران– منعوا موظفيهم من ارتداء الكمامة، غير مبالين باحتمالية الإصابة بالفيروس في أثناء العمل.
ذهب بعض الناس إلى العمل رغم ظهور أعراض الإصابة بالفيروس عليهم، لأن أرباب أعمالهم لا يقدمون لهم امتيازات أو إجازات مرضية مدفوعة الأجر للحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
أُجبِر الملايين من الناس على التخلي عن وظائفهم والتوجه إلى البطالة بسبب أوامر البقاء في المنزل، ومع أن هذا الأمر يحميهم من الإصابة بالفيروس، سيدفعون فواتيرهم من مدخراتهم، ومعظم الناس لا يملكون مدخرات كافية.
قد لا يملك العاطل عن العمل تأمينًا صحيًّا يغطي تكلفة العلاج حال المرض، فالتأمين الصحي في الولايات المتحدة عادةً ما يرتبط بالتوظيف، وذلك حتى بعد نظام الرعاية الصحية الميسرة.
وبالعودة إلى قصة فادي وأسامة وسامر، فإن المكتب الذي يعمل فيه سامر قد أُغلِق بسبب الجائحة، ومع أنه يستطيع العمل من المنزل، أقالته الشركة لعدم قدرتها على تشغيل كل موظفي خدمة العملاء بسبب انخفاض حجم عملها كثيرًا، وبدأت معاناته في محاولة الحصول على تعويض البطالة من نظام مثقل بطلبات كهذه.
في الوقت ذاته، استمر فادي وأسامة بعملهم في المحاسبة من المنزل دون تغيير على الراتب الجيد، وما زالا يملكان التأمين الصحي الذي لم يُقَدَّم لسامر لأنه يعمل من طريق متعهد ولا يُعَد موظفًا لدى الشركة، يملك سامر بعض خدمات التأمين عبر نظام الرعاية الصحية الميسر، لكنه لا يعرف كيف سيواصل دفع أقساطه.
تُعَد الحياة دون تأمين صحي مخاطرة كبيرة لأي أحد، وهي أخطر على سامر لأنه يعاني الربو، في الحقيقة فإن معظم من ترعرع بينهم يعانون الربو أيضًا، ربما لأن معظم أهلهم كانوا من المدخنين، وربما بسبب تلوث الهواء في الحي الناتج عن معمل الكيماويات القريب.
لم يتعرض فادي أو أسامة لأي من هذه السلبيات في حياتهم، وكانوا محظوظين أنهما لا يعانيان مشكلات صحية مزمنة.
وهذا جانب آخر للتفاوت الاقتصادي أصبح أوضح بعد الجائحة: ارتفع معدل انتشار الحالات الصحية المزمنة كالربو وضغط الدم بين أصحاب الدخل المنخفض وأبناء الأعراق الملونة في الولايات المتحدة، لأنهم مهمشون طوال حياتهم. ومن ثم يزداد تعرضهم لخطر الوفاة بسبب الفيروس لما يملكونه من مشكلات صحية مزمنة تزيد من خطورة أعراض كوفيد-19 لديهم، وكما ذكرنا سابقًا فهم أكثر عرضةً للإصابة بالفيروس في أماكن العمل.
إصلاح التفاوت الاقتصادي
هل يُعَد التفاوت الاقتصادي أمرًا يجب إصلاحه؟
أصبح هذا السؤال قضية سياسية مهمة في الولايات المتحدة، إذ تشمل قضايا أخرى مثل الضرائب التصاعدية والرعاية الصحية الشاملة وتأمين العاطلين عن العمل والدخل الأساسي والرعاية الطبية ونظام التأمين الصحي الموحد.
يظن البعض أن على الولايات المتحدة اعتماد المزيد من عناصر نموذج بلدان شمال أوروبا بعد تقوية شبكة الأمان الاجتماعي الخاصة به، ويعارض آخرون هذا الرأي باعتبار هذا النموذج أقرب إلى الاشتراكية، ويفضلون نموذجًا أقرب إلى الرأسمالية، فهم لا يريدون دفع الضرائب الأعلى التي تذهب لتمويل صناديق مشروعات الدعم المجتمعي، ويبررون ذلك بأن الحل الأفضل هو المؤسسات الخيرية الخاصة.
وفقًا لدراسة أكاديمية في عام 2018، إن التمويل من طريق مزيج من الضرائب والتبرعات الخيرية ضروري لتلبية احتياجات المجتمع، ووجدت الدراسة أن للديمقراطيين والجمهوريين رأيين مختلفين بخصوص إعادة توزيع الدخل التي يحتاج إليها المجتمع، ومقدار الأموال التي يودون تخصيصها للضرائب مقابل التبرعات.
لا يمانع أكثر الناس دفع الضرائب، ولكنهم يختلفون حول القدر الذي هم مستعدون لدفعه لتقليل التفاوت الاقتصادي.
يظن فادي وأسامة أن الضرائب التي يدفعانها من دخلهما تُساعد أشخاصًا مثل سامر مباشرةً، من طريق برامج ضمان الدخل الفيدرالية والمحلية، بعض هذه الأموال تذهب أيضًا لمساعدة كبار السن من طريق برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية.
إضافةً إلى ذلك، يدفع فادي وأسامة 10% من راتبهم تبرعاتٍ لمؤسسات محلية غير ربحية تعمل على إعانة العاطلين عن العمل في فترة الجائحة، فهما يشعران بضرورة المساهمة في دعم مجتمعهم المحلي، كون الحظ جزءًا من عوامل بقائهما في العمل، ولا ينبغي أن يعاني من فقد عمله بسبب سوء حظه فقط.
الخلاصة
إن التفاوت الاقتصادي قضية شائكة، وبعض الدرجات من التفاوت الاقتصادي طبيعية.
لم يختر أي من فادي وأسامة وسامر ظروف البيئة التي وُلِد فيها، وقد تكون القوى المجتمعية هي التي حددت ظروف حياتهم، وبعدها ترسخ هذا التفاوت في الظروف والفرص، لقد ساعدت قوى أخرى سامر لإيجاد عمل براتب جيد بالنسبة إلى شخصٍ لا يحمل شهادةً جامعية، لكن لماذا لم يُعط نفس الفرص التي حصل عليها زملاؤه في العمل؟
إن قضايا الإنصاف وتساوي الفرص هي من أسس قضية التفاوت الاقتصادي، ولأي درجة هو أمر طبيعي أو حتمي أو مقبول أو مرغوب؟
ليفكر كل منا لأي درجة يرغب في أن يكون الاقتصاد متفاوتًا أو متكافئًا، وبعدها نصوّت على هذه القضية بإنفاق أموالنا وفقًا لرأينا.
في حين تشير بيانات البنك الدولي إلى أنه في عام 2015 كان يعيش نحو 736 مليون إنسان في العالم بدخل لا يزيد على 1.90 دولار في اليوم، وذلك يُعد تحسنًا كبيرًا مقارنةً بعام 1990 عندما كان يعيش 1.9 مليار إنسان في حالة فقر مدقع، وحينها كان لدينا 269 مليارديرًا فقط في العالم.
يعد البعض هذه الأرقام دليلًا على أن (المد يرفع جميع القوارب)، فزيادة الثروة العالمية خلال الأعوام الثلاثين الماضية ترافقت مع ارتفاع المستوى المعيشي إجمالًا.
في حين يرى الرأي الآخر أنه من غير المبرر أن يعيش أحد في فقر في حين تصل ثروة أصحاب المليارات إلى ما مجموعه 8 تريليونات دولار. والحقيقة أن كلا الرأيين قد يكون على حق.
إن هذه الفروق وغيرها مما نراه في حياتنا اليومية، حيث يعيش المشردون في الخيام على بعد كيلومترات قليلة من الأحياء السكنية الفاخرة، تطرح التساؤلات حول التفاوت الاقتصادي، ما هو؟ وكيف يحدث؟ وهل هو المسار الطبيعي للحياة أم أن خللًا ما يوجد في النظام؟ وهل يجب التوجه نحو المساواة وتقليص هذه الفوارق، بزيادة الضرائب على الدخل المرتفع مثلما فعلت السويد مثلًا؟ وهل ستزيد الجائحة الأمر سوءًا؟
في الحقيقة لا نملك جميع الإجابات، لأن أسباب التفاوت الاقتصادي متعددة، ولا يوجد إلى الآن إجماع في الرأي حول ما يلزم فعله تجاهها، ويظهر ذلك بوضوح في الخلاف القائم في الانتخابات الأمريكية 2020 فيما يخص المقترحات الاشتراكية للحزب الديموقراطي، التي تتضمن فرض ضريبة على «الثروات الهائلة» لتمويل مشروعات الدعم المجتمعي، في حين يعارض الحزب الجمهوري هذه المقترحات.
سوف نعرض لكم بعض المعلومات عن خلفية حالة التفاوت الاقتصادي في الولايات المتحدة، ولمحة عامة عنها.
فهم التفاوت الاقتصادي
يكمن جوهر التفاوت الاقتصادي في المقارنة بين دخل الأقل ثروة ودخل الأكثر ثروة وكيفية توزيع الثروة في المجتمع، ماذا يملك الناس لمؤازرتهم في الأزمات المالية؟ وما الممتلكات التي تساعدهم على استثمار الفرص الجديدة؟ هذه الفروق مهمة لعدة أسباب.
لنلقِ نظرةً أولًا على الجانب النفسي للتفاوت الاقتصادي، جميعنا نقارن أنفسنا بغيرنا، إن رضانا عن دخلنا وثروتنا لا يقترن فقط بحجم هذه الأرقام إن كانت مرتفعة أو منخفضة، ولا تتعلق فقط بما نستطيع شراءه أو درجة الراحة والرفاهية التي تستطيع ثروتنا تأمينه، بل يرتبط أيضًا بمقارنة دخلنا وثروتنا بالآخرين، من جيران وأصدقاء وزملاء العمل أو الدراسة وأفراد العائلة ورؤساء العمل.
فلنأخذ محاسبًا اسمه فادي مثلًا، قد يكون فادي سعيدًا جدًّا بدخله السنوي الذي يبلغ 70,000 دولار في عمله محاسبًا، حتى يعلم أن زميله في المهنة وصديقه أسامة يجني سنويَّا 80,000 دولار، هذا الفارق يبدو غير عادل، ما يؤثر سلبًا في سعادته، وقد يجعله يشعر بالغضب أيضًا.
يُصارح فادي صديقه أسامة ويسأله عما يفعله ليجني 10,000 دولار سنويًّا زيادة عنه، ويشير إلى أنهما على نفس الدرجة من الخبرة وقد انضم كلاهما للعمل في الشركة في نفس الفترة ويقومان بالعمل ذاته.
يصارحه أسامة بسر هو أن مديرهما التنفيذي يجني 60 مليون دولار، أما صديقهما سامر الذي يعمل في قسم خدمة العملاء من طريق متعهد يتعامل مع الشركة، يجني فقط 20 دولارًا في الساعة، ولا يحصل على الامتيازات التي يحصلان عليها من تأمين صحي وخطة تقاعد، ولا يحق له سنويًّا سوى 10 أيام مدفوعة الراتب سواء كانت لإجازة مرضية أو لقضاء وقت شخصي أو لقضاء عطلة.
هل المساواة الاقتصادية أمر مرغوب؟
يملك فادي تفسيرًا لحالة سامر، لا يملك سامر شهادة جامعية مثل أسامة وفادي، اللذين لم يكتفيا بالشهادة الجامعية بل أصبحا أيضًا محاسبين قانونيين معتمدين، وذلك يعني أنهما اجتهدا كثيرًا وأنفقا الوقت والمال وخضعا لعدة اختبارات للحصول على تلك الشهادة، لن يكون منطقيًّا أن يجني سامر 75,000 دولار دون أن يفعل شيئًا من هذا، هكذا يسير الأمر.
يتفق معظم الأمريكيين مع هذا الرأي، ولو كان فادي وأسامة عازبين وسامر متزوجًا وعليه إعالة زوجة وطفلين، أي أن سامر بحاجة إلى دخل أعلى من فادي وأسامة، فلا يعجبهم المبدأ الشيوعي «من كلٍّ حسب قدرته ولكلٍّ حسب حاجته». بعد أن سادت الشيوعية حكم الاتحاد السوفييتي عام 1917، أدى هذا الحكم إلى ملايين الإعدامات والمجاعات الشاملة والحروب وانتشار المعاناة الإنسانية. ثمة رأي يقول إن المشكلة ليست في صلب الفلسفة الشيوعية، بل يقع اللوم في سوء تطبيقها تاريخيًّا على الحكام الديكتاتوريين المتوحشين.
بالعودة إلى مثالنا، لا يرى فادي أنه من العدل إعطاء سامر 15,000 دولار من راتبه البالغ 70,000 دولار ليتساوى راتبا الاثنين بقيمة 55,000 دولار سنويًّا، أسامة كذلك لا يريد التخلي عن هذا المبلغ، ولو أنه غير متزوج وليس لديه أطفال، لكنه ملتزم برهن عقاري يجب سداده، ويرغب أيضًا في العودة إلى الجامعة ليحصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال وهذا أمر مكلف، وهو ببساطة لا يريد أن يعول أبناء شخص آخر، ولو كان يريد أن يجني فقط 55,000 دولار سنويًّا ما كان ليجهد نفسه بأن يصبح محاسبًا قانونيًّا.
كيف يحدث التفاوت الاقتصادي؟
قد نرى التفاوت الاقتصادي مشكلة لسبب واحد فقط هو مقارنة أنفسنا بغيرنا، فنشعر بالسوء عندما نرى غيرنا يملك أكثر منّا، خاصًّة إذا كانوا يشبهوننا. يحتاج الناس إلى الحوافز لكي يعملوا بجد، ويشعرون أنهم يستحقون الاحتفاظ بما اكتسبوه. يؤمن الناس أيضًا بمبدأ الجدارة والاستحقاق، أي أن حالة الإنسان المادية وثروته ليست امتيازًا، بل يجب أن تتحسن بفضل العمل الجاد. لكن كيف سيكون شعور فادي وأسامة لو أخبرهم أحد بقصة حياة سامر؟
ترعرع سامر في مجتمع شبه ريفي، لم تكن المدارس التي ارتادها جيدة، ولم يمتلك الخيار حول مكان تلقي تعليمه، كان والده يعمل في ترتيب الرفوف في بقالة محلية، وكانت والدته نادلة في مطعم. لم يكمل أي من والديه تعليمه الثانوي، ولم يقدرا على مساعدته على حل فروضه المدرسية، وغالبًا ما كانا يضطران للعمل ليلًا وفي عطلة نهاية الأسبوع في حين كان جده وجدته يرعيانه في غيابهما.
في مرحلة التعليم الثانوي، كان يعمل مع والدته في المطعم، أصدقاؤه من أبناء الحي كانوا أشخاصًا جيدين، لكن لم يذكر أحد منهم مسألة الذهاب إلى الجامعة، فأكثر البالغين في محيطهم لم يكونوا من خريجي الجامعات، ولم يتوقع أحد أن يذهب سامر وأصدقاؤه إلى الجامعة أو أن يعملوا في وظائف مرموقة اجتماعيًّا.
أما فادي وأسامة فكانا أبناء المدينة، سكن أهل أسامة حيًا راقيًا، والتحق بمدرسة ممتازة. استغل أهل فادي أحد برامج التعليم لإلحاق ابنهم بمدرسة أفضل، ولاحظ مدرسو كل من فادي وأسامة فيهما أملًا واعدًا وشجعوهما على الاستفادة من برامج تعليمية متقدمة، لم يحصلا دائمًا على العلامات الكاملة لكن سمحت لهم درجاتهم بالقبول في جامعات جيدة جدًّا، وارتاد جميع أصدقائهم الجامعات، فقد توقع أساتذتهم منهم ذلك وساعدوهم.
إن التفاوت في فرص الأشخاص الثلاثة هو ما أوصلهم اليوم إلى هذه الحال، لم يُخطئ أحدهم أو أهله في أي من أفعالهم، لكن أسامة استفاد من الثروة الموروثة، التي أعطته فرصة أن ينشأ في حي راق ومدارس ممتازة، واستفاد فادي من فرصة الالتحاق بمدارس كهذه وأن يترعرع بين أطفال مثل أسامة، الذين أراد أهلهم إلحاقهم بالجامعة وحصولهم على وظائف مهمة. في حين لم يحصل سامر على أي من هذه الفرص.
هذا المثال هو أحد طرق حدوث التفاوت الاقتصادي، وباختلاف الطرق تتفاوت العواقب الحياتية.
كيف فضح كوفيد-19 التفاوت الاقتصادي؟
إن الخطر اليومي لفيروس كوفيد-19 جعل الناس أكثر وعيًا بالتفاوت الاقتصادي في مجتمعاتنا.
الأمثلة حول ذلك تتراكم:
في الولايات المتحدة جرت العادة على التهميش والإساءة لذوي الأصول اللاتينية والإفريقية والهنود الحمر (السكان الأصليين)، فهذه الجماعات تتعرض للإصابة والموت من الفيروس بمعدلات أعلى من الأمريكيين البِيض.
كما تُلاحَظ الأجور المنخفضة للعاملين في المهن المطلوبة والخطرة، فمتوسط أجور العاملين في مجال اللحوم 14.23 دولار في الساعة (أي 29,600 دولار سنويًّا)، ووفقًا لمكتب إحصائيات العمال في الولايات المتحدة، لدى هؤلاء حصة كبيرة من معدلات الإصابة في العمل نتيجة الجائحة.
في 19 مارس 2020، أصدر كريستوفر كريبس -مدير وكالة الأمن الإلكتروني وأمن البنَى التحتية لدى وزارة الأمن الداخلي الأمريكية- مذكرة تعريفية للعاملين المهمين في البنى التحتية الذين يُدعون عادةً «العمال الأساسيين»، وهم ذوو وظائف مفتاحية فيما يتعلق بحماية الصحة والسلامة العامة والاقتصاد والأمن القومي.
تقول المذكرة: «يدعم هؤلاء كل من المجالات الآتية -مثلًا لا حصرًا-: الطب والرعاية الصحية، والاتصالات وأنظمة تكنولوجيا المعلومات، والدفاع، والزراعة والغذاء، والنقل، والخدمات اللوجستية، والطاقة، وإمداد المياه والصرف الصحي، وتطبيق القانون، والأشغال العامة»
ليست هذه اللائحة أمرًا رسميًّا، بل أقرب إلى نصيحة للولايات بخصوص من عليه أن يواصل الذهاب إلى العمل ومن عليه أن يبقى في المنزل للتقليل من انتشار الفيروس بهدف «تسطيح منحنى انتشار العدوى»، لتجنب حدوث ضغط على نظام الرعاية الصحية مما يقلل فرصة المرضى في الحصول على العلاج لإنقاذ حياتهم.
تشجع المذكرة على العمل من بُعد قدر الإمكان، وعلى اتخاذ إجراءات تقليل انتشار المرض بين العاملين الذين لا يستطيعون العمل من بُعد.
التفاوت الاقتصادي والصحة
بعد شهرين من إصدار المذكرة، تبيَّن أن أصحاب العمل لم يوفروا ظروف السلامة الكافية للعمال الأساسيين لحمايتهم من الإصابة بالفيروس ونشره. ويرتبط ذلك جزئيًّا بضعف الجاهزية العالمية لمواجهة الأوبئة.
وفقًا للتقارير الصحفية الوطنية، يوجد نقص هائل في أدوات الحماية الشخصية من المرض، حتى للعاملين في المجال الطبي. ولكن من الواضح أيضًا أن التفاوت الاقتصادي زاد الأمر سوءًا لكثير من العمال.
استمر البعض بالذهاب إلى أعمالهم ذات الخطورة العالية لأن ليس لديهم خيار آخر، فعائلاتهم تعتمد على دخلهم اليومي.
في مقابلة أجرتها صحيفة لوس أنجلس تايمز مع امرأة من كاليفورنيا عمرها 62 عامًا، استمرت في الذهاب إلى عملها في غسيل الملابس لدى دار لرعاية المسنين بأجر يبلغ 13.58 دولار في الساعة، مع أن زوجها الذي يعاني مشكلات قلبية مزمنة لم يرغب في ذلك، تُبرّر ذلك بأنّ عليها إعالة عائلتها التي أصيب جميع أفرادها بالفيروس.
حالات كهذه كانت سببًا للرأي الذي يقول إننا نتعامل مع هؤلاء العمال الأساسيين كأنهم قابلين للاستهلاك والاستبدال. وأن الأجر الإضافي لتغطية خطورة العمل –إن وُجد– لا يُعد كافيًا وقد يكون مؤقتًا. حتى إن بعض أرباب العمل –في أغلب شركات الطيران– منعوا موظفيهم من ارتداء الكمامة، غير مبالين باحتمالية الإصابة بالفيروس في أثناء العمل.
ذهب بعض الناس إلى العمل رغم ظهور أعراض الإصابة بالفيروس عليهم، لأن أرباب أعمالهم لا يقدمون لهم امتيازات أو إجازات مرضية مدفوعة الأجر للحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
أُجبِر الملايين من الناس على التخلي عن وظائفهم والتوجه إلى البطالة بسبب أوامر البقاء في المنزل، ومع أن هذا الأمر يحميهم من الإصابة بالفيروس، سيدفعون فواتيرهم من مدخراتهم، ومعظم الناس لا يملكون مدخرات كافية.
قد لا يملك العاطل عن العمل تأمينًا صحيًّا يغطي تكلفة العلاج حال المرض، فالتأمين الصحي في الولايات المتحدة عادةً ما يرتبط بالتوظيف، وذلك حتى بعد نظام الرعاية الصحية الميسرة.
وبالعودة إلى قصة فادي وأسامة وسامر، فإن المكتب الذي يعمل فيه سامر قد أُغلِق بسبب الجائحة، ومع أنه يستطيع العمل من المنزل، أقالته الشركة لعدم قدرتها على تشغيل كل موظفي خدمة العملاء بسبب انخفاض حجم عملها كثيرًا، وبدأت معاناته في محاولة الحصول على تعويض البطالة من نظام مثقل بطلبات كهذه.
في الوقت ذاته، استمر فادي وأسامة بعملهم في المحاسبة من المنزل دون تغيير على الراتب الجيد، وما زالا يملكان التأمين الصحي الذي لم يُقَدَّم لسامر لأنه يعمل من طريق متعهد ولا يُعَد موظفًا لدى الشركة، يملك سامر بعض خدمات التأمين عبر نظام الرعاية الصحية الميسر، لكنه لا يعرف كيف سيواصل دفع أقساطه.
تُعَد الحياة دون تأمين صحي مخاطرة كبيرة لأي أحد، وهي أخطر على سامر لأنه يعاني الربو، في الحقيقة فإن معظم من ترعرع بينهم يعانون الربو أيضًا، ربما لأن معظم أهلهم كانوا من المدخنين، وربما بسبب تلوث الهواء في الحي الناتج عن معمل الكيماويات القريب.
لم يتعرض فادي أو أسامة لأي من هذه السلبيات في حياتهم، وكانوا محظوظين أنهما لا يعانيان مشكلات صحية مزمنة.
وهذا جانب آخر للتفاوت الاقتصادي أصبح أوضح بعد الجائحة: ارتفع معدل انتشار الحالات الصحية المزمنة كالربو وضغط الدم بين أصحاب الدخل المنخفض وأبناء الأعراق الملونة في الولايات المتحدة، لأنهم مهمشون طوال حياتهم. ومن ثم يزداد تعرضهم لخطر الوفاة بسبب الفيروس لما يملكونه من مشكلات صحية مزمنة تزيد من خطورة أعراض كوفيد-19 لديهم، وكما ذكرنا سابقًا فهم أكثر عرضةً للإصابة بالفيروس في أماكن العمل.
إصلاح التفاوت الاقتصادي
هل يُعَد التفاوت الاقتصادي أمرًا يجب إصلاحه؟
أصبح هذا السؤال قضية سياسية مهمة في الولايات المتحدة، إذ تشمل قضايا أخرى مثل الضرائب التصاعدية والرعاية الصحية الشاملة وتأمين العاطلين عن العمل والدخل الأساسي والرعاية الطبية ونظام التأمين الصحي الموحد.
يظن البعض أن على الولايات المتحدة اعتماد المزيد من عناصر نموذج بلدان شمال أوروبا بعد تقوية شبكة الأمان الاجتماعي الخاصة به، ويعارض آخرون هذا الرأي باعتبار هذا النموذج أقرب إلى الاشتراكية، ويفضلون نموذجًا أقرب إلى الرأسمالية، فهم لا يريدون دفع الضرائب الأعلى التي تذهب لتمويل صناديق مشروعات الدعم المجتمعي، ويبررون ذلك بأن الحل الأفضل هو المؤسسات الخيرية الخاصة.
وفقًا لدراسة أكاديمية في عام 2018، إن التمويل من طريق مزيج من الضرائب والتبرعات الخيرية ضروري لتلبية احتياجات المجتمع، ووجدت الدراسة أن للديمقراطيين والجمهوريين رأيين مختلفين بخصوص إعادة توزيع الدخل التي يحتاج إليها المجتمع، ومقدار الأموال التي يودون تخصيصها للضرائب مقابل التبرعات.
لا يمانع أكثر الناس دفع الضرائب، ولكنهم يختلفون حول القدر الذي هم مستعدون لدفعه لتقليل التفاوت الاقتصادي.
يظن فادي وأسامة أن الضرائب التي يدفعانها من دخلهما تُساعد أشخاصًا مثل سامر مباشرةً، من طريق برامج ضمان الدخل الفيدرالية والمحلية، بعض هذه الأموال تذهب أيضًا لمساعدة كبار السن من طريق برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية.
إضافةً إلى ذلك، يدفع فادي وأسامة 10% من راتبهم تبرعاتٍ لمؤسسات محلية غير ربحية تعمل على إعانة العاطلين عن العمل في فترة الجائحة، فهما يشعران بضرورة المساهمة في دعم مجتمعهم المحلي، كون الحظ جزءًا من عوامل بقائهما في العمل، ولا ينبغي أن يعاني من فقد عمله بسبب سوء حظه فقط.
الخلاصة
إن التفاوت الاقتصادي قضية شائكة، وبعض الدرجات من التفاوت الاقتصادي طبيعية.
لم يختر أي من فادي وأسامة وسامر ظروف البيئة التي وُلِد فيها، وقد تكون القوى المجتمعية هي التي حددت ظروف حياتهم، وبعدها ترسخ هذا التفاوت في الظروف والفرص، لقد ساعدت قوى أخرى سامر لإيجاد عمل براتب جيد بالنسبة إلى شخصٍ لا يحمل شهادةً جامعية، لكن لماذا لم يُعط نفس الفرص التي حصل عليها زملاؤه في العمل؟
إن قضايا الإنصاف وتساوي الفرص هي من أسس قضية التفاوت الاقتصادي، ولأي درجة هو أمر طبيعي أو حتمي أو مقبول أو مرغوب؟
ليفكر كل منا لأي درجة يرغب في أن يكون الاقتصاد متفاوتًا أو متكافئًا، وبعدها نصوّت على هذه القضية بإنفاق أموالنا وفقًا لرأينا.