اندروجينات
Androgens - Androgènes
الأندروجينات
تندرج الأندروجينات androgens، وعددها كبير، تحتَ تصنيف الهرمونات الستيروئيدية المذكِّرة، إلى جانب تأثيرها الابتنائي anabolic فيما يتصل بالبروتين والنمو. تُشتقُّ كل الهرمونات الستيروئيدية من الكولسترول، وتُقسمُ إلى: هرمونات ستيروئيدية كظرية قشرية وهرمونات ستيروئيدية جنسية. وهذه الأخيرة ثلاثة أصناف: هرمونات مُذَكّرة أندروجين، هرمونات مؤنِّثة أو مثيرة للوداق oestrogens، وهرمونات بروجسترونية progestogens قادرة على ضمان علوق البيضة في جدار الرحم وبقائها وتناميها، والاسم الكيمياوي للبروجسترون 4-preg-ene-3.20-dione (صيغة البروجسترون).
تركيب الأندروجينات
تتشابه الهرمونات الستيروئيدية كثيراً، وتتألف كلّها من ثلاث حلقات سُداسية مع حلقة خماسية. ويدعى هذا المركَّب - الأصل: سيكلو بنتانو بيرهيدرو فينانترين cyclo pentano perhydro phenantrene، وتدلّ هذه التسمية على أنّه مُركّب هيدروكربوني يتألف من أربع حلقات واحدةٌ منها خماسية pentano وعلى أنّه مُشبَع perhydro. يتألّف هذا المركّب - الأصل من سبع عشرة ذرةً من الكربون، ويختلف عدد ذرات الكربون في كل نوعٍ من الهرمونات، فعلى سبيل المثال يحتوي التستوستيرون - وهو الأندروجين الرئيس - تسع عشرة ذرةً من الكربون، ويتميَّز بوجود رابطة ثنائية بين الكربونين رقم 4 و5، وبوجود مُشتقّ هيدروكسي OH _ في الفحم رقم 17، ومشتق كيتوني =O في الكربون رقم 3، لذا فاسمه الكيمياوي التفصيلي: Δ4-androstene-17trans-ol-3-one (صيغة التستوستيرون) ويشير حرف الدلتا يتبعه رقم 4 إلى مكان الرابطة الثنائية. أما بقية الأندروجينات فالتأثير المذكر فيها كلها أضعف من التستوستيرون، فهو أهمّ هذه المجموعة وأقواها فعلاً.
الأندروجين عند الرجل والمرأة
أ - عند الرجل: يُفرز التستوستيرون عند الرجل في خلايا ليديغ Leydig الخلالية الموجودة في الخصية، في المسافات بين الأنابيب المولّدة للنُطَف، ومن موضعها اشتُقَّ وصفها بالخلالية. تحوِّل هذه الخلايا الكولسترول بسلسلة من التفاعلات إلى التستوستيرون (صيغة الكولسترول) ويتحوّل التستوستيرون في بعض النسج المستهدفة target إلى دي هيدروتستوستيرون dehydrotestosterone. لا يمكن لهذه المراحل أن تتم إلا بوجود أنظيمات (خمائر) نوعية جداً خاصة بكل مرحلة استقلابية بذاتها، وإن فقدان أيٍّ من هذه الأنظيمات يؤدي إلى توقّف هذه المسيرة الاستقلابية وما يتبع ذلك من اضطرابات هرمونية في الجنسين. كذلك تُفرز أندروجينات أخرى من قشر الكظر في الطبقتين الحُزْمية zona fascicularis والشبَكيّة z.reticularis.
ب - عند المرأة: تفرز المرأة الطبيعية الأندروجين، بكميّات زهيدة في سدى stroma المبيضِ وسُرّته hilus، كما أن إفراز الهرمونات الجنسية الأنثوية (الإستروجينات) في المبيض يمرّ في بعض مراحله بالأندروجين، مما يفسّر ظهور أعراض التذكير عند بعض النساء حين فقدان بعض الأنظيمات الخاصة بالمسيرة الاستقلابية، كما أن بعض أورام المبيض تفرز الأندروجين مؤدية إلى أعراض تذكير شديدة.
تفرز الأندروجينات أيضاً في قشر الكظر عند المرأة كما في الرجل وفي المشيمة في أثناء الحمل.
الانتقال والاستقلاب
يجول 97% من التستوستيرون في مصورة الدم مربوطاً بالبروتين: يرتبط 40% منه بغلوبولين بيتا يُدعى الغلوبولين الرابط للستيروئيد المنسلي gonadal binding globulin (G.B.G). والمنسل gonad هو الغدة التناسلية سواء أكانت المبيض عند الأنثى أم الخصية عند الذكر. وترتبط الـ 40% الأخرى بالألبومين وأما الـ17% الباقية فترتبط ببقية البروتينات.
كذلك يربط الغلوبولين الرابط للستيروئيد المنسلي الإستروجين في الجنسين. ويبلغ مستوى تستوستيرون المصورة (الحر منه والمربوط) عند الرجل البالغ مقدار 0.65ميكروغرام/ديسي ليتر(وهو ما يَعْدِلُ 100ميليلتر) وهذا يساوي 22.5 نانو مول/ ليتر أما في المرأة البالغة فلا يزيد التستوستيرون على 0.03 ميكروغرام/دل وهو ما يساوي 1 نانو مول/ل. وتتضاءل مقاديره في الذكر مع تقدّم السن. تُستقْلب الأندروجينات ومنها التستوستيرون في الكبد لتتحول إلى 17ـ كيتوستيروئيدات تنطرح كلها في البول. ومنشأ ثلثي هذه الـ 17ـ كيتوستيروئيدات المطروحة في البول من قشر الكظر، أما الثُلُثُ الباقي فهو خَصويّ المنشأ. وتجدر الإشارة إلى أنه ليست كل الـ 17ـ كيتوستيروئيدات ذات فعل مُذكِّر، وأنه ليست كل الأندروجينات ذات تركيب 17ـ كيتوستيروئيدي.
تنظيم الإفراز
يفرز الفصّ الأمامي للغدة النخامية، الموجودة في الوجه السفلي للمخ هرموناً «ملوتناً» luteinizing hormone يُحرِّض خلايا ليديغ الخلالية على إفراز التستوستيرون. ويخضع هذا الفصُّ إلى هرمونات مُحرِّرَة releasing hormones. تنطلق من منطقة الوِطَاء hypothalamus الموجودةِ في قاعدة المخ أي فوق الغدّة النخامية مباشرة. لذا تؤدي أمراض هذه المنطقة إلى ضمور الخلايا الخلالية وإلى تناقص إفراز التستوستيرون. وبالمقابل فإن إفراز التستوستيرون وجولانه في الدم يؤدّي إلى نهي إفراز الهرمون «الملوتن» LH من الفص الأمامي للنخامة، ويدعى هذا التوازن المزدوج بين النخامة والخصية بآلية التغذية الراجعة feed back mechanism: يرسلُ الوطاءُ الرُسُل إلى النخامة التي تَحُضّ الخلايا الخلالية على الإفراز، فإذا تمّ هذا الإفراز وصل بعضُه إلى الوطاء فيثبّط نشاطه مما يؤدي لانخفاض مستوى التستوستيرون في الدم فتتأثر بذلك منطقة الوطاء فتعود إلى الحضِّ والتحريض وهكذا ينقلب التستوستيرون في بعض الأعضاء التناسلية كالموثة prostate والأعضاء التناسلية الظاهرة إلى دي هيدروتستوستيرون dihydrotestosterone (DHT) بفعل الأنظيم 5α المُرجِع 5a reductase وهذا الأخير DHT هو الهرمون الفعّال المؤثّر في هذه الأعضاء وفي غيرها كشعر الوجه وخطّ الشعر وغير ذلك لذا لا يمكن لهذه الأعضاء الحسّاسة أن تتكوّن وتنمو إلا بوجود هذا الشكل الفعال للهرمون، ولا يوجد هذا الشكل DHT إذا لم يوجد الأنظيم الخاص به (5α المُرجع). وفي حال فقدانه أو قصوره الولادي تحدث متلازمة الخصية المؤنّثة testicular feminizing syndrome. أما نموّ القضيب والصفن scrotum والعضلات والدافع الجنسيّ الذكري والكَرَع (الشهوة الجنسية) libido فتقع كلها تحت تأثير التستوستيرون وحده. كذلك تجول في دم الرجال كميات ضئيلة من الاستراديول (الهرمون المؤنّث) ينتج أكثرها 70% من انقلاب التستوستيرون إلى أندروستين ديون بالتعطير aromatization. أما البقية 30% فتفرز في الخصية نفسها، ومن المحقق أن لهذا الهرمون المؤنّث وظائفه في أجسام الذكور، ويعتقد أن له شأناً في تنظيم الحاثّة المنشّطة للأجربة follicle hormone stimulating وتزداد مقاديره تدريجياً مع تقدّم السنّ، ولعلّ في ذلك ما يفسر تراجع مظاهر الذكورة عند المسنّين من الرجال.
الفعْل الفيزيولوجي
وهو يشمل الفعل الاستقلابي والفعل المكون للشكل والتطبيقات الدوائية.
الفعل الاستقلابي: الأندروجينات ضرورية لتطوّر الجهاز التناسلي الذكري ولنموّه. ويمكن البرهان على ذلك بخصي ذكور الحيوانات قبل بلوغها فلا يحدث عندها نضج جنسي ولاتنمو أعضاؤها التناسلية، وبالمقابل يمكن إحداث هذا النضج تجريبياً بحقن الأندروجين في فترات محددة. كما أن حقن الذكور البالغين بالأندروجينات يؤدي إلى زيادة حجم الأعضاء التناسلية وإلى زيادة نشاطها. كذلك يؤدي خصي الذكور إلى ضمور الأعضاء التناسلية وإلى تراجعها. والأندروجينات عدا هذا ضرورية لتوليد النطف (الحيوانات المنوية).
الفعل المكون للشكل morphogenetic effect : تؤثر الأندروجينات في الشكل الخارجي للجسم، أي في ظهور الخصائص الجنسية الثانوية في سن البلوغ. فقبل هذا السن قلّما تتميز أجسام الذكور من أجسام الإناث وإذا كانت هناك فوارق نفسية طفيفة فمنشؤها بيئي يعود إلى الفوارق الاجتماعية والى التمييز في تربية الأطفال من الجنسين. وحين تبدأ الخصية بإفراز التستوستيرون ويبدأ جولانه في الدم. تظهر تبدلات تكوينية مهمة جسمية ونفسية يمكن تلخيصها بما يلي:
أ - الأعضاء التناسلية الظاهرة: ينمو القضيب ويزداد طوله ومحيطه، كذلك يكبُرُ الصفن ويزداد اصطباغه وثنياته.
ب - الأعضاء التناسلية الباطنة: يكبر الحويصلان المنويان ويبدأ فيهما إفراز سكر الفواكه (الفروكتوز) الضروري لتغذية النُطَف. وتنمو الغدد الملحقة كالموثة والغدد الإحليلية - البصلية bulbo-urethral glands.
ج - الصوت: تكبر الحنجرة وتتّسع ويزداد طول الحبال الصوتية وثخنها مما يؤدي إلى تبدّل صوت الصبي وانخفاض طبقته.
د - نموّ الشعر: يظهر الشعر على الوجه (اللحية والشارب) ويتغيّر خط الشعر في الجبهة فهو مدوّر ومدفوع نحو الأمام عند النسوة والصبية، أما بعد البلوغ فيتراجع عند الذكور في الجانبين ليترك مثلثاً أجرد في كل من جانبىّ الجبهة. ويظهر الشعرُ في منطقة العانة وفي الإبطين وعلى الصدر وحول فوهة الشرج، كما يزداد الشعر عموماً في كل أنحاء الجسم، وللعوامل الوراثية هنا شأنها زيادة أو نقصاً.
هـ - التبدلات النفسية والفكرية: يغدو الصبي بعد البلوغ أكثر عدوانية ونشاطاً، ويزداد اهتمامه بمن حوله كما يبدأ اهتمامه بالجنس الآخر بالظهور والتطوّر. والتبدلات السلوكية أوضح في الحيوانات منها عند الإنسان بسبب تأثير التربية والبيئة والمجتمع.
و - المظهر العام للجسم: تعرُضُ الكتفان وتكبر العضلات.
ز - الجلد: تزداد كمية إفرازات الغدد الدهنيّة ولزوجتها مما يؤهب للإصابة بالعُدّ (حب الشباب) acne.
التطبيقات الدوائية: يُستَطَبُّ إعطاء التستوستيرون أو أحد مشتقاته الصيدلانية في قصور الخصية وفي حالات الخصي. وتؤدي هذه المعالجة إلى نموّ القضيب الضامر وكبره طولاً وقطراً وإلى نمو الصَفَن والحويصلين المنويين والموثة وشعر العانة وشعر الإبطين والأطراف، كما تنمو الحنجرة وتتبدّل طبقة الصوت. وتؤثر المعالجة بالأندروجين في نفسية الإنسان وشخصيته فيزول عنه الشعور بالنقص ويتحسّن تفكيره وتركيزه.
كذلك يستطبّ إعطاء التستوستيرون أو مشتقاته في العَنانة إن ظهر نقص مستوى تستوستيرون الدم، ولكن أغلب حالات العنانة ناجمة عن أسباب نفسية لا أكثر، وإذا أفاد إعطاء الأندروجين فالغالب أن ذلك ناجم عن التأثير النفسي.
الإياس عند الرجل
هناك خلاف في الرأي حول حدوث إياس عند الرجل مماثل لما يحدث عند المرأة. لاشك في أن إفراز الأندروجينات يتناقص مع تقدّم السنّ ما بين الـ 50 و90عاماً ولكن هذا التراجع شديد البطء مما يجعل حدوث أعراض إياس عند الرجل أمراً بعيد الاحتمال. وقد لوحظ أن المناسبات الجنسية تقلّ عند المتزوجين مع تقدّم العمر ولاشك في أن للعوامل النفسية والاجتماعية شأناً كبيراً في زيادة النشاط الجنسي عند الرجل والمرأة أو نقصه. لقد حلم الإنسان ومنذ القِدَم بإطالة أمد شبابه إنْ لم يَرْنُ إلى إدامته، وقد بدأت في بدايات القرن العشرين محاولات زرع خصية الحيوانات (كالديكة) عند الإنسان دون نجاح ملموس، وأحياناً مع نتائج وخيمة ناجمة عن رفض جسم الإنسان للأعضاء الغريبة، وغير ذلك من محاولات مثل ربط الأسهرين (القناتين الناقلتين للمني) أملاً في أن تؤدي المحافظة على المني إلى استمرار الشباب.
ويعتقد بعضهم اليوم أن إعطاء مشتقات الأندروجين الحديثة مثل المستيرولون mesterolone إعطاء دائماً أو شبه دائم يؤدي إلى تحسّن النشاط الجنسي وعودة النشاط الفكري والجسمي.
يعطى التستوستيرون حقناً عضلياً بمقدار 50ملغ مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع. وهناك مستحضرات بطيئة الامتصاص تعطى بمقدار 100ملغ أو أكثر مرة كل شهر، وحبوب مؤثرة تؤخذ عن طريق الفم مثل ميتل تستوستيرون وفلو أوكسي مستيرون fluoxymesterone والمستيرولون mesterolone وهو أكثر نجاحاً.
يؤدي إعطاء الأندروجين إلى تسريع سير سرطان الموثة إنْ وجد، لذا يجب نفي وجود سرطان موثي والتأكد من ذلك قبل البدء بالمعالجة بالأندروجين.
صادق فرعون