التزام
Obligation - Obligation
الالتزام
الالتزام l'obligation واجب قانوني يتعين فيه على شخص معين، هو المدين أو الملتزم، القيام بأداء مالي يتمثل في القيام بعمل أو الامتناع عن عمل لمصلحة شخص آخر هو الدائن أو صاحب الحق الشخصي.
ويلاحظ في هذا التعريف أن الالتزام واجب قانوني، وبهذا تستبعد الواجبات غير القانونية، كالواجبات الأخلاقية التي لا تدخل في إطار القانون. وهو واجب على شخص معين، وبهذا تستبعد الواجبات العامة التي تقع على جميع الناس، كواجب احترام القانون مثلاً أو واجب احترام حقوق الآخرين وعدم الاعتداء عليها، وهو أخيراً واجب القيام بأداء مالي، وبهذا تستبعد الواجبات القانونية التي تقع على أشخاص معينين من دون أن تتضمن القيام بأداءات مالية، كواجب الأب مثلاً في تربية أبنائه أو المرأة في طاعة زوجها، وهي واجبات يفرضها القانون، ولكنها لا تعد التزامات بالمعنى الدقيق للكلمة.
وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان من الضروري، بحسب الرأي السائد، أن يكون الأداء الذي يقع على الملتزم أداء مالياً، أي مما يقوم بالمال أو مما يمكن أن يكون له مقابل مالي، فلا ضرورة لأن تكون مصلحة الدائن مالية أيضاً، بل يمكن أن تكون مالية أو معنوية، وعلى هذا، فإن الالتزام الذي يقع على الطبيب مثلاً بمعالجة المريض أو على المدرس الخصوصي بتدريس الطالب، هو التزام بمعنى الكلمة مادام يمكن أن يكون له مقابل مالي، وإن كانت المصلحة التي تعود على المريض أو الطالب من ذلك ليست مصلحة مالية أو اقتصادية.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه إذا كان لابد من أن يكون الملتزم أو المدين معيناً منذ نشوء الالتزام، فإنه يكفي أن يكون الدائن قابلاً للتعيين عند نشوء الالتزام، على أن يعين، فيما بعد، عند تنفيذه. ومن أبرز الأمثلة على ذلك الوعد الموجه إلى الجمهور بجائزة عن عمل معين، فإن الملتزم، وهو الواعد، يتحدد منذ قيام الوعد، أما صاحب الحق في الجائزة فيتحدد فيما بعد عند قيامه بالعمل المطلوب.
واعتماد هذا التعريف للالتزام يقتضي إيضاح أن هذا التعريف يختلف عن التعريف السائد في الفقه الفرنسي وفي قسم من الفقه القانوني العربي. فقد جرى معظم رجال القانون في فرنسة، وتبعهم في ذلك عدد من رجال القانون العرب، على تعريف الالتزام، وتعريف الحق الشخصي أيضاً، بأنه: رابطة قانونية بين شخصين يلتزم بمقتضاها أحدهما، وهو المدين، بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل لمصلحة الآخر، وهو الدائن (مع ملاحظة أن العمل والامتناع عن عمل يجب أن تكون لهما قيمة مالية).
وهذا التعريف، المستمد من تعريف فقهاء القانون الروماني للالتزام، يبدو غير دقيق من ناحيتين:
فمن جهة، يلاحظ أن إِطلاق التعريف نفسه على كل من الحق الشخصي والالتزام يؤدي إلى جعلهما مصطلحين مترادفين. وفي الواقع، إِن الحق الشخصي والالتزام، على الرغم من تلازمهما المطلق، ليسا مفهومين مترادفين، وإنما هما مفهومان متقابلان يختلف كل منهما عن الآخر في المعنى. فالحق الشخصي يتمثل بسلطة صاحب الحق أو قدرته على اقتضاء أداء مالي من الملتزم، وعلى إِجباره، بوجه عام،على هذا الأداء. أما الالتزام فهو واجب الملتزم في أداء ما التزمه لصاحب الحق.
ومن جهة ثانية يكون من غير المستساغ تعريف الالتزام والحق الشخصي بأنهما رابطة قانونية بين شخصين، فهما ليسا هذه الرابطة ذاتها، وإنما ينشآن عن وجودها فيكون لأحد الشخصين الحق وعلى الآخر الالتزام.
الحق الشخصي والالتزام
تنقسم الحقوق المالية قسمين رئيسيين: الحقوق العينية [ر]، والحقوق الشخصية[ر].
والحق العيني هو حق لشخص على شيء معين تكون معه لصاحب الحق سلطة مباشرة على الشيء يستطيع ممارستها من دون وساطة. والسمة البارزة في الحق العيني أنه لا يوجد فيه إلا طرف واحد هو صاحب الحق الذي يمارس سلطته مباشرة على الشيء محل الحق، كما في حق الملكية مثلاً.
أما الحق الشخصي، ويطلق عليه أيضاً اسم حق الدائنية، فهو حق لشخص تجاه شخص آخر، يتوجب معه على هذا الشخص الآخر، ويطلق عليه اسم المدين أو الملتزم، القيام بأداء مالي لمصلحة صاحب الحق، الذي يطلق عليه اسم الدائن أو الملتزم له، ويتمثل هذا الأداء المالي في القيام بعمل ما أو الامتناع عن عمل. ومن أبرز ما يختلف به الحق الشخصي عن الحق العيني هو وجود طرفين، أحدهما هو صاحب الحق أو الدائن والثاني هو الملتزم أو المدين، ولا يتحقق حق الطرف الأول إلا بتنفيذ الالتزام الذي يقع على الثاني، كحق البائع على المشتري مثلاً في أداء الثمن، وحق المستأجر على المؤجر في تمكينه من الانتفاع بالمأجور، وحق رب العمل على العامل في القيام بالعمل المتفق عليه ونحو ذلك. وهكذا يكون الحق الشخصي والالتزام مفهومين متقابلين متلازمين لا يُتصور وجود أحدهما من دون الآخر.
وبعبارة أخرى، إِن وجود الحق الشخصي يقتضي وجود الالتزام، كما أن وجودهما معاً يقتضي وجود رابطة قانونية بين صاحب الحق والملتزم، ولكن هذه التعابير الثلاثة ليست بمعنى واحد، بل يختلف كل منها في معناه عن التعبيرين الآخرين.
وقد عمد بعض رجال القانون من العرب والفرنسيين، إلى إجراء تعديل في تعريف الالتزام المذكور آنفاً، وذلك بالاستعاضة عن تعبير (رابطة قانونية) بتعبير (حالة قانونية) أو بتعبير ( نظام قانوني)، ولكن هذا التعريف، مع أنه أفضل من سابقه، لا يضيف شيئاً جديداً بذكره أن الالتزام والحق الشخصي حالة قانونية أو نظام قانوني، لأن هذا الوصف لا يقتصر على الالتزامات والحقوق الشخصية، وإنما يمكن أن يطلق على غيرهما من الحقوق والواجبات.
المذهب الشخصي والمذهب المادي في الالتزام
إن وجود الالتزام والحق الشخصي يفترض وجود رابطة قانونية بين المدين أو الملتزم من جهة والدائن أو صاحب الحق من جهة ثانية. كما يلاحظ أن محل الالتزام، وهو في الوقت نفسه محل الحق الشخصي، هو الأداء المالي الذي يتعين على المدين القيام به لمصلحة الدائن، والذي يتمثل في القيام بعمل أو الامتناع عن عمل. وقد تنازع مذهبان فقهيان النظر إلى جوهر الالتزام، فاعتدّ أحدهما بالرابطة القائمة بين المدين والدائن، وهذا هو المذهب الشخصي، واعتدَ الآخر بالأداء المالي الذي يلتزم المدين، القيام به، وهذا هو المذهب المادي.
فأنصار المذهب الشخصي، وهو المذهب الفرنسي التقليدي، يرون أن جوهر الالتزام يكمن في العلاقة أو الرابطة التي تقوم بين الدائن والمدين. وقد تأثروا في ذلك برأي فقهاء القانون الروماني الذين كانوا أول من عرّف الالتزام بأنه رابطة قانونية بين الدائن والمدين، بل إن القانون الروماني كان، في بداية عهده، يمنح الدائن سلطة على شخص المدين تجيز له استرقاق المدين أو قتله إذا لم يف دينه. وإذا كانت العلاقة بين الدائن والمدين قد تطورت منذ عهد الرومان، لاعتبارات إنسانية وحضارية، وأصبحت أموال المدين، لاجسمه، هي الضامنة للوفاء بديونه، فقد بقيت هذه العلاقة أو الرابطة جوهر الالتزام في نظر أصحاب المذهب الشخصي.
ومن الآثار التي تترتب على فكرة الارتباط بين الدائن والمدين، أن الالتزام، حين ينشأ بفعل الإرادة، يحتاج لنشوئه إلى اتفاق إرادتي الدائن والمدين معاً، عن طريق العقد، ولا تكفي إرادة المدين وحده. ونشوء الالتزام، بوجه عام، يقتضي تعيين المدين والدائن معاً ووجودهما منذ نشوئه، ولا يكفي تعيين المدين وحده على أن يعين الدائن فيما بعد. كما أنه يصعب في ظل هذه الفكرة تصور انتقال الالتزام من المدين إلى غيره، عن طريق حوالة الدين، وانتقال الحق الشخصي من الدائن إلى غيره، عن طريق حوالة الحق على الرغم من أن القانون الفرنسي قد أجاز حوالة الحق.
أما المذهب المادي، وقد نادى به عدد من الفقهاء الألمان وتبعهم في ذلك بعض الفقهاء الفرنسيين، فلا يقيم وزناً كبيراً للرابطة بين الدائن والمدين، وإنما يذهب أنصاره إلى أن الأمر الجوهري في الالتزام هو محله، أو الأداء المالي الذي يلتزمه المدين، فالمهم في الالتزام، بحسب هذا المذهب، هو قيمته المالية لا الرابطة الشخصية بين الدائن والمدين، ومن ثمَّ فإن الالتزام يبدو أقرب ما يكون إلى علاقة بين ذمتين ماليتين منه إلى علاقة بين شخصين.
ويختلف هذا المذهب في نتائجه اختلافاً كبيراً عن المذهب السابق، فقد أصبح من الممكن في ظله نشوء الالتزام بإرادة منفردة، هي إرادة المدين وحده. وأصبح من الممكن أيضاً عدم تعيين الدائن عند نشوء الالتزام اكتفاء بتعيينه عند تنفيذه، كما في حالة الوعد الموجه إلى الجمهور بجائزة مثلاً وفي حالة السند لحامله. وأصبح من السهل أخيراً الأخذ بحوالة الحق وحوالة الدين اللتين تؤدي الأولى منهما إلى انتقال الحق الشخصي وتؤدي الثانية إلى انتقال الالتزام.
وإذا كانت ضرورة وجود رابطة بين المدين والدائن أمراً لا ينكر، فوجود هذه الرابطة هو من أبرز ما يميز الحق الشخصي من الحق العيني، فإن إبراز المذهب المادي أهمية القيمة المالية للالتزام كان له تأثيره الكبير، ولاسيما من جهة ما يؤدي إليه من نتائج عملية صالحة ومفيدة.
تعليق