انتاجيه
Productivity - Productivité
الإنتاجية
الإنتاجية productivity في الاقتصاد هي معدل ما يمكن الحصول عليه من الإنتاج على معدل ما يُصرف للحصول على هذا الإنتاج. ويأخذ هذا المعدل صيغة تناسب بين مجموع المخرجات التي يتم الحصول عليها من سلع وغيرها، ومجموع المدخلات التي يتم إدخالها في سبيل إنتاج هذه السلع من عمل وآلات ومواد أولية.
ويمكن الحديث عن الإنتاجية لعنصر ما، أو قطاع ما، أو للاقتصاد الوطني كاملاً. أي يمكن الحديث عن إنتاجية الوقود مثلاً أو إنتاجية مادة أولية أو آلة معينة. كما يمكن الحديث عن إنتاجية الأرض أو رأس المال أو أي عامل آخر من عوامل الإنتاج. وأخيراً يمكن الحديث عن الإنتاجية في قطاع الزراعة أو في قطاع الصناعة أو في أي قطاع اقتصادي آخر. ويكون قياس الإنتاجية سهلاً أحياناً ومعقداً أحياناً أخرى، وذلك بحسب إمكانية قياس المدخلات وإمكانية قياس المخرجات في إنتاج ما، ويمكن بوجه عام قياس الإنتاجية بسهولة في القطاع الصناعي، وبصعوبة أكثر في القطاع الزراعي، وبصعوبة أكثر بكثير في قطاع التجارة أو الخدمات.
تستخدم عناصر متعددة لمعرفة الإنتاجيات المختلفة، لكن أهم هذه العناصر هو عنصر العمل الذي يعد مؤشراً مهماً في قياس الإنتاجية، لأنه يؤلف جزءاً كبيراً من تكاليف السلع من ناحية، ولأنه يمكن قياسه بسهولة أكثر من باقي العناصر من ناحية أخرى. ويصبح هذا الكلام، بوجه خاص، حقيقة واضحة إذا أخذت، فقط، العناصر الأساسية للعمل من دون أخذ الفروق المتعلقة بالكفاية والمهارة وكثافة العمل، أي أن يؤخذ الشكل المطلق للزمن على أساس الساعة أو الوردية أو اليوم أو الشهر أو غير ذلك.
وتأتي أهمية إنتاجية العمل بين الإنتاجيات المختلفة لأنها مؤشر مهم لمعرفة مستوى الأجور الحقيقية وبالتالي لمعرفة المستوى العام لرفاه العنصر البشري
أما إنتاجية الأرض أو الإنتاجية في الزراعة فتعد مؤشراً لمعرفة تقدم بلد ما أو تأخره، وخاصة بعد ثبات إمكانية تقدم هذه الإنتاجية باستخدام الوسائل والطرق الحديثة في الزراعة.
وأما إنتاجية رأس المال التي تتضمن إنتاجية الآلات والتجهيزات الرأسمالية فلها أهمية كبيرة، وذلك لأنه يجب معرفة جدوى الجهود المبذولة في استخدام العناصر المختلفة في العمل على زيادة كفاية هذه العناصر، مع أن الأعمال المبذولة في قياس هذه الإنتاجية ما تزال محدودة بالنظر إلى التطور الذي حدث في وسائل قياس إنتاجية العمل.
فوائد قياس الإنتاجية
يحقق قياس الإنتاجية فوائد مهمة تحتل مكاناً مرموقاً في علم الاقتصاد، لأنها يمكن أن تكون مؤشراً للنمو الاقتصادي، ومقياساً للكفاية الاقتصادية وعاملاً مهماً في تحديد الأسعار والأجور.
الإنتاجية مؤشراً للنمو الاقتصادي: يقاس التطور الاقتصادي بمدى تحقيق إنتاج أكبر باستخدام عوامل أقل، ولذلك فإن الإنتاجية بوجه عام حساسة لهذا الموضوع؛ لأنها تستطيع أن تبين خط تطور الاستخدام الأقل من أجل الإنتاج الأكثر. كما أن إنتاجية قطاع ما أو صناعة معينة تبين إمكانية الوفر الذي يمكن تحقيقه في المدخلات من أجل الحصول على كمية أكبر من المخرجات. وقد يحدث ارتفاع واضح للإنتاجية في صناعة ما، ولا يحدث مثل هذا الارتفاع في صناعات أخرى، لكن المعدلات العالية التي تحدث في بعض الصناعات تعوض نقص هذه المعدلات في الصناعات الأخرى، وتكون المحصلة ارتفاع معدل الإنتاجية في الاقتصاد الوطني كله، إذ يظهر هذا الارتفاع جلياً في مدد زمنية طويلة نسبياً. وبديهي أن الإبداع وضعف التقنية بوجه عام يدفع معدلات هذه الإنتاجية نحو الأدنى. ولقد أكدت التجربة التاريخية للثورة الصناعية أن تنظيم العمل في «الورشة» وظهور المحرك البخاري والمحرك الانفجاري والآلة الكهربائية كان لها أثر حاسم في دفع الإنتاجية نحو الأعلى وإحداث نمو في الاقتصاد بجملته.
الإنتاجية مقياساً للكفاية الاقتصادية: تعد الإنتاجية مقياساً لمعرفة الاستخدام الأفضل للمدخلات، ومن ثم لمعرفة الكفاية الاقتصادية ولاسيما الاستخدام الأمثل للمدخلات الصناعية وكفاية القطاع الصناعي بوجه عام، وتتم معرفة هذه الكفاية عن طريق قياس المخرجات لكل عامل أو لكل آلة، ويمكن بفضل ذلك معرفة كفاية الصناعات المختلفة ومكافأة العمال، إذا أمكن حصر الأسباب المختلفة لزيادة هذه الكفاية، لأن هذه الأسباب تكون في معظم الأحيان مختلفة وتتعلق بالتنظيم أو الإعداد أو الطاقة المبذولة من جهة العامل أو الآلة المستخدمة نفسها. لكن المظهر الأساسي لكل ذلك هو إنتاجية العمل، إن مقاييس الإنتاجية تبين أسباب تقدم الإنتاجية أو أسباب جمودها وتراجعها، وتبين ما إذا كان العمال أو الآلات أو المواد الأولية وراء ذلك. وتستطيع هذه المقاييس أن تبين ما إذا كان العمال في حاجة إلى تأهيل أكثر، أو كانت الآلات في حاجة إلى صيانة أرفع، أو ما إذا كانت المواد الأولية غير مناسبة.
إن قياس الإنتاجية هو الذي يقدم المعلومات اللازمة حول العلاقة المثلى بين رأس المال والعمل، لأن حجم المخرجات وكفايتها يحددان حجم الاستثمار الرأسمالي ونمط توزيع هذا الاستثمار، كما أنه يسمح بتقدير عدد العمال اللازم ومستوى تأهيلهم، ويمكن أخيراً من تقدير الحد الأدنى اللازم من المواد الأولية.
ويرافق التغير في الإنتاجية مع الزمن تغيرات في حجم رأس المال وتوزيعه، وفي عدد العمال وتأهيلهم، وفي المطلوب من المواد الأولية. وسوف يؤدي هذا التغير في الإنتاجية إلى تغير في التكاليف، لأن انخفاض كمية العمل، مثلاً، سوف يؤدي إلى انخفاض تكلفة العمل بالنسبة لمجمل تكاليف قيمة المخرجات، وهذا يسمح بالاستعاضة عن العناصر ذات التكاليف المرتفعة بعناصر أخرى ذات تكاليف أقل مما يؤدي إلى تخفيض التكلفة الإجمالية عموماً. وسوف يساعد ذلك على خفض أسعار المنتجات وزيادة المبيعات وتحريض جميع القطاعات الاقتصادية، فيؤدي هذا التحريض في المحصلة إلى تحسين ملموس نحو الأعلى في الكفاية الاقتصادية.
الإنتاجية عاملاً رئيسياً في تحديد الأسعار والأجور: يبدو مما سبق أن الاستعاضة عن عنصر ذي تكلفة عالية بعنصر آخر ذي تكلفة أقل سوف يؤدي إلى تقليل تكاليف المنتجات وإلى تخفيض الأسعار بوجه عام. أي إن ارتفاع الإنتاجية هو الذي يؤدي في الحقيقة إلى تقليل التكاليف وتخفيض الأسعار.
وتدل التجربة على أن ارتفاع الإنتاجية يؤدي إلى ارتفاع الأجور الحقيقية للعمال، وإلى تخفيض أعداد العاملين وزيادة تنافسهم في سبيل الحصول على عمل، الأمر الذي يستتبع على الأقل من الناحية النظرية، انخفاضاً في الأجور. ولكن هذا التوقع غير صحيح من الناحية العملية، لأن الوضع السياسي والاجتماعي للقرن العشرين لا يسمح بتدهور الأجور الحقيقية للعمال في الدول المتقدمة من جهة، ولأن أرباب العمل يستطيعون دفع أجور أعلى للعمال الذين يستمرون في عملهم على حساب زيادة إنتاجيتهم وتخفيض تكاليف الإنتاج. ولذلك فإن ارتفاع معدل الإنتاجية، باستخدام المكننة أو بالتنظيم أو بالتقدم التقني أو بأي عامل آخر، يتوافق اليوم مع ارتفاع الأجور الحقيقية للعمال، ويتوافق من ثم مع ارتفاع المستوى العام لرفاهية العمال، لأن ارتفاع معدل الإنتاجية يفتح آفاقاً جديدة للعمل في الصناعة وفي الزراعة، كما يلاحظ في اقتصاديات الدول المتقدمة. وعلى العكس فإن انخفاض معدل الإنتاجية في الاقتصادات المتخلفة يرفع تكاليف الإنتاج ويحافظ على الأجور المنخفضة للعمال ويمنع من ثم أي إمكانية لزيادة استهلاك المنتجات من قبلهم أو فتح آفاق جديدة لمنتجات أخرى، وفي المحصلة فإن ذلك سوف يقف أمام أي فرصة جديدة للعمل. ويمكن التأكيد أنه يحدث تحسن في الإنتاجية في إحدى الحالتين التاليتين: زيادة المخرجات من عوامل الإنتاج المستخدمة نفسها، أو الحصول على المخرجات ذاتها باستخدام كمية أقل من عوامل الإنتاج السابقة.
كيفية قياس الإنتاجية
لابد من قياس الإنتاجية ليمكن معرفة تطورها، أو معرفة تراجعها مع الزمن، في الصناعات أو القطاعات أو الدول المختلفة. ولذا فإن هناك ثلاث طرائق لقياس هذه الإنتاجية ومقارنتها وهي:
1ـ يمكن قياس الإنتاجية في قطاع معين أو صناعة معينة في دولة ما في مدة زمنية محددة عن طريق معرفة نسبة المخرجات إلى المدخلات، ثم مقارنة هذه الإنتاجية بالصناعة نفسها وفي الدولة نفسها في مراحل زمنية مختلفة. وفي هذه الطريقة تؤخذ سنة ما سنةَ أساس في تحديد المدخلات اللازمة للحصول على وحدة واحدة من المخرجات ثم معرفة تلك المدخلات في مرحلة زمنية أخرى. وهكذا يمكن مقارنة هذه الإنتاجيات التي قد تكون مختلفة في مراحل زمنية مختلفة. وتعد هذه الطريقة مفيدة وعملية لمعرفة تطور الإنتاجية مع الزمن ومعرفة الأوضاع المتبدلة التي أدت إلى تغير هذه الإنتاجية من سنة إلى أخرى.
2ـ ويمكن قياس الإنتاجية في قطاع معين أو صناعة معينة والموازنة بينها وبين الإنتاجية في قطاع آخر أو صناعة أخرى على مستوى الدولة نفسها، وبذلك يمكن معرفة القطاع أو الصناعة ذات الإنتاجية العالية والملائمة لهذه الدولة، ومن ثم ضرورة الاهتمام بهذا القطاع أو بهذه الصناعة. وتبين هذه الطريقة العناصر المختلفة التي أدت إلى تطور الإنتاجية في هذا القطاع دون غيره وفي هذه الصناعة من دون غيرها. مما يتيح الاستفادة من هذا التطور في باقي قطاعات الاقتصاد.
3ـ ويمكن قياس الإنتاجية في قطاع معين أو في صناعة معينة والموازنة بين هذه الإنتاجية والإنتاجية في القطاع نفسه أو الصناعة نفسها في دول أخرى في المراحل الزمنية نفسها، مما يسمح بمعرفة أسباب تطور الإنتاجية في بعض الدول وتخلفها في بعضها الآخر، فتكون هناك إمكانية للاستفادة من تجارب الدول المختلفة، وخاصة في حالات تقدم الإنتاجية في بعض الصناعات وبعض القطاعات، على تشابه مستويات التقنية والأوضاع العامة المحيطة بهذه الإنتاجية، مما يلقي ضوءاً كاشفاً على أماكن الخلل في القطاعات ذات الإنتاجية المتدنية وأماكن التفوق في القطاعات ذات الإنتاجية المتفوقة في دول أخرى.
تعليق