الفيروسات (علم -)
يدلُّ مصطلح فيروسات اليوم، على عوامل مرضية ذات كيان مستقل، لا يمكن زرعها في الأوساط الصنعية، ولا تتكاثر إلا ضمن الخلايا التي تتطفل عليها.
يعود مفهوم المرض الفيروسي إلى أواخر القرن التاسع عشر حينما برهن باستور ولوفلر وفروش وغيرهم، كل على انفراد، أنه يمكن لعامل ممرض يستطيع اجتياز المراشح، التي لا ترشح منها الجراثيم، ولا يرى في المجهر الضوئي، أن يسبب خمجاً يمكن نقله على التسلسل. إن العديد من هذه الأمراض ليست غريبة على الإنسان فقد عُرِفَ الجدري منذ ألفي عام ووصف الطبيب الإغريقي أبقراط النكاف في كتبه.
عرّفت الفيروسات في البدء بالنسبة لحجمها الصغير فالكبيرة منها تقيس بين 200 إلى 300 نانومتر كفيروسات الجدري variola والوقس vaccinia (cowpox) والداء الببغائي psittacose، في حين يبلغ حجم الصغيرة 10 نانومتر كفيروس شلل الأطفال وفيروس الحمى القلاعية aphtous. كما صُنِّفت حسب مضيفها الذي تتكاثر فيه، فقيل بفيروسات الفقريات وفيروسات النباتات وفيروسات الجراثيم وغيرها. ثم صنِّفت تبعاً للاضطرابات التي تسببها فدعيت فيروسات الجهاز التنفسي وفيروسات الجهاز الهضمي إلى غير ذلك. وصنِّفت أيضاً وفق طريقة انتقالها فيما إذا كانت بمفصليات الأرجل مثلاً أو بغيرها. ولكن اللجنة الدولية لتسمية الفيروسات صنفتها عام 1976 وفق بنيتها ونوع حمضها النووي فيما إذا كان من الدنا DNA أو الرنا RNA، وتناظر قفيصتها capsid فيما إذا كانت مكعبة أو حلزونية، وموضعها في الخلية المخموجة فيما إذا كانت تسكن النواة أو الهيولى حيث تتجمع عواملها، ووجود غلاف لها أم لا، وعدد القسيمات القفيصية capsomer، وقطر الحلزون.
إن المجال المرضي للفيروسات واسع ومتنوع، فبعضها كثير الانتشار وسليم كفيروسات الزكام common cold وفيروسات الثآليل verruca وبعض الفيروسات التي تسبب إسهالاً للأطفال، في حين أن بعضها الآخر يتصف بخطورة مؤكدة كفيروسات التهاب الدماغ encephalitis، والتهابات الكبد وشلل الأطفال وعوز المناعة المكتسب. ومن الفيروسات ما هو شديد الإيذاء حينما يصيب الجنين كفيروس الحصبة الألمانية rubella، أو حينما يخمج الأفراد المنقوصي المناعة كالفيروس المضخم للخلايا cytomegalovirus، كما يبدو أن لبعض الفيروسات دوراً في ظهور بعض الأورام الخبيثة كفيروس إبشتاين بار Epstein-Barr والفيروسات الحليمومية papovaviridae والفيروس القهقري retrovirus.
وضع لفوف Lwoff عام 1935 قبل اللجنة الدولية، أربعة معايير criterions للفيروسات التي تجعل منها كيانات مستقلة وهي:
ـ لا يضم الفيروس إلا نوعاً واحداً من الحمض النووي أي رنا «RNA» أو دنا «DNA»، وهو الذي يؤلف مجين الفيروس، وهذه الصفة هي التي تميزه من بقية الأجسام الحية التي فيها حمضان نوويان معاً.
ـ تتكاثر الفيروسات في موادها الجينية بالتنسخ replication وليس بالانقسام كالجراثيم، كما أنها لا تخضع لحوادث انقسام تماثل ما تخضع له حقيقية النواة eukaryote.
ـ تتصف الفيروسات بتطفلها داخل الخلايا لافتقارها إلى جهاز إنزيمي وجهاز يوفر لها القدرة على تأمين تكاثرها، لذا فهي لا تتنسخ إلا ضمن خلية حيّة؛ يغير فيها الفيروس لمصلحته عمل أجهزة الإنشاء الحيوي biosynthesis، لتلك الخلية كالريباسات ribosomes وغيرها، كما أنها لا تستطيع أن تتكاثر في الأوساط الخاملة inerts التي تتكاثر فيها الجراثيم كالمزارع الصنعية، وينجم عن هذه الصفة الفيروسية صعوبة إيجاد مادة كيمياوية نوعية ومجدية وغير خطرة في استعمالها لمعالجة البشر للتماس الشديد بين الفيروس والخلية.
ـ تمثل الفيروسات بنية تميزها من بدائية النواة prokaryote وحقيقية النواة، ويطلق اسم الجسيم الفيروسي أو الفيريون virion على الوحدة الخامجة.
تنسخ الفيروسات
بعد دخول الفيروس العضوية تصل، بصورة عامة، عن طريق الدم، ونادراً عن طريق الأعصاب كفيروس الكلب، إلى خلايا الهدف والتي توجد على سطحها مستقبلات receptors نوعية تتعلق بها، ثمَّ تدخل الخلية وتغير من سيرورتها الكيمياوية الحيوية لصالحها بغية تركيب جزيئات فيروسية جديدة، وهذه العملية تشوه الخلية وتؤدي في معظم الحالات إلى حلَّها أو موتها مع إطلاق جزئيات فيروسية جديدة تخمج بدورها خلايا جديدة. ويمكن لبعض الفيروسات أن تدخل في مجين genome الخلية المضيفة وتبقى فيه مدة قبل خروجها من الخلية ودخولها أخرى.
يتم بصورة عامة تنسخ الدنا DNA الفيروسي داخل نواة الخلية المخموجة، في حين يتمّ تنسخ الرنا RNA الفيروسي ضمن الهيولى، وكل ذلك بعد أن يترك الفيروس قفيصته.
مدخل الفيروسات إلى الجسم البشري
هناك عدة مداخل للفيروسات لجسم الإنسان منها: الجلد والسبيل الهضمي وجهاز التنفس، كما أن لملتحمة العين والجهاز التناسلي دوراً مهماً في حدوث العدوى ببعضها.
يؤلف جهاز التنفس المدخل الأساسي للفيروسات وذلك بالتماس المباشر مع إنسان مصاب عن طريق الاستنشاق، على الرغم من أن وسائل دفاع هذا الجهاز على جانب من الأهمية، لكنها تتناقص بتأثير بعض العوامل كالبرد والدخان والملوثات الجوية، ولبعض الفيروسات كفيروسات النزلة الوافدة (الإنفلونزا)، وفيروسات الحصبة تأثير في فاعلية الغطاء المخاطي الهدبي لجهاز التنفس، ولابد من الإشارة إلى أن بعض الفيروسات، التي تدخل عن طريق هذا السبيل تبقى متوضعة فيه كالفيروسات الأنفية rhinovirus، وفيروسات النـزلة الوافدة ونظائرها، والفيروسات التنفسية المخلوية syncytial. وعلى نقيض هذه هناك فيروسات تدخل من هذا الطريق لكن الأعراض التنفسية التي تسببها قليلة في حين أن الأعراض العامة هي الأشد، كفيروس الجدري وفيروسات الحماق varicella والحصبة measles والنكاف mumps والحصبة الألمانية.
أما الأخماج التي تحصل عن طريق الجهاز الهضمي فتتم بتناول الأطعمة والأشربة الملوثة. إن عدداً كبيراً من هذه الفيروسات يتلف بتأثير العصارة المعدية والأملاح الصفراوية قبل أن يبلغ الأمعاء الدقيقة ولا يصلها إلا الفيروسات المقاومة والتي تتكاثر في خلاياها. ومع هذا فإن الأضداد IgA المفرزة موضعياً تؤلف وسيلة دفاع مهمة. وهناك بعض الأخماج التي تبقى موضَّعة في الأمعاء كالفيروسات العَجَلية rotavirus التي تسبب إسهالات عند الرضع. ومن الفيروسات ما يُسبب أخماجاً عامة بعد أن يتكاثر في الأمعاء كمجموعة الفيروسات المعوية enterovirus والتي منها فيروسات شلل الأطفال وفيروسات كوكساكي coxsackie.
أما العدوى عن طريق الجلد فلا تحصل إلا إذا كانت هناك أذية فيه مهما كانت دقيقة؛ لأن الجلد يؤلف حاجزاً لا تخترقه الفيروسات إذا كان سليماً، ولكن هناك فيروسات لا تنتقل إلا عن طريق الجلد فتسبب أخماجاً موضعية كفيروسات بابوفا papovavirus وفيروسات المليساء المعدية molluscum contagiosum. وهناك بعض الفيروسات التي تدخل مباشرة النسيج تحت الجلد ثم تنتشر فيه مسببة أمراضاً عامة، ويتم ذلك إما بعد لدغة أحد مفصليات الأرجل أو بعد إدخال الفيروس بإبرة، كما يحدث أحياناً بعد وخزة بأداة رفيعة ملوثة بفيروسات التهاب الكبد B، أو في أثناء عملية نقل دم، أو بعد عضة حيوان كما هو الأمر بالنسبة لفيروس الكلب.
إن الفيروسات التي تتوضع على ملتحمة العين بالذباب أو الأصابع أو المناشف أو بماء أحواض السباحة، قد يزيلها الدمع أحياناً لكنها تؤذي الملتحمة في أحيان كثيرة.
أما الأخماج الفيروسية التي تصيب الجهاز التناسلي فإن معظمها يبقى متوضعاً، كما هو شأن فيروس الحلأ البسيط herpes والفيروس الحليمومي papilloma، ولكن هناك بعض الفيروسات التي تنتقل بالمقاربات الجنسية كالفيروس المضخم للخلايا cytomegalovirus وفيروس التهاب الكبد B وفيروس عوز المناعة المكتسب HIV.
وتحدث إصابة الجنين بالخمج بانتقال الفيروس عن طريق الدوران المشيمي، كما هو الأمر بفيروس الحصبة الألمانية والفيروس المضخم للخلايا، ونتائج إصابة الجنين مختلفة فمنها ما يسبب الإجهاض ومنها ما يحدث تشوهات جنينية.
طرح الفيروسات
تفيد معرفة أسلوب طرح الفيروسات للاستدلال على طرق العدوى في الوسط الخارجي ومن المصابين. يتمُّ طرح بعض الأنواع بوساطة السبيل التنفسي في أثناء السعال والعطاس كما هو الأمر في الحصبة والنزلة الوافدة. ويؤلف اللعاب وسيلة عدوى حينما تخمج الفيروسات الغدد اللعابية للإنسان كما هو الأمر في داء إبشتاين بار والنكاف، والكلب في الحيوان. وتتم العدوى عن طريق الجلد بانفجار الحويصلات كما في الحماق varicella والحلأ. أما السبيل المعوي فهو وساطة عدوى لكل الفيروسات التي تصيب خلايا الأمعاء، لأنها تطرح عن طريق البراز فتلوث المياه والأغذية كما هو الأمر في الفيروسات المعوية وفيروس التهاب الكبد A والفيروسات العَجَلية. كما أن البول سبيل مهام لطرح الفيروسات في المحيط وحدوث العدوى كما هو شأن فيروس النكاف والحصبة الألمانية والتهاب الكبد B وغيرها.
التشخيص
يظهر عدد كبير من الأخماج الفيروسية لوحة سريرية واضحة للإصابة لا تدفع الطبيب السريري إلى اللجوء إلى وسائل التشخيص الفيروسي الخاصة، ولكن هناك على نقيض ذلك عدد من الحالات لا يمكن إجراء تشخيص دقيق إلا بالوسائل المخبرية. وقد أدت زيادة الإصابات في منقوصي المناعة واستعمال الأدوية المضادة للفيروسات على نطاق واسع إلى إيجاد تقانات سريعة.
يتبع الخمج الفيروسي استجابة مناعية خلطية في غالب الحالات، تتظاهر بوجود أضداد نوعية للفيروس. وهناك تقانات عدة لكشف هذه الأضداد منها:
ـ تثبيت المتممة fixation of the complement والطريقة المناعية الخمائرية (إليزا ELISA) وتفاعلات التراص hemaglutination ونهي التراص hemagl.inhibition والمقايسة الترسيبية المناعية الشعاعية radioimmunoprecipitation assay (RIPA) وطريقة وسترن بلوت Western Blot لكشف بعض البروتينات وغيرها.
ـ الكشف المباشر للفيروس أو لأحد مركباته، ويظهر المستضدات الفيروسية داخل الخلايا كالفيروسات المخلوية التنفسية في المفرزات الأنفية أو خارج الخلايا كتحري المستضدات الفيروسية في مصل الدم كما هو في فيروس التهاب الكبد B بتحري مستضد السطح (HBs)، أو المستضد P24 في فيروس عوز المناعة HIV، أو المجين الفيروسي في الفيروسات الحليمية أو الجزيء الفيروسي الكامل في الفيروسات العَجَلية في البراز. وهناك تقانات عدة لكشف ذلك، وهي التشخيص الخلوي المناعي بالتألق المناعي fluorescent antibody وبالبيروكسيداز peroxidase المناعي.
وهناك تحري المجين، أو دراسة الفيروسات بالمجهر الإلكتروني بالتلوين السلبي، وهذه التقانة أساسية للتأكد من وجود الفيروسات التي لا يمكن زرعها كفيروس نورولك Norwalk في البراز.
ـ كشف الفيروسات باستفرادها في المزارع، ويُلجأ إلى هذه الطريقة حينما يتعذر وجود طريقة سريعة. ولكن لا يوجد نظام خلوي واحد يصلح للفيروسات جميعها، فلمفاويات الدم المحيطي تسمح باستفراد الفيروس HIV، وهناك مثلاً ذرية خلوية تسمى MRCS تصلح لاستفراد عدد كبير من الفيروسات، منها الفيروس المضخم للخلايا.
يكسب عدد من الفيروسات مناعة بعد الإصابة، كما هو الأمر بالنسبة للحصبة وشلل الأطفال والحصبة الألمانية، والعوامل المناعية هي اللمفاويات التائية T أو البائية B.
الوقاية
أولها المعالجة المصلية ولكن لا يلجأ إليها إلا في حالات استثنائية، ويستعمل فيها الغلوبلين النوعي أو مصول الناقهين في حالة الخوف من عدوى من فيروس مميت، وتُعطى المصول أحياناً مرافقة للقاح. تبقى اللقاحات الطريق الأساسي في الوقاية من الأخماج الفيروسية، ويعود انتقاء اللقاح وزمن إعطائه ومقاديره إلى عوامل تتصل بالأفراد وبيئتهم وبعض خصائص اللقاح ذاته. وقد سمح تعميم بعض اللقاحات بالقضاء على الجدري والتغلب على شلل الأطفال والتهاب الكبد B في بعض البلاد النامية.
ولابد من الإشارة إلى أن وسيلة واحدة لا تكفي لمكافحة الفيروسات والقضاء عليها، بل يجب التغلب على المرض الفيروسي باللجوء إلى وسائل عدة معاً تتصل بالإنسان ومحيطه في الوقت ذاته.
المعالجة
بقيت أدوية معالجة الفيروسات محددة لزمن طويل، وظلَّت مقتصرة على اللقاحات والمصول، ولكن الأمر تطور اليوم، إذ تم التوصل لمضادات فيروسية كالأسيكلوفير acyclovir الذي يؤثر في فيروس الحلأ، كما أن هناك أدوية تثبط بعض الإنزيمات الفاعلة ضد فيروس عوز المناعة المكتسب البشري وضد الفيروسات القهقرية retrovirus. وهناك الربافيرين ribavirine الذي يؤثر في الفيروسات ذات تركيب الرنا RNA أو الدنا DNA، ويعطى عن طريق الضبوب aerosol في معالجة الأخماج التنفسية للفيروسات المخلوية لكنه علاج يسبب تشوهات جنينية للمرأة الحامل ويتراكم في الكريات الحمر.
عدنان تكريتي
يدلُّ مصطلح فيروسات اليوم، على عوامل مرضية ذات كيان مستقل، لا يمكن زرعها في الأوساط الصنعية، ولا تتكاثر إلا ضمن الخلايا التي تتطفل عليها.
يعود مفهوم المرض الفيروسي إلى أواخر القرن التاسع عشر حينما برهن باستور ولوفلر وفروش وغيرهم، كل على انفراد، أنه يمكن لعامل ممرض يستطيع اجتياز المراشح، التي لا ترشح منها الجراثيم، ولا يرى في المجهر الضوئي، أن يسبب خمجاً يمكن نقله على التسلسل. إن العديد من هذه الأمراض ليست غريبة على الإنسان فقد عُرِفَ الجدري منذ ألفي عام ووصف الطبيب الإغريقي أبقراط النكاف في كتبه.
بنية الفيروس |
|
إن المجال المرضي للفيروسات واسع ومتنوع، فبعضها كثير الانتشار وسليم كفيروسات الزكام common cold وفيروسات الثآليل verruca وبعض الفيروسات التي تسبب إسهالاً للأطفال، في حين أن بعضها الآخر يتصف بخطورة مؤكدة كفيروسات التهاب الدماغ encephalitis، والتهابات الكبد وشلل الأطفال وعوز المناعة المكتسب. ومن الفيروسات ما هو شديد الإيذاء حينما يصيب الجنين كفيروس الحصبة الألمانية rubella، أو حينما يخمج الأفراد المنقوصي المناعة كالفيروس المضخم للخلايا cytomegalovirus، كما يبدو أن لبعض الفيروسات دوراً في ظهور بعض الأورام الخبيثة كفيروس إبشتاين بار Epstein-Barr والفيروسات الحليمومية papovaviridae والفيروس القهقري retrovirus.
وضع لفوف Lwoff عام 1935 قبل اللجنة الدولية، أربعة معايير criterions للفيروسات التي تجعل منها كيانات مستقلة وهي:
ـ لا يضم الفيروس إلا نوعاً واحداً من الحمض النووي أي رنا «RNA» أو دنا «DNA»، وهو الذي يؤلف مجين الفيروس، وهذه الصفة هي التي تميزه من بقية الأجسام الحية التي فيها حمضان نوويان معاً.
ـ تتكاثر الفيروسات في موادها الجينية بالتنسخ replication وليس بالانقسام كالجراثيم، كما أنها لا تخضع لحوادث انقسام تماثل ما تخضع له حقيقية النواة eukaryote.
ـ تتصف الفيروسات بتطفلها داخل الخلايا لافتقارها إلى جهاز إنزيمي وجهاز يوفر لها القدرة على تأمين تكاثرها، لذا فهي لا تتنسخ إلا ضمن خلية حيّة؛ يغير فيها الفيروس لمصلحته عمل أجهزة الإنشاء الحيوي biosynthesis، لتلك الخلية كالريباسات ribosomes وغيرها، كما أنها لا تستطيع أن تتكاثر في الأوساط الخاملة inerts التي تتكاثر فيها الجراثيم كالمزارع الصنعية، وينجم عن هذه الصفة الفيروسية صعوبة إيجاد مادة كيمياوية نوعية ومجدية وغير خطرة في استعمالها لمعالجة البشر للتماس الشديد بين الفيروس والخلية.
ـ تمثل الفيروسات بنية تميزها من بدائية النواة prokaryote وحقيقية النواة، ويطلق اسم الجسيم الفيروسي أو الفيريون virion على الوحدة الخامجة.
تنسخ الفيروسات
بعد دخول الفيروس العضوية تصل، بصورة عامة، عن طريق الدم، ونادراً عن طريق الأعصاب كفيروس الكلب، إلى خلايا الهدف والتي توجد على سطحها مستقبلات receptors نوعية تتعلق بها، ثمَّ تدخل الخلية وتغير من سيرورتها الكيمياوية الحيوية لصالحها بغية تركيب جزيئات فيروسية جديدة، وهذه العملية تشوه الخلية وتؤدي في معظم الحالات إلى حلَّها أو موتها مع إطلاق جزئيات فيروسية جديدة تخمج بدورها خلايا جديدة. ويمكن لبعض الفيروسات أن تدخل في مجين genome الخلية المضيفة وتبقى فيه مدة قبل خروجها من الخلية ودخولها أخرى.
يتم بصورة عامة تنسخ الدنا DNA الفيروسي داخل نواة الخلية المخموجة، في حين يتمّ تنسخ الرنا RNA الفيروسي ضمن الهيولى، وكل ذلك بعد أن يترك الفيروس قفيصته.
مدخل الفيروسات إلى الجسم البشري
هناك عدة مداخل للفيروسات لجسم الإنسان منها: الجلد والسبيل الهضمي وجهاز التنفس، كما أن لملتحمة العين والجهاز التناسلي دوراً مهماً في حدوث العدوى ببعضها.
يؤلف جهاز التنفس المدخل الأساسي للفيروسات وذلك بالتماس المباشر مع إنسان مصاب عن طريق الاستنشاق، على الرغم من أن وسائل دفاع هذا الجهاز على جانب من الأهمية، لكنها تتناقص بتأثير بعض العوامل كالبرد والدخان والملوثات الجوية، ولبعض الفيروسات كفيروسات النزلة الوافدة (الإنفلونزا)، وفيروسات الحصبة تأثير في فاعلية الغطاء المخاطي الهدبي لجهاز التنفس، ولابد من الإشارة إلى أن بعض الفيروسات، التي تدخل عن طريق هذا السبيل تبقى متوضعة فيه كالفيروسات الأنفية rhinovirus، وفيروسات النـزلة الوافدة ونظائرها، والفيروسات التنفسية المخلوية syncytial. وعلى نقيض هذه هناك فيروسات تدخل من هذا الطريق لكن الأعراض التنفسية التي تسببها قليلة في حين أن الأعراض العامة هي الأشد، كفيروس الجدري وفيروسات الحماق varicella والحصبة measles والنكاف mumps والحصبة الألمانية.
أما الأخماج التي تحصل عن طريق الجهاز الهضمي فتتم بتناول الأطعمة والأشربة الملوثة. إن عدداً كبيراً من هذه الفيروسات يتلف بتأثير العصارة المعدية والأملاح الصفراوية قبل أن يبلغ الأمعاء الدقيقة ولا يصلها إلا الفيروسات المقاومة والتي تتكاثر في خلاياها. ومع هذا فإن الأضداد IgA المفرزة موضعياً تؤلف وسيلة دفاع مهمة. وهناك بعض الأخماج التي تبقى موضَّعة في الأمعاء كالفيروسات العَجَلية rotavirus التي تسبب إسهالات عند الرضع. ومن الفيروسات ما يُسبب أخماجاً عامة بعد أن يتكاثر في الأمعاء كمجموعة الفيروسات المعوية enterovirus والتي منها فيروسات شلل الأطفال وفيروسات كوكساكي coxsackie.
أما العدوى عن طريق الجلد فلا تحصل إلا إذا كانت هناك أذية فيه مهما كانت دقيقة؛ لأن الجلد يؤلف حاجزاً لا تخترقه الفيروسات إذا كان سليماً، ولكن هناك فيروسات لا تنتقل إلا عن طريق الجلد فتسبب أخماجاً موضعية كفيروسات بابوفا papovavirus وفيروسات المليساء المعدية molluscum contagiosum. وهناك بعض الفيروسات التي تدخل مباشرة النسيج تحت الجلد ثم تنتشر فيه مسببة أمراضاً عامة، ويتم ذلك إما بعد لدغة أحد مفصليات الأرجل أو بعد إدخال الفيروس بإبرة، كما يحدث أحياناً بعد وخزة بأداة رفيعة ملوثة بفيروسات التهاب الكبد B، أو في أثناء عملية نقل دم، أو بعد عضة حيوان كما هو الأمر بالنسبة لفيروس الكلب.
إن الفيروسات التي تتوضع على ملتحمة العين بالذباب أو الأصابع أو المناشف أو بماء أحواض السباحة، قد يزيلها الدمع أحياناً لكنها تؤذي الملتحمة في أحيان كثيرة.
أما الأخماج الفيروسية التي تصيب الجهاز التناسلي فإن معظمها يبقى متوضعاً، كما هو شأن فيروس الحلأ البسيط herpes والفيروس الحليمومي papilloma، ولكن هناك بعض الفيروسات التي تنتقل بالمقاربات الجنسية كالفيروس المضخم للخلايا cytomegalovirus وفيروس التهاب الكبد B وفيروس عوز المناعة المكتسب HIV.
وتحدث إصابة الجنين بالخمج بانتقال الفيروس عن طريق الدوران المشيمي، كما هو الأمر بفيروس الحصبة الألمانية والفيروس المضخم للخلايا، ونتائج إصابة الجنين مختلفة فمنها ما يسبب الإجهاض ومنها ما يحدث تشوهات جنينية.
طرح الفيروسات
تفيد معرفة أسلوب طرح الفيروسات للاستدلال على طرق العدوى في الوسط الخارجي ومن المصابين. يتمُّ طرح بعض الأنواع بوساطة السبيل التنفسي في أثناء السعال والعطاس كما هو الأمر في الحصبة والنزلة الوافدة. ويؤلف اللعاب وسيلة عدوى حينما تخمج الفيروسات الغدد اللعابية للإنسان كما هو الأمر في داء إبشتاين بار والنكاف، والكلب في الحيوان. وتتم العدوى عن طريق الجلد بانفجار الحويصلات كما في الحماق varicella والحلأ. أما السبيل المعوي فهو وساطة عدوى لكل الفيروسات التي تصيب خلايا الأمعاء، لأنها تطرح عن طريق البراز فتلوث المياه والأغذية كما هو الأمر في الفيروسات المعوية وفيروس التهاب الكبد A والفيروسات العَجَلية. كما أن البول سبيل مهام لطرح الفيروسات في المحيط وحدوث العدوى كما هو شأن فيروس النكاف والحصبة الألمانية والتهاب الكبد B وغيرها.
التشخيص
يظهر عدد كبير من الأخماج الفيروسية لوحة سريرية واضحة للإصابة لا تدفع الطبيب السريري إلى اللجوء إلى وسائل التشخيص الفيروسي الخاصة، ولكن هناك على نقيض ذلك عدد من الحالات لا يمكن إجراء تشخيص دقيق إلا بالوسائل المخبرية. وقد أدت زيادة الإصابات في منقوصي المناعة واستعمال الأدوية المضادة للفيروسات على نطاق واسع إلى إيجاد تقانات سريعة.
يتبع الخمج الفيروسي استجابة مناعية خلطية في غالب الحالات، تتظاهر بوجود أضداد نوعية للفيروس. وهناك تقانات عدة لكشف هذه الأضداد منها:
ـ تثبيت المتممة fixation of the complement والطريقة المناعية الخمائرية (إليزا ELISA) وتفاعلات التراص hemaglutination ونهي التراص hemagl.inhibition والمقايسة الترسيبية المناعية الشعاعية radioimmunoprecipitation assay (RIPA) وطريقة وسترن بلوت Western Blot لكشف بعض البروتينات وغيرها.
ـ الكشف المباشر للفيروس أو لأحد مركباته، ويظهر المستضدات الفيروسية داخل الخلايا كالفيروسات المخلوية التنفسية في المفرزات الأنفية أو خارج الخلايا كتحري المستضدات الفيروسية في مصل الدم كما هو في فيروس التهاب الكبد B بتحري مستضد السطح (HBs)، أو المستضد P24 في فيروس عوز المناعة HIV، أو المجين الفيروسي في الفيروسات الحليمية أو الجزيء الفيروسي الكامل في الفيروسات العَجَلية في البراز. وهناك تقانات عدة لكشف ذلك، وهي التشخيص الخلوي المناعي بالتألق المناعي fluorescent antibody وبالبيروكسيداز peroxidase المناعي.
وهناك تحري المجين، أو دراسة الفيروسات بالمجهر الإلكتروني بالتلوين السلبي، وهذه التقانة أساسية للتأكد من وجود الفيروسات التي لا يمكن زرعها كفيروس نورولك Norwalk في البراز.
ـ كشف الفيروسات باستفرادها في المزارع، ويُلجأ إلى هذه الطريقة حينما يتعذر وجود طريقة سريعة. ولكن لا يوجد نظام خلوي واحد يصلح للفيروسات جميعها، فلمفاويات الدم المحيطي تسمح باستفراد الفيروس HIV، وهناك مثلاً ذرية خلوية تسمى MRCS تصلح لاستفراد عدد كبير من الفيروسات، منها الفيروس المضخم للخلايا.
يكسب عدد من الفيروسات مناعة بعد الإصابة، كما هو الأمر بالنسبة للحصبة وشلل الأطفال والحصبة الألمانية، والعوامل المناعية هي اللمفاويات التائية T أو البائية B.
الوقاية
أولها المعالجة المصلية ولكن لا يلجأ إليها إلا في حالات استثنائية، ويستعمل فيها الغلوبلين النوعي أو مصول الناقهين في حالة الخوف من عدوى من فيروس مميت، وتُعطى المصول أحياناً مرافقة للقاح. تبقى اللقاحات الطريق الأساسي في الوقاية من الأخماج الفيروسية، ويعود انتقاء اللقاح وزمن إعطائه ومقاديره إلى عوامل تتصل بالأفراد وبيئتهم وبعض خصائص اللقاح ذاته. وقد سمح تعميم بعض اللقاحات بالقضاء على الجدري والتغلب على شلل الأطفال والتهاب الكبد B في بعض البلاد النامية.
ولابد من الإشارة إلى أن وسيلة واحدة لا تكفي لمكافحة الفيروسات والقضاء عليها، بل يجب التغلب على المرض الفيروسي باللجوء إلى وسائل عدة معاً تتصل بالإنسان ومحيطه في الوقت ذاته.
المعالجة
بقيت أدوية معالجة الفيروسات محددة لزمن طويل، وظلَّت مقتصرة على اللقاحات والمصول، ولكن الأمر تطور اليوم، إذ تم التوصل لمضادات فيروسية كالأسيكلوفير acyclovir الذي يؤثر في فيروس الحلأ، كما أن هناك أدوية تثبط بعض الإنزيمات الفاعلة ضد فيروس عوز المناعة المكتسب البشري وضد الفيروسات القهقرية retrovirus. وهناك الربافيرين ribavirine الذي يؤثر في الفيروسات ذات تركيب الرنا RNA أو الدنا DNA، ويعطى عن طريق الضبوب aerosol في معالجة الأخماج التنفسية للفيروسات المخلوية لكنه علاج يسبب تشوهات جنينية للمرأة الحامل ويتراكم في الكريات الحمر.
عدنان تكريتي