امتصاص
Absorption - Absorption
الامتصاص
الامتصاص absorption هو عملية دخول الأغذية والغازات التنفسية الكائنات الحية ووصولها إلى الخلايا. ويختلف الامتصاص باختلاف الكائن الحي الذي يقوم به، كما يختلف باختلاف طبيعة المادة الممتصة.
ويتم الامتصاص في الحيوانات الراقية في ثلاث مراحل هي: دخول المواد الغذائية التجويف الهاضم (المعدة)، ثم وصول المواد المهضومة إلى جهاز الدوران (الدم)، ومن ثم حصول الخلايا المختلفة، العضلية والعظمية والعصبية وغيرها على حاجاتها من الأغذية.
ويتم الامتصاص في النباتات الراقية على ثلاث مراحل، هي دخول الماء والأملاح المعدنية خلايا الأوبار الماصة في الجذور، ثم انتقال تلك المواد إلى طبقة الأدمة الباطنة، ثم وصولها إلى الخلايا المستفيدة من تلك المواد.
وهكذا يميز في الامتصاص: امتصاص مباشر، وامتصاص قبل الدوران، وامتصاص خلوي.
الامتصاص المباشر
في الحيوانات: يتم الامتصاص المباشر في العالم الحيواني في جهاز هضمي يسمح بالتقاط الطعام وابتلاعه وتحويله من الحالة الصلبة إلى حالة سائلة في عمليات هضم خارج الخلايا تتم في الأجواف الهاضمة، غير أن عدم كفاية الفم أو الجهاز الهضمي يمكن أن يدفع أنواعاً مختلفة جداً مثل نجوم البحر ويرقات العُومة Dytiscus أو يرقانات النملة - الليث (ليث عِفِرِّين، أم عُوَيْف، أم قيس) Fourmi-lion والعنكبوتيات، إلى تحقيق نوع من الهضم «القَبْلي» الخارجي يجعل الفريسة في حالة سائلة، فالعنكبوتيات مثلاً تفرز عصاراتها الهاضمة ضمن فرائسها ثم تمتص السائل الناتج من هذا الهضم الخارجي، فالقطع الفمية في هذه الحيوانات تؤلف محقنة تستخدم لزرق السوائل ثم لامتصاصها. وتجدر الإشارة إلى وجود هضم داخل الخلايا يتيح تفكك المواد الداخلة بالتدريج وتحولها بعد بلعمتها إلى مواد بسيطة.
في النباتات: يميز في النباتات امتصاص الماء من امتصاص الأملاح المعدنية.
ـ امتصاص الماء: يتم امتصاص الماء في النباتات الراقية بوساطة الأوبار الماصة التي تكسو الأجزاء قبل النهائية من الجذور الدقيقة.
وتقاس كمية المياه الممتصة بطرائق مختلفة، منها: جمع الماء المنطلق من جذع شجرة قطعت حديثاً؛ ومنها ما يستخدم ممصاصاً potometer لقياس كمية الماء التي تمتصها نبتةٌ ما.
وقد دلت قياسات الماء الذي تمتصه النباتات على ما يلي: تمتص كل شجرة من أشجار الدلب، التي يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار، نحو 100 ليتر من الماء في اليوم الواحد، في حين لا تتجاوز هذه الكمية في نبات الكرمة ليتراً واحداً في اليوم الواحد. وتمتص نبتة الشوفان قرابة 22 ليتراً من الماء طوال موسمها الزراعي.
ويتمتع بعض النباتات بقدرة عجيبة على جمع الماء بوساطة أعضاء بالغة التخصص. فالإسفغنوم Sphagnum نبات «بريوي» ينتشر في مستنقعات الجبال الأوربية والأمريكية، وهو مزود بخلايا ميتة تعمل كالإسفنج قادرة على امتصاص الماء وادخاره لحين الحاجة، وبفضل هذه الخلايا يستطيع الكيلو غرام من المادة الجافة من النبات أن يحمل 2 كيلو غرام من الماء. ونبات السلوى Nepenthes المداري يعيش طوال حياته فوق جذوع الأشجار متغذياً بالحشرات التي تسقط في قُرَبٍ ناتجة من تبدلات ورقية، وهو قادر على الاحتفاظ بالماء مدة طويلة. وبعض أنواع النباتات الأحاديات الفلقة من الفصيلة السحلبية Orchidaceae والفصيلة القلقاسية Araceae تتدلى منها جذور هوائية محاطة بنسيج خارجي إسفنجي قادر على جمع ندى الرطوبة الخارجية ونقله إلى النسج الأخرى. كما أن نبات السعد Cyperus في صحارى الخليج العربي والربع الخالي (وهي عالية درجات الحرارة والرطوبة الجوية) قادر على العيش من دون مياه الأمطار سنوات عدة لاحتواء جهازه الترابي عدداً من الخلايا الجذرية القادرة على جمع قطرات الندى المتكاثفة فوق أوراقه يومياً. والتيلاديسية Tilladisia نبات مداري أمريكي من الفصيلة البروميلية Bromeliaceae يعيش على الأشجار ويحمل على ساقه أوراقاً مظلية قادرة على جمع الندى الذي يدخل الأوراق والسوق مجتازاً قشيرتها الرقيقة، ويطرح الماء الفائض عن حاجة النبات في جميع الأحوال بوساطة الأوراق أو ما يقوم مقامها في النباتات العديمات الأوراق.
ـ امتصاص الأملاح المعدنية: تتوافر في التربة الأملاح المعدنية التي يمتصها النبات، وتكون محلولة في الماء أو بحالة صلبة. ولكي تدخل الأملاح المعدنية المنحلة النبات تسلك الطريق نفسه الذي يسلكه الماء. فيقوم الغشاء الخلوي الحي بانتقائها بحسب كتلتها الجزيئية وقابلية انحلالها في الدهون وقابلية تشردها (تأينها)، ومن المعلوم أن نفوذية الخلايا النباتية تتغير بحسب درجات الحرارة وحموضة الوسط وطبيعة الشوارد (الأيونات) المحيطة بها. ومن الأيونات ما يتوافر بكميات كبيرة كالفوسفور والبوتاسيوم والكبريت والمغنزيوم والكالسيوم والكلور والصوديوم والسيليسيوم، وتدعى بالمغذيات الكبرى macro-nutrients. ومن الأيونات ما يستخدم بكميات ضئيلة كالبور والفلور والحديد والمنغنيز والتوتياء والألمنيوم والنحاس، وتدعى العناصر النادرة trace elements.
أما الأملاح المعدنية غير المنحلة الموجودة في التربة بحالة حبيبات صلبة فيشترط لدخولها النبات أن تتحول إلى أملاح منحلة بوساطة بعض المفرزات الجذرية والكائنات المجهرية التي تعيش في التربة. وهكذا تعمل أيونات الهدروجين H+ التي تفرزها الجذور على سبيل المثال، وبوجود الكلسيوم، على تحرير أيونات البوتاسيوم K+ القابلة للامتصاص من قبل النبات، كما تقوم الشعيرات الجذرية بامتصاص أغلب العناصر المعدنية اللازمة للنبات. وتفسر هذه الطريقة استخدام حبيبات السماد الفسفوري ثلاثية الكلسيوم سماداً للنبات، كما تشرح جدب التربة الملحية المشبعة من أملاح الصوديوم في المناطق الساحلية.
وأخيراً يمكن امتصاص بعض الشوارد المعدنية من سطوح الأوراق، كما هي الحال فيما يعرف بالسماد الورقي. ومن إيونات الأسمدة الورقية ما ينتشر في جميع أنحاء النبات كأيونات الحديد والزنك والكبريتات والكلور والصوديوم، ومنها ما لا تتجاوز أماكن امتصاصها كأيونات الكلسيوم والمغنزيوم.
ـ امتصاص المركبات العضوية: تقوم النباتات الخالية من اليخضور، كالنباتات الطفيلية والنباتات العاجزة عن التغذية الذاتية الآزوتية كالنباتات اللاحمة والجراثيم والفطريات، بامتصاص المركبات العضوية البسيطة التي تعجز عن صنعها مباشرة، امتصاصاً أفضل من امتصاص النباتات الراقية المركبات نفسها.
الامتصاص قبل الدوران
الامتصاص المعوي في الحيوانات: [ر. الهضم].
امتصاص الماء في النباتات الراقية: يرتبط امتصاص الماء قبل الدوران في النباتات الراقية بطبيعة التربة، وكمية الأملاح المنحلة، وبالضغط الحلولي للعصارة الفجوية. وهكذا فإن التربة الرملية أقل تمسكاً بالماء من التربة الغضارية أو الدبالية، كما أن الأملاح المنحلة ترفع الضغط الحلولي لمياه التربة، فالضغط الحلولي لماء التربة الزراعية يعادل خمسة ضغوط جوية، وهو من رتبة 30 ضغطاً جوياً في التربة السهوبية، ومن رتبة 100 ضغط جوي في التربة الصحراوية. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالضغط الحلولي للعصارة الفجوية للأوبار الماصة الجذرية. فهو من رتبة 2 – 3.5 ضغط جوي في الفاصولياء، و5 ضغوط جوية في البلارغونيوم Pelargonium وأكثر من 20 ضغطاً جوياً في النباتات الملحية، وأكثر من 100 ضغط جوي في النباتات الصحراوية.
ويعتمد امتصاص الماء قبل الدوران أفقياً من التربة حتى آخر طبقة من القشرة الجذرية، على اختلاف الضغط الحلولي الذي يحقق دخول الماء من التربة ذات التركيز المنخفض إلى خلايا الأوبار الماصة، فالبرنشيم القشري الجذري الذي يزداد تركيز عصارة خلاياه بالتدريج بدءاً من الأوبار الماصة حتى الأدمة الباطنة يمتص الماء اعتماداً على اختلاف الضغط الحلولي وتُعْتَمَدُ آلية ثانية هي النقل الفَعّال (أو النشط) active transport، وهي التي تحتاج إلى طاقة لتحمِّل المادة المنقولة على بروتين خاص يسهِّل انتقالها من الوسط العالي التركيز إلى الوسط المنخفض التركيز، حيث يهبط الضغط الحلولي من طبقة الأدمة الباطنة إلى المحيط الدائر، ليرتفع ثانية في خلايا البرنشيم الوعائي. وتقوم الجدران الشعاعية «المتفلنة» لخلايا الأدمة الباطنة بدور غشاء نصف منفذ، ينظم دخول المواد اللازمة للنبات. ويوضح الجدول 1 قوة الامتصاص الجذري مقدرة بالضغط الجوي في جذر جانبي للفول في مستوى الأوبار الماصة.
الطبقة الخلوية | الضغط الحلولي (ضغط جوي) |
الأوبار الماصة | 0.7 ض.ج |
الطبقة القشرية الأولى | 1.4 ض.ج |
الطبقة القشرية الثانية | 1.5 ض.ج |
الطبقة القشرية الثالثة | 2.1 ض.ج |
الطبقة القشرية الرابعة | 2.8 ض.ج |
الطبقة القشرية الخامسة | 3.0 ض.ج |
طبقة الأدمة الباطنة | 1.7 ض.ج |
طبقة المحيط الدائر | 0.8 ض.ج |
خلايا البرنشيم الوعائي | 0.9 ض.ج |
الجدول 1 |
آليات الامتصاص الخلوي
يميز من هذه الآليات امتصاص مطاوع منفعل passive absorption وامتصاص نشط active absorption.
الامتصاص المطاوع المنفعل: وهو يتمثل بالحلول osmosis القائم على أساس تباين التركيز في محلولين والاختلاف في الكمون الكهربائي والانسياب في الماء.
فالحلول مرتبط بأنواع الأغشية التي تفصل بين محلولين أحدهما عالي التركيز والآخر منخفض التركيز. فإذا وجدت الخلية في محلول عالي التركيز كالدم مثلاً أو النسغ الذي يغذي تلك الخلية وكان جدارها كامل النفوذية، امتصت الجزيئات باتجاه الوسط الداخلي. وإذا كان داخل الخلية أعلى تركيزاً من خارجها وكان الغشاء نصف منفذ فهذا يسمح بمرور الماء ولا يسمح بخروج الجزيئات المنحلة. أما الاختلاف في الكمون الكهربائي فهو عادة يكون بين وجهي الغشاء الخلوي حيث يكون الاستقطاب السلبي متمركزاً على الوجه الداخلي، حيث يراقب بدقة امتصاص الأيونات الحاملة لشحنات كهربائية.
وإن انجراف المادة مع الماء الذي يدخل خلية ما، هو من عوامل امتصاص المواد المنحلة امتصاصاً مطاوعاً منفعلاً، ويكون الامتصاص كبيراً في حال الأغشية المجهزة بمنافذ.
الامتصاص النشط: هو الامتصاص الذي يتم بوساطة حوامل بروتينية نوعية تحمل المادة المرغوب في امتصاصها وتنقلها إلى داخل الخلية مستخدمة الطاقة الخلوية الناتجة عن الأدينوزين الثلاثي الفوسفات (أتب ATP). فامتصاص الغالاكتوز من قبل الاشريكية القولونية Escherichia coli مثلاً يتم على أربع مراحل، هي:
1 ـ ارتباط الحامل بجزيء «أتب» مستمد من داخل الخلية.
2 ـ ارتباط الحامل بجزيء غالاكتوز مستمد من خارج الخلية.
3 ـ تحول «الأتب» إلى أدينوزين ثنائي الفسفات «أدب ADP» مع تحرر للطاقة اللازمة لإمساك الحامل بالغالاكتوز.
4 ـ انتقال الغالاكتوز إلى داخل خلية الاشريكية وعودة الحامل إلى سابق وضعه مستعداً للارتباط ثانية بجزيء «أتب» جديد. وهكذا ينقل الغالاكتوز نقلاً مباشراً، بانفتاح الحامل وانغلاقه، إلى داخل الخلية بما يشبه الباب النقال.
كما يجري امتصاص الغلوكوز ومعظم الحموض الأمينية بوساطة خلايا جدار الأمعاء وفق المراحل الأربع التالية:
1 ـ ارتباط الحامل بأيون صوديوم مستمد من خارج الخلية.
2 ـ ارتباط الحامل بجزيء غلوكوز مستمد من خارج الخلية.
3 ـ دوران الحامل إلى داخل الخلية.
4 ـ تحرير الحامل للغلوكوز مع شاردة الصوديوم التي تخرج من الخلية باستخدام طاقة جزيء «أتب». وهكذا ينقل الغلوكوز نقلاً غير مباشر (بدوران الحامل بارتباطه بأيون الصوديوم) إلى داخل الخلية بطريقة الباب الدوار.
كما يجري امتصاص المواد المعقدة أو الكبيرة الحجم الصلبة بوساطة البلعمة phagocytosis وفق المراحل التالية:
1 - إحاطة المادة المراد بلعمتها بغشاء بلاسمي.
2 - إدخال المادة المبلعمة في تجويف بلاسمي.
3 - انفصال التجويف البلاسمي وتحرره داخل الخلية وخضوعه لعمليات هضم داخلي.
كما يجري امتصاص المواد المعقدة أو الكبيرة الحجم السائلة بوساطة الاحتساء الخلوي pinocytosis الذي يجري مشابهاً لمراحل البلعمة.
أنور الخطيب